يتناول المقال اتجاهات الرأي العام الإسرائيلي إزاء عملية التسوية استناداً إلى استطلاع للرأي أجراه معهد غوتمان للأبحاث الاجتماعية التطبيقية خلال آذار/ مارس ونيسان/ أبريل 1990، والذي شمل عينة تمثيلية تتألف من 1442 شخصاً (1192 يهودياً و 250 عربياً) يتوزعون على 60 موقعاً سكنياً في أماكن مختلفة في إسرائيل. ويبّين الاستطلاع أن اتجاهات الرأي العام الإسرائيلي تتخذ منحيين رئيسيين: ازدياد التطرف نحو اليمين واليسار في آن واحد، ونمو التعاطف المتدرج مع سياسة معتدلة تؤيد التفاوض مع منظمة التحرير الفلسطينية. ويخلص الاستطلاع إلى أن فلسطينيي 1948 يعبرون عن رأي موحد إزاء الحل المفضل لمستقبل الأراضي المحتلة وهو التنازل عن المناطق وإقامة دولة فلسطينية "كسائر الدول"، فيما يتحد اليمين في الرأي ويفضل الترانسفير. وفي المقابل تظهر فروق بين حزب العمل واليسار الإسرائيلي، ففيما يفضل الأول التنازل عن مناطق محتلة في إطار اتحاد فدرالي مع الأردن، يتبنى الثاني الحلول المستندة إلى مبدأ التنازل عن مناطق محتلة مثل اتحاد فدرالي مع الأردن، أو دولة فلسطينية مجردة من السلاح، أو دولة فلسطينية مستقلة، أو انسحاب من طرف واحد ، أو منح إدارة ذاتية لعرب المناطق المحتلة.
تتخذ اتجاهات الرأي العام الإسرائيلي خلال الفترة الراهنة، كما يسجلها استقصاء شامل أجراه معهد غوتمان للأبحاث الاجتماعية التطبيقية، منحيين رئيسيين: ازدياد التطرف نحو "اليمين" و"اليسار" في آن واحد، الأمر الذي يعبر عن ارتفاع حدة التوتر السياسي في إسرائيل، ونمو التعاطف المتدرج مع سياسة معتدلة تؤيد التفاوض مع منظمة التحرير الفلسطينية وإقامة دولة فلسطينية. وقد تنامى اتجاه التعاطف هذا على امتداد العقد الماضي، وأدت الانتفاضة إلى تسريعه.
أجرى معهد غوتمان، الذي يقوم بأبحاث جارية في شأن اتجاهات الرأي العام في إسرائيل، هذا الاستقصاء خلال شهري آذار/ مارس ونيسان/ إبريل ١٩٩٠، ونُشرت نتائجه في مطلع حزيران/ يونيو الماضي ("يديعوت أحرونوت"، 1/٦/1990). وقد شمل الاستقصاء عينة تمثيلية تتألف من ١٤٤٢ مستجوبًا – ١١٩٢ يهوديًا و ٢٥٠ عربيًا – يتوزعون على ٦٠ موقعًا سكنيًا في أنحاء متفرقة من إسرائيل.
ويلاحظ من استنتاجات الاستقصاء أنَّه بينما يعبِّر عرب الأراضي التي احتلَّت سنة ١٩٤٨ عن رأي موحد إزاء الحل المفضل لمستقبل الأراضي المحتلة، تعبِّر جماعات اليمين والمتدينين في إسرائيل عن آراء متشابهة، بينما تنقسم أوساط اليسار (حزب العمل والأحزاب التي تقف على يساره) في آرائها، نتيجة الانقسام بين المعتدلين والمتطرفين داخل حزب العمل نفسه.
ازدياد التأييد
للتفاوض مع منظمة التحرير الفلسطينية
١- بينما تشير نتائج الاستقصاء إلى استمرار تزايد نسبة معارضي التفاوض مع منظمة التحرير الفلسطينية بين الجمهور اليهودي (٦٣٪)، فإنَّها تشير أيضًا إلى تغير مهم طرأ خلال العقد الماضي تجاه هذه المسألة، وخصوصًا منذ بداية الانتفاضة. ففي كانون الثاني/ يناير ١٩٧٨، كانت نسبة مؤيدي التفاوض مع المنظمة ١٣٪، وخلال سنة ١٩٧٩ (في أثناء محادثات السلام بين إسرائيل ومصر)، كانت نسبتهم نحو ٢٠٪، ومع بداية الانتفاضة ارتفعت إلى ٣٠٪، ووصلت اليوم إلى ٣٧٪. في المقابل، يبدي الجمهور اليهودي تأييدًا أكبر للتفاوض مع ممثلين عن سكان المناطق المحتلة (٦٣٪).
أما عرب الأراضي المحتلة سنة ١٩٤٨، فيؤيِّد ٩٩٪ منهم التفاوض مع منظمة التحرير، في حين يؤيِّد ٧٧٪ منهم التفاوض مع ممثلين عن سكان المناطق المحتلة.
٢- يتبيَّن من نتائج الاستقصاء أنَّ ثلثي الجمهور اليهودي يبديان اليوم استعدادًا لإعادة "شيء ما على الأقل" من أراضي الضفة الغربية في سبيل التوصُّل إلى اتفاق سلام، مما يعني أنَّه حدث ارتفاع بطيء في هذا الاتِّجاه خلال العقد الماضي. ففي الفترة ما بين أيلول/ سبتمبر ١٩٧٩ وآذار/ مارس ١٩٨٧، كانت نسبة الذين يؤيِّدون إعادة "شيء ما" نحو ٥٠٪ (كانت قد سجلت نسبة قياسية في هذا الصدد، وهي ٧٢٪، خلال فترة الاتِّفاق على معاهدة السلام بين مصر وإسرائيل في آذار/ مارس ونيسان/ إبريل ١٩٧٩)؛ وخلال نيسان/ إبريل ١٩٩٠، ارتفعت هذه النسبة مجددًا ووصلت إلى ٦٦٪. مع ذلك، فإنَّ نسبة الذين يبدون استعدادًا للقيام بتنازل مهم عن المناطق المحتلة، "عن معظمها أو كلها"، لم ترتفع. فالارتفاع يقتصر على نسبة الذين يبدون استعدادًا للتنازل عن جزء "معين" فقط.
٣- تسجل نتائج الاستقصاء ارتفاعًا بارزًا في نسبة التأييد لإِجراء انتخابات في الأراضي المحتلَّة. وقد ارتفعت نسبة تأييد الجمهور اليهودي لمبادرة الحكومة الإسرائيلية المتعلقة بالانتخابات من ٦١٪ في أيار/ مايو ١٩٨٩ (عندما اقترحت أول مرة) إلى ٦٧٪ الآن. كما طرأ خلال السنة الماضي ارتفاع مهم على نسبة تأييد الجمهور العربي للمبادرة، إذ ارتفعت نسبة المؤيدين لها من ٢٧٪ إلى ٤٥٪.
٤- أظهر الاستقصاء أنَّ الإجماع السائد بين الجمهور اليهودي حول معارضة إقامة دولة فلسطينية لا يزال قائمًا. في المقابل، هناك اتجاه معتدل آخذ في النمو يؤيِّد إقامة دولة كهذه. فقبل عقد من السنوات، وافق ١٠٪ من الإسرائيليين على إقامة دولة فلسطينية، أمَّا اليوم فتصل النسبة إلى ٢٥٪. بكلمة أخرى، هناك ٧٥٪ من الإسرائيليين يعارضون إقامة دولة فلسطينية.
على الرغم من ارتفاع نسبة معارضي الدولة الفلسطينية، وارتفاع نسبة الذين يعتقدون أنَّها ستهدِّد أمْن إسرائيل (٧٩٪)، فقد سجل منذ نشوب الانتفاضة ارتفاع في نسبة الذين يعتقدون أنَّ دولة كهذه ستقوم فعلًا (من ٥١٪ إلى ٥٦٪ الآن). أمَّا في أوساط الجمهور العربي، فيعتقد ٨٥٪ أنَّ فرص إقامة دولة فلسطينية قد ازدادت.
٥- يتبين من الاستقصاء أنَّ الحلول التي يفضِّلها الجمهور اليهودي لمشكلة المناطق المحتلَّة كانت ولا تزال الحلول المستندة إلى الضم؛ فهناك ٥٩٪ يؤيدون "مغادرة عرب المناطق مع منحهم تعويضًا"، و ٥٥٪ يؤيدون "منح سكان المناطق إدارة ذاتية". أمَّا حل الاتِّحاد الفدرالي مع الأردن، انطلاقًا من مبدأ التنازل عن مناطق محتلَّة، فيأتي في المنزلة الثالثة من حيث الأفضلية (٤١٪).
إلى جانب حل الاتِّحاد الفدرالي مع الأردن، هناك فقط أقلية ضئيلة (١٨٪ - ٢٨٪) تؤيِّد حلولًا تشمل مبدأ التنازل عن مناطق محتلَّة: "إقامة دولة فلسطينية مجرَّدة من السلاح"، أو "انسحاب من جانب واحد من دون التدخل فيما يجري فيها"، أو "إقامة دولة فلسطينية كسائر الدول."
أمَّا في أوساط الجمهور العربي، فإنَّ الحل الذي يفضِّله الجميع هو التنازل عن المناطق، و"إقامة دولة فلسطينية كسائر الدول" (٩٨٪). ويليه في المرتبة الثانية تفضيل لـ"انسحاب إسرائيل من جانب واحد" (٥٦٪)،. ويلاحظ من الاستقصاء أنَّه قد ارتفعت خلال السنة الماضية نسبة العرب الذين يبدون استعدادًا للنظر في حلول أخرى مثل: إقامة دولة فلسطينية مجرَّدة من السلاح (يؤيِّده نصف العرب تقريبًا)، والاتِّحاد الفدرالي مع الأردن (يؤيِّده ثلثهم تقريبًا)، والإدارة الذاتية (يؤيِّده خمسهم تقريبًا).
اليمين يفضل الترانسفير
يتبيَّن من الاستقصاء، بوضوح، أنَّ الحل المفضَّل لدى مؤيِّدي الليكود والأحزاب التي تقف على يمينه والأحزاب الدينية، هو حل الترانسفير – "حمل العرب على المغادرة مع منحهم تعويضًا" (الليكود ٧٣٪، اليمين ٧٥٪، المتدينون ٨١٪). وهذا الانسجام داخل مختلف أحزاب اليمين ينعكس أيضًا فيما يتعلَّق بالحلول الأخرى.
وفي حين أنَّ اليمين متَّحد في الرأي، يظهر من الاستقصاء فارق واضح بين حزب العمل واليسار الإسرائيلي. فالحلول المستندة إلى مبدأ التنازل رائجة لدى اليسار أكثر منه لدى حزب العمل.
الحل المفضل لدى مؤيِّدي حزب العمل هو التنازل عن مناطق محتلَّة في إطار اتِّحاد فدرالي مع الأردن (٦١٪)، لكنْ يليه في درجة التفضيل الحلول المستندة إلى مبدأ الضم: منح عرب المناطق المحتلَّة إدارة ذاتية (٥٥٪)، والترانسفير (٥٠٪). أمَّا الحلول "الحمائمية" الأخرى، فتتمتَّع بشعبية أدنى بين المقترعين لحزب العمل.
في المقابل، يتبنَّى اليسار الإسرائيلي الحلول المستندة إلى مبدأ التنازل عن مناطق محتلَّة: اتِّحاد فدرالي مع الأردن (٧٥٪)، ودولة فلسطينية مجرَّدة من السلاح (٧٣٪)، ودولة فلسطينية مستقلَّة (٦١٪)، وانسحاب من طرف واحد (٥٠٪). وهناك، بين اليسار أيضًا، تأييد تبلغ نسبته ٤٥٪ لمنح عرب المناطق المحتلَّة إدارة ذاتيَّة، مع ضمِّها إلى إسرائيل.
مؤيدو التفاوض مع منظمة التحرير الفلسطينية |
|||||||||
1978 |
1979 |
1980 |
1989 |
1990 |
|
||||
كانون الثاني/يناير 13٪ |
آذار/مارس 22٪ |
نيسان/إبريل 15٪ |
أيلول/سبتمبر 22٪ |
شباط/فبراير 16٪ |
كانون الثاني/ يناير 30٪ |
أيار/مايو 28٪ |
تشرين الثاني/ نوفمبر 32٪ |
نيسان/إبريل 37٪ |
|
|
|||||||||
حلول لمستقبل المناطق (المحتلة) |
يهود |
عرب |
يقدم الجدول نسبة مؤيدي كل حل على انفراد، ولذا لا يبلغ مجموع النسب ١٠٠٪ |
||||||
ضم
حمل العرب على المغادرة مع منحهم تعويضًا ضم المناطق من دون منح العرب مساواة في الحقوق ضم المناطق مع منح العرب إدارة ذاتية ضم المناطق مع منح العرب مساواة في الحقوق إبقاء الوضع كما هو اليوم |
أيار/مايو 89 |
نيسان/إبريل 90 |
أيار/مايو 89 |
نيسان/إبريل 90 |
|||||
51 |
59 |
2 |
- |
||||||
33 |
32 |
2 |
- |
||||||
48 |
56 |
9 |
20 |
||||||
24 |
24 |
18 |
24 |
||||||
16 |
20 |
4 |
3 |
||||||
تنازل |
|
|
|
|
|||||
التنازل عن معظم المناطق وإفساح المجال أمام قيام اتحاد فدرالي بين الأردن وعرب المناطق الانسحاب من معظم المناطق من جانب واحد من دون التدخل فيما سيجري فيها التنازل عن المناطق وإفساح المجال أمام إقامة دولة فلسطينية مجردة من السلاح التنازل عن المناطق وإفساح المجال أمام إقامة دولة فلسطينية كسائر الدول |
39 |
41 |
20 |
35 |
|||||
18 |
20 |
54 |
56 |
||||||
24 |
28 |
34 |
49 |
||||||
14 |
18 |
95 |
98 |
||||||
حلول لمستقبل المناطق (المحتلة) بحسب الارتباط الحزبي |
ليكود |
أحزاب اليمين |
أحزاب دينية |
حزب العمل |
أحزاب اليسار |
|
ضم |
|
|
|
|
|
|
حمل العرب على المغادرة مع منحهم تعويضًا |
73 |
75 |
81 |
50 |
25 |
|
ضم المناطق من دون منح العرب مساواة في الحقوق |
50 |
40 |
36 |
20 |
5 |
|
ضم المناطق مع منح العرب إدارة ذاتية |
55 |
51 |
48 |
55 |
45 |
|
ضم المناطق مع منح العرب مساواة في الحقوق |
53 |
21 |
25 |
25 |
30 |
|
إبقاء الوضع كما هو اليوم |
30 |
15 |
20 |
15 |
8 |
يقدم الجدول نسبة مؤيدي كل حل على انفراد، ولذا لا يبلغ مجموع النسب ١٠٠٪ |
تنازل |
|
|
|
|
|
|
التنازل عن معظم المناطق وإفساح المجال أمام قيام اتحاد فدرالي بين الأردن وعرب المناطق |
20 |
24 |
21 |
61 |
75 |
|
الانسحاب من معظم المناطق من جانب واحد من دون التدخل فيما سيجري فيها |
12 |
15 |
9 |
26 |
50 |
|
التنازل عن المناطق وإفساح المجال أمام إقامة دولة فلسطينية مجردة من السلاح |
12 |
8 |
20 |
40 |
73 |
|
التنازل عن المناطق وإفساح المجال أمام إقامة دولة فلسطينية كسائر الدول |
10 |
6 |
8 |
23 |
61 |
حلول لمستقبل المناطق (المحتلة) بحسب الارتباط الحزبي |
ليكود |
أحزاب اليمين |
أحزاب دينية |
حزب العمل |
أحزاب اليسار |
|
ضم |
|
|
|
|
|
|
حمل العرب على المغادرة مع منحهم تعويضًا |
73 |
75 |
81 |
50 |
25 |
|
ضم المناطق من دون منح العرب مساواة في الحقوق |
50 |
40 |
36 |
20 |
5 |
|
ضم المناطق مع منح العرب إدارة ذاتية |
55 |
51 |
48 |
55 |
45 |
|
ضم المناطق مع منح العرب مساواة في الحقوق |
53 |
21 |
25 |
25 |
30 |
|
إبقاء الوضع كما هو اليوم |
30 |
15 |
20 |
15 |
8 |
يقدم الجدول نسبة مؤيدي كل حل على انفراد، ولذا لا يبلغ مجموع النسب ١٠٠٪ |
تنازل |
|
|
|
|
|
|
التنازل عن معظم المناطق وإفساح المجال أمام قيام اتحاد فدرالي بين الأردن وعرب المناطق |
20 |
24 |
21 |
61 |
75 |
|
الانسحاب من معظم المناطق من جانب واحد من دون التدخل فيما سيجري فيها |
12 |
15 |
9 |
26 |
50 |
|
التنازل عن المناطق وإفساح المجال أمام إقامة دولة فلسطينية مجردة من السلاح |
12 |
8 |
20 |
40 |
73 |
|
التنازل عن المناطق وإفساح المجال أمام إقامة دولة فلسطينية كسائر الدول |
10 |
6 |
8 |
23 |
61 |