موريس. "حروب الحدود الإسرائيلية 1949 ـ 1956" (بالإنكليزية)
الكتاب المراجع
النص الكامل: 

حروب الحدود الإسرائيلية 1949 1956

Israel’s Border Wars 1949-1956

by Benny Morris. Oxford: Clarendon Press, 1993.

 

هذا عمل آخر للمؤرخ الإسرائيلي بني موريس من المتوقع أن يثير جدلاً على الخط الفاصل بين الجانبين العربي والإسرائيلي، وإن كان بمقدار أقل من الجدل الذي أثاره عمله السابق المتعلق بنشوء مشكلة اللاجئين الفلسطينيين في 1948 – 1949، ولو فقط لكون الكثير من تحليله للسياسة ودوافعها مستمداً مباشرة من الوثائق التي جمعها بعناية من محفوظات الجيش والحكومة الإسرائيليين.

يقوض موريس عدة "مسلمات" أرساها المؤرخون الإسرائيليون الأوائل من مبرري أعمال إسرائيل وحتى بعض الجدد من الذين وقفوا مؤخراً ضد زملائهم من المؤرخين التصحيحيين، وذلك عندما يؤكد أن إسرائيل لم تكن راغبة في عقد سلام مع جيرانها العرب مباشرة بعد حرب سنة 1948. يقول موريس إن إسرائيل "كانت متمسكة باحتلالاتها... [ولم] تكن في واردة تقديم تنازلات... كانت سكرى بنشوى النصر وناقمة جداً على العرب لأنهم أرغموها على خوض حرب طويلة ومكلفة." (ص 15)

لكن الأمور التي يركز هذا الكتاب عليها هي أعمال التسلل الفلسطينية عبر الحدود، والسياسات العربية المتصلة بها، وردات الفعل الإسرائيلية عليها. ينقب موريس في المحفوظات الرسمية ويقدم إحصاءات مثيرة: من جميع حوادث التسلل التي حدثت خلال الفترة 1949 – 1956، فإن 10% منها فقط كانت بالكاد دوافع سياسية أو تخريبية، ومعظمها كان محاولات قام بها لاجئون معدمون للعودة إلى منازلهم، وجني المحاصيل واستعادة الماشية، أو ببساطة لرؤية حقولهم مرة أُخرى. وما يصدم أكثر هو أرقام الخسائر: مقتل 2500 – 5000 فلسطيني، كانت أغلبيتهم الساحقة من المدنيين العزل. وفي المقابل، قتل ما بين 200 و250 عسكرياً ومدنياً إسرائيلياً، بالإضافة إلى عدد مماثل من الجنود قُتِلوا في اشتباكات حدودية أو غارات انتقامية.

ولا يتوانى موريس عن وصف بعض الإجراءات التي نفذتها القوات المسلحة الإسرائيلية لإنهاء التسلل. فقد اتبعت إسرائيل سياسة إطلاق الرصاص بهدف القتل في حرب سنة 1948، واستمرت في هذه السياسة حتى سنة 1956، وغالباً ما أقدمت على تفخيخ الجثث بهدف قتل المتسللين الآخرين القادمين لاسترجاعها. وغالباً ما أطلق الإسرائيليون النار على المتسللين الجرحى وقتلوهم، كما جرت "تصفية" كثير من الأسرى الآخرين – رُبطوا إلى أشجار وأُطلقت النار عليهم. وفي الحقيقة، من الصعب على المرء أن يدرك، إلى أن يذكره موريس بذلك بقوة، أن تعبير "المتسللين"، المثقل نوعاً ما، لم يكن يعني غالباً أكثر من مجرد أشخاص مدنيين – رجالاً ونساء وأطفالاً. وأحياناً تطابقت سياسة إسرائيل الحدودية أيضاً مع "التطهير العرقي"، وهذا ما حدث عندما طردت إسرائيل 120 مدنياً فلسطينياً من وادي عربة في 31 أيار/ مايو 1950، بعد احتجازهم عدة أسابيع وتعرضهم للضرب. وقد مات ما بين 24 و36 شخصاً من هؤلاء عطشاً وجوعاً قبل أن يتم إنقاذ الآخرين على يد الجيش الأردني.

يسجل الكتاب أيضاً أعمال بعض المتسللين الفلسطينيين، مثل إلقاء القنابل داخل البيوت وغرف النوم الإسرائيلية، وحوادث اغتصاب وتشويه جثث. لكن هذا السلوك كان مألوفاً بالمقدار نفسه من جانب الجنود الإسرائيليين أقله حتى سنة 1953، كم يوثق ذلك موريس أيضاً، سبب موقف مفاده أن "قتل، وتعذيب، وضرب المتسللين العرب واغتصاب المتسللات العربيات، وإن كانت أموراً غير مسموح بها، فإنها لم تكن تستحق الشجب، ويمكن أن تمر من دون عقاب." (ص 166) ويلاحظ الكاتب أيضاً أن ارتفاع نسبة التسلل النابع من الدوافع السياسية، واللجوء المتزايد للسلاح، جاءا إلى حد كبير رداً على السياسة الإسرائيلية. لكن مع ذلك، من المؤسف أن الفلسطينيين يظهرون كضحايا أو كمتسللين فقط، من دون إبراز تياراتهم السياسية أو تطورهم التنظيمي.

من هنا، يركز الكاتب على الدور الذي قامت "دول المواجهة" العربية به لكبح، أو في بعض الأوقات، لتنظيم التسلل الفلسطيني المسلح، وعلى الاستراتيجيات التي استخدمتها إسرائيل للضغط على الحكومات العربية. ويشير موريس إلى رئيس الأركان في ذلك الوقت، والمهندس الرئيسي لسياسة إسرائيل الأمنية، موشيه دايان، بصفته مبتكر مفهوم "الردع غير المباشر"، أي إلحاق الأذى بالدول العربية لحملها على وقف التسلل. واتخذ هذا إلى حد كبير شكل هجمات متعمدة ضد المدنيين العرب عبر الحدود، لكن الضجة العالمية التي سببها بعض الحوادث الدامية، مثل قتل عشرات المدنيين بإطلاق النار عليهم أو بتفجير البيوت فوق رؤوسهم في قبية في 14 تشرين الأول/ أكتوبر 1953، قادت إسرائيل إلى التركيز أكثر على الأهداف العسكرية، وقد نفذت الغارة على قبية الوحدة 101 بقيادة السيىء الذكر أريئيل شارون.

في سنة 1955، شكا رئيس الحكومة الإسرائيلية، آنذاك، موشيه شاريت، من أن زملاءه حوّلوا "الانتقام إلى مبدأ أخلاقي." (ص 174) لكن، كما يبيِّن موريس، فإن سياسة الانتقام كانت تخدم أهدافاً استراتيجية متنوعة، تمثّل أحدها بردع الدول العربية عن شن "جولة ثانية" من الحرب. كما رغبت إسرائيل في الاستيلاء على مزيد من الأرض، وإحداث أمر واقع على طول حدودها. وسعت إسرائيل لاحقاً، في 1954 – 1955، لاستخدام التصعيد العسكري ذريعة لغزو الضفة الغربية، واستولت فعلاً على مساحات كبيرة من الأراضي منزوعة السلاح حول بحيرة طبريا. وفي الوقت نفسه نفى المسؤولون الإسرائيليون الكبار بشدة، وكانوا يكذبون تماماً، تورط الجيش في بعض الغارات الانتقامية الأكثر وحشية، وادعوا أنها من عمل فرق الحراسة التابعة للمستوطنين المسلحين.

وكثيراً ما قامت الحكومات العربية، حتى سنة 1954، بكبح تسلل المدنيين الفلسطينيين للعودة إلى منازلهم القديمة في ما سمي آنذاك إسرائيل. وفي سنة 1955 تضافرت مجموعة من العوامل، منها الرغبة في مواجهة سياسة إسرائيل العدوانية والانتقامية، ودفعت مصر إلى تنظيم عمل فدائي من غزة وجبهات عربية أُخرى، مع التحكم بمستوى أنشطته بعناية. وتفادى لبنان وسوريا ذلك، لكن الأردن اندفع لمساندة الفدائيين في إثر طرد الضباط البريطانيين من الجيش العربي في نيسان/ أبريل 1956. وساهم هذا الأمر في الانزلاق نحو الحرب.

في ذلك الوقت، سيطرت قضايا أوسع على اهتمامات القادة العرب والإسرائيليين: صفقات السلاح التشيكية والفرنسية، واختلاط الحرب الباردة بالنفور الفرنسي – البريطاني من الرئيس المصري عبد الناصر. لقد ساهم التسلل في إحداث التوتر، لكن مساهمته كانت ثانوية، وغالباً ما استخدمت كذريعة. وفعلاً، يكشف موريس عن أن الجيش الإسرائيلي قام عشية حملة السويس بهجمات تخريبية مزيفة ضد أهداف داخل إسرائيل من أجل توفير عذر قوي لشن هجوم على سيناء. لقد أدت الحرب إلى توقف العمل الفدائي – تم "إعدام" عشرات الفدائيين، من ضمن نحو 550 فلسطينياً مدنياً قُتلوا في عدة مذابح خلال الاحتلال الإسرائيلي لغزة – كما أدت إلى توقف التسلل بعد سنة 1956.

بمعنى ما، يقوض موريس فكرته الرئيسية – تحديد دور النزاع الحدودي في الانزلاق نحو الحرب سنة 1956 – بإظهاره أن الجانبين أقدما في الواقع على إخضاع التعاطي مع مسألة التسلل لأهداف استراتيجية كبرى. لكن عمله يبقى مهماً جداً، على الأقل لكونه يكشف عن تغاضي الإسرائيليين عن تأثير اقتلاع 1948 على المجتمع الفلسطيني والجوار العربي، وعن مدى اتساع الحلقة المفرغة، بالتزام العرب شن "جولة ثانية"، وتفضيل إسرائيل الردع على السلام.

السيرة الشخصية: 

يزيد صايغ: باحث في كلية "سانت أنتوني" في جامعة أوكسفورد (بريطانيا).