اللغة العربية ودورها في تشكيل الهوية الجمعية العربية
نبذة مختصرة: 

اللغة هي أحد المركّبات المهمة التي تشكل الهوية الجمعية، وأهميتها تختلف باختلاف الأوضاع والسياقات، وهذه الأهمية أقل بالنسبة إلى بعض المجموعات، وأكبر لدى مجموعات أُخرى. ومن هذا المنطلق، ستتناول هذه الدراسة اللغة العربية ودورها المحوري في تشكيل الهوية الجمعية في الدول العربية عامة، ولدى العرب الفلسطينيين في إسرائيل خاصة.

النص الكامل: 

مقدمة

تُعدّ اللغة من أهم المركّبات في حياة البشر، فهي ليست أداة للاتصال والتواصل وتبادل المعلومات وتراكمها فقط، بل لفهم الواقع الذي نعيشه أيضاً، فضلاً عن تأثيرها في تشكيله. فاللغة الإنسانية، بمرونتها واتساعها وثرائها وقدرتها على التعبير عن الأمور الملموسة وغير الملموسة، هي وسيلة للتواصل الفاعل بين البشر، بصورة لا مثيل لها بين الكائنات الأُخرى على وجه البسيطة.[1] لذلك، فإن دورها في حياة البشر مهم من الناحية الأداتية، فهي تنقل المعلومات وتراكمها، وتجمع المعرفة، وتشكل وسيلة للتواصل، كما أنها مهمة من الناحية الرمزية في تشكيل هوياتنا الفردية والجمعية.

اللغة مرآة عاكسة لما يحدث في المجتمع وتحولاته، وهي مشكِّلة للتغيرات الجارية فيه وليست ناقلة لها فقط. فنحن لا نستطيع أن نقوم بأبسط الأمور الحياتية من دون أن تكون اللغة إحدى أدواتها المهمة، ذلك بأنها من أهم الوسائل التي تجعل الإنسان يرتقي على وجه هذه البسيطة، فقد طورها للحديث عن الماضي والحاضر والمستقبل. وفضلاً عن ذلك، يستطيع الإنسان بواسطة اللغة أن يتخيل أشياء، ليس لوحده فقط، بل مع أفراد آخرين، عن أمور ليست مادية فقط، بل رمزية كحكايات وأساطير تدور حول: المجتمع؛ القبيلة؛ القومية؛ أمور الدين؛ الذاكرة التاريخية.[2] وهذا التخيل الجماعي هو المفتاح للتعاون المشترك بين البشر بأعداد كبيرة، وهو الذي منحهم الأفضلية على المخلوقات الأُخرى في الطبيعة، فأصبحوا قادرين على أن يكون لديهم دراية وسيطرة معينة على المكان والزمان، بحيث باتوا متفوقين على المخلوقات الأُخرى كلها في هذا الكون.[3]

هذه الوظائف تجعل ارتباط اللغة بالهوية ارتباطاً عضوياً، وهذه الدراسة ستتناول اللغة العربية ودورها المحوري في تشكيل الهوية الجمعية في الدول العربية عامة، ولدى العرب الفلسطينيين في إسرائيل خاصة. وسأبيّن خصوصية الدور الذي أدته اللغة العربية في بلورة الهوية من الناحية القومية والناحية الدينية، الأمر الذي جعلها من أهم مركّبات تحديد الهوية العربية. وسأتناول أولاً مسألة الهوية، ثم سأُتبع ذلك بقسم آخر يربط اللغة بالهوية الاجتماعية. 

الهوية

الهوية مسألة مركّبة ودينامية، والإنسان يمكن أن ينتمي إلى العديد من الدوائر الهوياتية. فعلى سبيل المثال، شخص من المغرب يمكن أن تكون دوائر انتمائه هي أنه: مغربي، أفريقي، عربي أو أمازيغي، أو زنجي عرقاً، وهو مسلم أو يهودي ديناً، والعديد من الدوائر الأُخرى. وربما تبرز في مرحلة ما دائرة أكثر من الدوائر الأُخرى.

ومثلما يوضح الودغيري (2000، ص 68):

الهوية في معناها المجرد هي جملة علامات وخصائص من أجناس مختلفة، تستقلّ بها الذات عن الآخر، فبغياب هذه العلامات والخصائص تغيب وتذوب في الآخر، وبحضورها تحضر.

يرى تاجفيل وتيرنر (Tajfel & Turner 1985) أن لدينا - إلى جانب هويتنا الشخصية - "هوية اجتماعية" أيضاً، تشمل معرفتنا لانتمائنا إلى مجموعة اجتماعية محددة، علاوة على القيمة والدلالة العاطفية المنسوبتين إلى هذا الانتماء. وخلال هذه العملية، فإننا نعمل على تصنيف (categorization) أنفسنا وتصنيف الآخرين، وهذه العملية - بناء على طرح تاجفيل وتيرنر - هي عملية ذهنية محضة نقوم من خلالها بتقسيم وتصنيف وتنظيم محيطنا الاجتماعي، كما تتيح لنا تبنّي مختلف أشكال النشاط الاجتماعي، وتحدد موقعنا في النسيج الاجتماعي، وتمنحنا هوية اجتماعية خاصة بنا، مكونة من مصطلحات ومفاهيم اجتماعية.

ثمة عدة طرق لتحديد الهوية، منها عملية المقارنة التي تتيح لنا معرفة مقدار تشابهنا أو اختلافنا مع الآخرين، ومدى كون الآخرين أفضل أو أسوأ من أفراد مجموعات أُخرى. ويُعتبر التصنيف الاجتماعي الأساس الذي يُبنى عليه تفضيل مجموعة الانتماء، والتمييز ضد المجموعة الموجودة في الجانب الآخر. كما تقوم نظرية الهوية الاجتماعية على مركّب الدافعية الذي يعلل، بناء على تاجفيل وتيرنر، ميل البشر على صعيد عالمي إلى عقد مقارنات ومفاضلات ترجح فيها كفة مجموعتهم (in-group)، وتُبخس قيمة المجموعة الخارجية (out-group). وبناء على نظرية الهوية الاجتماعية، فإن هذه العمليات هي الأساس الذي تُبنى عليه الآراء المسبقة، والصور النمطية (القوالب)، وعمليات التمييز السلبي بين المجموعات.

تنصّ نظرية الهوية الاجتماعية على أن أوضاع الصراع بين المجموعات تساهم في إلغاء الهوية الشخصية، وتتعامل مع البشر بصفتهم ممثلين لفئة اجتماعية واحدة، وليس كأفراد متمايزين (Tajfel 1978). فعندما تكون المنظومة الاجتماعية ذات مبنى هرمي وتتميز بعدم المساواة في توزيع ثرواتها، فإن وضعها الاجتماعي يتسم بـ "المركزية العرقية"، ويكون قائماً على العداء بين المجموعات. ويرى تاجفيل وتيرنر (Tajfel & Turner 2004) على ضوء الدراسات المتنوعة التي أُجريت في هذا الصدد، أن الميل إلى المركزية العرقية غالباً ما يكون أحادي الاتجاه من المجموعة ذات المكانة العليا إلى المجموعة ذات المكانة الدنيا، بينما كثيراً ما نلاحظ لدى أفراد المجموعة الدنيا النظرة الإيجابية تجاه المجموعة ذات المكانة العليا. وعادة، فإن المجموعات الدونية تذوّت التقدير الاجتماعي الشائع عن دونيتها وتستنسخه، إلى درجة تقليل قيمتها الذاتية. وتنصّ نظرية الهوية الاجتماعية على أن أفراد المجموعات الدنيا لن يعلنوا الصراع إلّا عندما يتحدون نقطة الانطلاق الثقافية التي تصفهم بالدونية. وهذا يعني، من جهة، أنه كلما اعتُبرت المنظومة الاجتماعية شرعية بقدر أكبر والحدود بين المجموعات غير قابلة للاختراق، مال أفراد المجموعات الدونية إلى تبنّي الاستراتيجيا الشخصية القائمة على الذوبان في الثقافة السائدة، كوسيلة لترقّيهم الاجتماعي كأفراد. ومن جهة أُخرى، عندما يتم نفي شرعية الواقع الاجتماعي ورفضها، فإن أفراد المجموعات الدنيا سيتبنّون استراتيجيات جماعية، بحيث يخرجون على الوضع الاجتماعي الراهن الذي يكرس دونيتهم، ويعملون على تغيير الموقع عديم الأهمية الذي تحتله هويتهم الاجتماعية.

وقد طور ساروب وراجا (Sarup & Raja 1996) على ضوء خلفية خطاب "التعددية الثقافية" في تسعينيات القرن الماضي نظرية ترى في الهوية الاجتماعية "حزمة" تتألف من هويات فرعية متحركة باستمرار، وليس بالضرورة أن تتطور بينها علاقات ارتباط أو تصادم. وهذه "الهويات الفرعية" تعكس تعدد الدلالات الذي يتطور لدى الأفراد في الواقع العالمي المتعلق بالسياقات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والسيكولوجية المتنوعة. فالأفراد يبلورون هوياتهم باستقلالية من خلال عملية ارتدادية يعملون فيها على إلحاق ذكرياتهم الماضية بترسيمات آنية تؤول الواقع، وتبني منه رواية واحدة. وبهذه الطريقة يبني كل فرد هويته الخاصة، ولا يكون بحاجة إلى التشبه بالآخرين أو أن يتم وصفه كـ "آخر". وسيعتبر الفرد هذه الهوية ثابتة إذا كان كل مركّب فيها قادراً على التحرك بحرية إلى مركز الهويات في عملية تغذية راجعة للممارسات اليومية، بحيث تكون المركّبات الأُخرى قادرة على إخلاء هذا المركز بحرّية. هذه النظرية تفترض حركة مركّبات الهوية بشكل دائم كي تتمكن من الانسجام مع الواقع الدينامي، كما تفترض أن أي تغيير اجتماعي يحدث على نطاق واسع لا بد من أن يتماشى مع عملية تغيير للهويات.

هناك اختلاف بين هاتين النظريتين، لكنهما تُجمعان على أنه في واقع يتّسم بالصراع بين المجموعات، أو عند وجود أمر يهدد المجموعة، يزداد الميل إلى تبنّي استراتيجيات جماعية. أمّا في الأوضاع التي لا يوجد فيها مثل هذا التهديد، فإن الميل يزداد في اتجاه تبنّي الاستراتيجيات الفردية.

لقد باتت "الهوية العرقية" (ethnic identity) في العصر الحديث، من أهم الهويات الاجتماعية، وكمصطلح، فإن للعرقية جذوراً بشكل أساسي في الأنثروبولوجيا وعلم الأعراق (1999 Leibkind). ويتم تعريف المجموعة العرقية غالباً على أساس معايير موضوعية، مثل الخصائص البيولوجية، أو الجغرافية، أو اللغوية، أو الثقافية، أو الدينية، لكن المعايير الذاتية تبدو أكثر أهمية من المعايير الموضوعية، فالعرقية ببساطة قد تُعرّف بأنها مسألة اعتقاد ذاتي بالسلالة المشتركة (Liebkind 1999, p. 140).

ومن المقبول أن نشير على نطاق واسع إلى أن بارث (1970 Barth) هو الذي استخدم الطريقة الذاتية، وأرسى الأسس للفهم الحديث للعرقية. فمن السهل "الانتقال من الطريقة الثابتة إلى الطريقة التفاعلية للعرقية" بتقديمه "للعرقية أو الهوية العرقية كجانب من التنظيم الاجتماعي وليس الثقافة" (Vermeulen & Govers 1994, p. 2). وهكذا فإن الحدود العرقية هي التي تحدد المجموعة، وليست القضايا الثقافية المرتبطة بها (Barth 1970)، ولهذا، بدلاً من وضع قائمة بالمعايير الموضوعية، فإن الاهتمام الرئيسي هو المحافظة على الحدود وتشكيلها (de Kadt 2000). ومن الأسئلة التي تثير التحدي سؤال عن الجماعات العرقية هو التالي: كيف يتم إنشاء الحدود بين الجماعات والمحافظة عليها؟ وأين وكيف يرسم الناس الحدود الفاصلة بينهما؟

لقد ادّعى كثيرون من الباحثين، وخصوصاً الليبراليين، أن العرقية ميتة. ومثلما تقول سكوتناب - كانغاس (Skutnabb-Kangas 1999, p. 54):

أُعلنت وفاة العرقية عدة مرات خلال هذا القرن (نعني القرن العشرين)، وخصوصاً بعد الحرب العالمية الثانية. فقد ادعى الباحثون الليبراليون (ويستمر كثيرون في الادعاء) أنها كانت ميزة تقليدية عاطفية ستختفي مع التحديث والحركة الحضرية وحركة العولمة، وأنه سيتم استبدال الهويات العرقية بولاءات وهويات أُخرى: مهنية واجتماعية وجنسية وجماعة المصالح والهويات المتعلقة بالدولة والعولمة وهكذا دواليك. وادّعى الباحثون الماركسيون أن التضامنات المتعلقة بالطبقات الاجتماعية التي تخطت الحدود القومية ستحل محل العرقية: البروليتاريا الدولية ستتّحد ضد الرأسمالية العالمية. أمّا الآن فيعلن الباحثون المحدثون أنه يجب ألّا يكون لنا هويات دائمة، وإنما هويات مرنة موقتة ومتنقلة فقط: كل شيء صلب يذوب في الهواء، لكن الهويات العرقية، وخصوصاً العرقية اللغوية، هي صلبة ومتينة ومفعمة بالحياة. والعرقية ليست ميتة على الإطلاق، والصحيح هو العكس تماماً.

وترتبط العلاقات العرقية والتسامح نحو الهويات الأُخرى بدرجة الأمان التي تتمتع بها المجموعة، وبنظرة أفراد المجموعة نحو هويتهم. واستنتج لامبرت ومرميجس وتايلور (Lambert & Mermigis & Taylor 1986, p. 50) أنه "كلما كان أعضاء المجموعة أكثر أمناً وإيجابية بشأن هويتهم، فإنهم يكونون أكثر تسامحاً مع المجموعات الأُخرى."

الهوية كانت وما زالت مسألة مهمة في حياة الأفراد والشعوب، وفي عصرنا الحالي أصبحت أكثر أهمية وبروزاً بسبب العولمة. ويصف جبرون (2013، ص 49) هذه الأهمية كالتالي:

تُعدّ الهوية وقضاياها من الإشكاليات الحديثة في التداول الفكري الإنساني، إذ لا تخلو ثقافة من الثقافات المكونة للنسيج الإنساني على وجه البسيطة من سؤال الهوية. ويتزامن هذا الاهتمام والحرص من تنامي مظاهر العولمة الثقافية التي ضيّقت كثيراً على الخصوصيات المحلية، مع تصاعد نداءات الحفاظ على التنوع الثقافي وصونه عالمياً.

في هذا السياق، لا بد من القول إن الهوية هي مصطلح أثار كثيراً من الجدل في مجالَي البحث العلمي والنقاش السياسي، إلّا إن الجميع متفقون على عدة أمور في الدراسة والتعامل مع الهوية وعلاقتها باللغة: أولاً، إن اللغة هي عنصر مهم وحاسم في الهوية، فالمجموعات القومية أعادت تشكيل نفسها من خلال اللغة القومية؛ ثانياً، الهوية ليست ثابتة، وإنما هي دينامية ومتغيرة، وتتفاعل مع الآخر، فهي إدراك ذهني لا بد من أن ينعكس على سلوكيات الفرد والمجموعة. 

اللغة والهوية الاجتماعية

على الرغم من أهمية اللغة في حياتنا في جميع المجالات الحياتية، والتي تؤثر فيها طولاً وعرضاً، فإن دراسة اللغة تحت مظلة "علم اللغة" تركزت عبر عدة قرون على مبنى اللغة (على سبيل المثال: الأصوات؛ الصرف؛ النحو؛ الإعراب)، واعتبرت اللغة "نظاماً مغلقاً" (closed system)، أي أن السياق الاجتماعي لم يكن ذا أهمية في دراستها. وفي الخمسين عاماً الأخيرة حدث تغيير جذري في مفهوم اللغة ووظائفها مع قدوم علم اللغة - الاجتماعي (sociolinguistics) وبلورته، وإدراك اللغة كونها "نظاماً مفتوحاً" (open system) تؤثر وتتأثر بما حولها. وبحسب هذا المفهوم، أصبح السياق الاجتماعي جوهرياً في فهم ودراسة اللغة، وأثّر لاحقاً في العلوم التطبيقية للغة (applied linguistics).

تقوم اللغة بكثير من الوظائف في حياتنا اليومية، وتُعدّ (الوظائف) انعكاساً ونقلاً وتشكيلاً للواقع الذي نحياه. ويفصّل هارمان (Harrmann 1999, p. 63) الوظائف المتنوعة للغة كالآتي:

علاوة على إنشاء شبكة للمعرفة حول العالم، فإن اللغة تُستخدم أيضاً للتعبير عن المشاعر والاتجاهات والقيم، [مثلاً:] لقول الأكاذيب؛ للمراوغات؛ للشتم؛ للإهانة؛ للمديح؛ للتوبيخ. اللغة هي وسيلة تؤثر في الناس وتسبب ردات فعل إيجابية وسلبية، فهي تمكّن الشخص من أن يجرب الفرح كسماع اعتراف بالحب، أو أن يشعر براحه باله أو بالها، من خلال كلمات التعزية أو الصلاة. ويمكن أن يكون للكلمات تأثير مدمر، عندما تورد صحيفة ما إشاعة عن فضيحة مزعومة، كما يمكنها أن تؤثر في وجود مجتمعات بكاملها، مثلما هي الحال في إعلان الحرب. إن اللغة وسيلة لنيات الإنسان، ويمكن أن تكون نيات مستعمليها إيجابية ينجم عنها انسجام في التفاعل، أو سلبية ينتج منها إنشاء التحيز والآراء الثقافية المسبقة.

وبغضّ النظر عن طبيعة اللغة وعلاقتها بالناس والمجموعات الاجتماعية، فإن هناك عدداً من الصفات الأساسية للغة جديرة بالذكر، بشكل رئيسي، من وجهة نظر اجتماعية - نفسية، ويُجملها باديلا في ثلاث نقاط (Padilla & Borsato 1999, p. 116):

أولاً - إن اللغة هي الوسيلة الرئيسية للتهيئة الاجتماعية لدى الأطفال.

ثانياً - تميز اللغة مجموعة الناطقين بها من غير الناطقين بها. فعلى سبيل المثال، عندما نقول هذا "ألماني"، فإن المقصود هو أن هذا الفرد ينتمي إلى الأمة الألمانية الناطقة باللغة الألمانية. وبهذا المعنى تُستعمل اللغة لإنشاء حدود بشكل فاعل داخل المجموعة وخارجها.

ثالثاً - إن المكانة التي يعطيها المجتمع إلى لغة المجموعة العرقية، تنقل إلى الفرد مكانة المجموعة ككل في المجتمع.

بعبارة أُخرى، فإن جميع تصرفاتنا الفردية والاجتماعية تكاد تتم من خلال اللغة، ذلك بأن اللغة ليست مجرد أداة تواصل فحسب، بل هي أيضاً آلية هائلة ينكشف الواقع الاجتماعي من خلالها. والأهم من ذلك، أنها المشهد الذي يتم فيه بناء وتطبيق علاقات القوة (الرمزية) والسيادة. وعلى ضوء ذلك، فإن اللغة لا تحمل مضموناً فقط، بل هي مضمون بحد ذاتها أيضاً، كما أنها واقع وأداة تُستعمل لتعزيزه (Giles & Johnson 1987).

والأهم من ذلك، أن اللغة هي حدث اجتماعي، ولهذا فإن الظروف السياسية والتاريخية والاجتماعية ضرورية جداً لدراسة اللغة وفهم مكانتها، والأداءات التي تقوم بها (Bourdieu 1990 & 1991). وبهذا المعنى، فإن اللغة لا تنقل الثقافة المادية والقيمية فقط، بل هي جزء من ماهية هذه الثقافة، لأن اللغة ليست القناة التي تمر من خلالها قيم المجتمعات وثقافتها وحضارتها، بل هي أساس ذلك كله، وغياب اللغة عن هذا جميعاً يُفقدها مكانتها، وحتى حضورها الثقافي والتاريخي.

لقد تم إرساء الصلة الوثيقة بين اللغة والهوية القومية في نهاية القرن التاسع عشر مع قدوم القومية (1999 Shohamy). ويُعتقد أن اللغة هي أحد أهم مؤشرات الهوية الفردية والجماعية، وأنها أحد المكونات الرئيسية التي بواسطتها تعرّف المجموعات عن نفسها وتشكل هويتها، وهي في الوقت ذاته، تؤثر أيضاً في طبيعة العلاقات بين المجموعات العرقية المتنوعة (Tajfel 1978; Edwards 1988; Feuerverger 1989; Giles & Bourhis & Taylor 1977). وفي هذا الصدد يقول بوش: "إن اللغة هي غالباً أكثر رموز العرقية بروزاً، لأنها حملت الماضي، وتعبّر عن الاتجاهات والطموحات الحاضرة والمستقبلية" (Bosch 2009, p. 25).

وهنالك ادعاء أيضاً، أن اللغة هي أحد المكونات الرئيسية التي تستعملها المجموعات كرمز للهوية والانتماء الثقافي (Giles & Bourhis & Taylor 1977)، كما يتم إدراك اللغة بأنها عامل موحِّد لثقافة معينة، ورمز قوي للهوية الجماعية  (Shohamy & Donitsa-Schmidt 1998).

ويبين لنا إدواردز (Edwards 1988, p. 203) أن "القضايا المتعلقة باللغة والهوية مركّبة جداً، فجوهر المصطلحات نفسها مفتوح للنقاش، ونتيجة ذلك، أُخذ بعين الاعتبار أن هذه العلاقة تحفّها الصعاب"، في الوقت الذي نثق بأن اللغة تؤدي دوراً مهماً في تشكيل الهوية القومية. ويعتقد دويتش (Deutsch 1966) كذلك أنه عندما تتحالف اللغة مع العديد من العوامل الأُخرى، فإنها تساعد معاً على خلق قنوات مكملة في الاتصال الاجتماعي.

يقول ياسر سليمان (Suleiman 2003, p. 32): "كي نكون أكثر فاعلية، فإن دور اللغات كراسمة للحدود أو مؤدية لدور الحارس، تتطلب التمييز بين وظيفتين أساسيتين: التواصلية (أو الأدائية)، والرمزية التي مع أنها مترابطة في الاستعمال اللغوي العادي، إلّا إنها منفصلة من الناحية التحليلية." وتجدر الإشارة إلى أن طبيعة العلاقة بين اللغة والهوية ليست دائماً واضحة، وأن هنالك كثيراً من الأسئلة عن طبيعة هذه العلاقة، والتي لا إجابات قاطعة عنها.

ينبغي لنا أن نشير إلى أن موضوع العلاقة بين اللغة والعرقية هو في أساسه موضوع جدلي، وله اتجاهان رئيسيان في هذا الجانب. ففي الوقت الذي ينكر الاتجاه الأول الصلة المباشرة والضرورية بين اللغة والهوية العرقية، ويدّعي أن العلاقة بينهما عارضة (Appel & Muysken 1987)، يشدد الاتجاه الثاني على أن اللغة وسيلة للهوية العرقية، وأنها المعيار الأساسي إلى جانب التراث الثقافي والفرضيات والقيم والمعتقدات (Fishman 1977).

ومع أننا أظهرنا أن اللغة هي مكون في غاية الأهمية للهوية العرقية، إلّا إن من الواضح أن أهميتها تختلف باختلاف الأوضاع والسياقات، فهذه الأهمية أقل بالنسبة إلى بعض المجموعات، وأكبر لدى مجموعات أُخرى. فاللغة، وفقاً لتوماسون (Thomason 2001, p. 47)، تخدم رمزاً قوياً للمجموعات المستاءة. وتعتمد الرابطة بين اللغة والهوية على السياق الاجتماعي المتعلق بالجماعات اللغوية المقصودة، الأمر الذي يعني أن أهمية اللغة يمكن أن تزداد أو تقل بالنسبة إلى المجموعة نفسها، وذلك بحسب الظروف والسياقات الاجتماعية. ويدّعي لايبكند (1999 Liebkind) أن اللغة ليست المعيار المهم الوحيد، وأنها ليست بالضرورة أهم معيار للمجموعات الاجتماعية كافة.

ويخلص الدواي (2013، ص 230) إلى القول: "ولا جدال في أن اللغة، في ظروف تاريخية واجتماعية خاصة، تقوم فعلاً بدور الممثل البارز والمرجعية الأساسية للهوية الاجتماعية والوطنية، بالنسبة لأي المنتمين المفترضين إلى هذه الهوية." 

اللغة العربية ودورها في تشكيل الهوية الجمعية

صنّف سعد الدين إبراهيم (1980) الجماعات في المجتمع العربي وفق بُعدين رئيسيين هما: الشعور بالانتماء العربي، والتحدث باللغة العربية كلغة أم، فتوصّل إلى أن هنالك أربع مجموعات هي:

1 - الجماعة الرئيسية التي تمثل أكثر من 85% من مجموع سكان الوطن العربي، والتي يتكلم أفرادها اللغة العربية ويشعرون بالانتماء إلى الجماعة العربية.

2 - الجماعات التي تتكلم العربية لكنها لا تشارك العرب حسّهم القومي (مثلاً الطائفة المارونية في لبنان).[4]

3 - الجماعات ذات الانتماء العربي لكنها لا تتكلم العربية (في الصومال، وغرب السودان، وبعض أقطار شمال أفريقيا).

4 - الجماعات التي لا تتكلم العربية ولا تحس بالانتماء العربي (وأبرزها في رأيه الأكراد في شمال العراق، وقبائل جنوب السودان، وقبائل البربر في المغرب والجزائر). (لمزيد من التفصيلات، انظر: بركات 2000، ص 68).

باختصار، إن أغلبية الجماعات في المجتمعات العربية تتحدث اللغة العربية ولديها الحسّ بالانتماء إلى الهوية العربية الجمعية.

يقول جاك بيرك (1964, p. 25): "إن الشرق هو موطن الكلمة"، وإن "اللغة العربية لا تكاد تنتمي إلى عالم الإنسان، بل يبدو كأنه يتكلمها عن طريق الإعارة." فالشرق، وخصوصاً العرب، أعطى الكلمة مكانة خاصة تعززت بنزول القرآن بلسان عربي، كإحدى آيات الخالق لعباده.

يتفق منظّرو القومية العربية على أن اللغة العربية تؤدي دوراً جوهرياً في تشكيل الهوية الجمعية. فعبد العزيز الدوري (1960) يوضح أن اللغة العربية هي التي شكلت، تاريخياً، القاسم المشترك الأول الذي أدى إلى الوعي العربي، قبل ظهور الاسلام، ويعتبر الهوية العربية مسألة حضارية وثقافية.

أمّا محمد عابد الجابري (1995، ص 11) فبعد أن أجرى مقارنة بين مشروع الوحدة العربية ومشروع الوحدة الأوروبية، استنتج "أن الأول تؤسسها وحدة اللغة والثقافة... بينما ترتكز الثانية على الاقتصاد والمصالح أساساً. ومعلوم أن الهوية الثقافية هي حجر الزاوية في تكوين الأمم لأنها نتيجة تراكم تاريخي طويل، فلا يمكن تحقيق الوحدة الثقافية بمجرد قرار، حتى ولو توفرت الإرادة السياسية."

فنرى أن هنالك ارتباطاً وثيقاً ما بين اللغة العربية والهوية العربية القومية، إلى درجة أنه أصبح من المستحيل الفصل بينهما (الحصري 1961). لا بل إن تعريف القومية العربية ارتبط جوهرياً باللغة العربية، مثلما بيّن ذلك ساطع الحصري. وتؤدي اللغة في الحالة العربية دوراً مركزياً في تشكيل الهوية الجمعية.

يقول ألبرت حوراني (1983, p. 260):

هؤلاء الذين يتحدثون العربية يشكلون "أمة"، وهذه الأمة يجب أن تكون مستقلة وموحدة، وهي معتقدات أصبحت بيّنة واكتسبت قوة سياسية خلال القرن [أي القرن العشرين]. لكن في عودة إلى الوراء في التاريخ، نجد أن العرب كانوا واعين للغتهم بصورة خاصة وفخورين بها. وفي شبه الجزيرة العربية في الفترة الجاهلية، كان لديهم انتماء "عصبي" سببه الصراعات القبلية والعائلية، وكان هنالك وحدة ضمت هؤلاء الذين تحدثوا بالعربية وادّعوا أنهم تحدّروا من قبائل شبه الجزيرة العربية.

انتشرت اللغة العربية في العديد من الأشكال الأيديولوجية في القرن العشرين، وشمل ذلك "القومية العربية، القومية المحلية" (أي مناطق معينة من العالم العربي)، وما يمكن تسميته "القومية الإسلامية"، وفقاً لوصف سليمان:

القومية العربية في صيغتها الكلاسيكية هي من الصنف الثقافي، مع أن المركّبات التي تكوّن الأمة العربية ربما تختلف من أيديولوجي (منظّر للقومية) إلى آخر، فهنالك على الأغلب اتفاق عام على أن اللغة مركّب أساسي، وإن لم تكن هي الأساس، في تعريف القومية (Suleiman 2004, p. 38).

إن أهمية اللغة العربية كقوةٍ توحد العرب وجدت لها صدى في حزب البعث وعند الرئيس المصري الراحل، جمال عبد الناصر. فدور اللغة العربية الموحد يفسر النداءات التي أطلقها مناصرو القومية العربية لحماية العربية من تسرب "ممارسات لغوية مستوردة" من الخارج، أكان ذلك باستعمال لغات أجنبية (مثل الفرنسية في شمال أفريقيا)، أم مظاهر لغوية للغات أجنبية في مناحي الحياة كافة.

ومن أبرز المناصرين لعنصر اللغة في الفكر القومي العربي هو المنظر القومي ساطع الحصري (1880 - 1968).[5] ففي كتابه "آراء وأحاديث في القومية العربية" (1985)، يؤكد أن مفهوم القومية العربية يرتبط ارتباطاً عضوياً باللغة العربية، ويقترح تعريفاً للقومية العربية بناء على اللغة في الدرجة الأولى، والتاريخ المشترك في الدرجة الثانية.[6] ويشكل هذا الكتاب مساهمة أساسية في موضوع العلاقة بين اللغة العربية والقومية العربية، ويُعتبر من أهم التنظيرات التي ساهمت في جعل اللغة العربية مكوناً أساسياً من الهوية القومية، ومن تعريف العرب قومياً (الحصري 1985).

صحيح أن اللغة العربية أدت دوراً مركزياً في تشكيل القومية العربية في البلاد العربية، وتُعتبر أحد مركّباتها الأساسية، لكن ممّا لا شك فيه أن مركّبات أُخرى مثل: التاريخ والثقافة والعادات والتقاليد والجغرافيا، والتي ذكرها مناصرو الفكر القومي، كان لها دور في تشكيل الهوية القومية. غير أن أياً من هذه المركّبات لم يحظَ بالأهمية التي حظيت بها اللغة، إلى حد أن سليمان (Suleiman 2003, p. 162) ذهب إلى الاستنتاج: "لذا، من الصحيح القول إن القومية العربية مبنية على الافتراض أن أولئك الذين يتشاطرون اللغة العربية كلغتهم الشائعة ينتمون إلى الشعب نفسه."

لم يكن الفكر العربي، باللغة العربية التي هي مركّب أساسي فيه، هو التيار الوحيد في العالم العربي، فدور اللغة العربية ارتبط بالقومية المحلية والقومية الإسلامية أيضاً. فأولئك الذين يدعمون "القومية المحلية" في العالم العربي ينكرون أن في استطاعة اللغة العربية أن تشكل أساساً للهوية القومية، لتشمل جميع أولئك الذين يشتركون في لغة واحدة. ولا شك في أن هؤلاء ينكرون شرعية القومية العربية، ويؤمنون بالهويات المحلية، مثلما تجلى في مختلف التيارات التي ظهرت، وخصوصاً في مصر ولبنان، فنرى من المثقفين، على سبيل المثال، المفكر المصري سلامة موسى (1964) الذي سعى للتقليل من أهمية اللغة العربية الفصحى، ووصفها بأنها متخلفة ومتحجرة وغير ملائمة لحاجات العرب في العالم الحديث، كما اعتبر ازدواجية اللغة هي شيزوفرينيا، إذ إن المتحدثين باللغة العربية يفكرون بلغة، ويكتبون أفكارهم بلغة أُخرى. أمّا عادل مصطفى (2009، ص 16 - 17) فتحدث عن عطب لغوي، إذ يقول:

نحن شعب معطوب لغوياً قبل أي عطب آخر. فالطبيعي في كل المجتمعات الناطقة أن تكون الفصحى والعامية امتداداً ومتصلاً واحداً فرداً، يتدرج من اللغة اليومية البسيطة إلى اللغة الرسمية المركّبة تدرجاً سلساً لا خلجان فيه ولا صدوع ولا فجوات، بحيث إن الطفل يدرس في معهده تلك اللغة نفسها التي يتحدث بها في الطريق، ويقرأ ويكتب باللغة نفسها التي يدهش بها ويضحك، ويحلم بها ويحب. أمّا نحن فذهننا منفصم [ونحن] مشطوران بين لغتَين بينهما قطيعة تاريخية وثأر قديم.

ولتغيير الوضع، طالَبَ سلامة بتبسيط قواعد اللغة العربية، أي تبنّي الكتابة بالأحرف اللاتينية، واعتماد المصطلحات الأجنبية، وتقليل الفجوة بين الفصحى والعامية. فالمطالبة بعملية التحديث جاءت من العديد من الكتّاب والباحثين في العالم العربي، فقد نادى إبراهيم مصطفى (1959) من مصر، وأنيس فريحة من لبنان (1955، و1959، و1966)، بإصلاح القواعد العربية.

وهذا ليس غريباً في العالم العربي، فمن خلال عدة استطلاعات، وصف شبابٌ من المغرب العربي اللغةَ العربية الكلاسيكية بأنها "لغة الرب"، أي لغة الماضي، وأن اللغة الفرنسية هي "لغة الحداثة"، أي لغة الحاضر (Bentahila 1983).[7]

وتجدر الاشارة إلى أن هذا التيار - أي القومية المحلية والتقليل من أهمية العربية الفصحى - برز في الأساس في مصر ولبنان، غير أن مناصريه هم قلة من الأكاديميين والمثقفين، وكان تياراً هامشياً في الفكر العربي.

لكن ماذا عن "القومية الإسلامية"؟ فهذا التيار يعارض المواقف الدنيوية تجاه اللغة العربية، ولا يوافق على الربط بين اللغة العربية والمشاريع الأيديولوجية المتنوعة، ويساند مكانة هذه اللغة بربطها بالإسلام، ذلك بأن الإسلام هو الرابط الأسمى. ويسوق الإسلاميون العديد من الحجج للدفاع عن اللغة العربية، منها أن اللغة العربية هي لغة القرآن والحديث، وأن مكانة اللغة العربية وفق مفاهيم تاريخية في العالم هو بسبب ارتباطها بالإسلام، وأنها من دون الإسلام تصبح جسداً بلا روح، كما أن معرفة اللغة العربية هي شرط أساسي من شروط الفقيه والمجتهد (انظر: الغزالي 1998؛ الجندي 1982؛ النحوي 1998).

وأريد أن أؤكد أيضاً، أن ارتباط اللغة العربية بالدين الإسلامي، وبمعجزة القرآن المتمثلة في لغته، يعزز من أهمية اللغة العربية في الهوية العربية، وربما يجعلها من الحالات ذات الخصوصية مقارنة بلغات وأوضاع أُخرى.

إن قصب السبق في المحافظة على اللغة العربية من الضياع، مثلما حدث لشقيقاتها من اللغات السامية، يعود في الدرجة الأولى إلى القرآن الكريم، ثم إلى بعض المثقفين التقليديين والإصلاحيين الإسلاميين، حمَلة لواء الحضارة والقومية العربية ورجال الدين، الذين أصروا على استخدام اللغة العربية وجعلها القلب النابض للهوية العربية؛ فالتعليم التقليدي هو الذي احتوى وعاء اللغة العربية وحضارتها، ونقلهما إلى الأجيال اللاحقة، وبفضله استطاعت اللغة العربية شقّ عباب الظلمة في الفترات العصيبة التي انتابتها.

إن مسألة الربط بين اللغة والهوية مهمة جداً لبناء سياسات لغوية مؤسسة على أرض صلبة، فجبرون مثلاً (2013، ص 51) يدّعي وبحقّ، أن "إدراك العلاقة بين اللغة والهوية في المجال العربي إدراكاً علمياً [سيؤدي] حتماً إلى انبثاق سياسة لغوية ناجعة تصون مفردات الهوية وتثريها من جهة، وتساهم في تحرير إرادات التنمية والنهوض من جهة ثانية."

ولأهمية العلاقة بين اللغة العربية والهوية يخلص بلحبيب (2013، ص 279 - 280) إلى الاستنتاج أن "مسألة الهوية اللغوية يجب أن تُرفع إلى مرتبة القضايا السياسية والاستراتيجية الكبرى للأمة، وأن تُعتبر قضية حكومات وشعوب لا قضية مهتمين ومتخصصين، لأن اللغة من المسؤوليات المباشرة للدولة."

علاوة على ذلك، يربط المسدّي (2013، ص 303) أيضاً، ربطاً عضوياً بين اللغة والسياسة، بقوله: "فنحن نبحث عن استزراع الوعي اللغوي من خلال الوعي السياسي، [و] أن نؤصل الوعي من خلال الوعي المضاد. نحن نطمح إلى أن يتصالح العرب مع هويتهم بمجرد أن يتصالحوا مع لغتهم، وما من سبيل إلى ذلك إلّا حين يدركون التماهي الأقصى بين السياسة واللغة والهوية."

وخير مثال من الفترة الحديثة للارتباط العضوي بين اللغة العربية والهوية الجمعية، هو شمال أفريقيا العربي الذي رزح تحت الاستعمار الفرنسي عقوداً طويلة. فقد صرح الفرنسي جاك بيرك، قائلاً:

إن أقوى القوى التي قاومت الاستعمار الفرنسي في المغرب هي اللغة العربية، بل اللغة العربية الكلاسيكية الفصحى بالذات، فهي التي حالت دون ذوبان المغرب في فرنسا. إن الكلاسيكية العربية هي التي بلورت الأصالة الجزائرية، وكانت هذه الكلاسيكية العربية عاملاً قوياً في بقاء الشعوب العربية (انظر: الجندي 1982، ص 304).

فبعد استقلال الدول العربية، بدأت عملية التعريب، وخصوصاً في المغرب العربي،[8] إذ سعت الحكومات الجديدة التي قامت بعد التحرير لإعادة إنتاج المجتمع في رحاب اللغة العربية وبها كجوهر للهوية القومية - الثقافية للمجتمع الخارج لتوّه من هيمنة الاستعمار (Suleiman 2003 & 2004). 

العرب الفلسطينيون في إسرائيل

إن التطرق إلى هوية العرب الفلسطينيين في إسرائيل وارتباطها باللغة العربية أمر مهم للأسباب التالية: أولاً، نتحدث عن أقلية في دولة تُعرّف عن نفسها بأنها يهودية وصهيونية؛ ثانياً، كانت اللغة العربية في فلسطين هي اللغة المهيمنة لقرون طويلة، لكن الوضع تغير بشكل جوهري بعد إقامة دولة إسرائيل في سنة 1948؛ ثالثاً، تتسم علاقة الأقلية العربية الفلسطينيية في إسرائيل بالأغلبية اليهودية بالتوتر الدائم لأننا لا نتحدث عن حالة أغلبية - أقلية عادية، وما يترتب عليها من علاقات بينهما، مثلما هو الوضع في حالات سياسية مماثلة أُخرى في العالم، وإنما نتحدث عن "أقلية وطن" تختلف مع الأغلبية اليهودية بشأن الرواية التاريخية، وخصوصاً فيما يتعلق بالأرض، وماهية الدولة، والصراع العربي - الإسرائيلي بصورة عامة. فخصوصية وضعية المجتمع العربي الفلسطيني في الداخل نابعة من شكل علاقته بالدولة وصراعه معها، ليس فقط على مطالب مادية أو مطلبية فحسب، بل هو أيضاً "صراع على الهوية" عامة، والهوية الثقافية خاصة، وفي جوهرها اللغة العربية. فاللغة العربية تُعدّ جزءاً لا يتجزأ من ماهية الثقافة العربية، وهي ليست أداة لنقلها أو إنتاجها فقط، ومن هنا تأتي أهمية اللغة العربية، كونها أحد المؤشرات والمركّبات المهمة في الهوية العربية الفلسطينية. وسأتطرق بداية، إلى كيفية تعريف العرب الفلسطينيين في إسرائيل لهويتهم، ثم سأتناول ارتباط اللغة العربية بهويتهم. 

كيف يعرّف العرب الفلسطينيون عن أنفسهم؟

في مطلع سنوات الألفين هنالك تشديد على الهوية العربية الفلسطينية على أنها هوية "مجموعة أصلانية" أو "أهل الوطن". ففي مستهل "الدستور الديمقراطي"، الصادر عن مركز عدالة في سنة 2007 (ص 4)، جرى تعريفهم بما يلي:

إن العرب الفلسطينيين مواطني دولة إسرائيل يعيشون في وطنهم منذ القدم. هنا وُلدوا وهنا تجذّرت وترعرعت أصولهم التاريخية، وهنا تطورت وازدهرت حياتهم القومية والثقافية مساهمين فاعلين في تطور الحضارة والتاريخ الإنساني كامتداد للأمة العربية والحضارة الإسلامية، وكجزء لا يتجزأ من الشعب الفلسطيني.

ففي دراسة عن سياسة التربية اللغوية التي أجراها أمارة[9] (ما زالت في قيد الإعداد)، تم رصد هذه الهويات في الجدول التالي:

 

كيف تُعرّف عن نفسك؟

نسبة

تكرار

الهوية

13,6

32

عربي

12,3

29

فلسطيني عربي

11,9

28

فلسطيني

11,5

27

عربي مسلم فلسطيني مقيم في إسرائيل

9,4

22

عربي مسلم فلسطيني

7,7

18

عربي إسرائيلي

6,4

15

عربي مسلم إسرائيلي

4,3

10

مسلم فلسطيني

4,3

10

درزي إسرائيلي

3,8

9

مسلم فلسطيني عربي

3,0

7

عربي مسيحي إسرائيلي

2,6

6

إسرائيلي

2,6

6

فلسطيني إسرائيلي

1,7

4

فلسطيني مسلم

1,7

4

درزي

1,3

3

عربي مسلم

0,9

2

مسيحي إسرائيلي

0,4

1

إنسان

0,4

1

عربي درزي إسرائيلي

0,4

1

مسلم إسرائيلي

 

يبيّن الجدول أعلاه، كثرة مسميات الهوية التي تشير من ناحية إلى واقع العربي الفلسطيني المركّب، ومن ناحية أُخرى، إلى دينامية الهوية، كما يبيّن تعدد دوائر الهوية: العربية؛ الفلسطينية؛ الدينية؛ الإسرائيلية. لكن ما يثير الانتباه هو أن المستطلعين لم يُعرّفوا عن أنفسهم بمسميات بلداتهم أو حمائلهم / قبائلهم، مع أنها هويات لها حضورها البارز في المجتمع العربي الفلسطيني (ولا سيما في أثناء الانتخابات للسلطات المحلية)، فالأمر الواضح هو أن الهويات العربية والفلسطينية والدينية (وخصوصاً الإسلامية) هي الأبرز في تعريف الأشخاص لذواتهم.

وينبغي لنا تأكيد أن موضوع هوية العرب الفلسطينيين في إسرائيل كان قد أثار وما زال يثير نقاشاً مستمراً في المجتمعَين، العربي واليهودي، وثمة مجموعة من الباحثين (Smooha 1989 & 1992; Lehman-Wilzig 1993) تدّعي أن الأقلية العربية الفلسطينية تمر بعملية أسرلة. فالعرب في إسرائيل، في رأي تلك المجموعة، يتجهون أكثر صوب الاندماج في المجتمع الإسرائيلي، ويُعرّفون عن أنفسهم كمواطنين إسرائيليين، وأن كفاحهم اليومي هو من أجل التعايش الطبيعي بغية الحصول على حقوق مدنية ومساواة كاملة.

وفي مقابل هذا، فإن المجموعة الأُخرى (Lustick 1980؛ سوفير 1989؛ كوهين 1989؛ ريخس 1989). تدّعي أن العرب الفلسطينيين في إسرائيل يربطون هويتهم بالفلسطينيين في المناطق المحتلة، ليس فقط سياسياً، بل ثقافياً أيضاً. وبحسب هذا التوجه، فإن إعادة توحيد الفلسطينيين في الضفة الغربية وقطاع غزة مع فلسطينيي 1967، حفّزت عملية تغريب العرب الفلسطينيين في إسرائيل، بما يُعرف باسم "الفلسطنة".

في غمرة هذين المنحيين، يقترح أمارة وكبها (1996) طريقة اندماجية، إذ يقولان إن الخيارَين سطحيان ومتناقضان، ذلك بأن الانتفاضة قوّت الهويتين: الفلسطينية والإسرائيلية، على حد سواء. فالمصدر الرئيسي لعصرنة العرب الفلسطينيين هو المجتمع الإسرائيلي، لكن الفلسطنة في الوقت نفسه، جسدت رغبتهم في المحافظة على هويتهم. وبينما يسمح لهم التقارب مع المجتمع الإسرائيلي بتحقيق جزء من تطلعاتهم في الحياة اليومية، كمواطنين لهم قدر كبير من الحقوق المدنية، فإن الارتباط بثقافة إخوانهم الفلسطينيين يشبع رغباتهم في تنمية هوية قومية ووحدة ثقافية.

علاوة على ذلك، فإن العلاقات بين العرب واليهود لا تقتصر فقط على الناحية القومية بكل ما تعنيه، بل يجب أن نأخذ في الحسبان أيضاً عدداً من العمليات التي تؤثر في العديد من الأماكن في أنحاء العالم، بما فيها إسرائيل والمتغيرات الاجتماعية القائمة فيها، وهي: العصرنة والتطور التكنولوجي والعولمة. فالعرب - على سبيل المثال - لا يتواصلون مع ثقافة مغايرة فحسب، بل يمرون أيضاً بعملية عصرنة (تحوّل حداثي)، ويواجهون تراجع التقاليد التي تربّوا عليها، ولا سيما لدى الشباب. كما أن الفرد، في عصر التطور التكنولوجي، وخصوصاً في عصر الإنترنت، يستطيع إقامة صلات مع العديد من الأفراد من مجتمعات متنوعة ولعدة أهداف، إذ لم يعد المجتمع القريب والدولة التي يعيش فيها الفرد هما حدود ارتباطه وتفاعله. فنحن اليوم في إمكاننا أن نتواصل مع مجموعات افتراضية جديدة في عدة نشاطات تؤثر فينا كمجموعات وكأفراد. فالعولمة التي تفرض نفسها على مختلف أنحاء العالم، بسلبياتها وإيجابياتها، تؤثر في جوانب حياتنا، مثلما تؤثر في العمليات التي تحدث في العالم، وفي بلورة الهويات. 

اللغة العربية لغة أصلانية للعرب الفلسطينيين في إسرائيل

اللغة العربية بالنسبة إلى العرب الفلسطينيين في إسرائيل هي أحد أبرز المؤشرات المهمة إلى هويتهم، فهي المؤشر إلى هويتهم الثقافية والقومية، كما أنهم، مع التحولات الجيو – سياسية، يؤكدون أنها لغة أصلانية للعرب الفلسطينيين، وهذا من أجل حفظ هويتهم وروايتهم، وثانياً كي تكون اللغة العربية شريكة في الحيز العام.

خلال سنتَي 2006 و2007، صدرت 4 وثائق عن مؤسسات عربية فلسطينية في إسرائيل، باتت تُعرف باسم "التصورات المستقبلية"، وهي: وثيقة "التصور المستقبلي للعرب الفلسطينيين في إسرائيل" الصادرة في كانون الأول / ديسمبر 2006 عن اللجنة القطرية لرؤساء السلطات المحلية العربية في إسرائيل؛ وثيقة مركز "مساواة" تحت عنوان "دستور متساوٍ للجميع" الصادرة في تشرين الثاني / نوفمبر 2006؛ وثيقة "الدستور الديمقراطي" الصادرة عن مركز "عدالة" في آذار / مارس 2007؛ "وثيقة حيفا" الصادرة عن مركز "مدى الكرمل" في أيار / مايو 2007.

وأهم ما جاء في الوثائق التي صدرت عن العرب الفلسطينيين في إسرائيل، هو ما يمكن تسميته "خطاب الأصلانية" من جهة، و"خطاب الحقوق الجماعية" من جهة أُخرى، وهما خطابان حديثان على الفكر السياسي الفلسطيني في إسرائيل، وقد عبّرت مضامين الوثائق عن هذا النمط من الخطاب. ومن أهم الحقوق الجماعية التي طالبت بها التصورات المستقبلية هو الحقّ الجماعي اللغوي للفلسطينيين في إسرائيل (غانم ومصطفى 2009).

لقد اعتَبرت الوثائق الأربع أن إنهاء الهيمنة اللغوية لمجموعة الأغلبية هو جزء من إنهاء الهيمنة الإثنية اليهودية، وإعطاء العرب الفلسطينيين في إسرائيل دورهم في التعبير عن هويتهم الثقافية والقومية في الحيز العام، الأمر الذي يشير إلى أن الوثائق لم تتعامل مع مسألة اللغة كتحصيل حاصل، وإنما أولتها أهمية خاصة. فإحدى هذه الوثائق شددت على اللغة من زاوية حقوقية، ووثيقة أُخرى من زاوية سياسية، وثالثة من زاوية ثقافية، بينما الوثيقة الرابعة، وأقصد بالتحديد وثيقة مركز عدالة، اعتبرت عامل اللغة جزءاً جوهرياً ومحدِّداً لشكل النظام السياسي والدستوري في إسرائيل.

لقد ركزت وثائق التصور المستقبلي على الحقّ اللغوي كحقّ جماعي للعرب الفلسطينيين في إسرائيل. وفي هذا السياق، يشير كيمليكا (Kymlicka 1995) إلى أنه في مسألة المحافظة على الحقوق اللغوية للأقلية لا يكفي التركيز على الحقّ الفردي ومنع التمييز، بل هنالك أيضاً حاجة إلى ضمانات جماعية للحفاظ على لغة الأقلية الأصلية.

وإلى جانب الاعتبارات الجماعية التي توليها التصورات في خطاب اللغة، فإن هذه التصورات تدرك كذلك أهمية اللغة من خلال معرفة أن المحافظة عليها هي جزء من استقلاليتها الثقافية، وأن التخلي عن اللغة يسهّل للمجموعة المهيمنة السيطرة على مجموعة الأقلية.

وهكذا، فإن الوثائق الأربع أولت موضوع اللغة العربية أهمية خاصة، ليس من الناحية الأدائية فقط، بل أيضاً من الناحية الرمزية، والسياسية، والدستورية، والحقوقية.

يمكن القول إن مجمل الوثائق الأربع يحمل في طياته تحدياً رمزياً واضحاً للدولة، كما يمكن القول إن العمل الجماعي في صوغ الوثائق هو في حدّ ذاته تحدٍّ رمزي للدولة، لأن الدولة كانت تفضل عدم التعامل مع العرب كمجموعة قومية، وإنما كأفراد يسهل دمجهم، فجاءت الوثائق لتؤكد عكس ذلك. وكانت اللغة من أهم مؤشرات هذا التحدي.

وتُظهر نتائج الأبحاث الميدانية بشأن الأيديولوجيا اللغوية اختلافات كبيرة في تصور اللغات الثلاث (العربية والعبرية والإنجليزية)؛ فبالنسبة إلى العربية، فإن الجانب الرمزي هو الأكثر أهمية (على سبيل المثال، اللغة العربية هي لغتي القومية؛ إنني أعتز بلغتي العربية؛ إنني أحب العربية؛ العربية هي لغة جميلة وشائقة؛ معرفة اللغة العربية تعزز انتمائي إلى الأمة العربية) (لمزيد من التفصيلات، انظر: أمارة ومرعي 2004). ويُنظر إلى العبرية على أنها لغة التواصل مع الإسرائيليين اليهود في مختلف النواحي، أي أنها لغة مفيدة لأغراض عملية، لكن على النقيض من هذا، نُظر إلى الإنجليزية على أنها لغة حيوية لأغراض عملية.

فإظهار الجانب الرمزي في اللغة أمر مهم جداً، لأنه المحرك لبقاء اللغة العربية حية ونابضة وإن انتابها بعض الضعف في الحالات الحياتية كافة. 

خلاصة

يقول حليم بركات (2000، ص 68): "إن اللغة هي أيضاً تجسيد في ذاتها للحضارة والثقافة. ليس في الوعي العربي من فصم بين اللغة ومضمونها، فهي مهمة في رسالتها ولفظها ومحتواها وشكلها."

اللغة العربية ليست مجرد مؤشر إلى الهوية الجمعية، بل هي مركّب جوهري في تشكيلها أيضاً. ففي تعريف العربي لهويته يخطر له في البداية "الإنسان الذي يتحدث اللغة العربية" (أمارة وكبها 1996)، أي أن المركّب الأساسي في تشكيل هويته الجمعية هي اللغة العربية. وهذا لا يعني أن التاريخ والجغرافيا والاقتصاد ليست عوامل مهمة، لكنها في رأي منظّري القومية العربية تأتي في المرتبة الثانية بعد اللغة العربية.

اللغة العربية ترتبط بالهوية الجمعية ارتباطاً عضوياً، وهذا الرابط القوي ليس بجديد مثلما بيّنه ألبرت حوراني (1983)، فالعرب مدركون أهمية اللغة العربية لوعيهم الجمعي بأنهم جماعة ثقافية واحدة، وقد جاء الإسلام وعزز الرابط ما بين اللغة العربية الفصحى وبين الهوية الإسلامية، فأخذت اللغة طابعاً مقدساً كونها اللسان المبين للقرآن الكريم.

فعلى الرغم من الاستعمار الفرنسي لشمال أفريقيا العربي ومحاولة "فرنسة" (أي تحويلهم من لغتهم العربية إلى اللغة الفرنسية) شعوب تلك المنطقة، فإن جهودهم باءت بالفشل - مع أن فرنسا احتلت الجزائر لأكثر من 130 عاماً - وللغة العربية فضل كبير في هذا. فأول ما فعله شمال أفريقيا العربي بعد الاستعمار هو عملية التعريب، أي استعمال اللغة العربية الفصحى في مجالات الحياة كلها من أجل بناء إنسان عربي منتمٍ إلى عروبته ودينه الإسلامي، واللغة العربية هي الوسيلة لتحقيق هذه الأهداف.

أمّا فيما يتعلق بالهوية العربية الفلسطينية، فإننا نستطيع القول إنه على الرغم من التحولات السياسية الهائلة التي طرأت على العرب الفلسطينيين في إسرائيل، والتحديات التي يواجهونها في نواحي حياتهم كلها، بما فيها اللغة العربية، فإن هنالك محاولات دؤوبة وجادة للحفاظ عليها كلغة أصلانية ولغة قومية. فقد تكاتفت الهيئات السياسية والمدنية والأكاديمية لتعزيزها، ولا شك في أن لها دوراً مهماً في بقاء اللغة العربية لغة نابضة وحيوية، وهي ليست على الإطلاق في خطر، مثلما يدّعي البعض، حتى إن كانت لا تزال تواجه تحديات العبرنة والعولمة.

وفي الختام، نعرف جميعاً أن العرب في هذه المرحلة يمرون بتغييرات هائلة على جميع الصعد، وهنالك محاولات لتشكيل هويتهم، لكننا نرجو في نهاية مطاف "الربيع العربي" أن تكون اللغة العربية، وارتباطها بالهوية العربية، أقوى ممّا كانا في العقود السابقة، وإلّا لن نتحدث عن عرب وعالم عربي وأقطار عربية، وإنما عن دول أو دويلات لها لغات جديدة: اللغة المصرية؛ اللغة المغربية؛ اللغة القَطَرية؛ اللغة اليمنية؛ إلخ، وذات هويات قُطْرية ترتبط بهذه اللغات الجديدة، وحينها ستخسر اللغة العربية العملاقة، لغة القرآن، ولغة الثقافة.

غير أننا في الوقت ذاته نؤمن بأنه ما زال هنالك أسس عربية إسلامية متينة تستطيع أن تكون أقوى من جميع ما يعصف بالأقطار العربية، وأن العرب قادرون على النهوض وبناء شخصيتهم القومية مثلما فعلوا في الماضي، وهذا أمر مرتبط بنا كلنا، وهو من مسؤوليتنا جميعاً.

 

المراجع

باللغة العربية

إبراهيم، سعد الدين (1980). "اتجاهات الرأي العام العربي نحو مسألة الوحدة: دراسة ميدانية". بيروت: مركز دراسات الوحدة العربية. 

أمارة، محمد (دارسة في قيد الإعداد). "سياسة التربية اللغوية لدى المجتمع العربي الفلسطيني في إسرائيل". 

أمارة، محمد وعبد الرحمن مرعي (2004). "سياسة التربية اللغوية تجاه المواطنين العرب في إسرائيل". بيت بيرل: كلية بيت بيرل، مركز دراسات الأدب العربي؛ كفر قرع: دار الهدى للطباعة والنشر. 

بركات، حليم (2000). "المجتمع العربي في القرن العشرين: بحث في تغير الأحوال والعلاقات". بيروت: مركز دراسات الوحدة العربية. 

بلحبيب، رشيد (2013). "الهويات اللغوية في المغرب: من التعايش إلى التصادم". في: مجموعة مؤلفين. "اللغة والهوية في الوطن العربي: إشكاليات تاريخية وثقافية وسياسية". الدوحة؛ بيروت: المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، ص 247 – 280. 

الجابري، محمد عابد (1995). "مسألة الهوية: العروبة والإسلام... والغرب". بيروت: مركز دراسات الوحدة العربية. 

جبرون، امحمد (2013). "انشقاق الهوية: جدل الهوية ولغة التعليم في المغرب الأقصى من منظور تاريخي". في: مجموعة مؤلفين. "اللغة والهوية في الوطن العربي: إشكاليات تاريخية وثقافية وسياسية". الدوحة؛ بيروت: المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، ص 49 – 115. 

الجندي، أنور (1982). "الفصحى لغة القرآن". بيروت: دار الكتاب اللبناني. 

الحصري، ساطع (1961). "العروبة أولاً". بيروت: دار العلم للملايين. 

---------- (1985). "آراء وأحاديث في القومية العربية". بيروت: مركز دراسات الوحدة العربية. 

الدواي، عبد الرزاق (2013). "في إشكالية اللغة والهوية والتنوع الثقافي". في: مجموعة مؤلفين. "اللغة والهوية في الوطن العربي: إشكاليات تاريخية وثقافية وسياسية". الدوحة؛ بيروت: المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، ص 225 – 246. 

الدوري، عبد العزيز (1960). "الجذور التاريخية للقومية العربية". بيروت: دار العلم للملايين. 

غانم، أسعد، ومهند مصطفى (2009). "الفلسطينيون في إسرائيل: سياسات الأقلية الأصلية في الدولة الإثنية". رام الله: مدار / المركز الفلسطيني للدراسات الإسرائيلية. 

الغزالي، محمد (1998). "حقيقة القومية العربية وأسطورة البعث العربي". القاهرة: دار نهضة مصر للطباعة والنشر والتوزيع. 

فريحة، أنيس (1955). "نحو عربية ميسّرة". بيروت: دار الثقافة. 

---------- (1959). "تبسيط قواعد اللغة العربية على أسس جديدة: اقتراح ونموذج". بيروت: الجامعة الأميركية. 

---------- (1966). "في اللغة العربية وبعض مشكلاتها". بيروت: دار النهار للنشر. 

المسدّي، عبد السلام (2013). "الهوية واللغة في الوطن العربي: بين أزمة الفكر ومأزق السياسة". في: مجموعة مؤلفين. "اللغة والهوية في الوطن العربي: إشكاليات تاريخية وثقافية وسياسية". الدوحة؛ بيروت: المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، ص 283 – 310. 

مصطفى، إبراهيم (1959). "إحياء النحو". القاهرة: لجنة التأليف والترجمة والنشر. 

مصطفى، عادل (2009). "مقدمة: تجديد لا تبديد". في: سليمان جبران. "على هامش التجديد والتقييد في اللغة العربية المعاصرة". حيفا: مجمع اللغة العربية، ص 9 – 23. 

موسى، سلامة (1964). "البلاغة العصرية واللغة العربية". القاهرة: سلامة موسى للنشر والتوزيع. 

النحوي، عدنان علي رضا (1998). "لماذا اللغة العربية؟" الرياض: دار النحوي للنشر والتوزيع. 

الودغيري، عبد العلي (2000). "اللغة والدين والهوية". الدار البيضاء: مطبعة النجاح الجديدة. 

الوثائق الأربع

  • اللجنة القطرية لرؤساء السلطات المحلية العربية في إسرائيل (2006). "التصور المستقبلي للعرب الفلسطينيين في إسرائيل." 
  • مدى الكرمل / المركز العربي للدراسات الاجتماعية التطبيقية (2007). "وثيقة حيفا". 
  • مركز "عدالة" / المركز القانوني للمواطنين العرب في إسرائيل (2007). "الدستور الديمقراطي". 
  • مركز "مساواة" لحقوق المواطنين العرب في إسرائيل (2006). "دستور متساوٍ للجميع" (كتبه يوسف جبارين). 

باللغة الإنجليزية

Anderson, Benedict (1991). Imagined Communities: Reflections on the Origin and Spread of Nationalism. London & New York: Verso Books, 2nd edition. 

Appel, René & Pieter Muysken (1987). Language Contact and Bilingualism. London: Edward Arnold. 

Barth, Fredrik, ed. (1970). Ethnic Groups and Boundaries: The Social Organization of Culture Difference. London: George Allen and Unwin. 

Benrabah, Mohamed (May 2007a). “Language-in-Education Planning in Algeria: Historical Development and Current Issues”. Language Policy, no. 6, pp. 225-252. 

------------- (2007b). “The Language Planning Situation in Algeria”. In: Language Planning and Policy in Africa, vol. 2: Algeria, Côte d’Ivoire, Nigeria, and Tunisia. Edited by Robert B. Kaplan and Richard B. Baldauf. Clevedon, UK: Multilingual Matters Limited, pp 25-35. 

Bentahila, Abdelali (1983). Language Attitudes among Arabic-French Bilinguals in Morocco. Clevedon: Multilingual Matters Limited. 

Berque, Jacques (1964). The Arabs: Their History and Future. Translated by Jean Stewart. London: Faber & Faber. 

Bosch, Barbara (July 2009). “Ethnicity Markers in Afrikaans”. International Journal of the Sociology of Language, vol. 2000, issue 144, pp. 51-68. 

Bourdieu, Pierre (1990). The Logic of Practice. Translated by Richard Nice. Cambridge: Polity Press. 

------------- (1991). Language and Symbolic Power. Translated by Gino Raymond & Matthew Adamson. Cambridge: Polity Press. 

De Kadt, Elizabeth (January 2000). “ ‘In with Heart and Soul’: The German Speakers of Wartburg”. International Journal of the Sociology of Language, vol. 2000, issue 144, pp. 69-94. 

Deutsch, Karl (1966). Nationalism and Social Communication: An Inquiry into the Foundations of Nationality. Cambridge; Massachusetts: MIT Press, 2nd edition. 

Edwards, John (1988). “Bilingualism, Education and Identity”. Journal of Multilingual and Multicultural Development, vol. 9, issue 1-2, pp. 203-210. 

Feuerverger, Grace (1989). “Jewish-Canadian Ethnic Identity and Non-Native Language Learning: A Social-Psychological Study”. Journal of Multilingual and Multicultural Development , vol. 10, issue 4, pp. 327-357. 

Fishman, Joshua A. (1977). “Language and Ethnicity in Intergroup Relations”. In: Language, Ethnicity and Intergroup Relations. Edited by Howard Giles. London; New York: Academic Press, pp. 16-53. 

Giles, Howard & Patricia Johnson (January 1987). “Ethnolinguistic Identity Theory: A Social Psychological Approach to Language Maintenance”. International Journal of the Sociology of Language, issue 68, pp. 69-99. 

Giles, Howard & Richard Y. Bourhis & Donald M. Taylor (1977). “Towards a Theory of Language in Ethnic Group Relations”. In: Language, Ethnicity and Intergroup Relations. Edited by Howard Giles. London; New York: Academic Press, pp. 307-348. 

Haarmann, Harald (1999). “History”. In: Handbook of Language and Ethnic Identity. Edited by Joshua A. Fishman & Ofelia Garcia. Oxford: Oxford University Press, pp. 60-75. 

Hobsbawm, Eric J. (1992). Nations and Nationalism since 1780: Programme, Myth, Reality. Cambridge; New York: Cambridge University Press. 

Hobsbawm, Eric J. & Terence Ranger, eds. (1992). The Invention of Tradition. Cambridge; New York: Cambridge University Press, Canto Edition. 

Hourani, Albert (1983). Arabic Thought in the Liberal Age, 1798-1939. Cambridge: Cambridge University Press. 

Kymlicka, Will (1995). Multicultural Citizenship: A Liberal Theory of Minority Rights. New York: Oxford University Press. 

Lambert, Wallace E. & Lambros Mermigis & Donald M. Taylor (January 1986). “Greek Canadians’ Attitudes Toward Own Group and Other Canadian Ethnic Groups: A Test of the Multiculturalism Hypothesis”. Canadian Journal of Behavioral Science, vol. 18, issue 1, pp. 35-51. 

Lehman-Wilzig, Sam (1993). “Copying the Master? Patterns of Israeli Arab Protest, 1950-1990”. Asian and African Studies, vol. 27, pp. 129-147. 

Liebkind, Karmela (1999). “Social psychology”. In: Handbook of Language and Ethnic Identity. Edited by Joshua A. Fishman & Ofelia Garcia. Oxford: Oxford University Press, pp. 140-151. 

Lustick, Ian (1980). Arabs in the Jewish State: Israel's Control over a National Minority. Austin: University of Texas. 

Padilla, Amado M. & Graciela N. Borsato (1999). “Psychology”. In: Handbook of Language and Ethnic Identity. Edited by Joshua A. Fishman & Ofelia Garcia. Oxford: Oxford University Press, pp. 109-121. 

Sa’id, Edward (1994). Culture and Imperialism. New York: Vintage Books. 

Sarup, Madan & Tasneem Raja (1996). Identity, Culture and the Postmodern World. Athens: The University of Georgia Press. 

Shohamy, Elana (1999). “Language and Identity of Jews in Israel and in the Diaspora”. In: Present and Future: Jewish Culture, Identity and Language. Edited by David Zisenwine & David Schers. Tel-Aviv: Tel-Aviv University, School of Education, pp. 79-100. 

Shohamy, Elana & Smadar Donitsa-Schmidt (1998). Differences in Attitudes, Stereotypes and Priorities Regarding Hebrew and Arabic of Jews and Arabs in Israel. Tel-Aviv: Tel-Aviv University, School of Education. 

Skutnabb-Kangas, Tove (1999). “Education of Minorities”. In: Handbook of Language and Ethnic Identity. Edited by Joshua A. Fishman & Ofelia Garcia. Oxford: Oxford University Press, pp. 42-59. 

Smooha, Sammy (1989). “The Arab Minority in Israel: Radicalization or politicization?” Studies in Contemporary Jewry, vol. 5, pp. 1-21. 

------------- (1992). Arabs and Jews in Israel: Change and Continuity in Mutual Tolerance, vol. 2. Boulder, Colorado: Westview Press. 

Suleiman, Yasir (2003). The Arabic Language and National Identity; A Study in Ideology. Washington, D.C.: Georgetown University Press. 

------------- (2004). A War of words: Language and Conflict in the Middle East. Cambridge: Cambridge University Press. 

Tajfel, Henri (1978). Differentiation Between Social Groups: Studies in the Social Psychology of Intergroup Relations. New York: Academic Press. 

Tajfel, Henri & John Turner (1985). “The Social Identity Theory of Intergroup Behavior”. In: Psychology of Intergroup Relations. Edited by Stephen Worchel and William G. Austin. Chicago: Nelson-Hall Publishers, pp. 7-24. 

------------- (2004). “The Social Identity Theory of Intergroup Behavior”. In: Political Psychology: Key Readings. Edited by John T. Jost & Jim Sidanius. New York: New York Psychology Press, pp. 276-293. 

Ten Cate, Carel & Kazuo Okanoya (19 July 2012). “Revisiting the Syntactic Abilities of Non-human Animals: Natural Vocalizations and Artificial Grammar Learning”. Philosophical Transactions of the Royal Society B Biological Sciences, vol. 367, issue 1598, pp. 1984-1994. 

Thomason, Sarah G. (2001). Language Contact: An Introduction. Washington, D.C.: Georgetown University Press. 

Vermeulen, Hans & Cora Govers (1994). “Introduction”. In: The Anthropology of Ethnicity: Beyond Ethnic Groups and Boundaries. Edited by Hans Vermeulen & Cora Govers. Amsterdam: Het Spinhuis, pp. 1-12.

مراجع باللغة العبرية

أمارة، محمد وسفيان كبها (1996)."هوية منشطرة: تقسيم سياسي وانعكاسات اجتماعية في قرية منشطرة". غفعات حبيبه: معهد أبحاث السلام. 

حلبي، رباح (2006). "مواطنون متساوون في الواجبات: الهوية الدرزية والدولة اليهودية". تل أبيب: أدوم، وهكيبوتس هميؤوحد. 

ريخس، إيلي (1989). "عرب إسرائيل وعرب الضفة الغربية وغزة: علاقات سياسية وهوية قومية". "همزراح هحداش"، المجلد 32، ص 165-191. 

سوفير، أرنون (1989). "عرب إسرائيل: من القرية إلى المدينة، وماذا بعد ذلك؟" "همزراح هحداش"، المجلد 32، ص 132 - 138. 

كوهين، رعنان (1989). "في خضم الانتماءات: مجتمع وسياسة في الوسط العربي". تل أبيب: عام عوفيد. 

هراري، يوفال نوح (2013). "مختصر تاريخ البشرية". أور يهودا: دفير.

 

المصادر:

[1] جميع الكائنات لديها لغاتها التي تستطيع أن تتواصل بها، لكنها محدودة جداً، مقارنة باللغة البشرية، بوظائفها وبقدرتها على ربط الماضي بالحاضر (فضلاً عن المستقبل). فمحاولات تعليم اللغة البشرية لأذكى الحيوانات على الأرض كالغوريلا مثلاً، أسفرت عن نتائج محدودة جداً لا تُقارن بجيل طفل عمره أقل من عامَين (انظر: Ten Cate & Okanoya 2012).

[2] تؤدي الذاكرة التاريخية دوراً مهماً في تشكيل المجموعات والأمم كمجموعات متخيلة؛ إنها الذاكرة المتخيلة التي من خلالها يتشارك أفراد المجموعة. ولذا، فإنها عامل مهم وحيوي في بناء الأمة وتشكيلها، ومن المحال خلق أمة من دون الذاكرة التاريخية (Anderson 1991).

إن الأعمال الريادية التي فحصت سيرورة الأمم والهوية، مثل كتاب أندرسن عن المجموعات المتخيلة (Imagined Communities)، وكتاب إدوارد سعيد عن الثقافة والإمبريالية (Culture and Imperialism)، وكتاب هوبسباوم عن اختراع التقاليد (The Invention of Tradition)، ألقت ضوءاً مهماً على العلاقة بين الهوية وأمكنة الذاكرة.

[3] يتحدث يوفال نوح هراري (2013) في كتابه "مختصر تاريخ البشرية"، عن ثلاث ثورات مهمة حدثت في مسار التاريخ: الأولى هي الثورة اللغوية قبل 70,000 عام، والتي في رأيه أنتجت التاريخ؛ الثانية هي الثورة الزراعية قبل 10,000 عام وسرّعت مسار التاريخ؛ الثالثة هي الثورة العلمية التي بدأت قبل 500 عام، ويدّعي أنها ربما ستجلب نهاية التاريخ.

[4] هنالك من العرب الدروز في إسرائيل مَن يدّعون أنهم ليسوا عرباً، لكنهم يتحدثون اللغة العربية (انظر: حلبي 2006)، وذلك خلافاً للعرب الدروز في الجولان المحتل، والذين يشددون على هويتهم السورية من ناحية، والهوية العربية من الناحية الأُخرى.

[5] من الشخصيات الأُخرى البارزة والمناصرة للفكر العربي والقومية واللغة العربية نذكر الشيخ عبد الله العلايلي، ونديم البيطار، وزكي الأرسوزي. ويلاحظ أن الفكر القومي العربي لقي معارضة من تيارات دينية مثل التيار الوهابي، والتي ادّعت أن التيار القومي يفتقر إلى أيديولوجيا للتعامل مع الإنسان والمجتمع، مع أن بعض دعاة القومية هم علماء دين مثل عبد الرحمن الكواكبي، أو ذوو اتجاه ديني مثل محمد عزة دروزة.

[6] يُعدّ الحصري من أبرز المنادين والمدافعين عن فكرة القومية العربية. ففي مواجهة دعاة فكرة الإقليمية في مصر، يرى الحصري أن من شأن اللغة والتاريخ أن يجعلا لمصر المكانة القيادية في العالم العربي.

[7] في مسح لمواقف أجراه بن – رباح (Benrabah 2007a) خلال نيسان / أبريل وأيار / مايو 2004، أجاب 1040 طالب مدرسة ثانوية على استمارة: 55% قالوا أنهم يفضلون تعليم الفرنسية على اللغة العربية المعيارية، وفقط 36% فضلوا التعليم باللغة العربية المعيارية. وفي دراسة أُخرى، وجد بن – رباح (Benrabah 2007b) أن 75% من المستجوبين دعموا فكرة تعلم الموضوعات العلمية باللغة الفرنسية في المدارس.

[8] للمفارقة، فإن المغرب العربي أصبح عربياً بعد الفتح الإسلامي، إذ قبل ذلك سادت في المغرب ثلاث لغات: الأمازيغية، واللاتينية، والعبرية. فمثلما يقول جبرون (2013، ص 61): "استغرق التحول الهوياتي - حتى استوى على سوقه واكتملت صورته - قرابة ثلاثة قرون [....]. في هذا السياق التاريخي المميز لم تكن اللغة العربية سلبية أو محايدة، حيث ساهمت من خلال الوظائف التي اضطلعت بها على المستوى الديني والثقافي بفاعلية في صبغ هذا التحول، وإكساب المغرب هويته العربية - الإسلامية."

[9] هذه المعطيات مأخوذة من بحث شامل عن سياسة التربية اللغوية لدى المجتمع العربي الفلسطيني في إسرائيل، وهو بحث ما زال في قيد الإعداد، فقد مُررت استمارات إلى 235 مستطلعاً بين شباط / فبراير وآذار / مارس 2021. ومع أن مجموعة المشاركين في البحث لا تشكل عينة تمثيلية للمجتمع العربي الفلسطيني، إلّا إنها تغطي العديد من العوامل الديموغرافية. فالأعمار تتراواح بين 19 إلى 67 عاماً (متوسط العمر 34)، والمشاركون جاءوا من ثلاث فئات متنوعة: 102 طالب، و80 معلماً، و53 محاضراً؛ 87 رجلاً و148 امرأة؛ 98 (41,7%) حاصلون على اللقب الأول، و84 (35,7%) على اللقب الثاني، و53 (22,6%) على اللقب الثالث. ويسكن المشاركون في 4 مناطق جغرافية: 90 (38,3%) من المثلث الصغير؛ 101 (43%) من الجليل؛ 26 (11,1%) من النقب؛ 18 (7,7%) من المدن المختلطة. ويشكل المسلمون في العينة 171 (72,8%)، والمسيحيون 38 (16,2%)، والدروز 26 (11,1%)؛ متدينون جداً 4 (1,7%)، ومتدينون 20 (8,5%)، وملتزمون 115 (48%)، وغير متدينين 87 (37%)، وعلمانيون 9 (3,8%).

السيرة الشخصية: 

محمد أمارة: رئيس الدراسات العليا في الكلية الأكاديمية ''بيت بيرل''، ورئيس الجمعية الإسرائيلية لدراسة اللغة والمجتمع.