القدس تواجه أزمة مزدوجة.. كورونا والاحتلال
التاريخ: 
28/03/2020

 فوجيء أربعة من الشبان المقدسيين بعناصر من الشرطة الإسرائيلية تحاصرهم في منطقة باب الأسباط المؤدي إلى المسجد الأقصى. الشبان كانوا يرتدون ملابس واقية أثناء رش معقمات بالقرب من باب المسجد قبل مصادرة الشرطة لهذه المعقمات واعتقال الشبان ونقلهم إلى أحد مراكز الشرطة. وخشية انتشار فيروس كورونا بالمدينة المحتلة، يحاول شبان القيام بإجراءات وقائية لتعقيم مؤسسات ومراكز، من خلال مبادرات شبابية تطوعية، ولكن غالباً ما تنتهي محاولاتهم بالاعتقال من قبل الشرطة الإسرائيلية.

مبرر شرطة الاحتلال لهذه المصادرات والاعتقالات هي أنها انتهاك لاتفاق أوسلو الذي لا تلتزم به أصلاً الحكومة الإسرائيلية. ففي منتصف شهر آذار/مارس الجاري، قالت الشرطة في بيان إن الاعتقالات تمت "لانتهاك قانون تطبيق الاتفاق المرحلي بشأن الضفة الغربية وقطاع غزة". وفي إشارة إلى السلطة الفلسطينية، أضافت الشرطة الإسرائيلية "ستواصل الشرطة نشاطها بعزم وإصرار ضد المقيمين أو المواطنين الذين يعملون لصالح سلطات أخرى وخلافاً للقانون".

ويقول المواطنون والمسؤولون في مدينة القدس الشرقية المحتلة إن إسرائيل لا تقوم بواجباتها المنصوص عليها في القانون الدولي باعتبارها سلطة احتلال. وقال وزير شؤون القدس فادي الهدمي إن مدينة القدس تواجه أزمة مزدوجة، فهي تواجه، من ناحية، التحدي الذي يفرضه فيروس كورونا، والاحتلال الإسرائيلي، من ناحية ثانية. وأضاف أن السلطة الفلسطينية على استعداد لتولي مسؤولياتها كاملة في مدينة القدس الشرقية باعتبارها عاصمة الدولة الفلسطينية.

ويشتكي الفلسطينيون ازدواجية سلطات الاحتلال الإسرائيلي في التعامل مع كل ما يتعلق بمدينة القدس وسكانها. فيرى الفلسطينيون في مدينة القدس أن سلطات الاحتلال تستخدم فيروس كورونا من أجل المزيد من تشديد قبضتها وتضييق الخناق عليهم. فتحت مبرر انتهاك تعليمات وزارة الصحة الإسرائيلية بعدم تجمع أكثر من 10 أشخاص في مكان واحد، أصدرت الشرطة الإسرائيلية مخالفة بقيمة 5000 شيكل ضد رئيس مجلس الأوقاف الإسلامية بالقدس الشيخ عبد العظيم سلهب، وأشارت في المخالفة التي سلمتها للشيخ سلهب، خلال اقتحامها منزله، إلى إدانته بعدم منع صلاة الجمعة في المسجد الأقصى.

وقال الشيخ سلهب: "هي محاولة إسرائيلية لمنع المسلمين من الصلاة في المسجد الأقصى تحت مبرر منع انتشار فيروس كورونا، علماً أن دائرة الأوقاف الإسلامية تقوم بكل الإجراءات الوقائية التي من شأنها حماية المصلين وتوفير السلامة لهم". وأضاف الشيخ سلهب: "في الوقت الذي تضيق فيه الشرطة الإسرائيلية على المصلين، فإنها تسهل اقتحامات المستوطنين للمسجد الأقصى ليفسدوا على المصلين عباداتهم".

وجود الاحتلال الإسرائيلي في مدينة القدس، ومحاولاته المتكررة تكريس واقع جديد في المسجد الأقصى، صعّب على المجلس الأعلى للأوقاف الإسلامية في القدس اتخاذ القرار بتعليق حضور المصلين الصلوات لفترة مؤقتة، قبل أن يتخذه أخيراً استجابة لتوصيات المرجعيات الدينية والطبية. ولكن مجلس الأوقاف، أكد في المقابل "استمرار التحاق جميع الموظفين والعمال والحراس بأعمالهم وممارسة نشاطاتهم كالمعتاد، كما يستمر رفع الأذان في المسجد الأقصى في كافة أوقات الصلوات، على أن يؤدي جميع العاملين في دائرة الأوقاف وحراس المسجد المتواجدين الصلوات في الساحات، مع مراعاة الإرشادات الصحية". وبرغم "مرارة القرار" كما وصفه المجلس الأعلى للأوقاف، فإن وقفه لاقتحامات المستوطنين الإسرائيليين للمسجد، التي لم توقفها الشرطة الإسرائيلية سابقاً رغم انتشار فيروس كورونا، شكل مصدر ارتياح للفلسطينيين في المدينة.

ولم يتوقف استغلال الشرطة الإسرائيلية لفيروس كورونا على الصلاة في المسجد، بل تعداه إلى إصدار مخالفات بحق عدد من التجار في المدينة بحجة انتهاك تعليمات وزارة الصحة الإسرائيلية. وقال تاجر في المدينة إن قوة من شرطة الاحتلال اقتحمت محله التجاري وحررت مخالفة جزائية بقيمة 5000 شيكل ضده بذريعة تواجد أكثر من 10 زبائن في محله. وقال صاحب محل بقالة أخر "لقد تم تحرير مخالفة جزائية بقيمة 5000 شيكل بحجة عدم حفاظ الزبائن على مسافة مترين فيما بينهم".

وباستثناء حالتين أو ثلاث حالات، فإن انتشار الفيروس في مدينة القدس الشرقية لا يكاد يذكر مع تلك المنتشرة في القدس الغربية. وتتسبب التقارير الإسرائيلية عن إمكانية إصابة عشرات آلاف الإسرائيليين بالفيروس، بالتزامن مع النقص الحاد في قدرة المستشفيات الإسرائيلية على التعامل مع الارتفاع المحتمل للإصابات، بحالة من القلق في أوساط المقدسيين. ويضاعف نقص الإرشادات باللغة العربية من المؤسسات الإسرائيلية مشاعر القلق التي تنتاب المقدسيين.

وقد بادرت عشرات المؤسسات المقدسية لإطلاق "التجمع المقدسي لمواجهة كورونا"، الذي يستعين بتبرعات محلية ومتطوعين لتنفيذ نشاطات في المدينة لمواجهة الفيروس. وقد أعلن عن قيام مستشفى المطلع بنصب ثلاث خيم ستستخدم كمعازل صحية، وذلك بإسناد الطواقم اللوجستية التابعة للتجمع المقدسي لمواجهة كورونا. وقال التجمع المقدسي: " في إطار الاستعداد لتوفير مناطق مخصصة لفحص المقدسيين، جهّز المستشفى طواقم طبية متخصصة للتعامل مع مرضى كورونا ستستخدم الخيم للفحص". وأضاف: "الخيم، التي تحمّل المستشفى تكلفتها، تم نصبها من قبل فرقة التطوع التابعة للتجمع، وفق خطة عمل لبناء خيم العزل في المستشفيات المقدسية، حيث تم الانتهاء من بناء الخيمتين في مستشفى الفرنساوي وإضافة المعدات الكهربائية اللازمة لتحويلها إلى مستوصف طبي".

وأشار التجمع المقدسي إلى أن "قسم الاتصالات والسيطرة التابع للتجمع قام بعمل مناورة لمحاكاة حالة الطوارئ القصوى، باستخدام أحدث السبل التكنولوجية ضمن مركز الاتصالات المركزي، كما تم أيضاً محاكاة العمل وسط انقطاع التيار الكهربائي". وفي السياق نفسه، قام "قسم الإرشاد والتوعية في التجمع بإنتاج المزيد من الفيديوهات الإرشادية، مثل فيديو للمدير الطبي لمستشفى الفرنساوي، وتم أيضاً إجراء بث مباشر مع الأخصائية الكلينيكية نهيل الأشهب لتدريب الأمهات على التعامل مع الأطفال في المنزل".

وأعلن التجمع المقدسي أنه مازال يبذل جهوداً مضنية لتوفير فندق في القدس لتحويله للحجر الصحي".

وتقوم وزارة شؤون القدس، من جهتها، بجهود توعية وتقديم مساعدات للسكان في المدينة دون الإعلان عنها.

وفي ذروة الانشغال بمواجهة فيروس كورونا، صادق وزير الجيش الإسرائيلي نفتالي بينيت على شق شارع يمتد من بلدة عناتا إلى العيزرية مروراً ببلدة الزعيم، بهدف توسيع مستعمرة "معاليه أدوميم" وتنفيذ المخطط الاستيطاني "إي واحد". وقال خليل التفكجي، مدير دائرة الخرائط في جمعية الدراسات العربية، "تستغل إسرائيل أزمة فيروس كورونا لتنفيذ مخطط القدس الكبرى من خلال توسيع مستوطنة "معاليه أدوميم" وتنفيذ مخطط "إي واحد" من ناحية الشرق وتوسيع مستوطنات "هار حوماه" و"جفعات هامتوس" و"غيلو" من ناحية الجنوب، فيما تم إعداد مخطط لبناء آلاف الوحدات الاستيطانية على أراضي مطار قلنديا". وأضاف التفكجي:" تنفيذ هذه المخططات من شأنه عزل القدس وترسيخ القدس الكبرى، وبالتالي منع أي إمكانية لإقامة عاصمة للدولة الفلسطينية، وكذلك فصل شمالي الضفة الغربية عن جنوبها، ما يمنع أي إمكانية لتطبيق حل الدولتين".