عن المخيم العصي على قوات الاحتلال
التاريخ: 
12/05/2022
المؤلف: 

استشهدت الصحافية الفلسطينية شيرين أبو عاقلة في مخيم جنين برصاص قناص إسرائيلي، وهي تغطي قيام قوات الاحتلال الإسرائيلي باقتحام المخيم لاعتقال أحد المطلوبين فيه، وهو حدث بات عادياً في هذا المخيم العصي على قوات الاحتلال، الذي تتصدّر أخباره نشرات الأخبار وتقارير الصحافيين والمراسلين بين الحين والآخر.

فبعد أن أعطى رئيس حكومة الاحتلال نفتالي بينت تفويضاً مطلقاً لقوات الأمن الإسرائيلية لـ "دحر" موجة جديدة من "الإرهاب" في إسرائيل، قام الجيش الإسرائيلي في 9 نيسان/أبريل الفائت بشن هجوم واسع على مخيم جنين، وذلك بذريعة أن منفذَي عمليتَي "بني براك" و"تل أبيب" الفلسطينيين، قد خرجا منه، قُتل خلاله الشاب الفلسطيني أحمد السعدي، وأصيب اثنا عشر فلسطينياً بجراح. وفي اليوم التالي، فرضت سلطات الاحتلال عقوبات جماعية على سكان مدينة جنين، إذ قامت بإغلاق حاجزي "الجلمة" و "ريحان"، اللذين يعتبران شرياناً اقتصادياً للمدينة، يتيحان للمواطنين الفلسطينيين في مناطق 1948 الدخول إلى مدينة جنين للتسوق منها، ومنعت رجال الأعمال الفلسطينيين من جنين، الذين يحملون تصاريح من الجيش الإسرائيلي، من دخول المدن الواقعة وراء الخط الخضر. ثم حاولت قوة كبيرة من جيش الاحتلال، في 13 من الشهر نفسه، اقتحام الحي الشرقي للمخيم لتنفيذ اعتقالات بحق عدد من المطلوبين لديها، فتصدى لها الشبان المدافعون عن المخيم، الأمر الذي تسبب في استشهاد ثلاثة شبان هم شوكت كمال عابد وشأس كممجي من قرية كفر دان، ومصطفى أبو الرب من قرية مسلية، وفي إصابة العشرات بجروح وحالات اختناق، وفي قيام قوات الاحتلال ووحداتها الخاصة باعتقال عدد من المواطنين[1].

مخيم جنين في واجهة الاخبار في سنة 2021

كان مخيم جنين قد تصدر الأخبار في سنة 2021 وخصوصاً في مناسبتين: خلال أحداث "هبة القدس" في أيار/مايو، وعقب العملية البطولية التي قام بها ستة من الأسرى الفلسطينيين، جميعهم من جنين، للفرار من سجن "جلبوع" في أيلول/سبتمبر.

فقد بعثت "هبة القدس" حياة جديدة في المقاومة التي باتت ظاهرة تميّز هذا المخيم، بحيث عاد المقاومون الفلسطينيون، من مختلف الفصائل، إلى الظهور العلني في شوارع المخيم، ووقع اشتباك في حزيران/يونيو 2021 بين المقاومين الفلسطينيين وقوات الاحتلال أسفر عن استشهاد ثلاثة فلسطينيين، كما شنت قوات الاحتلال غارة عنيفة على المخيم، في آب/أغسطس من ذلك العام، تسببت في استشهاد أربعة فلسطينيين.

واشتد التوتر داخل المخيم بعد فرار الأسرى الستة، إذ أبدى المقاومون في المخيم، الذين انتظموا  في إطار "غرفة عمليات مشتركة"، استعدادهم لمساعدة الأسرى وتزويدهم بأمكنة آمنة، وذلك قبل أن تفلح قوات الاحتلال في إعادة القبض عليهم. وتشكلت وحدة "الإرباك الليلي" التي صارت تشعل إطارات السيارات بالقرب من حاجز "الجلمة" وترشق جنود الاحتلال بالحجارة والزجاجات الحارقة. وعادت حكومة الاحتلال إلى وصف المخيم بـ "عش الدبابير"، وهو الوصف الذي استعمله أرييل شارون لدى قيام جيش الاحتلال باجتياح المخيم في سنة 2002[2].

وفي تحقيق أجراه موقع Middle East Eye في 10 شباط/فبراير 2022 مع ثلاثة من المطلوبين الفلسطينيين لقوات الاحتلال، أعطتهم الصحافية شذى حماد التي أجرت التحقيق أسماء مستعارة، قال سلمان، وهو في العشرينيات من عمره، "إنه لم يغادر المخيم منذ أن داهمت وحدة من القوات الخاصة الإسرائيلية مكان عمله في ضواحي البلدة بحثاً عنه العام الماضي"، وهو يعتبر نفسه "امتداداً لأولئك الذين دافعوا عن المخيم في معركة سنة 2002". بينما قال باسل: "ترحب بنا العديد من العائلات في المخيم وتدعونا للحضور والنوم في منازلهم، لكننا نخشى على سلامتهم، ولا نريد أن نعرضهم للخطر". ورداً على الحملة الأمنية التي قامت بها السلطة الفلسطينية في أواخر سنة 2021 لوقف ما أسمته بانتشار حالة من "الفوضى" في المخيم، أصر تامر، الجالس بجانب باسل، على أنهم "لا يقاتلون السلطة الفلسطينية"، وقال الشاب، الذي قضى عدة سنوات في سجن إسرائيلي: "نتوجه في نضالنا ضد الاحتلال، ولا أحد غيره". بينما قال شامي الشامي، العضو السابق في المجلس التشريعي الفلسطيني عن كتلة "فتح"، إن استخدام إسرائيل المتزايد للعنف "هو ما يغذي المشاعر القومية ويشجع الشباب الفلسطينيين على تصعيد أنشطة المقاومة"، وأضاف: "نحن ندعو السلطة إلى كبح أفعالها إزاء سكان المخيم وتصحيح أخطائها"[3].

مخيم جنين والانتفاضة الثانية

أقيم مخيم جنين، وهو واحد من 19 مخيماً للاجئين الفلسطينيين في الضفة الغربية تديره وكالة الأونروا، ويعد ثاني أكبر مخيم فلسطيني بعد مخيم بلاطة،  سنة 1953 إلى الغرب من مدينة جنين في منطقة تحيط بها المرتفعات، وتطل على سهل مرج بن عامر من جهة الشمال، وعلى قرية برقين من جهة الجنوب، وذلك فوق قطع من الأرض استأجرتها وكالة الأونروا من الحكومة الأردنية. وقد بلغت مساحة هذا المخيم عند إنشائه 372 دونماً، ثم اتسعت إلى حوالي 473 دونماً، ويقدّر عدد سكانه، الذين ينحدرون في معظمهم من منطقة الكرمل في حيفا ومن قرى كانت تتبع محافظة جنين احتلت سنة 1948، بنحو  16000 لاجئ حالياً. وبسبب قرب المخيم من القرى الأصلية لسكانه، فإن العديدين من هؤلاء السكان ظلوا يحافظون على روابط وثيقة بأقاربهم داخل الخط الأخضر. وقد أصبح هذا المخيم خاضعاً لسيطرة السلطة الفلسطينية في منتصف التسعينيات.

وقد ذاع صيت هذا المخيم وبطولات سكانه خلال أحداث الانتفاضة الثانية المعروفة باسم "انتفاضة الأقصى". فرداً على تلك الانتفاضة التي اندلعت في أواخر شهر أيلول/سبتمبر 2000، أطلق الجيش الإسرائيلي، في آذار/مارس 2002،  عملية عسكرية واسعة حملت اسم "الدرع الواقي"، واستهدف فيها ست مدن رئيسية في الضفة الغربية المحتلة وعدداً من البلدات والمخيمات المحيطة بها التي كانت خاضعة، مبدئياً، لسيطرة السلطة الفلسطينية. وفي إطار هذه العملية، قام الجيش الإسرائيلي ما بين 3 و 18 نيسان/أبريل 2002 باجتياح مخيم جنين للاجئين الفلسطينيين بمشاركة مروحيات ودبابات وجرافات، فتصدى له المقاتلون الفلسطينييون داخل المخيم، وخاضوا معركة تواصلت أيام عديدة، وتصدرت أخبارها، في ذلك الحين، نشرات الأخبار وتقارير الصحافيين والمراسلين، وأسفرت عن استشهاد 53 فلسطينياً، أكثر من نصفهم من المدنيين، وعن مقتل 23 جندياً إسرائيلياً، وعن تدمير القسم الأكبر من مساكن المخيم والبنى التحتية فيه. ولم تكن أرقام الضحايا التي سقطت في تلك المعركة هي التي صدمت العالم في ذلك الوقت، ولكن الطبيعة الوحشية للهجوم الإسرائيلي، غير المسبوقة حتى في تاريخ الاحتلال القاسي، إذ تمت مهاجمة هذا المخيم الكثيف السكان من الجو بطائرات الهليكوبتر الحربية، وقصفته الدبابات من التلال التي تعلوه، كما اجتاحت المركبات الوحشية، الهجين بين الدبابة والجرافة، أزقته وسوت مساكنه بالأرض، وتركت ما يقرب من 435 عائلة من دون مأوى[4].        

أرض عز الدين القسام، وشعب لا ينسى  

خلال النصف الأول من شهر نيسان/أبريل 2017، قام إيلان بابه، المؤرخ الإسرائيلي المناهض للصهيونية والأستاذ في جامعة أكستر البريطانية ومدير برنامج الدراسات الفلسطينية في الجامعة، بزيارة مخيم جنين، وذلك في إطار دعوة وجهت إليه من فرع جامعة القدس المفتوحة في مدينة جنين، وكتب مقالاً عن انطباعاته عن هذه الزيارة ورد فيه: " هناك فصل واضح بين مدينة جنين والمخيم؛ فأنت تدرك اللحظة التي غادرت فيها المدينة ودخلت هذا المخيم الضخم الذي تم بناؤه على منحدر تل شديد الانحدار إلى الغرب من المدينة؛ كما إنه من السهل جداً معرفة أي من المنازل في المخيم تم تدميرها خلال مذبحة سنة 2002 ...إذا صعدت إلى قمة التل، يمكنك أن ترى موقع وجود الدبابات الإسرائيلية التي أمطرت بنيرانها المخيم الأعزل، ما تسبب في الخراب والموت..كما إن هناك شيئاً آخر تلاحظه عندما تكون على التل، إذ يمكنك أن ترى المنطقة بأكملها التي تمتد من جنين في شمال الضفة الغربية إلى البحر الأبيض المتوسط، ويمكنك أن ترى عبر مرج بن عامر - المنطقة الخصبة المعروفة أيضًا باسم وادي جزريل- مدينة حيفا على الساحل. إن القرى والبلدات التي كانت موجودة قبل سنة 1948 تم تجريفها خلال النكبة - التطهير العرقي لفلسطين من قبل الميليشيات الصهيونية، وتم نقل العديد من الأشخاص الذين يعيشون هناك إلى هذه المنطقة، بحيث بات في وسعهم أن يروا من التل كيف تحوّلت منازلهم وحقولهم إلى مستوطنات يهودية و "غابات" للصندوق القومي اليهودي". وبعد أن يشير بابه إلى أن المقاومة هي خيار شباب المخيم، يكتب: "المقاومة خيار، ذلك إن هذه المنطقة هي التي انبثق منها أهم جهد فلسطيني مناهض للاستعمار في أوائل الثلاثينيات: التمرد بقيادة عز الدين القسام، الذي التقيت خلال هذه الزيارة بحفيده أحمد، وتحدثنا بإيجاز عن كيفية تشويه الصورة التاريخية لجده من قبل بعض الأشخاص الذين يقارنون بينه وبين الجهاديين المزعومين الحاليين، وتوافقنا على أنه لو لم يقتله البريطانيون سنة 1935، لكان قد أصبح تشي جيفارا الفلسطيني، إذ كان زعيماً ذا كاريزما مناهضاً للاستعمار يعمل بين الناس الذين كانوا أول ضحايا الصهيونية في ثلاثينيات القرن الماضي - الفلاحون المشردون والمزارعون الذين طردوا من الأراضي التي كانوا يزرعونها لقرون". وأكد المؤرخ نفسه أن جغرافية المخيم وتضاريسه تخبر الزائر بشيء آخر، وهو أن "حل الدولتين فكرة سخيفة، إذ يقع المخيم بالقرب من حاجز سالم بين الضفة الغربية وإسرائيل الحالية، وكانت الطريق من جنين إلى حيفا بالسيارة تستغرق عبر هذا المعبر 20 دقيقة في الماضي. وقبل توقيع اتفاقيات أوسلو بين إسرائيل ومنظمة التحرير الفلسطينية في سنة 1993، كانت حركة الأفراد والتجارة حرة في هذا الجزء من شمال فلسطين، الذي كان يُدار حتى سنة 1948 بصفته منطقة واحدة..بيد أن مهندسي أوسلو أرادوا كسر هذا التكامل التاريخي والثقافي والاقتصادي وإغلاق المعبر، مما أجبر الناس على استخدام حاجز الجلمة العسكري في الشمال، وهو ما حوّل هذه الرحلة القصيرة إلى رحلة طويلة جداً". ويخلص بابه إلى أنه كان من المفترض "أن تحل أوسلو المشكلة الصهيونية الدائمة: كيفية الحصول على الأرض من دون الشعب"، مؤكداً أن هذا المشروع الاستعماري الصهيوني مستمر، لكنه يتم " في أرض عز الدين القسام وفي مخيم لا ينسى فيه الناس، وليس لديهم ما يخسرونه"[5].

 

[1] https://www.lemonde.fr/international/article/2022/04/09/apres-le-nouvel-attentat-de-tel-aviv-raid-de-l-armee-israelienne-dans-le-camp-palestinien-de-jenine_6121372_3210.html

[2] https://www.nouvelobs.com/monde/20220413.AFP9585/telegram-et-m16-jenine-s-organise-face-a-l-offensive-d-israel.html;

https://www.nouvelobs.com/monde/20220413.AFP9585/telegram-et-m16-jenine-s-organise-face-a-l-offensive-d-israel.html 

[3] https://www.middleeasteye.net/fr/reportages/israel-palestine-jenine-camp-combattants-resistance-armes-ap-securite

[4] https://www.alquds.co.uk/20-عاما-على-الاجتياح-الإسرائيلي-لمخيم-جن/;

https://www.lemonde.fr/archives/article/2002/04/09/sous-un-feu-d-enfer-le-camp-de-jenine-refuse-de-se-rendre_4236978_1819218.html

[5] https://agencemediapalestine.fr/blog/2017/04/21/jenin-noubliera-pas-le-massacre-commis-par-israel/