news type: 
Palestine under Palestine: Turning Earth into Words
Date: 
October 20 2021

لقاء كلام الأسرى... عيون الكلام بمناسبة إطلاق العدد 128 من مجلة الدراسات الفلسطينية

طلاب وأساتذة، وموظفون، وأسرى سابقون، وعاملون في قطاعات متعددة، تجمعوا في مكان واحد، متحف جامعة بيرزيت"، في القاعة التي تتسع لنحو ستين شخصاً، منهم مَن تمكن من حجز مقعد له، ومنهم مَن لم يسعفه الوقت فاختار زاوية ليقف فيها، ومنهم مَن لم يتمكن من الدخول لاكتظاظ القاعة. لقاء نظّمته مؤسسة الدراسات الفلسطينية بالشراكة مع متحف جامعة بيرزيت بعنوان" كلام الأسرى عيون الكلام"، يوم الأربعاء 13 تشرين الأول/أكتوبر 2021، بمناسبة صدور العدد 128 من مجلة الدراسات الفلسطينية، كان كفيلاً بجذب اهتمامهم. خُصِّص العدد بأكمله للحركة الفلسطينية الأسيرة في الجغرافيا الفلسطينية السادسة-السجون الصهيونية، كما عبّر عنها الضيف المحرَّر الزائر أستاذ الفلسفة والدراسات الثقافية في جامعة بيرزيت د. عبد الرحيم الشيخ، الذي شارك في اللقاء إلى جانب رئيس تحرير المجلة الياس خوري (عبر الزووم) من بيروت، وأستاذة التاريخ ومديرة متحف جامعة بيرزيت رنا بركات، والأسيرة المحرَّرة المساهِمة في العدد الطالبة في جامعة بيرزيت ليان الكايد.

كتب معظم نصوص العدد أسرى فلسطينيون في سجون الاحتلال، وتم تهريبها عبر القضبان. تضمن العدد ندوة وتقارير ومقالات عن يوميات الأسرى ومواجهتهم لمرحلة التحقيق العصيبة والوحشية، ثم إجراءات السجن اليومية، ورؤاهم وأحلامهم.

بدأ الياس خوري مداخلته بتحية إلى كل مَن ساهم في صدور العدد في الوقت المناسب، مشيراً إلى الصدفة التي تزامن فيها إصدار العدد مع نفق الحرية، وأشار إلى أن هذا العدد ليس تكريمياً، لأننا لا نكرم الأسرى، بل نتكرم بهم حين نستمع إليهم ونخاطبهم، ولم يكن الهدف من العدد كما يذكر خوري "تقديم شهادات عن المعاناة فقط داخل السجون، بل كان الأهم الاستماع إليهم والتعلم منهم ومناقشتهم، فقد كتبوا بصفتهم مناضلات ومناضلين وقادة، وقدموا تحليلات ورؤى عن الواقع الفلسطيني، وبذلك يصبح العدد محاولة لفتح باب النقاش، ولسدّ ثغرة تغييبهم." وشبّه العدد بـ "مدرسة كاملة نتعلم فيها كقرّاء من مناضلين ومثقفين جعلوا من ممارساتهم الثقافية مدرسة كبرى." وعن فكرة العدد يقول إنها انبثقت "قبل ستة أشهر، أي قبل أن يخطر في بال أحد أن نفق الحرية آتٍ بكل ما يحمله من معانٍ."

وتطرق إلى اللغة، قائلاً إن هذا العدد سعى للبحث عن "لغة ثقافية وسياسية جديدة وسط أفول اللغة السائدة، وهناك سؤالان مهمان؛ الأول، كيف نتخلص من جثة اللغة السياسية الميتة، وكيف ننتج ثقافة جديدة تعيد المعنى إلى المعنى، فنجد كلمات الحرية والتحرر والديمقراطية والفدائي والمقاومة والصمود، ومن اللغة نستمد سؤالاً آخر: من أين نبدأ عملية تحرُّرنا بكل ما في هذا الواقع من عفن وخراب روحي ومادي. وبالإضافة إلى مصطلح الجغرافيا السادسة التي عبّر عنها عبد الرحيم الشيخ، يظهر مصطلح جديد يعبّر عنه الياس خوري ويسميه "فلسطين تحت فلسطين... هناك فلسطين أُخرى مغمورة ومهمشة... وأن تحت كل بلد عربي هناك بلد آخر، وهناك جغرافيات مجهولة علينا أن نعيد اكتشافها. الأسرى حولوا التراب إلى كلمات، وتوغلوا في العتمة كي يصلوا إلى شمس الحرية”.

أمّا عبد الرحيم الشيخ فقد تحدث في البداية عن الظروف الخاصة في الحصول على المواد بأشكال متعددة، لأن المشاركين في المجلة في سجون الاحتلال. ثم تحدث عن أن الأسرى الفلسطينيين يقدمون في هذا العدد "مقولة ثقافية ومعرفية جديدة، وهي إرادة الحرية بدلاً من إرادة المعرفة أو القوة السائدتين في لغة الأكاديميا”. كما أن هذا العدد، بحسب ما يذكر، هو "احتفاء باللغة الحية" التي "حافظ عليها الأسرى الفلسطينيون حين هُزمت اللغة الرسمية بفعل المؤسسة الرسمية."

ومن منظوره وقراءته الشخصية يرى الشيخ أن هذا العدد يقدم مقولة "ضد أنسنة الأسرى"، و"محاولة لتوثيق الأسطرة، لأنهم يصنعون الأسطورة، إذ يوضح أن "المقولة لا تفترض إبعاد صفة الإنسانية عن الأسرى، فهم سُجنوا أساساً لأنهم يدافعون عن إنسانيتنا وإنسانيتهم، لكن بعد سنة 2004 طُرح خطاب جديد من المؤسسة الرسمية، وهو الأنسنة كنوع من الاستجداء، في محاولة لإنهاء دور البطولة الفلسطينية من خلال تحطيم فكرة الكفاح المسلح والنضال بالقوة والتحول من خطاب حقوقي إلى استجدائي." فالمقصود بالأسطرة "إعادة الاعتبار إلى مفهوم البطل في مقابل ما تم في الأعوام الأخيرة من شيطنة للبطل وأفعاله، وشيطنة القضية بحد ذاتها التي نشأ منها الأبطال بالأساس." وتطرّق إلى معنى البطل في اللغة العربية المشتق من كلمة "باطل"، "لأن البطل هو مَن يُبطل ما لا يستطيع الغير فعله، والأسرى أبطلوا القواعد، فالأسير محمود العارضة أبطل قاعدة الباطون الفيزيائية، والأسرى أبطلوا قواعد سياسية بأفعالهم."

أمّا طالبة علم الاجتماع في جامعة بيرزيت والأسيرة المحرَّرة والمساهِمة في العدد ليان كايد فكتبت نصها "السجن كنص" وهي لا تزال في السجن، فبدأت مداخلتها بمحاولة للتفكير في الأسرى المشاركين في العدد، الذين كان يمكن أن يكونوا مكانها في تلك اللحظة، وتستكمل لتتساءل عن كل تلك الأماكن الشاغرة الكثيرة التي كان يمكن أن يُشغلوها الآن". وتحدثت عن فكرة رؤيتها  للسجن كنص "يتبادل السجن والنص دوريهما، فالنص وثيقة تحنط السجن، والسجن وثيقة يمزعها النص. الأسرى يعيشون السجن كنص "لأنه يمنحنا حواراً مفتوحاً مع الناس والأشياء من حولنا تارة، والذين يبعدون عنا تارة أُخرى." وتقول في نصها: "في السجن لست غائباً عن نسيج العائلة والبلد فقط، بل إن السجن ككل منتزع ومنفي عن نسيج الكوكب وامتداده البيئي والجغرافي أيضاً. فأكبر الأكاذيب هو امتلاك السجن عنواناً؛ فنحن في حيفا، لكننا لا نراها، ونحن على اليابسة التي تنمو فيها أشجار وزهور ولا نلحظها..." واختتمت نصها بوداع السجن والنص "ليس المحزن أنني أغادر السجن، بل التعاسة هي بقاؤهن هنا، بغض النظر إن عرفتهن أو لا. التعاسة هي بقاء السجن حتى وإن غادرنه جميعاً."

وبشأن اختيار مكان عقد اللقاء في جامعة بيرزيت قالت رنا بركات إنه لم يكن صدفة، بل الهدف أن تكون جامعة بيرزيت مساحة إنتاج لثقافة تحررية وفضاءً اجتماعياً للعمل، وكنوع من المقاومة المجتمعية للفكرة السائدة عن المتاحف كأدوات استعمارية، فالهدف أن نجد عبر هذه اللقاءات تعريفاً آخر للمتحف بلغة فلسطينية وعربية يمكن أن نسميه، بحسب قولها، "المتحف التحرري.

وفي نهاية اللقاء فُتح المجال أمام المداخلات والأسئلة بين الجمهور، ودار نقاش حول مفهوميْ الأسطرة والأنسنة، واختُتم اللقاء بحديث لالياس خوري: "الألم الفلسطيني ليس فلسطينياً فقط، بل موجود في لبنان وسورية والأردن والعالم كله، وهذا الألم كله يعيش شكلاً من أشكال السجون في بلاد تحولت إلى سجون، فتصبح العودة إلى مدرسة الأسرى مهمة لنا من أجل إعادة النظر في طُرقنا في التفكير." واختُتم اللقاء بكلمة شكر إلى الأسرى الذين ساهموا في العدد، وإلى كل الذين لم يتمكنوا من ذلك، وكل مَن لم تتمكن المجلة من الوصول إليهم، فهذه المجلة مفتوحة لهم لأنهم أصحابها وكُتّابها.

Related Journal Issue
Majallat al-Dirasat al-Filastiniyya
Autumn
2021

Read more