لانداو. "الأقلية العربية في إسرائيل 1967 ـ 1991" (بالإنكليزية)
الكتاب المراجع
النص الكامل: 

الأقلية العربية في إسرائيل 1967 1991

The Arab Minority in Israel 1967-1991

by Jacob Landau. Oxford: Clarendon Press, 1993.

 

لانداو أكاديمي وجيز في أسلوبه ومنصف في تقويمه للتطور السياسي والاجتماعي والاقتصادي والثقافي للفلسطينيين الذين أصبحوا أقلية في وطنهم غداة إنشاء إسرائيل سنة 1948. وإن تحليله لسياساتهم وتنظيمهم في الفصل السابع يمتاز بفعالية خاصة، إذ يلحظ الصراع بين العوامل الدافعة في اتجاه الاندماج داخل النظام الإسرائيلي وتلك الذاهبة في اتجاه الاغتراب والتطور المنفصل.

غير أن لانداو يهوِّن كثيراً من شأن عدة عناصر في العلاقة بين الجماعة اليهودية السائدة والأقلية الفلسطينية. ومن أبرز هذه العناصر مسألة "أملاك الغائبين" المثيرة للسخط – أي الأراضي والمنازل التي خلَّفها اللاجئون الفلسطينيون وراءهم سنة 1948 –والتي وضعت دولة إسرائيل اليد عليها ثم مضت تديرها بعد ذلك. ومن الشؤون المساوية لذلك في الأهمية كون معظم الأراضي في إسرائيل – سواء منها تلك التي تعود حرية التصرف فيها إلى الدولة أو تلك المسجلة باسم "الصندوق القومي اليهودي" (كيرن كاييمت) وغيرها من المنظمات اليهودية – لا يمكن أن تؤجَّر أو تباع إلا من اليهود بحيث تحرم الأقلية الفلسطينية أحد حقوق المواطنية الأساسية.

كانت "مسألة الأرض" من أهم أعمدة نظام التمييز العنصري (الأبارتهايد) الذي طبق في جنوب إفريقيا منذ خمسة عقود من الزمن، لكن لانداو يتجاهل تضمينات هذه المسألة بالنسبة إلى علاقة إسرائيل كدولة يهودية بمواطنيها من غير اليهود. كما أنه يتغاضى عن عماد آخر من أعمدة التمييز العنصري، أي التمييز القانوني المكوِّن لجوهر النظام والمصنوع على نحو يحرم الفلسطينيين المنافع المتاحة لنظرائهم من المواطنين اليهود، كالمكافآت المالية للأسر الكبيرة.

يمكن اعتبار لانداو، إلى حد ما، مثالاً جيداً لليبرالي النموذجي، في مجتمع استعماري؛ الليبرالي الذي يتمنى قيام علاقات طيبة ويحاول أن يضفي على الأشياء أفضل التأويلات، والذي يفضي، في نهاية المطاف، إلى تقديم مرافعة فكرية دفاعاً عن النظام القائم. فمن حججه الأساسية أن الوجوه السلبية التي تسم معاملة إسرائيل لمواطنيها من غير اليهود إنما تنشأ عن الإهمال لا من نتائج سياسة مقصودة. ومع ذلك فلا جواب عنده عن بعض التباينات الفاضحة والموجودة في النظام، كما أنه يقصِّر حقاً في مواصلة بحثه حتى النهاية. ويتبيَّن ذلك بأجلى صورة في تسليمه بأن الفلسطينيين لا يتمتعون بتمثيل ملائم على صعيد الوظائف الحكومية، ولا سيما المناصب العليا، ثم في إهماله الموضوع بعد الإتيان إلى ذكره عرضاً وعدم تكلُّفه عناء تفحص تضميناته كلها بالنسبة إلى تطور المجتمع الفلسطيني في إسرائيل من النواحي السياسية والاقتصادية والاجتماعية والإدارية.

ومما لا يقل عن ذلك دلالة أن "تقرير كونيغ" (Koenig Report)، الذي صدر سنة 1976 ودعا إلى زيادة الاستيطان اليهودي في الجليل لمجابهة التزايد السكاني الفلسطيني لا يكاد يؤتى إلى ذكر له على الرغم من أنه يعبِّر بقوة عن المواقف الرسمية. والظاهر أنه يتوقع من القارىء أن يسلم بأن هذا التقرير، الذي أعدَّه بلا ريب مسؤول حكومي والذي كان له أثر لا ينكر في الدوائر الحاكمة، يعبِّر أيضاً عن الإهمال لا عن سياسة حكومية مقصودة.

لكن يجب ألا تحجب هذه العيوب، وإن كانت كبيرة، مواطن القوة في هذا الكتاب. فالفصل الخاص بالتنظيم السياسي والزعامة داخل الأقلية الفلسطينية جيِّد؛ إذ يتفحص لانداو فيه الصراع بين الجذب في اتجاه الاندماج في إسرائيل والاندفاع في اتجاه كيان منفصل. وهو يلاحظ تناقص مكانة القادة الدينيين وزعماء الحمايل وتراجع زعامتهم أمام الأصغر منهم سناً، كما أنه يوثِّق انقلاب الموازين بتحليل نتائج الانتخابات البلدية. وهو يقابل، في الوقت نفسه، هذا النمط باحتفاظ الأكبر سناً، مع ذلك، بنفوذ سياسي لا يستهان به.

أما لِمَ عجزت الجماعة الفلسطينية عن تطوير زعامة مستقلة متماسكة فيبقى غير واضح. ويبدو لانداو أنه يفسر ذلك بواسطة عوامل اجتماعية واقتصادية، لكن الأرجح أن المسلمة التي يضمرها المؤلف، فيما يبدو، هي أن الفلسطينيين عجزوا عن توليد زعامة مستقلة لأنهم ينتمون إلى نظام قومي إسرائيلي أوسع نطاقاً. أي لما كان المؤلف ينطلق من اعتبار دولة إسرائيل الإطار المرجعي الموحِّد فهو لا يرى، بالتالي، انعدام الزعامة الفلسطينية المتماسكة أو الجبهة الموحدة كمسألة بارزة جدية بالاستقصاء.

بدلاً من النظر إلى قضية الأقلية الفلسطينية في إسرائيل كقضية قومية في المقام الأول، فهو ينظر إليها باعتبارها قضية اجتماعية، أو اقتصادية أو دينية، تماماً مثلما قد ينظر أي محلل أكاديمي إلى وضعية السود أو المتحدرين من أصل إسباني في الولايات المتحدة. أما كون لانداو يعتبر التقسيمات الطائفية للمواطنية الإسرائيلية بمثابة منطلق مواز لتحليل الوضع في إسرائيل فيتبين من تركيزه على تاريخ الطوائف الفلسطينية المختلفة في فصل مستقل جيد السبك وإن كان في بعض الأحيان مغرقاً في التفصيلات الصغرة ومستنداً إلى وقائع ترجع إلى ما قبل سنة 1967.

إن تقصير لانداو عن بلورة تحليله لوضعية الفلسطينيين في إسرائيل بلورة كاملة لا يخلو من الغرابة؛ إذ إنه يخصص فصلاً كاملاً لأنماط الانتخابات البلدية في البلدات الفلسطينية. والحق أن في هذا الفصل من التفصيلات كثرة تعسِّر على القارىء أحياناً متابعة السلك العام الذي ينتظمها. وما يخلو الكتاب منه، من ناحية أُخرى، هو الاعتراف بأن تطور الأقلية الفلسطينية السياسي قد عوّقه وشوَّهه كثيراً فرضُ الأحكام العرفية على الفلسطينيين بين سنتي 1948 و1966.

بيد أن لانداو يقرُّ لاحقاً بأن الفلسطينيين عانوا مستوى تسيسس وتربية أدنى من نظرائهم اليهود، لا بل أدنى من أشقائهم في الضفة الغربية وقطاع غزة الأحدث احتلالاً. وهو يذكر انبثاق النشاط والاهتمام السياسيين داخل الجماعة الفلسطينية بعد سنة 1967، لكنه يتغاضى عن كون المئات من الشباب والشابات انضموا إلى الجماعات المقاتلة السرية أو اختاروا المنفى للانضمام إلى م.ت.ف. ومما له دلالته في هذا التغاضي أنه لا يجيب عن السؤال المطروح في مكان آخر من الكتاب باعتباره موضوعاً مركزياً، ألا وهو ما الذي يحمل مواطنين إسرائيليين على الذهاب في شعورهم بالاغتراب وبالوطنية الفلسطينية المتنامية إلى حد حمل السلاح ضد الدولة – وإن كان ذلك ربما بدا أمراً طبيعياً جداً وردَّة طبيعية في نظر مراقب خارجي.

ملاحظات لانداو الختامية تلخِّص مقاربته كلها، فضلاً عن تلخيص أهم شاغلين من شواغل الكتاب؛ فهو يرى أن انعدام المساواة المدنية قد دفع الأقلية الفلسطينية إلى "الانسحاب من إسرائيل"، لكنه يصرُّ في الوقت نفسه على أن مواطنيه الدرجة الثاني التي للفلسطينيين في إسرائيل ليست نتيجة سياسة مقصودة بل نتيجة الإهمال – أو ما يسميه "سياسة اللاسياسة".

السيرة الشخصية: 

يزيد صايغ: محاضر في جامعة كامبريدج (بريطانيا).