تقدّم أدوات الواقع الغامر، الافتراضي والمعزز، أساليب مبتكرة وثورية في إعادة إنشاء وتقديم مشهد تاريخي أو حدث معاصر. وفي سياق ما يشهده قطاع غزة، من تعرُّض للإبادة والتدمير المنهجي الواسع النطاق وبشكل متكرر، فإن توظيف هذه التقنيات ضمن عمليات التوثيق الشامل سيساهم في الحفاظ على الأدلة المادية والإنسانية من التلاشي والإنكار، ويحرر سرديات الضحايا من القيود المكانية والزمنية المفروضة عليها. وتعرض هذه الدراسة أدوات الواقع الغامر وأفق استخداماتها ومميزاتها في التوثيق والاستقصاء، والصحافة الغامرة، والتخليد للأحداث التاريخية الجمعية ضمن السياق الجغرافي والإنساني. وتناقش الدراسة إمكان وجدوى استخدامها في توثيق جرائم الحرب في قطاع غزة من خلال تقديم نماذج متعددة استفادت من تلك الأدوات في التوثيق والحفاظ على ذاكرة الحدث، وفي زيادة الوعي والتعاطف العام مع الضحايا، وفي الدعوة إلى العدالة والمساءلة.
تمهيد
يُعتبر توثيق جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية والإبادة أمراً حيوياً للحفاظ على سجل تاريخي دقيق لتلك الأحداث المأسوية بهدف ضمان عدم طيّ صفحتها، وتقديم دعم قوي للجهود المبذولة لمحاسبة الجناة وكشف انتهاكات حقوق الإنسان، والمساهمة في وضع قوانين دولية ومعايير لتجنّب تكرار مثل هذه الأحداث. فالتوثيق يؤدي دوراً في شفاء الجروح التي طالت المجتمعات المتأثرة، غير أن طرق التوثيق التقليدية تواجه تحديات فنية وإجرائية، مثل صعوبة الوصول إلى المناطق المتأثرة بسبب القيود المفروضة والتدخلات السياسية. كما أن الحفاظ على الأدلة من التدمير المتعمد والتلاشي مع مرور الزمن يُعتبر تحدياً تواجهه عمليات التوثيق التقليدي. وفي هذا السياق، تقدّم أدوات التكنولوجيا الحديثة حلولاً فاعلة تساهم في تجاوز هذه التحديات، وتوفر فرصاً غير مسبوقة لزيادة الوصول إلى المعلومات والتوثيق الفوري الدقيق، ثم تنشر الوعي بشأن الحدث. ويُعدّ الواقع الافتراضي والواقع المعزز من أكثر هذه الأدوات ابتكاراً وثورية، إذ إنهما لا يقتصران على تعزيز عملية التوثيق فقط، بل يشملان تقديم إمكان فريد لإعادة بناء مسرح الحدث، والحفاظ على الأدلة حاضرة، وخلق تجربة تفاعلية تعزز الفهم العميق والتعاطف والتغيير الاجتماعي الإيجابي لدى المستخدم. فما هي هذه الأدوات؟ وما هو أفق استخدامها في سياق توثيق جرائم الحرب في قطاع غزة؟
الواقع الافتراضي والمعزز
من أهم أدوات الواقع الغامر، والتي تعتمد تقنيات التكنولوجيا الغامرة (immersive technology) في إنشاء بيئة محاكاة اصطناعية كاملة أو جزئية، من خلال استخدام تقنيات رقمية، هو الواقع الافتراضي (virtual reality). وهذا الواقع مثلما تُعَرّفه جمعية الواقع الافتراضي، هو مصطلح يُستخدم لوصف بيئة ثلاثية الأبعاد يتم إنشاؤها بواسطة الكمبيوتر، والتي يمكن لأي شخص استكشافها والتفاعل معها عبر وسيط، بحيث يصبح الشخص جزءاً من هذا العالم الافتراضي، ويكون قادراً على التعامل مع الأشياء أو تنفيذ سلسلة من الإجراءات فيه.[1] وهذه البيئة الثلاثية الأبعاد، إن جاز التعبير، هي طريقة يخدع فيها العقل الجسم بالاستعانة بمجموعة من المدخلات الحسية كي يشعر كما لو أنه في المشهد فعلياً، الأمر الذي يحفِّز الشعور على الحضور، وبالتالي توليد مجموعة من العواطف تجاه محتوى المشهد.[2] ويُستخدم الواقع الافتراضي، إلى جانب الترفيه وصناعة الألعاب، في مجالات التعليم، والصحة، والتدريبات العسكرية، والاستجابة للكوارث، والسياحة وغيرها. بينما يتيح الواقع المعزز (augmented reality) دمج وإضافة عناصر مرئية وسمعية، مثل الصور والنصوص والأصوات، فوق العالم الفعلي. ويمكن للمستخدم التفاعل مع هذه العناصر عبر وسيط مثل الهاتف الذكي أو الجهاز اللوحي.[3]
هناك العديد من التقنيات الداعمة لهذه الأدوات، مثل تقنية "المسح الفوتوغرافي" التي تُمكِّن من إعادة بناء نموذج ثلاثي الأبعاد عالي الدقة لأي جسم من خلال استخدام صور ثنائية الأبعاد. وعند دمج هذه التقنية مع تقنية الواقع الافتراضي، يستطيع المستخدم التفاعل مع "توأم رقمي" بجميع تفصيلاته وألوانه، وهو تكامل يعزز واقعية تجربة المشهد الافتراضي، ويخلق شعوراً بـ "الواقعية الفائقة".[4] وفضلاً عن هذه التقنية، هناك تقنية الفيديو بزاوية 360 التي تسمح بمجال رؤية كروي، وباستكشاف المكان المحيط من جميع الزوايا. وسنستخدم في هذه الدراسة مصطلح "الواقع الغامر" في إشارة بصورة عامة إلى ما سبق شرحه من التقنيات الأساسية والداعمة.
مثلما هي الحال مع أي تقنية جديدة، هناك مجموعة من التحديات والمخاوف الأخلاقية والقانونية المرتبطة باستخدام الواقع الغامر،[5] مثل عدم معرفة تأثير التجارب الغامرة على المدى القريب والبعيد، إذ ما زالت الأبحاث في هذا المجال غير كافية. ومع تماهي الفارق بين الحقيقي والمحاكاة للوصول إلى هدف الإقناع بواقعية التجربة، تثار المخاوف من إمكان التلاعب بعواطف المستخدم وتوجيهها أو الإضرار النفسي، مثل أعراض ما بعد الصدمة، أو خطر فقدان الاتصال العاطفي بسبب تُخمة التجربة أو الوقوع في فخ التلاعب. والتجارب الغامرة أحياناً تقدم وجهة نظر مختارة وانتقائية لحدث معين مثل تقديم السردية المركزية على حساب السرديات المهمشة، علاوة على أن بعض وسائط هذه التقنيات غير متاح للجميع، ويبقى غير ملائم لفئات عمرية معينة، ويمكن أن تكون تجربته مرهقة لبعض الأشخاص.
الواقع الغامر وآفاق توظيفه في التوثيق في سياق غزة
تكمن استثنائية النموذج الفلسطيني، وخصوصاً حالة غزة، عن غيره من مناطق العالم التي حدثت أو تحدث فيها جرائم حرب وانتهاكات حقوق الإنسان، في الثنائية التي قامت عليها الحالة الاستعمارية الصهيونية بربط وجودها واستمراريتها بوجوب إنهاء وجود الشعب الأصلي للبلد، أي الشعب الفلسطيني.[6] ولهذا، عمد الاستعمار إلى التوظيف والجمع بين الأدوات كلها المخالفة للقانون الدولي والإنساني لتحقيق هذه الثنائية، ومنها: الاحتلال؛ التهجير؛ الاستيطان؛ الفصل العنصري؛ العقاب الجماعي؛ الحصار؛ المجازر؛ الإبادة الجماعية؛ التطهير العرقي؛ وغيرها. لذلك، من الصعب إيجاد حالة مشابهة تم فيها توظيف أدوات غير تقليدية في التوثيق، لكن يمكن تجزئة السياق الوظيفي للأدوات إلى مستويات وحالات دراسية، أي "نماذج"، تحت ثلاث مظلات فضفاضة بناء على الهدف النهائي المرجو من الاستخدام، وهي: مظلة التوثيق والاستقصاء؛ مظلة الصحافة الغامرة؛ مظلة التخليد والإحياء.
مظلة التوثيق والاستقصاء
تُستخدم أدوات الواقع الغامر بشكل واسع في الهندسة الجنائية ضمن التحليل المكاني وإعادة تصور وبناء الأحداث لمساندة التحقيقات في جرائم الحرب وانتهاكات حقوق الإنسان.[7] ونعرض هنا ثلاثة نماذج أساسية وُظفت فيها تلك الأدوات في تحقيقات الهندسة الجنائية ضمن سياقات متنوعة، وهي: التوثيق لجريمة مضى عليها زمن؛ التوثيق المحدود من أجل الملاحقة القضائية؛ التوثيق لحدث معاصر على مساحة جغرافية واسعة.
أولاً: التوثيق لجريمة مضى عليها زمن، ويهدف هذا النموذج إلى إعادة بناء مسرح الجريمة واسترجاع تصوّري لتسلسل الأحداث فيها على الرغم من تلاشي الأدلة مع مرور الزمن. ففي نموذج "مجزرة الطنطورة والمقابر الجماعية"، وبعد مرور أكثر من 75 عاماً على المجزرة وتدمير القرية من طرف قوات الاحتلال الإسرائيلية، قام "مركز عدالة" مع وكالة الأبحاث "فورنزك أركتكتشر" بإعادة بناء مجسّم رقمي للقرية مثلما كانت عليه في سنة 1948، أي قبل هدمها واستبدالها بقرية سياحية وطمس مسرح الجريمة.[8] واُنجز العمل بناء على ما توفر من مواد أرشيفية، ورسومات الذاكرة وشهادات الناجين، وشهادات جنود الاحتلال الإسرائيلي الذين شاركوا في المذبحة أو شهدوها. ومن خلال التحليل المكاني في الواقع الافتراضي أمكن تحديد مواقع عدد من المقابر الجماعية لضحايا المجزرة، وبناء سرد تصوري لتسلسل الأحداث وإسقاطها على مواقعها الجغرافية بدقة. وهكذا، بات في إمكاننا تفعيل هذه الأداة لإعادة بناء، ليس فقط ما حدث من جرائم وعدوان متكرر على قطاع غزة خلال العشرين عاماً الماضية، بل منذ حدوث النكبة الفلسطينية.
ثانياً: التوثيق المحدود من أجل الملاحقة القضائية، وهو نموذج يعبّر عن عملية التوثيق المحدودة التي تهدف إلى دعم أو نفي مزاعم معينة، وتكمن فاعليته الرئيسية في مساعدة السلطات القانونية على تتبّع ومحاسبة الأشخاص المتورطين في جريمة محددة. ففي نموذج "محاكمة هننغ رولاند"، استُخدمت تقنية الواقع الافتراضي كدليل معتمد في إدانة أحد المتورطين في المحرقة النازية. فبعد ادعاء المتهم هننغ أن مكان عمله كحارس برج في معسكر أوشفيتز في سنة 1944 لم يسمح له برؤية عمليات الإبادة، ولذلك لم يكن على علم بما كان يحدث فيه من فظائع، جرت آنذاك إعادة بناء مجسم دقيق ثلاثي الأبعاد للمعسكر بالكامل في العالم الافتراضي يشمل برج الحارس بناء على الصور المتوفرة من الأرشيف وتقنية مسح الليزر،[9] وتمكّن القضاة من الصعود "افتراضياً" إلى البرج والوقوف في مكان هننغ للتأكد من صحة أقواله. واتضح أن هننغ كان في استطاعته رؤية أماكن تفريغ الضحايا واختيارهم وأماكن اقتيادهم إمّا إلى معسكرات السخرة، وإمّا إلى غرف الغاز (انظر المرئية رقم 1)، وعلى هذا الأساس تمت إدانته في سنة 2019. مثال آخر هو "محاكمة المالي الحسن أغ عبد العزيز أغ محمد أغ محمود" أمام المحكمة الجنائية الدولية، المستمرة منذ سنة 2020، وقد تم توظيف أدوات العالم الغامر في توثيق انتهاكات حقوق الإنسان في مدينة تمبكتو في مالي واتهامه بالتورط فيها.[10] وفي حالة قطاع غزة، سيمكّن هذا النموذج من ملاحقة جنود الاحتلال الإسرائيلي الثنائيي الجنسية والمتورطين مباشرة في عدوان محدد المكان والزمان، أمام محاكم الدول التي يملكون جنسيتها، وأمام المحاكم الدولية أيضاً.
ثالثاً: توثيق حدث معاصر على مساحة جغرافية واسعة. ومن الأمثلة لهذا، نموذج "بوتشا - مسرح الجريمة" لتوثيق أنماط العنف التي أسفرت عن مقتل 450 شخصاً من طرف الاحتلال الروسي لمدينة بوتشا في كانون الثاني / يناير 2022. فقد قام مكتب الهندسة الجنائية (SITU) بتوثيق المدينة على نطاق واسع لإعادة بناء توأم رقمي لها بتقنية المسح الفوتوغرافي،[11] دامجاً معه مجموعة من الأدلة مثل أصوات الناجين والشهود، إلى جانب الأدلة الرئيسية ومئات الساعات من لقطات كاميرات المراقبة. وتطلّب الأمر إدارة 70,000 قطعة من لقطات الفيديو التُقطت من زوايا متعددة للكاميرات، وتحديد موقعها الجغرافي والتسلسل الزمني للأحداث التي جرت (انظر المرئية رقم 2)، ولهذا يُعتبر نموذج بوتشا مستودعاً مهماً لتنظيم الأدلة جغرافياً وزمنياً في أنحاء المدينة كافة. ومع أنه ربما يكون من الصعب بناء نسخة رقمية مشابهة لقطاع غزة في الوقت الحالي بسبب وضعها المعقد، إلّا إن في الإمكان تطوير آليات مشابهة لتوثيق الدمار على نطاق واسع لبُنية القطاع الحضرية باستخدام المسح الفوتوغرافي للمناطق الأكثر تضرراً على الأقل. فبدلاً من الاقتصار على إحصاء وتعداد المنشآت الصحية والتعليمية التي استهدفها العدوان الإسرائيلي، يمكن بناء قاعدة أرشيفية للمنشآت بتوثيق رقمي ثلاثي الأبعاد. وفي هذا السياق، يُعتبر مشروع "الحرب عن قرب"،[12] ومبادرة "إنقاذ التراث الأوكراني"،[13] نموذجَين لأرشفة عشرات المرافق والمباني التي دُمرت في الحرب الروسية - الأوكرانية باستخدام المسح الفوتوغرافي ولقطات بانوراما. وهناك تجارب أولية لتوظيف هذا النموذج في قطاع غزة على نطاق ضيق، مثل إعادة بناء افتراضي لموقع حي سكني شمالي غزة تعرّض لغارة إسرائيلية في سنة 2014 استناداً إلى لقطات من طائرة من دون طيار وثَّقتها الـ "بي. بي. س." (انظر المرئية رقم 3).[14] مثال آخر هو مشروع توثيق التدمير الجزئي لبرج المينا في العدوان على غزة في سنة 2021، وتم توثيقه برعاية الصليب الأحمر (انظر المرئية رقم 4).[15]
المرئية رقم 1: لقطة شاشة البرج في معسكر أوشفيتز، المصدر: "ذا أتلنتك"
المرئية رقم 2: لقطة شاشة لنموذج بوتشا، المصدر: SITU
المرئية رقم 3: لقطة شاشة إعادة بناء افتراضي لموقع حي سكني شمالي غزة، المصدر: "سكتش فاب"
المرئية رقم 4: لقطة شاشة لنموذج برج المينا في مدينة غزة، المصدر: "سكتش فاب"
مظلة الصحافة الغامرة
تستلهم هذه المظلة مبدأ "ضع نفسك في مكان الآخر" كمحفز على التعاطف، باعتبار أن التعاطف، جزئياً، يعتمد على قدرة المتلقي أو المشاهد على وضع نفسه في مكان الآخر.[16] والصحافة الغامرة هي نهج تجريبي يسعى لدمج الصحافة مع أدوات الواقع الافتراضي في بناء "سردية غامرة" تنقل المستخدم إلى قلب حدث معاصر من أجل تعزيز التعاطف وزيادة الوعي بالقضايا الإنسانية والاجتماعية، وفهم أعمق لتأثير الصراعات والحروب وانتهاكات حقوق الإنسان في المناطق المهمشة والبعيدة.[17] ومعظم ما أُنتج تحت هذا النهج هو أفلام وثائقية قصيرة باستخدام تقنية الفيديو بزاوية 360 درجة مع دمج صوتي لشهادات المتضررين. وهناك جدل بشأن ما إذا كان في استطاعة الصحافة الغامرة التي يطلَق عليها أحياناً "ماكينة التعاطف"، تعزيز تعاطف المستخدم أم لا، إذ ما زال الباحثون لا يعرفون سوى القليل عن كيفية تفاعل المستخدمين معها.[18]
ولعل من أمثلة توظيف الصحافة الغامرة في قطاع غزة هو مشروع "أجنحة أمي"[19] للمخرج والفنان غابو أرورا الذي يصف فيه تجربة أم فلسطينية فقدت اثنين من أبنائها في العدوان على غزة في سنة 2014. فالأم تروي بصوتها الحقيقي تفصيلات حياتها المحصورة ما بين الجدار والشاطىء، وتتحدث عن ألم الفقد والتعايش معه وعن أمنيتها بأن يحفظ الله الأطفال تحت أجنحة أمهاتهم (انظر المرئية رقم 5). وهناك أفلام مهمة أُخرى نذكر منها "النازحون"؛[20] "غيوم فوق سيدرا"؛[21] "لا أحد يصغي".
إن نموذج "ما بعد الغارة"[22] هو نموذج مختلف تولي فيه الصحافةُ الغامرة سرديةَ جغرافيا المكان المساحةَ الأكبر، وذلك على حساب القصص الشخصية. "ما بعد الغارة" يتتبّع التغييرات المادية والبيئية وسلسلة الأحداث التي تلت الغارة الجوية الإسرائيلية على منزل عائلة ناصر في حي سكني مكتظ في بيت حانون شمال قطاع غزة في سنة 2021 وتدميره بالكامل والتسبب بأضرار جسيمة لمحيطه. وقد تم بناء نسخ رقمية تسلسلية في الواقع الافتراضي توثق عمليات الهدم والإصلاح في الأيام والأسابيع التي تلت الغارة وتأثيرها في المحيط، حتى تعود الحياة إلى طبيعتها فيما يطلق عليه "العنف البطيء" أو الهزات الارتدادية للهجوم.[23] (انظر المرئية رقم 6)
المرئية رقم 5: لقطة شاشة لنموذج "أجنحة أمي"، المصدر: Within
المرئية رقم 6: لقطة شاشة لنموذج "ما بعد الغارة "، المصدر: SITU
مظلة التخليد والإحياء
على عكس الصحافة الغامرة في هدفها الأساسي في نقل المعلومة عن حدث معاصر لكسب التعاطف، يسعى التخليد الغامر، عن طريق السرد التفاعلي، للتذكير بحدث مفصلي مضى عليه زمن، وعرضه ضمن سياقه التاريخي الشامل من أجل حفظه، ونقله عبر الأجيال كجزء من الذاكرة الجمعية والهوية السردية، وتعزيز فضاء التأمل والتفكير،[24] وتُعتبر الفضاءات التعليمية والمتاحف أكثر الأماكن شيوعاً لاستخدامه. وسأعرض نموذجين: الأول يقوم على مفهوم الإحياء المكاني للحدث، والثاني على تخليد الشاهد على الحدث.
1) نموذج الإحياء المكاني للحدث في "شاهد: أوشفيتز"
يقدم النموذج تجربة غامرة باستخدام منصات ألعاب الفيديو التي تحتوي على نسخة طبق الأصل من معسكر أوشفيتز،[25] يشترك فيها المستخدمون في تجربة التحدي اليومي للبقاء في قيد الحياة داخل معسكرات الاعتقال مع الناجين من الهولوكوست، حيث يستطيعون التفاعل وتحريك الأشياء داخل العالم المحاكي (انظر المرئية رقم 7). وتُعدّ هذه التجربة نقلة نوعية وتغييراً ثورياً في مفهوم السردية في مجال الذاكرة الجمعية لحدث جسيم مثل المحرقة هدفها خلق تجربة تعليمية. وفي مقابلة مع مخرج العمل دانييل أزار قال: "نمنحك الفرصة للعيش داخل [أوشفيتز] والحصول على تجربتك الخاصة، بما يتجاوز مجرد قراءة كتاب ومحاولة تصوره." ومع أن التجربة ابتعدت عن إظهار العنف والإبادة داخل الواقع الافتراضي، إلّا إنه كان هناك جدل بشأن أخلاقيات خلق تجربة مؤلمة باستخدام منصة لعبة فيديو، إذ من الممكن أن تفرز نتائج غير متوقعة منها الصدمة أو فقد الإحساس بفظاعة الحدث مثل لعبة "ثمن الحرية" التي يلعب فيها المستخدم دور حارس من قوات الأمن الخاصة في معسكرات النازية حيث لديه الخيار لتعذيب المسجون، أو إرساله إلى غرف الغاز.
2) نموذج "الأبعاد في الشهادة" لتخليد الشاهد
عبر استخدام تقنية الواقع المعزز (تقنية الهولوغرام كوسيط) في الحفاظ على شهادة الناجين من المحرقة حية وحاضرة، يستطيع الزائر التفاعل والحديث مع نسخة هولوغرامية لناجٍ سُجّلت إجاباته عن أكثر من 1500 سؤال عن تجربته.[26] وهذا النموذج يساعد على تخليد سردية الضحية ونقلها إلى الأجيال المقبلة، وخصوصاً مع تناقص عدد الناجين بعد مرور 80 عاماً على الحدث (انظر المرئية رقم 8).[27] ويدمج المشروع تقنيات التصوير المتقدمة وتقنيات العرض المتخصصة والجيل المقبل من معالجة اللغة الطبيعية لإنشاء سيرة ذاتية تفاعلية.
ربما من المبكر الحديث عن توظيف أساليب هذه النماذج في محاكاة حدث ما زال متواصلاً مثل العدوان الأخير على قطاع غزة، إذ لم تتشكل بعد سمات الهوية الجمعية الخاصة بالحدث. لكن من الممكن توظيفها في أحداث سابقة مثل النكبة نظراً إلى تشابه التحديات في حفظ شهادات مَن تبقّى من الذين نجوا من النكبة، وفي إعادة بناء مئات القرى المهجرة والمدمرة في العالم الافتراضي.
المرئية رقم 7: لقطة شاشة لنموذج "شاهد: أوشفيتز"، المصدر: witnessauschwitz
المرئية رقم 8: لقطة شاشة لشهادة بنخاس غوته في نموذج "الأبعاد في الشهادة"، المصدر: iwitness
أسس بناء سردية المشهد الغامر في قطاع غزة
من أجل المساهمة في بناء سردية المشهد الغامر في قطاع غزة يتوجب علينا الأخذ بعين الاعتبار السياق الجغرافي والتاريخي والبعد الإنساني مجتمعين.
1) السياق الجغرافي والتاريخي
من الضروري بناء المشهد المكاني للمناطق المتأثرة بالعدوان ضمن السياق الجغرافي الشامل لقطاع غزة كامتداد لفلسطين التاريخية بأكملها، وكسر المخيلة المصطنعة والمفروضة على القطاع ككيان مختزل ومنفصل عن سائر المناطق الفلسطينية المحتلة. هذا من ناحية، ومن ناحية أُخرى، يجب إظهار خصوصية القطاع في سياقه العمراني والتاريخي، وفي تعدد شرائحه الاجتماعية والاقتصادية،[28] ذلك بأن قطاع غزة بمدنه الثلاث ومخيماته الثمانية وأبراجه وشواطئه ولغاته العمرانية المتعددة وندوب الاحتلال والعدوان وجروحه المفتوحة يرسم مراحل تاريخية واجتماعية مفصلية مرّ بها. وأي نموذج لغزة إنما يستلزم تكامل البيانات التاريخية والجغرافية والاجتماعية ودمجها في المشهد السردي لزيادة الوعي المكاني والزمني بالحدث عند المستخدم في الفضاء الافتراضي.
2) البعد الإنساني
لا بد من "أنسنة" التجربة وجعل المستخدم جزءاً منها، والخروج عن لغة اختزال الحدث بالأرقام والإحصاءات في التوصيف. فتجربة العالم الافتراضي لا تُعنى كثيراً بأرقام الخسائر الإنسانية والمادية بقدر ما تنقل الإحساس المرافق لهذه الخسارة. وفي هذا السياق، لا بد من تحميل السردية الغامرة بالقصص الشخصية للضحايا وبشهادات الناجين بأصواتهم وانفعالاتهم، وتخصيص مساحة واسعة لسرد التفصيلات اليومية والإنسانية لما قبل الحدث وما بعده، فالتأثير طويل المدى يعمّق تجربة الواقع الغامر، وعلينا أيضاً الاحتفاظ بآنية سردية الفاجعة وحضورها كما لو أنها حدثت البارحة. ولا بد كذلك من أن تتجاوز سردية النموذج المسار الخطي التقليدي إلى سردية دينامية متشابكة الأبعاد والطبقات، باعتبارها عملاً موازياً ومتكاملاً مع الأشكال الأُخرى في التوثيق والتذكير.
ولإنجاح صناعة نماذج الواقع الغامر تحت المظلات الثلاث والسياقات سابقة الذكر، ثمة حاجة ملحة إلى إجراء عمليات توثيق عاجلة وشاملة وتفصيلية للقطاع وجمعها في قاعدة بيانات تشكّل مخزوناً مستمراً لإمداد عملية إنشاء النماذج بما تحتاج إليه من مواد لإنجازها. وبالنظر إلى المحاولات السابقة من طرف المؤسسات والبعثات الدولية في توثيق العدوان، يبدو أنها مهمة شبه مستحيلة، ذلك بأن من واقع تجربة الحروب السابقة على قطاع غزة، فإن الحصار الإسرائيلي تسبّب بفرض قيود على دخول المؤسسات والبعثات للقطاع، الأمر الذي فرض صعوبات وتحديات لإجراء توثيق شامل على مدار الأعوام الماضية. وهذا واضح في التقارير المفصلة والصادرة عن المؤسسات الدولية والإنسانية لتوثيق آثار عدوان "الجرف الصامد" في سنة 2014 مثل تقرير "عائلات تحت الردم"[29] الصادر عن "أمنيستي الدولية"، وتقرير "البُنية التحتية التفصيلية: تقييم الأضرار - غزة 2014"[30] الصادر عن برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، وتقرير مجلس حقوق الإنسان،[31] إذ لم يسمح الاحتلال للبعثات بالدخول إلى قطاع غزة للتوثيق والاستماع إلى الشهود والتحقيق في الانتهاكات في الموقع مباشرة. ومع محدودية المصادر وضيق الوقت المتاح لها في إنجاز المهمة، لم تستطع أي مؤسسة إجراء توثيق شامل، وإنما اقتصرت على عدد محدود من الحالات. ومؤخراً تم فرض قيود جديدة على الصور الفضائية لمنطقة القطاع المتاحة للعامة، الأمر الذي يزيد في صعوبة مهمة التوثيق الجيو - فضائي للدمار.[32]
وفي ظل شحّ وقصور التوثيق المؤسساتي في الحروب السابقة، فإن الواقع الحالي يستلزم بناء منصة قائمة على تقنية "استخبارات المصادر المفتوحة" (Open-Source Intelligence/OSINT)، وهي تقنية الحصول على المعلومات من المصادر المفتوحة المتاحة للجمهور العام من دون قيد أو شرط، غير أن الوصول إليها يتطلب معرفة وخبرة.[33] وأذكر هنا الأرشيف السوري كنموذج اعتمد هذه التقنية في توثيق الحالة السورية، فالأرشيف السوري يقوم منذ عشرة أعوام على جمع وحفظ البيانات كذاكرة رقمية تهدف إلى دعم الجهود في توثيق انتهاكات حقوق الإنسان في سورية من خلال تطوير أدوات جديدة مفتوحة المصدر، وتوفير منهجية شفافة معتمدة للجمع والحفظ والتحقق والتحقيق،[34] والاعتماد على آلية دقيقة وفاعلة في التوثيق المرئي.[35] وحتى كتابة هذه الدراسة، فإن الأرشيف السوري ضم أكثر من ثلاثة ملايين ونصف مليون مادة مرئية من أكثر من 5000 مصدر موثوق به، تم معالجة أكثر من 650,000 مادة، والتحقق من 8000 منها، واستخدامها في التحقيق في 2000 حالة على الأقل. كما استخدمت عدة منظمات دولية نتائج تحقيقات الأرشيف السوري لإثبات وقوع انتهاكات حقوق الإنسان في سورية.
تكمن أهمية تقنية استخبارات المصادر المفتوحة في قدرتها، نسبياً، على تجاوز القيود المكانية والزمانية، إذ من الممكن إجراء تحقيق استقصائي لتوثيق الانتهاكات عن بُعد. وفي تقريرها "الجمعة السوداء، مذبحة في رفح"، وبعد منع بعثة المنظمة وطاقم الهندسة الجنائية من دخول القطاع، اعتمدت "أمنيستي" بشكل كبير على تقنية استخبارات المصادر المفتوحة في إعادة إنشاء سياق العدوان على رفح بين 1 و4 آب / أغسطس 2014 باستخدام تقنية الواقع الافتراضي، وذلك عندما تعرّض حي التنور لقصف بأربعة آلاف قنبلة وصاروخ إسرائيلي في خرق واضح للهدنة.[36] فقد جرى إعادة بناء تسلسل الأحداث ورسم خرائط لمئات الضربات الجوية والقصف المدفعي اعتماداً على آلاف الصور ومقاطع الفيديو المنتشرة في الإنترنت بعد التحقق منها، وخلص التقرير إلى وجود أدلة دامغة على انتهاك إسرائيل القوانين الدولية واستهدافها المتعمد للمدنيين.[37]
يتطلب توثيق المساحات الهائلة المدمرة في قطاع غزة استخدام تقنية المسح الفوتوغرافي، ووسمها جغرافياً مع جميع المواد المرئية المتوفرة، وربطها ببيانات آلاف الضحايا وسردياتهم. وفي العدوان الحالي ثمة حاجة ملحة إلى حفظ وتنظيم وإدارة مختلف الوثائق في أقصر زمن ممكن قبل تلاشي الأدلة وإزالة الركام لإعادة البناء في قطاع غزة. ولذلك لا بد من أن تتوفر في منصة الاستخبارات ذات المصادر المفتوحة ميزات عديدة أهمها:
أولاً: أن تتوفر القدرة على جمع وتنظيم وإدارة عدد هائل من الأدلة الرقمية مفتوحة المصدر وتصنيفها بشكل ملائم داخل إطار زمني يسهل الوصول إليه، ووسم جميع هذه البيانات جغرافياً وربطها بأنظمة المعلومات الجيو - فضائية.
ثانياً: أن تتوفر فيها خدمة إلكترونية لتقديم الأدلة وتلقّي المعلومات من طرف الجميع، مثل المنصة الناشئة "OTPLink" التابعة للمحكمة الجنائية الدولية، والتي تسمح لأصحاب المصلحة والشهود كلهم بتقديم الأدلة عبر الإنترنت والبريد الإلكتروني.[38]
ثالثاً: أن تشمل قاعدة بيانات خاصة لشهادات الضحايا والمتضررين مرفقاً بها قصصهم وشهاداتهم المسجلة مع مراعاة الخصوصية والاحترام الثقافي.
رابعاً: أن تحتوي على بيانات ومواد أرشيفية وتاريخية ذات صلة لتمكين وضع الأحداث في سياقها الكامل.
خامساً: أن تشمل البيانات والتقارير الحقوقية والأدلة الجنائية من المناطق المتضررة.
سادساً: أن تكون منصة آمنة تحت مظلة قانونية وحقوقية لديها المرونة الكافية للتعاون مع الفرق المتخصصة والمؤسسات الحقوقية والإنسانية، وقابلة للتوسع والاندماج والتكامل مع أنظمة ومنصات بيانية أُخرى.
سابعاً: أن يكون لديها القدرة على تخزين وتفعيل ملفات الواقع الغامر في مختلف الوسائط والمنصات.
ثامناً، أن تتطور المنصة باستمرار وتواكب التقنيات الناشئة مثل الذكاء الاصطناعي والاستفادة منها في دعم أهداف المنصة.
خاتمة
إن التطور المتسارع الذي يشهده مجال الواقع الغامر يفتح آفاقاً غير محدودة، وغير متخيلة حتى، للإمكانات والاستخدامات الخلاقة. وفي المستقبل القريب، لن تكون هذه التقنيات مجرد أدوات داعمة أو إضافية في مجالات التحقيقات الخاصة بجرائم الحرب والإبادة فقط، بل ربما تؤدي دوراً حاسماً في المساءلة وتحقيق العدالة أيضاً. ويكمن الواجب الأخلاقي والإنساني في استثمار الفرص الفريدة التي تقدمها هذه التكنولوجيا أو غيرها من أجل تحقيق العدالة للضحايا، ولزيادة الوعي والتعاطف العالمي بشأن فظاعة ما يجري في قطاع غزة وسائر الوطن، وللمحافظة على الذاكرة الجمعية لمأساة الشعب الفلسطيني وجعلها حاضرة وبقوة في السردية العالمية.
المصادر:
[1] “What Is Virtual Reality?”, “Virtual Reality Society/VRS”.
[2]Vanja Kljajevic, Consensual Illusion: The Mind in Virtual Reality (Berlin: Springer, 1st ed., 2021).
[3]Elle Langer, Media Innovations AR and VR: Success Factors for the Development of Experiences (Berlin: Springer, 2023).
[4] Mel Slater et al., “The Ethics of Realism in Virtual and Augmented Reality”, Virtual Real, vol. 1 (3 March 2020).
[5] Miloš Obradović et al., “Virtual Reality Models Based on Photogrammetric Surveys: A Case Study of the Iconostasis of the Serbian Orthodox Cathedral Church of Saint Nicholas in Sremski Karlovci (Serbia)”, Applied Sciences, vol. 10, no. 8 (2 April 2020).
[6] Ilan Pappe, The Ethnic Cleansing of Palestine (London: Oneworld Publications, 2007).
[7] Yal Weizman, Forensic Architecture: Violence at the Threshold of Detectability (New York: Zone Books, 1st ed., 2017).
[8] “Execution and Mass Graves in Tantura, 23 May, 1948”, “Forensic Architecture”.
[9]David Freid, “A VR Model of Auschwitz Helps Catch Nazis”, “The Atlantic”, 5 April 2019.
[10] Alice Speri, “How 3D Modles and Other Technology Could Make it Easier to Convict War Criminals”, “The Intercept”, 12 June 2023.
[11] “Crime Scene: Bucha”, “SITU Research”, 2022.
[12]“War Museum Of War In Ukraine”, “War Up Close”.
[13] “Save Ukrainian Heritage”, “Scan UA”.
[14]“Gaza Strip 2014: 3D Model”, “Sketchfab”.
[15]“Al Mena Tower - Gaza, Occupied Territory (08.22)”, “Sketchfab”.
[16] Turo Uskali et al. (eds.), Immersive Journalism as Storytelling: Ethics, Production, and Design (London: Routledge, 2021).
[17]Ana Luisa Sánchez Laws (ed.), Insights on Immersive Journalism (London: Routledge, 2023).
[18]Robert Hassan, “Digitality, Virtual Reality and the ‘Empathy Machine’ ”, Digital Journalism, vol. 8, no. 2 (2020), pp. 195-212; David Markowitz & Jeemy Bailenson, Virtual Reality and Emotion: A 5-Year Systematic Review of Empirical Research (2015-2019) (Oxford: Oxford University Press, 2021); Angela Watercutter, “VR Films Work Great for Charity. What About Changing Minds?”, Wired, 1 March 2016.
[19] “My Mother's Wing”, a video on “YouTube”.
[20]“The Displaced, 360 VR Video”, a video on “YouTube” by The New York Times.
[21] “Clouds Over Sidra 360”, a video on “YouTube” by “UNICEF Ireland”.
[22] “After The Strike”, “SITU Research” 2021.
[23]“Through Four Wars, Toll Mounts on a Gaza Neighborhood”, a video project by “Associated Press News”, 2021.
[24]Eve Monique Zucker and David J. Simon (eds.), Mass Violence and Memory in the Digital Age (New York: Palgrave Macmillan, 2020).
[25]“Witness: Auschwitz”, a video on “YouTube”.
[26] “Dimensions in Testimony Overview”, a video by “USC Shoah Foundation”.
[27] Alan S. Marcus et al., “Holocaust Education in Transition from Live to Virtual Survivor Testimony: Pedagogical and Ethical Dilemmas”, Holocaust Studies, vol. 28, no, 3 (2022), pp. 279-301.
[28] أباهر السقا، "غزة وقطاعها… أزمة المخيال"، "فسحة"، 9 / 11 / 2023.
[29]“Israel and the Occupied Palestinian Territories: Families under the Rubble: Israeli Attacks on Inhabited Homes”, a report by “Amnesty International”, 5 November 2014.
[30]“Detailed Infrastructure Damage Assessment (Gaza 2014)”, a report by “UNDP”.
[31]“Report of the Detailed Findings of the Independent Commission of Inquiry Established Pursuant to Human Rights Council Resolution S-21/1”, a report by “Human Rights Council – Twenty-ninth session”, 22 June 2015.
[32]Max Yani, “Satellite Companies are Restricting Gaza Images”, “Semafor”, 6 November 2023.
[33]Michael Bazzell, Open Source Intelligence Techniques: Resources for Searching and Analyzing Online Information (Online book published by “Inteltechniques.com”, 8th ed., 2021).
[34] "الأرشيف السوري"، في الموقع الإلكتروني.
[35] “The Syrian Archive”, a video on “Exposing the Invisible”, by Hadi Al Khatib.
[36]“ 'Black Friday': Carnage in Rafah During 2014 Israel/Gaza Conflict”, a report by “Amnesty International”.
[37]“The Bombing of Rafah”, “Forensic Architecture”.
[38]“Welcome to OTPLink”, “International Criminal Court”.