الحواجز والإغلاقات وتقييد الحركة في الضفة الغربية بعد 7 أكتوبر
سنة النشر: 
اللغة: 
عربي
إنكليزي
عدد الصفحات: 
10

لم يبدأ تقييد الحركة وانتشار الحواجز في الضفة الغربية مع لحظة السابع من تشرين الأول/ أكتوبر، ذلك بأن إقامة الحواجز وإجراءات العزل وتقطيع أوصال الضفة تم التأسيس لها منذ عقود طويلة، بدءاً بمخطط يغآل ألون سنة 1967، وخطة أريئيل شارون سنة 1977 للاستيطان في الجبال وغيرها. ويمكن القول إن لحظة التحول في الحواجز مرتبطة بحرب الخليج وتوقيع اتفاقية أوسلو مطلع التسعينيات، ومثلت مرحلة الانتفاضة الثانية وما بعدها مرحلة مفصلية في ترتيب البنية التحتية للحواجز وعمليات الفصل عبر الجدار والحواجز المتنوعة، كما مثلت لحظة 2021 وهبّة فلسطين في نيسان/أبريل- وأيار/مايو فصلاً جديداً في تقييد الحركة، بالتزامن مع نمو جيوب المقاومة المسلحة في شمال الضفة الغربية. فقد أحكمت إسرائيل عملية الهيمنة على التنقل بين المحافظات، وكانت جاهزة لسيناريو العزل والفصل والتحكم بالحركة والتنقل وضبطهما، وهذا ما جرى تطبيقه بعد 7 تشرين الأول/أكتوبر.[1]

الفلسطينيون كرهائن: سياسات الحواجز والتهجير والضم والحسم

لقد تحولت الضفة الغربية، بعد الانتفاضة الثانية، إلى كانتونات متفرقة، وهناك سيناريو إسرائيلي كان يتم ترديده بصورة دائمة يتحدث عن الإمارات السبع؛ أي تحول مدن الضفة الغربية المركزية وأريافها إلى إمارات تحت حكم أقل من حكم ذاتي، كمخطط لتفتيت قيام دولة فلسطينية وتقويضها. وخلال الأعوام الماضية تصاعدت التصريحات والخطط الإسرائيلية من أجل ضم مناطق "ج" من الضفة الغربية. فما يجري اليوم في الضفة حرب صامتة، وإبادة بهدوء بلا أضواء إعلامية؛ فقد جرى ترحيل ما يفوق 1000 فلسطيني من المناطق "ج"، وخصوصاً تجمعات البدو في أكثر من 20 تجمعاً في الضفة.

تهدف سياسة تقييد الحركة إلى تفتيت التواصل الجغرافي، أو تفتيت "المفتت"، كون التواصل الجغرافي معدوماً بين جغرافيا الضفة الغربية، ناهيك عن كونه هشاً ومشوهاً، وذلك بمساهمة جملة من أدوات الاستعمار مثل: المستوطنات، وجدار الفصل، والحواجز، والأبراج، والمكعبات الأسمنتية، والأسلاك الشائكة، والأنفاق، والجسور، وكاميرات المراقبة، وتقنيات الذئب الأزرق، وغيرها من أدوات السيطرة والهيمنة والعقاب. وما جرى بعد السابع من تشرين الأول/أكتوبر هو العودة إلى سياسة خنق الضفة الغربية بالحواجز من أجل تسهيل مضاعفة عملية السيطرة والهيمنة الإسرائيليتين عليها بشكل مرئي، وأحياناً بشكل غير مرئي وصامت، وهو ما يشكل جزءاً من محاولة تطبيق مخطط الضم، والذي هو بدوره جزء من السياسة الإسرائيلية الرسمية وغير الرسمية التي يطبقها المستوطنون في محاولة لحسم الصراع عبر التضييق على الفلسطينيين في الضفة الغربية وترحيلهم بشكل قسري، أو تمهيد الترحيل بشكل طوعي من خلال ضرب مقومات البقاء وحرية التنقل.

تأثير الحواجز في حياة الفلسطينيين بعد 7 أكتوبر

تؤثر الحواجز في حياة الفلسطيني، سواء بشكل مباشر أو غير مباشر، وذلك على النحو التالي:

  • ممارسة العقوبات الجماعية على الحواجز من خلال الاحتجاز لساعات طويلة، وتفتيش المركبات، والتنكيل بالركاب، والعبث بمحتوياتهم الشخصية، الأمر الذي يؤدي إلى تأخر العديد من الموظفين والعاملين على وظائفهم وأعمالهم.

  • الحد من تنقل الفلسطينيين وحركتهم، سواء داخل المدينة الواحدة أو بين المدن، ما يتسبب بتعطيل عدد كبير من المراكز الخدماتية والمؤسسات التي تعمل في مركز الضفة الغربية (رام الله)، ذلك بأن عدداً كبيراً من الموظفين والعاملين هم من شمال الضفة وجنوبها.

  • تعطل المؤسسات التعليمية، كالجامعات والمدارس، لفترات متفاوتة. وبسبب تقييد الحركة جرى التحول إلى التعليم الإلكتروني، وهو ليس البديل الأفضل، لكنه يساعد على تجاوز عقبة الإغلاق وتقييد الحركة.

  • منع وصول المرضى والطواقم الطبية إلى العيادات والمستشفيات، ومنع سيارات الإسعاف من التنقل بسهولة، وأحياناً احتجاز جثامين الشهداء أو المرضى لساعات طويلة على الحواجز.

  • في الجانب الاجتماعي، حرمت الحواجز الأهالي والعائلات من التواصل مع بعضها البعض، وخلقت فجوة في العلاقات الاجتماعية، التي لا يمكن استبدالها بالمكالمات أو الاتصالات الإلكترونية.

  • تعطيل ما يقارب 200 ألف عامل فلسطيني يعملون في سوق العمل الإسرائيلية في قطاعات البناء والإنشاءات والزراعة والصناعة والبنية التحية، لمدة تصل إلى شهرين متتاليين، وهو ما أضعف الحالة الاقتصادية في الضفة الغربية.

  • ابتداع أساليب تنكيل جديدة- قديمة على الحواجز، مثل الضرب المبرح، وتفتيش الفلسطيني وتعريته على الحاجز، ومصادرة الهواتف النقالة التي في حيازته وتفتيشها بشكل دقيق، إذ يمكن أن يتعرض الفلسطيني للضرب المبرح بسبب صورة ما في نشرة إخبارية، أو منشورة على وسائل التواصل الاجتماعي.

  • إعدام موسم قطاف الزيتون وتخريبه في فلسطين، ذلك بأن مساحة واسعة من أراضي الفلسطينيين تقع في مناطق "ج"، أو يفصلها حاجز أو عائق إسرائيلي ما؛ فقد ضيّق جيش الاحتلال، بمساندة المستوطنين، على مئات الفلسطينيين، ومنعهم من الوصول إلى أراضيهم، وتم حرمانهم من قطف الزيتون، وفي حالات أُخرى جرى سرقة ما تم جنيه من الثمار، وتخريب أشجار الزيتون.

  • فرضُ أمر واقع جديد من خلال منع الوصول إلى المناطق الزراعية، ومناطق "ج"، والمناطق القريبة من المستوطنات، وهذا ما سيحول الأمر الواقع إلى سياسة إسرائيلية دائمة بعد انتهاء الحرب.

  • تعميق التقسيم والتمزيق الجغرافي والاجتماعي والسياسي بين مدن الضفة الغربية، وتعزيز عزلها جغرافياً واجتماعياً وسياسياً واقتصادياً، وهذا جزء من فكرة الإمارات السبع، وتكديس الفلسطينيين في مراكز المدن (مناطق أ).

  • ضرب قطاع النقل، وهو جزء من القطاعات الخدماتية الأساسية في حياة الفلسطيني والاقتصاد الفلسطيني، الأمر الذي ينعكس بشكل سلبي على إعالة أسر العاملين في هذا القطاع.

  • إذا استمرت سياسة التقييد والحواجز، قد نشهد حركة هجرة داخلية من الأرياف ومناطق "ج" وبعض مناطق شمال الضفة وجنوبها إلى مراكز المدن الأساسية، وبالتحديد رام الله، كي يتمكن العاملون من الاستمرار في عملهم، وهذا يعيدنا إلى سيناريو الانتفاضة الثانية، وظهور أحياء شعبية جديدة في مدينة رام الله والمدن الأُخرى يسكن فيها القادمون من الأطراف.

خلفية التقييد

تنشط الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة في تقييد حركة الفلسطينيين وتنقلهم في الضفة الغربية، وتبذل تلك الحكومات جهداً كبيراً على المستوى الأمني والتقني والتخطيطي للهيمنة على الحيز والجسد الفلسطينيين، وهذا الأمر ليس جديداً؛ فمنذ النكبة وقيام "دولة إسرائيل" أوجد الاحتلال نظام تصاريح من أجل ضبط تنقل الفلسطينيين بين القرى والمدن الفلسطينية في إبان الحكم العسكري الإسرائيلي في الفترة 1948-1966. وبعد حرب 1967 مارست إسرائيل سياسات متنوعة لتقييد الحركة والتنقل، وقسمت الفلسطينيين إلى تصنيفات متعددة للسيطرة على تنقلهم، فأصدرت نظام هويات يمايز فيما بينهم؛ فهناك هويات بألوان مختلفة، ولكل لون دلالات جغرافية وسياسية وأمنية (بطاقات هوية بلون أزرق لأهالي القدس الشرقية، وبطاقات برتقالية لأهالي الضفة الغربية وقطاع غزة، وبطاقات خضراء تُمنح لمن لديهم ملف أمني لدى أجهزة الأمن الإسرائيلية).

جرى السماح للفلسطينيين، مطلع السبعينيات، بالتنقل بين الضفة والقطاع والدخول إلى الأراضي المحتلة، ومع اندلاع الانتفاضة الأولى سنة 1987، جرى تقييد دخول أهالي قطاع غزة إلى إسرائيل من خلال اشتراط استصدارهم بطاقة الهوية الممغنطة. وبعد حرب الخليج، وبالتزامن لاحقاً مع توقيع اتفاقية أوسلو، أصبح دخول أي فلسطيني يسكن الضفة الغربية وقطاع غزة إلى إسرائيل يحتاج إلى تصريح. وبعد اندلاع انتفاضة الأقصى سنة 2000 عادت إسرائيل وقطعت أوصال الضفة الغربية، وبنت جدار الفصل العنصري، ومنعت الفلسطينيين من الدخول إلى القدس والداخل الفلسطيني إلاّ بموجب نظام تصاريح خاص.

الحواجز كبنية استعمارية في الضفة الغربية

وثق مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (أوتشا) في مطلع عام 2023 انتشار 565 عائقاً أمام الحركة والتنقل في الضفة الغربية، بما فيها القدس الشرقية، وشملت تلك العوائق 49 حاجزاً يرابط عليها، بصورة دائمة، جنود إسرائيليون أو الشركات الأمنية الخاصة، وهناك 139 حاجزاً يتمركز عليها الجنود أو الشركات الأمنية بين الحين والآخر، وهناك 304 متاريس طرق وسواتر ترابية وبوابات طرق، و73 جداراً ترابياً وخندقاً وعائقاً منتشرين على الطرق.[2]

وبحسب تقديرات أوتشا: "ثمة 642 عائقاً مادياً، تشكّل بمجموعها زيادة تقارب 8 في المائة بالمقارنة مع 593 عائقاً سُجّل في مسح الإغلاق الأخير الذي أجراه مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية في كانون الثاني/يناير-شباط /فبراير 2020... زاد عدد الحواجز التي يتمركز الجنود عليها بين الحين والآخر بما نسبته 35 في المائة وعدد بوابات الطرق بنسبة 8 في المائة. وبينما تبقى هذه الحواجز مفتوحة في معظم الحالات، فقد تُغلق في أي وقت من الأوقات".[3]

هذه الأعداد قريبة نوعاً ما من أعداد الحواجز التي كانت منتشرة في إبان الانتفاضة الثانية سنة 2000 وما بعدها، فقد بلغ عدد الحواجز خلال الانتفاضة الثانية 537 حاجزاً متنوعاً، وفق تقارير منظمة بتسيلم المنشورة عام 2007، منها حواجز تصنَّف كمعوقات محسوسة (أكوام التراب، والمكعبات الأسمنتية، والصخور، والجدران، والقنوات، والبوابات الحديدية) بلغ عددها 445 حاجزاً، وكان هناك الحواجز الثابتة وعددها 82 حاجزاً، منها 35 حاجزاً عبارة عن نقاط فحص ثابتة قبل الدخول إلى الأراضي الإسرائيلية، و47 حاجزاً من أجل السيطرة على حركة تنقل الفلسطينيين في الضفة الغربية، بالإضافة إلى تقييد الحركة عبر جدار الفصل، والحصار، والحواجز المتنقلة، والطرق الالتفافية.[4]

ازداد انتشار الحواجز في الضفة الغربية بعد هبّة فلسطين سنة 2021، وتصاعد عمليات المقاومة في الضفة، ونمو ظاهرة عرين الأسود وكتيبة جنين والكتائب الأُخرى. فقد أدت تلك الهبّة وما بعدها إلى إغلاق كل الشوارع الترابية والفرعية في شمال الضفة الغربية، وجرى وضع حواجز وعوائق بين القرى، وداخل القرية الواحدة أحياناً، كما جرى تشديد الخناق على القرى والأرياف، ومصادرة الكاميرات وأجهزة التسجيل من أجل رصد سلطات الاحتلال العمل المقاوم، ورافق كل هذه الخطوات سياسة إغلاق وتقييد متفاوتة زمانياً ومكانياً.

ومن الملاحظ، من خلال التنقل ميدانياً داخل الضفة الغربية، زيادة الحواجز الطيارة/ المفاجئة، وتقييد الحركة على الحواجز التي كانت قائمة قبل السابع من أكتوبر، أي أن الجديد هو سياسات التضييق والإغلاق وتشديد الضبط على الحواجز، ذلك بأن جزءاً كبيراً من الحواجز كان قائماً فعلاً، وما جرى هو التشديد على حركة المرور وتفتيش المركبات والتدقيق في البطاقات الشخصية للفلسطينيين على الحواجز، واحتجاز المركبات والركاب لساعات طويلة، إلى جانب ممارسة الجنود الإسرائيليين سياسات التنكيل بالفلسطينيين، فعلى سبيل المثال، كان ثمة حواجز، قبل 7 أكتوبر، لا يتواجد عليها الجنود إلاّ في حالات نادرة، لكنهم صاروا يرابطون عليها، بصورة دائمة، ليمارسوا عنفهم الاستعماري على الفلسطينيين.

الحواجز والتنقل بعد 7 أكتوبر: الخوف والخسارة والبديل

بقيت الحواجز الإسرائيلية الثابتة، سواء التي تفصل بين الضفة الغربية والقدس والأراضي الفلسطينية المحتلة سنة 1948، موجودة وقائمة، مثل حاجز قلنديا، وحاجز 300 في بيت لحم، وحاجز الأنفاق، والجلمة، وغيرها. كذلك زادت الحواجز التي تفصل بين المدن والتجمعات الفلسطينية، ومارست إسرائيل سياسات تقييد الحركة والتنكيل بالفلسطينيين، فمثلاً أصبح المرور على حاجز الكونتينر، الذي يفصل جنوب الضفة الغربية عن وسطها، عبارة عن قصة نجاة، إذ يتم إغلاق الحاجز لساعات طويلة ما يؤدي إلى زحمة مرورية خانقة، ويتعطل الفلسطينيون لساعات طويلة من دون القدرة على المرور أو حتى النزول من السيارات، والأمر نفسه يحدث على حواجز أُخرى غيره.

أمّا حاجز جبع، الذي يقع قرب قرية جبع شرق مدينة القدس، ويفصل بين محافظة رام الله وأجزاء من ريف القدس، مثل قرية الرام وكفر عقب عن باقي أجزاء القدس الأُخرى ومناطق وسط الضفة الغربية وجنوبها، فقد أصبح المرور عبره يشكل معاناة يومية للعابرين، كونه لا يمكن الدخول إلى مدينة رام الله من جنوب الضفة الغربية أو من مناطق القدس الأُخرى، مثل أبو ديس والعيزرية وشعفاط وعناتا وحزما، وإنما فقط من خلال المرور بحاجز جبع العسكري، فحاجز بيت إيل أغلق بالكامل بالسواتر الترابية، كما جرى إغلاق كل "الفتحات أو النوافذ" الترابية التي كانت تُستخدم كبديل من حاجز جبع أو للالتفاف عليه، والحال نفسها بالنسبة إلى أغلبية المنافذ الالتفافية على الحواجز. كذلك أصبح الدخول إلى مدينة أريحا أو الخروج منها مقيدين بشكل كبير، وجرى إغلاق قرية حوارة لمدة شهر كامل، من حاجز حوارة إلى حاجز زعترة (وهو ما شل الحركة من شمال الضفة إلى وسطها)، كما أُغلقت طريق يتسهار وسُمح فقط للمستوطنين والسيارات التي تحمل لوحة صفراء بالمرور فيها، وأيضاً أُغلقت محافظة الخليل بشكل شبه كامل، أي شُلَت الحركة في المحاور الرئيسية للضفة، شمالاً وجنوباً ووسطاً وشرقاً. ويحاول بعض الفلسطينيين تجاوز الحاجز عبر سلوك الطرق الوعرة أو الجبال، مشياً على الأقدام.

أمّا محافظة الخليل، فمنذ بداية الحرب وهي شبه مغلقة، والخروج منها أو الدخول إليها يحتاجان إلى أكثر من ساعتين، إذ يسلك الفلسطينيون طرقاً زراعية وترابية، وأحياناً يمشون عبر الجبال والحقول كي يتمكنوا من الوصول، وفي بعض الأحيان ينتبه الجيش الإسرائيلي لتلك الطرق ويقوم بإغلاقها بالسواتر الترابية.

استبدل الفلسطينيون جزءاً كبيراً من الطرق الرئيسية، أو الطرق المعتادة التي كانوا يستقلونها قبل السابع من أكتوبر بطرق أُخرى بديلة، وذلك لأسباب متعددة منها: الإغلاقات؛ نصب الحواجز الجديدة أو التشديد على الحواجز القائمة؛ ازدياد عدد الحواجز الطيارة التي تنكل بالفلسطينيين وخصوصاً ممن كان منهم محكوماً بالسجن لدى مصلحة السجون الإسرائيلية سابقاً، إذ يجري تفتيش الهواتف النقالة، والاعتداء على أصحابها في حال وجدوا عليها تطبيق تلغرام، أو صوراً تخص الهوية الفلسطينية؛ هجمات المستوطنين المتزايدة (وانتشارهم في الشوارع في ساعات الليل يعوق الحركة أكثر من الحواجز الثابتة)؛ إغلاق الطرق بالمكعبات الأسمنتية أو السواتر الترابية أو البوابات الحديدية.

يبتدع الفلسطينيون، بصورة دورية، البدائل؛ فجزء من شبكة الطرق الموجودة اليوم في الضفة الغربية، شقها الفلسطينيون في الانتفاضة الأولى، وبعضها التي توصل بين القرى الفلسطينية، أي بين قرية وأُخرى، شقوها في الانتفاضة الثانية. وتمثل هذه الطرق في الوقت الحالي البديل الصعب والطويل للفلسطينيين من أجل التنقل بين مدن الضفة الغربية، فالتنقل بين منطقة وأُخرى بات صعباً ويستغرق وقتاً مضاعفاً مما كان يستغرقه قبل تقييد حركة التنقل. كذلك تضاعفت أجرة النقل على كاهل الفلسطيني، لأن سائق المركبة العمومية مجبر على سلوك طرق وعرة وضيقة وبعيدة داخل القرى الفلسطينية، وتحتاج إلى الالتفاف لمسافات طويلة كي يؤمن وصول الركاب، بينما لم يكن في السابق بحاجة إلى سلوك كل هذه الطرق المتعرجة داخل القرى، إذ كان يسلك الطرق الرئيسية التي كان عليها حواجز تعيق حركة المواطنين بشكل متفاوت ومتقطع؛ لكن هذه الطرق مغلقة في الوقت الحالي، بصورة جزئية أو كاملة، إمّا بواسطة الحاجز نفسه، وإمّا بالسواتر الترابية والمكعبات الأسمنتية والبوابات الصفراء.

وعلى الرغم من محاولة الفلسطينيين الدائمة ابتداع البدائل، فإنه لا يمكن السكوت عن حالة الخوف التي تنتابهم خلال تنقلهم من منطقة إلى أُخرى داخل المدينة الواحدة أو بين المدن. وقد تقلصت الحركة بسبب الخوف من الجيش وتنكيله بالفلسطينيين، والخوف المضاعف من إجرام المستوطنين وعنفهم. ويقدر عبد الله الحلو، رئيس نقابة أصاحب شركات الحافلات، تراجع التنقل بنسبة 60- 70% داخل الضفة الغربية.

ولا تُخفى أيضاً الخسائر التي يتكبدها الفلسطينيون في الوقت والجهد والمال نتيجة تقييد الحركة؛ فقد بينت دراسة لمعهد أريج نُشرت عام 2019 أن الفلسطينيين "يخسرون حوالي 60 مليون ساعة عمل سنوياً بسبب [قيود الاحتلال] والتي تقدر تكلفتها بحوالي 270 مليون دولار سنوياً، بالإضافة إلى استهلاك وقود إضافي بحوالي 80 مليون لتر في السنة تقدر تكاليفها 135 مليون دولار أميركي، يؤدي استهلاكها إلى زيادة في انبعاثات ثاني أكسيد الكربون بحوالي 196 ألف طن سنوياً".[5]

القدس: الدخول المستحيل والخروج المقيد

مع اندلاع الحرب الإسرائيلية على الشعب الفلسطيني، عمد الاحتلال إلى إيقاف تصاريح أغلبية العمال الفلسطينيين، وقيّد حركتهم في الداخل الفلسطيني، كما شدد أيضاً من تقييد الحركة على المقدسيين في دخولهم إلى الضفة الغربية وخروجهم منها.

فقد عمد الاحتلال إلى إغلاق بعض الحواجز، بصورة كاملة، مثل الحاجز الشمالي لمدينة بيت لحم والمعروف بحجاز 300، فهو مغلق أمام المركبات وسالك أمام المواطنين. كما شدد من إجراءاته على الحواجز التي تربط الضفة الغربية بالقدس، فهناك تفتيش دقيق للمركبات وركابها، ويتعمد الاحتلال تعطيل حركة السير كي لا يقوم المقدسي بدخول الضفة الغربية أو الخروج منها. وقيّد الدخول عبر بعض الحواجز بساعات محددة، إذ يتم إغلاقها بعد هذه الساعات، وبالتالي لم تعد الحواجز تعمل كما كانت سابقاً على مدار الأسبوع 7/24، فعلى سبيل المثال صار حاجز قلنديا يفتح يومياً من الساعة 6 صباحاً وحتى الساعة 4 عصراً، وبعدها يتم إغلاقه.

وتشمل سياسة تقييد الحركة في القدس، تطوير التقييد باستخدام الحواجز غير المرئية والمتمثلة في جنود يمارسون الهيمنة على الحركة والتنقل في القدس من دون أن يقيموا حاجزاً رسمياً؛ فيمنعون من لا يحمل في عنوان هويته البلدة القديمة في القدس من دخولها بعد ساعات العصر. ويضيّق الاحتلال، في كل يوم جمعة، على المقدسيين الذين يريدون الدخول إلى المسجد الأقصى من خارج البلدة القديمة، وثمة العديد من الحواجز التي تقيد الدخول إلى البلدة القديمة وإلى المسجد الأقصى، فمن يدخلون إلى المسجد الأقصى يوم الجمعة، بعد السابع من أكتوبر، لا يتجاوز عددهم الـ 5000 فلسطيني، في حين كان يتجاوز عدد المصلين في المسجد الأقصى أيام الجمعة 50 ألف فلسطيني قبل 7 أكتوبر؛ وهذا مرتبط بالتضييق والحواجز وتقييد الحركة لمحاولة إفراغ القدس، والذهاب في اتجاه سياسة استعمارية لتطبيق التقسيم الزماني والمكاني في المسجد الأقصى.

الضغط يولد الانفجار: هل تنجح سياسات الحواجز والإغلاقات؟

قد تكون الإجابة الأولية على السؤال هي: لا، ومثال لذلك انفجار السابع من أكتوبر، وانفجار الضفة، بما فيها القدس في الفترة 2014 - 2023، وذلك على الرغم من كل سياسات كي الوعي، وعقيدة الصدمة، والإغلاقات، والتسهيلات الاقتصادية، وسياسة العصا والجزرة، والقبضة الحديدية، وسياسات التصاريح والسماح والمنع التي مارستها السلطات الإسرائيلية على مدار العقود الماضية سواء بالترغيب والترهيب في الضفة الغربية، أو بالترهيب في قطاع غزة، والتي كان مصيرها كلها الفشل.

إن سياسة الحواجز والإغلاق وتقطيع الأوصال قد تأتي أُكُلها على المستوى اليومي والميداني من خلال تقليص حركة الفلسطينيين، لكن هذا الضغط على الفلسطيني ولّد ويولّد وسيولّد الانفجار الحتمي، وهذه الانفجارات حدثت سابقاً. ومع رفع منسوب السياسات العقابية سيشتعل برميل البارود الذي يختزنه الشعب الفلسطيني وينفجر إلى نقطة اللاعودة. كما أن ممارسة الاستعمار سياسات التنكيل والتنكر لحقوق الفلسطينيين ستدفع الفلسطيني إلى التحرك، على الرغم من كل محاولات تقييد الحركة الجغرافية أو السياسية أو التنظيمية؛ فالحواجز قد تحجب عنك منطقة أو تمنعك من الوصول إليها، لكن الطريق البديلة تعرّفك على الريف والطوبوغرافيا والزيتون، وتزيد ارتباط الفلسطيني بالأرض وهويتها.

 

[1] تعتمد أفكار الورقة على مشاهدات إثنوغرافية للباحث، وبعض المحادثات الشخصية مع فلسطينيين من عدة مناطق، كما تستند على متابعة يومية من خلال إعداد تقرير راصد الاستعمار الإسرائيلي وسياسات الفصل العنصري الذي يصدر عن مؤسسة الدراسات الفلسطينية.

[2] مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية- أوتشا، "التنقل والوصول في الضفة الغربية | تموز/يوليو 2023"، استُرجع بتاريخ 3/12/2023.

[3] المصدر نفسه.

[4] بتسيلم، "بلا حركة: مصادرة حرية الحركة والتنقل للفلسطينيين في الضفة الغربية"، استُرجع بتاريخ 27/11/2023.

[5]معهد أريج، "الفلسطينيون يخسرون حوالي 60 مليون ساعة عمل سنويا بسبب الحواجز العسكرية الإسرائيلية في الضفة الغربية"، استُرجعت بتاريخ 1/12/2023.

1
عن المؤلف: 

أحمد عز الدين أسعد: محاضر ﻓﻲ جامعة بيت لحم، وباحث ﻓﻲ مؤسسة الدراسات الفلسطينية.