في استطلاع سنوي إسرائيلي: الخطر الفلسطيني يتفوق على ما عداه
التاريخ: 
13/02/2023

يُجري مركز أبحاث الأمن القومي التابع لجامعة تل أبيب استطلاعاً سنوياً للرأي العام الإسرائيلي بشأن التهديدات المختلفة التي تواجه "المجتمع اليهودي". نُشر الاستطلاع على شكل مقالة بحثية بعنوان "معايير الأمن القومي – الرأي العام، 2022-2023"، المضمن في التقرير الاستراتيجي السنوي الصادر عن المركز.[1] كانت القضية الفلسطينية وطرق مواجهتها وحلها حاضرة عند الإسرائيليين، إذ اعتبر المستطلعون أن التهديد الفلسطيني في سنة 2022 هو أول وأهم التهديدات التي تواجهها دولة إسرائيل. وقال 52% ممن شملهم الاستطلاع إن عدم وجود حل، وممارسة الفلسطينيين "أعمال العنف"، يُعتبران مصدر التهديد الأساسي لدولة إسرائيل، مقارنةً بالتهديدات التي تشكّلها إيران، التي حصلت على ما نسبته 24% من مجموع مَن شملهم الاستطلاع، أما تهديد حزب الله وسورية، فقد حصل على ما نسبته 10% من المستطلعين.

وعلى الرغم من تحديد الفلسطينيين كمصدر تهديد أساسي، فإن نسبة المؤيدين لحلّ قائم على مبدأ دولتين لشعبين تراجعت إلى 25% من المستطلعين، في حين طالب 5% فقط بإقامة دولة ثنائية القومية في فلسطين التاريخية. وفي السياق نفسه، بلغت نسبة المؤيدين للانفصال عن الفلسطينيين 31%، من دون التنازل عن القدس، أو السماح بحق العودة. وأيّد 12% ممن شملهم الاستطلاع استمرار الوضع القائم على حاله، وطالب 10% من المستطلعين إقامة دولة ثنائية القومية، من دون إعطاء الفلسطينيين أية حقوق.

وبالنسبة إلى القيم، اعتبر 46% من المستطلعين أن الدولة الديمقراطية هي القيمة الأهم، ورأى 35% من المستطلعين أن دولة ذات أغلبية يهودية هي أهم القيم، في وقت قال 10% إن السلام مع الجيران -المقصود الدول العربية -هو القيمة الأهم. وبينما اعتبر 6% من المستطلعين أن أرض إسرائيل الكاملة هي القيمة الأهم.

وبالنسبة إلى بواعث القلق داخل "المجتمع اليهودي"، قال 64% من المستطلعين إن التوترات الاجتماعية-الوطنية هي التي تبعث على قلقهم، في حين رأى 26% أن بواعث القلق لديهم هي تهديدات خارجية. أما بالنسبة إلى الأمن الشخصي، فقد عبّر 30% من المستطلعين عن خشيتهم من عمليات عسكرية ينفّذها فلسطينيون، في حين أبدى 14% منهم خوفهم من مواجهات بين الفلسطينيين في إسرائيل -مناطق الـ 48-وبين اليهود.

وبشأن التهديدات التي تواجه دولة الاحتلال الإسرائيلي، عبّر 58% عن ثقتهم بقدرة إسرائيل على مواجهة العمليات العسكرية المتواصلة التي يشنها الفلسطينيون ضدهم، في حين حظيت قدرة إسرائيل على مواجهة التحدي الإيراني بثقة 45% ممن شملهم الاستطلاع. أما بشأن مواجهة التهديدات من عدة جبهات، فقد عبّر 63% عن ثقتهم بقدرة إسرائيل على مواجهتها.

وفيما يتعلق بالثقة في مؤسسات الدولة، عبّر 75% من المستطلعين عن ثقتهم بالجيش والمؤسسات الأمنية المختلفة، بينما عبّر 30% عن ثقتهم بالشرطة ومؤسساتها، في حين منح 43% ثقتهم لمحكمة العدل العليا، وعبّر 27% عن ثقتهم بالحكومة.

تحليل المعطيات

يتبين من نتائج الاستطلاع أن القضية الفلسطينية ما زالت هي القضية والتحدي الأهم للأكثرية بنسبة 52%، مقارنةً بالتهديد الإيراني، وعلى الرغم من ذلك، فإن الأكثرية تتجاهل البحث عن حلّ سياسي دائم لهذا التهديد، وتفضّل هذه الأكثرية التغلب على هذا التهديد بالقوة والتعامل مع حلول موقتة، مثل اتفاقيات أوسلو، أو حتى اتفاقيات فصل أحادي الجانب، وهدنات أو تهدئات، أو تحويل الكانتونات والمعازل الفلسطينية إلى سياسة أمر واقع، من أجل استمرار إخضاع الشعب الفلسطيني، إلى حين توفُّر ظروف مؤاتية لإسرائيل تمكّنها من فرض الاستسلام والهزيمة الكاملة .

 يلاحَظ تراجُع نسبة اليهود المؤيدين لإقامة دولة فلسطينية بالمواصفات الإسرائيلية إلى25%، وهو تراجُع متواصل منذ عقد، عبّرت عنه الانتخابات الإسرائيلية الأخيرة التي جرت في أواخر سنة 2022، حين غابت القضية الفلسطينية عن برامجها واهتماماتها، وجاءت باليمين العنصري والفاشي إلى سدّة الحكم، والمعروف بإنكاره المطلق للحقوق الفلسطينية، فضلاً عن سعيه لمواصلة الاستيطان والتهويد والتطهير العرقي.

لا يوجد لدى المحتلين الإسرائيليين غير الحل الأمني مع الفلسطينيين، فقد عبّرت نسبة كبيرة، 58% ممن شملهم الاستطلاع، عن قدرة إسرائيل على مواجهة التهديد الفلسطيني بالوسائل العسكرية فقط، بعيداً عن الوسائل السياسية، وهو ما يرشّح الوضع القائم إلى الاستفحال، في ظل الرد الشعبي والوطني الفلسطيني الذي يرفض التوحش الاستعماري العنصري ويقاومه.

ثقافة غطرسة القوة وتجسيدها على الأرض أدت إلى تراجُع نسبة الخوف إلى 30% في صفوف الإسرائيليين، وهذا ينطوي على تشجيع المجتمع الإسرائيلي للحل والحسم الأمني وزيادة الضغط على الفلسطينيين. لكن هذه السياسة دفعت قطاعات واسعة من الشبان الفلسطينيين إلى التمرد والمقاومة بكافة الأشكال. ولا شك في أن انخراط قطاعات واسعة من الشعب الفلسطيني في الاحتجاج والمقاومة، وصولاً إلى انتفاضة جديدة بمواصفات الأوضاع والتطورات الجديدة، وبرؤية سياسية جامعة تعيد النظر بالاتفاقات التي أصبحت من طرف واحد، انتفاضة جديدة ستزعزع ثقة المجتمع الإسرائيلي بالحل الأمني، وبالمؤسسة الأمنية التي تراجعت شعبيتها من 90% قبل عقدين إلى 75% راهناً. ولا سيما أن 64% من المستطلعين عبّروا عن قلقهم من الأزمة الداخلية، بعد صعود معسكر نتنياهو-بن غفير وسعيه لإخضاع القضاء.

إن القلق الاسرائيلي من الوجود الفلسطيني بنسبة 44% واعتبار الشعب الفلسطيني تهديداً في المستوى الأول، هذه الحال تستدعي البحث عن الوسائل والسبل الكفيلة بتعزيز القدرة الفلسطينية على الصمود والمقاومة، وتقليل الخسائر الفلسطينية في الصراع الطويل مع احتلال إقصائي.

 

[1] قياس الأمن القومي - بحث الرأي العام، 2022-2023، روتيبيناس فيلدمن؛ على الرابط الإلكتروني.

عن المؤلف: 

عليان الهندي: باحث في الشؤون الإسرائيلية، فلسطين، رام الله.