لماذا يذهب العمال الهنود إلى إسرائيل خلال حرب الإبادة الجماعية التي تشنها إسرائيل على غزة؟
سنة النشر: 
اللغة: 
عربي
إنكليزي
عدد الصفحات: 
7

كانت الهند ذات يوم ملتزمة تماماً تجاه قضية فلسطين، وظلت فترة طويلة لا تعترف بإسرائيل، لكنها اليوم واحدة من أقرب حلفائها. وعلى خلفية حرب الإبادة الجماعية التي تشنها إسرائيل في غزة وطرد العمال الفلسطينيين، تدخلت الهند لحل مشكلة نقص العمالة في إسرائيل. وفي هذه المقالة الموجزة أحلل سبب حدوث ذلك وظروفه.

كانت الهند في سنواتها الأولى بعد الاستقلال، ملتزمة[1]  إزاء نيل فلسطين حريتها. وزار مناضلون هنود من أجل الحرية فلسطين، وتعهدوا بالتضامن مع النضال من أجل التحرير، وقال غاندي حينها عبارته الشهيرة وهي "إن فلسطين هي ملك للعرب مثلما هي إنكلترا للإنكليز وفرنسا للفرنسيين." ولم تعترف الحكومة الهندية بإسرائيل ولم يُسمح للمواطنين الهنود بالسفر إلى هناك. ومع ذلك، بحلول عام 1962، بعد خمسة عشر عاماً من استقلال الهند، كانت إسرائيل ترسل أسلحة إلى الهند خلال الحرب الهندية – الصينية.[2]

وفي سنة 1992، بدأت الهند بتنفيذ السياسات الاقتصادية النيوليبرالية،[3]  وبدأت علاقتها مع إسرائيل تتغير، وخرجت إلى العلن مع إقامة علاقات دبلوماسية كاملة في السنة نفسها[4]  في ظل حكومة حزب المؤتمر.

ومع ذلك، لم يحدث تطور كبير حتى سنة 2014، عندما وصل إلى السلطة في الهند ناريندرا مودي وحزبه الهندوسي المؤمن بتفوق الثقافة الهندوسية والدين الهندوسي، حزب بهاراتيا جاناتا (BJP). عندها شهدت العلاقات بين الهند وإسرائيل تغييراً جذرياً وتحولاً كبيراً لتصيرا أقرب حليفين. وربما ما جعل هذا التحالف أقوى هو أن حزب بهاراتيا جاناتا، وهو حزب نيوليبرالي حديث، مدفوع بأيديولوجية هندوتفا الهندوسية التفوقية التي يجمعها العديد من أوجه التشابه[5]  مع الصهيونية.

 في سنة 2017، قام مودي بأول زيارة لرئيس حكومة هندية لإسرائيل. وتضمنت مذكرات التفاهم العديدة الموقّعة صفقات أسلحة ضخمة، بما في ذلك برنامج التجسس بيغاسوس[6]  وأنظمة صواريخ. وباعتبار الهند أكبر مستورد للأسلحة الإسرائيلية، فهي تشتري حالياً ما يقرب من 50% من الأسلحة الإسرائيلية. وفي سنة 2022، رحب نتنياهو بمجيء مجموعة أداني التي تساهم على نحو فعال في تمويل نظام مودي إلى إسرائيل، ومُنحت المجموعة عقد إيجار لميناء حيفا مدته 32 عاماً[7]  بالشراكة مع مجموعة غادوت الإسرائيلية. وفي الآونة الأخيرة، تعاونت مجموعة أداني مع شركة إلبيت لتصنيع طائرات من دون طيار من طراز هرمس 900 في الهند. وهذه المُسيَّرات نفسها التي تصل إلى ارتفاعات متوسطة وتتميز بأنها طويلة التحمل نُقلت إلى إسرائيل[8]  لاستخدامها في الحرب على غزة.

وعلى الرغم من الدعم الاقتصادي الهائل الذي تتلقاه إسرائيل من حلفائها، وخصوصاً من الولايات المتحدة، فإنها تواجه مشكلة اقتصادية جدية على المدى الطويل: فهي تعاني جراء ارتفاع مفرط في تكاليف المعيشة بسبب ارتفاع أسعار المساكن. وللتعويض عن ذلك، ولأن الإسرائيليين، المخلصين للأسلوب الاستعماري الحقيقي، يرفضون القيام بأعمال البناء أو أي شيء آخر غير "الوظائف ذات الأجور الأعلى"،[9]  لجأت إسرائيل منذ فترة طويلة إلى توظيف العمال الفلسطينيين والعمال المهاجرين من الجنوب العالمي الذين يمكنها استغلالهم بلا رحمة.

وفي هذا السياق، في أيار/مايو 2023، وافقت الحكومة الهندية[10]  على طلب إرسال 42 ألف هندي إلى إسرائيل للعمل في قطاع البناء، وفي مجال الرعاية الصحية والاعتناء بكبار السن.

اليوم، بعد مرور خمسة أشهر على هجوم الإبادة الجماعية الإسرائيلي على غزة، يواجه الاقتصاد الإسرائيلي صعوبات جدية بعد أن تقلص النشاط الاقتصادي بمعدل الخُمس[11]  على أساس سنوي في الربع الأخير من سنة 2023. وقد أدى حشد 300 ألف من جنود الاحتياط للالتحاق بالجيش الإسرائيلي إلى إضعاف القطاعات الرئيسية في الاقتصاد الإسرائيلي. والأهم من ذلك هو سحب إسرائيل تصاريح عمل 100 ألف فلسطيني كانوا يعملون بصورة رئيسية في قطاع البناء. ويقول راؤول سارغو، رئيس جمعية المطورين العقاريين في إسرائيل إن "القطاع في حالة توقف تام،[12]  ولا يصل إنتاجه سوى إلى نسبة 30% ... وأدى استنزاف القوى العاملة إلى إغلاق نحو 50% من قطاع البناء وهذا يكلف إسرائيل 830 مليون دولار شهرياً."

من الواضح أن الحاجة إلى العمال الآتين من دول الجنوب العالمي صارت أكثر إلحاحاً من أي وقت مضى، وفي هذا السياق سُرِّعت إجراءات توظيف العمال الهنود، في حين كشف خطاب ’إرسال’ العمال الهنود و’الاستعاضة’ عن العمال الفلسطينيين عن عمق تجريد هذه القوى العاملة من إنسانيتها وتسليعها.

عمل عمال الجنوب العالمي في إسرائيل في الماضي في أوضاع مزرية. وأفاد تقرير نشرته منظمة هيومن رايتس ووتش في سنة 2015[13]  أن العمال الزراعيين التايلانديين تلقوا أجوراً متدنية، وعملوا ساعات طويلة، وحصلوا على مساكن سيئة، وكانت أوضاع عملهم خطرة. وفي إحدى الحالات،[14]  خلال الحرب الإسرائيلية على غزة سنة 2014، قُتل عامل تايلاندي شاب عندما أصاب صاروخ مزرعة في إسرائيل. واضطُر زملاؤه التايلانديون إلى مواصلة العمل في الخارج على الرغم من استمرار وابل الصواريخ، بينما احتمى الإسرائيليون في الملاجئ. أمّا العاملون في مجال الرعاية، فأشارت تقارير إلى أن كثيرين منهم عالقون حالياً في إسرائيل[15]  لأنهم غير قادرين على سداد رسوم الاستقدام والتوظيف المرتفعة.

في المرحلة الحالية، هاريانا هي أول ولاية هندية تبدأ حملة توظيف للعمال المتوجهين إلى إسرائيل. وتقع الولاية في شمال الهند ولديها علاقة وثيقة بصورة خاصة مع إسرائيل. فقد دُربت شرطة هاريانا في إسرائيل،[16]  وخلال مسيرة العودة الكبرى في غزة، زار رئيس حكومتها مانوهار لال خطار وفريق من شرطييه إسرائيل وشهدوا الهجمات الوحشية التي شنتها الدولة الإسرائيلية على المدنيين المسالمين العزل. وحالياً، نُقلت هذه الأساليب كما هي إلى الهند وتُستخدم ضد المزارعين الهنود الذين يشاركون في تظاهرات سلمية حاشدة.

ومن المقرر جلب 10 آلاف عامل من ولاية هاريانا على أن يتبعهم عمال من ولايات أوتار براديش وبيهار وراجستان وهيماشال براديش وميزورام.

السؤال المطروح هو لماذا يهتم العمال الهنود بالسفر إلى منطقة تشهد حرباً للعمل في دولة متورطة في إبادة جماعية مستمرة؛ والسبب الأول والأخير هو البطالة والفقر. إنها 'الهجرة من اليأس'.[17]  فكل ما حققته الهند من تقدم اقتصادي بعد الاستقلال في سنة 1947، قُوِّض في ظل حكم حزب بهاراتيا جاناتا. وفي مؤشر الجوع العالمي، تراجعت الهند من المرتبة 55 إلى المرتبة 111[18] من بين 125 دولة، وحالها هي بذلك أسوأ من جميع جيرانها في جنوب آسيا. كما تتصدر الهند العالم في عدد الأطفال الذين يعانون سوء التغذية والتقزم.[19]  وارتفعت معدلات البطالة[20] فيها بصورة كبيرة في ظل حكومة مودي، مع بلوغ البطالة في الريف 10.82% وفي المناطق الحضرية 8.44%.

ويبلغ الحد الأدنى للأجور في الهند حالياً 65 دولاراً في الشهر، وهو جزء بسيط من مبلغ 1600 دولار الذي تعرضه إسرائيل. وورد أن العديد من العمال الهنود يقولون إنهم يفضلون المخاطرة بالموت في منطقة حرب بدلاً من مواجهة الفقر المدقع في وطنهم. لكن من غير الواضح إن كانوا سيحصلون على تغطية تأمينية أو ضمانات. وهم سيخاطرون في الواقع أيضاً بالوقوع في فخ في إسرائيل طالما ستُدفع أجورهم إلى الشركة التي استقدمتهم طوال مدة العقد التي يمكن أن تتراوح بين سنة وخمس سنوات.

اتخذت الحركة النقابية الهندية موقفاً قوياً معارضاً للتعاون مع إسرائيل.

وأعلن المجلس المركزي لنقابات العمال لعموم الهند (AICCTU)[21]: "إننا نتخذ موقفاً تضامنياً لا يتزعزع مع شعب فلسطين والطبقة العاملة الفلسطينية! ... إن استخدام العمال الهنود بعقود استخدام قسرية في الاقتصادات الاستعمارية ليس بالأمر الجديد. فمنذ سنة 1834 حتى نهاية الحرب العالمية الأولى، نقلت بريطانيا نحو مليونيّ عامل هندي بعقود استخدام قسرية إلى 19 مستعمرة، بما في ذلك فيجي وموريشيوس وسيلان وترينيداد وغويانا وماليزيا وأوغندا وكينيا وجنوب أفريقيا. إن حكومة حزب بهاراتيا جاناتا ترسل الهنود على طريق التبعية الاستعمارية نفسه. ويجدر بنا أن نقاوم بقوة مثل هذه التوجهات الرامية إلى تحويل العمال إلى سلعة." وفي 14 شباط/فبراير، قال اتحاد عمال النقل المائي في الهند،[22]  والذي يمثل أكثر من 3500 عامل في 11 ميناء رئيسي في البلاد، إنهم لن يقوموا بتحميل أو تفريغ شحنات الأسلحة من إسرائيل أو من أي دولة أُخرى تحمل معدات عسكرية لنقلها إلى فلسطين.

وفي حين أنها تمثل لفتة رمزية في الوقت الحالي، فإنها يمكن أن تتحول إلى تحرك تضامني ملموس إذا استُخدمت الموانئ البحرية الهندية التي يعمل فيها منتسبو الاتحاد لنقل الأسلحة.

خلاصة القول: على خلفية الحرب على غزة والضربة التي تلقاها الاقتصاد الإسرائيلي والتعاون الوثيق بين حكومتي الهند وإسرائيل، فإن اتفاقيات إرسال عمال هنود فقراء ’للحلول محل’ العمال الفلسطينيين تشبه إلى حد كبير اتفاقيات التشغيل بالسخرة التي كانت تُمارس قبل 200 عام. وتدين النقابات العمالية الهندية هذه الاتفاقيات وتتضامن مع الشعب الفلسطيني والطبقة العاملة الفلسطينية.

 

[1] https://darajapress.com/publication/hindutva-and-its-relationship-with-zionism

[2] https://www.thehindu.com/news/national/with-nehru-writing-to-its-pm-israel-gave-arms-to-india-in-1962/article18591835.ece

[3] https://www.nytimes.com/1991/01/08/business/india-reports-imf-loan.html

[4] https://indianexpress.com/article/explained/the-india-israel-relationship-modi-bennett-7753938/

[5] https://darajapress.com/publication/hindutva-and-its-relationship-with-zionism

[6] https://www.aljazeera.com/news/2022/1/29/india-bought-israeli-pegasus-spyware-as-part-of-weapon-deal-nyt

[7] https://www.reuters.com/markets/deals/adani-ports-boost-trade-lanes-with-joint-haifa-port-acquisition-2022-07-15/

[8] https://thewire.in/business/adani-jv-just-exported-lethal-drones-to-israel-same-model-being-used-in-genocide-tainted-gaza-war

[9] https://themedialine.org/life-lines/israel-to-bring-thousands-more-foreign-workers-to-tackle-high-living-costs/

[10] https://www.livemint.com/news/india/israel-india-ink-agreement-to-allow-42-000-indian-workers-to-work-in-jewish-state-11683642390148.html

[11] https://www.middleeasteye.net/news/war-gaza-israel-economy-shrinks-almost-fifth-last-quarter-2023

[12] https://www.timesofisrael.com/finance-ministry-says-ban-on-palestinian-workers-could-cost-economy-billions/#:~:text=%E2%80%9CWe%20are%20in%20very%20dire%20straits%2C%E2%80%9D%20Raul%20Sargo%2C,impact%20on%20Israel%E2%80%99s%20economy%20and%20the%20housing%20market.%E2%80%9D

[13] https://www.hrw.org/sites/default/files/world_report_download/wr2015_web.pdf

[14] https://www.cbc.ca/news/world/foreign-workers-israel-labour-market-human-rights-1.7045138

[15] https://www.business-humanrights.org/en/latest-news/israel-migrant-workers-are-unable-to-return-home-as-they-are-trapped-in-debt-due-to-high-recruitment-fees/

[16] https://www.middleeasteye.net/news/india-haryana-protest-tactics-farmers-employed-israel-palestinians

[17] https://www.middleeasteye.net/news/desperation-migration-why-thousands-indian-workers-want-to-go-israel

[18] https://www.globalhungerindex.org/pdf/en/2023.pdf 

[19] https://www.orfonline.org/wp-content/uploads/2020/03/ORF_SpecialReport_103_Malnutrition1.pdf#:~:text=India%20has%20the%20world%E2%80%99s%20largest%20number%20of%20stunted,%2846.6%20million%29%20and%20wasted%208%20children%20%2825.5%20million%29.

[20] https://economictimes.indiatimes.com/news/economy/indicators/india-jobless-rate-rises-to-more-than-two-year-high-cmie-says/articleshow/104893462.cms

[21] https://www.aicctu.org/workers-resistance/v1/workers-resistance-january-2024/modi-govt-conspires-%E2%80%98export%E2%80%99-indian-workers-israel

[22] https://thewire.in/labour/indias-water-transport-workers-union-says-wont-help-ships-carrying-arms-bound-for-israel

 

1
عن المؤلف: 

أمريت ويلسون: كاتبة وناشطة، تكتب عن السياسة الهندية والمملكة المتحدة وقضايا عرقية أخرى.