بيتا وبُرقة نموذجان للمقاومة الشعبية
النص الكامل: 

مثّل الحراك الشعبي الذي تشهده مؤخراً قرى منطقة نابلس، وخصوصاً بيتا وبُرقة، نموذجاً يُحتذى في المقاومة المدنية التي تحقق نجاحات، ليس على صعيد دفع الاحتلال إلى التخلص من بعض البؤر الاستيطانية التي تأكل مساحات شاسعة من الأراضي الفلسطينية فقط، بل لإحراج الفصائل الرازحة بين أزماتها التنظيمية الداخلية، وبين انقساماتها من أجل تقاسم السلطة أيضاً.

إن ما يميز حراكات بيتا وبُرقة، وقبلها ما كان يحدث في البلدات والقرى التي صادر الجدار العنصري مساحات واسعة من أراضيها، والتي نجحت في حرف الجدار عن مساره، وإن كان بناؤه ما زال متواصلاً، أنها حراكات نظمها أهم تلك القرى والبلدات، والتحق بها بعض الفصائل، وأنها غير خاضعة لمصالح الفصائل الضيقة، وإنما تنبع من الحاجة إلى مقاومة مساعي الاحتلال لمصادرة أراضي الفلسطينيين وإفقارهم، كما يميزها ظهور قيادات ميدانية متفانية، وعمل جماعي يضم مختلف الشرائح والأعمار، وتؤدي فيه النساء دوراً محورياً.

يسعى هذا التحقيق لتبيان الصورة الناصعة للحراكات الشعبية المدنية تلك، والظروف التي تحيط بها، واحتمالات المستقبل. 

بيتا "الأيقونة"

يشبّه خالد منصور، أحد قادة المقاومة الشعبية والقيادي في حزب الشعب، بلدة بيتا بـ "الأيقونة" التي تمتد مقاومتها الشعبية منذ عشرات الأعوام في مواجهة الاحتلال، ويرى أن أهمية نموذج بيتا يتجلى في هبّة شعبية ترفض السماح للاستيطان بالراحة والأمان، وتتواصل من دون كلل منذ أيار / مايو 2021، وقد نجحت في إزالة بؤرة استيطانية، مع أنها دفعت ثمناً باهظاً من لحم أبنائها.

 

 

جبل أبو صبيح في بيتا حيث تحدث المواجهات اليومية

المصدر: المصور الصحافي وهّاج بني مفلح

 

يتخصص منصور بتأليف هتافات وأغانٍ للمقاومة الشعبية، ويقول إن بيتا تتصدى لمشروع استيطاني خطر سيؤدي في حال نجاحه إلى فصل شمال الضفة عن وسطها، وإلى التقدم خطوات نحو مشروع تحويل الأرض الفلسطينية إلى كانتونات معزولة. ووفقاً لـمنصور، أو "أبو ساري" مثلما يعرفه ناشطو المسيرات الشعبية، فإن بيتا، الواقعة جنوبي شرقي نابلس، نجحت بفضل وحدتها الوطنية، ومشاركة وشجاعة أهلها في الاحتجاج المتواصل، بعد أن أيقنوا بوجود خطر يهدد وجودهم، في تقديم تجربة ملهمة في الوحدة الوطنية على أرض المواجهة مع المستوطنين وجيش الاحتلال. 

أقل واجب؛ أهم واجب

نساء بيتا لهن دور محوري في انتفاضة بلدتهن، ومنهن أمال بني شمسة التي تواظب مع عدد من نساء بيتا، على إعداد وجبات الطعام للمدافعين عن أراضي البلدة، فهن يتخذن من صالة أفراح وسط البلدة مقراً لتجهيز أطباق شعبية وشطائر، في عمل تطوعي لافت بدأ منذ صيف سنة 2021.

 

 

نساء بيتا خلال إعدادهن طبقاً شعبياً

المصدر: المصور الصحافي وهّاج بني مفلح

 

تصف أمال المرأةَ البيتاوية بـ "صاحبة بصمة" بدأت منذ الاحتلال البريطاني، عندما سقطت الشهيدتان عايشة وجميلة حمايل برصاص قوات الاحتلال البريطاني. كما انخرطت هذه البلدة في انتفاضة 1987، وكان لنساء بيتا دورهن المميز الذي يواصلنه؛ فمساهمتهن تُعدّ جزءاً مهماً من المقاومة، وهو دور لا يزال متواصلاً.

اختارت أمال وشريكاتها تسمية مبادرتهن بـ "أقل واجب"، سعياً منهن لتعزيز دورهن الوطني في صدّ المحتلين. وقد بدأ تطوع نساء بيتا في إعداد الطعام بشكل فردي، إذ كانت كل سيدة وشابة تخصص وقتاً لتجهيز الطعام في بيتها، ثم يُجمع الطعام من البيوت ويُرسل إلى نقاط الاشتباك عبر الاستعانة بمواقع التواصل الاجتماعي. ولاحقاً، وبعد أن طالت الفترة وزاد عدد المقاومين، صارت النساء يجتمعن في مكان واحد يُعْدِدن فيه الطعام معاً، ثم يرسلنه إلى الشبان.

تقول أمال باعتزاز: "عملنا 85 يوماً، وهو الزمن الذي احتاجت إليه انتفاضة بيتا لدحر المستوطنين من الجبل، ووفرنا خلال تلك الفترة نحو 3500 وجبة يومياً للغداء والعشاء، و150 وجبة للطواقم الطبية ومتطوعي (الهلال الأحمر)، وهذا قبل أن تنشأ مبادرات أُخرى، وقبل أن ينطلق الدعم من مؤسسات البلدة وقواها، ومن مؤسسات في رام الله وجنين والقدس والداخل المحتل عبر مبادرة 'عونة'."

وبحسب أمال، فإن المبادرة متواصلة حتى اليوم، لكنها تغيرت، وصارت تقتصر على وجبات الجمعة، وصارت تتأقلم مع الظروف الموجودة.

لقد شقت المبادرات النسوية خطواتها الأولى بـ 150 سيدة بشكل مباشر، وبمئات النساء الداعمات بطرق غير مباشرة، واليوم تواظب 25 بيتاوية على توفير الطعام للشبان. وبسبب نشوء ظروف جديدة، فإن عدد المتطوعات تضاعف بعد ارتفاع عدد الشهداء إلى 9، وازدياد قائمة الجرحى والمعتقلين والمتوقفين عن عملهم، وخصوصاً أولئك المنخرطين باستمرار في وحدات الإرباك الليلي.

وتتمتع أمال وزميلاتها، مثلما يصفن أنفسهن، بـ "طول النفس، والقدرة على استيعاب المتغيرات المحيطة بهن"، لكنهن يملكن الإصرار على المضي في "أقل واجب للدفاع عن بلدهن"، والمساهمة في منع إقامة مستعمرة جديدة فوق أرضهن.

ولم تسلم نساء بيتا من تحريض وسائل إعلام الاحتلال الذي وصفهن بـ "الإرهابيات اللواتي يُعاوِنّ إرهابيين على جبل صبيح"، لكن ذلك لم يُثْنِهن عن مواصلة المشاركة. 

حساسية مفرطة تجاه الاستيطان

ويمتاز البيتاويون بـ "الحساسية المفرطة تجاه فكرة وجود أي مستعمرة فوق أرضهم، وبشعورهم بالغضب إن سمعوا باسم مستوطن، لأن ذلك يعني تهديد البلدة برمّتها"، وهذا وفقاً لموسى حمايل، نائب رئيس بلدية بيتا، والذي يضيف قائلاً إن "الأهالي يواجهون الاحتلال مجتمعين ومتوحدين بمختلف أجيالهم وتنظيماتهم وعائلاتهم، ففي هبّة جبل العرمة مثلاً، شارك الآلاف في مقاومة المحتل، وكانوا يخرجون كعائلات تضم جميع أفراد العائلة"، الأمر الذي "خلق حالة معنوية للبيتاويين الذين أعادوا تعريف المشاركة في قاموسهم الخاص، فألغوا فكرة القائد الفرد، وتجاوزوا عجز التنظيمات، وأصبح الكل جزءاً من الفعل المقاوم."

يحفظ أهالي بيتا جيداً تواريخ هبّاتهم القديمة والحديثة، ويؤرخونها جيداً، فهبّة جبل العرمة التي حدثت في سنة 2019، خلّفت شهيدين، وسجلت خلال يومين مشاركة آلاف الرجال والنساء في المواجهات التي جرت على الجبل المرتفع الذي يشرف على نابلس وبعض بلداتها. وكان يصعب تحديد المشاركين في الهبّة، لكن يمكن القول إن الجميع شارك، إذ إن شوارع بيتا فرغت من أهلها. أمّا جبل صبيح فتكررت هبّاته في سنوات 2009 و2011 و2017، وهي متواصلة منذ مطلع أيار / مايو 2021 حتى تاريخ كتابة هذا التحقيق. ويتناقل الأهالي قصة طفل في التاسعة تعثّر في ليل جبل صبيح، وحين أنقذه شاب من وحدة "الإرباك الليلي"[1] سأله عن سبب قدومه في الليل إلى مكان خطر، فردّ عليه بأنه من "وحدة الليزر"![2]

ويقيم في البلدة نحو 15,000 مواطن يشارك كثيرون منهم في واجب الدفاع عن بلدتهم. وفي الأشهر الثلاثة الأولى، مثلما أفاد نائب رئيس البلدية، "أصيبوا بالإرهاق، ثم أخذوا يبحثون عن طرق للتكيف مع واقعهم، وتوقفوا عن أعمالهم المعتادة، وتغيّبوا عن بيوتهم وعائلاتهم، ودفعوا تكاليف باهظة، ونخشى أن يكون لذلك ارتدادات اجتماعية."

ويرصد حمايل مشاهد غير معتادة للمقاومة البيتاوية، ففضلاً عن مشاركة النساء، فإن بعض الشبان تكفّل بإيصال مثلجات للمشتبكين والمعتصمين على الجبل، الأمر الذي ساهم في رفع المعنويات.

وتتغير في بيتا وسائل المقاومة، وكي لا يعتاد جنود الاحتلال على شكل واحد يسهل السيطرة عليه، بدأ المنتفضون بإشعال الإطارات، واستحدثوا الليزر، ومكبرات الصوت لإحداث الضجيج، ثم انتقلوا إلى تفجير أسطوانات الغاز لإحداث ضجيج أعلى، وحمل العصي، وإيقاد المشاعل، وشكلوا وحدات الإرباك الليلي، والليزر، والكاوتشوك (الإطارات)، والحلاقين الذين تكفلوا بالحلاقة المجانية. وتعهد المنتفضون طوال 25 يوماً، بتحويل حياة المستوطنين إلى جحيم.

في البداية كانت بيتا "تقلّع شوكها لوحدها"، فقد تُركت وحيدة ومن دون اهتمام رسمي كافٍ، غير أنها اليوم باتت وجهة للوفود الرسمية وللمتضامنين ولأطر نسوية. ويبيّن حمايل أن بيتا تلقت دعماً معنوياً تمثل في مشاركة من المتضامنين الأجانب، ومن كثير من السفراء، وكان لمبادرة فنزويلا إلى إقامة يومها الوطني في بيتا، أثر كبير في المعنويات، كما منحتهم مشاركة بلدات وقرى أُخرى دفعة من التشجيع.

لقد غيّرت بيتا من حياتها المعتادة منذ هبّتها، فأعراسها منذ الصيف الفائت مختلفة ولا تتجاوز الساعة، وطعام الغداء الذي يقدَّم في الأفراح وبيوت العزاء صار يجري غالباً في الجبل، وصلاة الجمعة باتت تقام في الجبل، كما حيّد المشتبكون منطقة سوق الخضار من المواجهات لتستمر في أعمالها ولتفادي قطع شريان الاقتصاد. وأشار حمايل إلى أن بعض الجهات "يحاول التسلق على نموذج بيتا للاستفادة الشخصية منه، ونتمنى ألّا يأتي إلينا مثل هؤلاء." 

لن يسقط الجبل

بدأ الشاب العشريني وهّاج بني مفلح هوايته في التصوير في سنة 2017، وبعد ثلاثة أعوام أهداه والده آلة تصوير، بحيث صار اليوم يمتلك أرشيفاً ضخماً لمشاهد مقاومة بيتا، وقد تفرّغ لنقل تفصيلات صغيرة من معركة الجبل، وبات ينشر صمود بلدته وجرائم الاحتلال عبر الصور التي يلتقطها للمواجهات.

يعتبر بني مفلح أن بلدته "مملكة نضال"، فقد ورثت المقاومة من الأجداد، ودفعت ثمن جريمة سنة 1988 عندما اقتحمها المستوطنون، ووقف الأهالي في وجههم، الأمر الذي تسبب باستشهاد ثلاثة مواطنين، وبقيام قوات الاحتلال بهدم بضعة منازل، وإبعاد عدة شبان خارج فلسطين، بتهمة قتل مستوطنة على مشارف القرية تبيّن أنها قُتلت خطأ بنيران مستوطن.

ويؤكد الإعلامي بني مفلح، أن رسالة بيتا هي حماية الجبل، فقد رفع المقاومون شعارَي: "لن يسقط الجبل"، و"بيتا ترفض أن ينام على تلالها غريب". وتوثق عدسته الترجمة الفعلية لهذين الشعارين عبر مئات الصور التي يلتقطها يومياً. 

بيتا تقتحم الأدب بقوة

بيتا ليست مواجهة على الأرض فقط، بل صارت نصوصاً أدبية مفعمة بعطر الكلام أيضاً. وعن يومياتها كتب الروائي والمحاضر الجامعي وليد الشرفا[3] نصاً في موقع "صدى نيوز" الإلكتروني، قال فيه: "بذخ بيتا: خروج عن النص: لا تريد بيتا، بلدي، التي أعرف أرضها وزيتونها وزعترها وقبور شهدائها جيداً، عبارات التفخيم ولا مصاريف الجنائز وبيوت العزاء. بيتا إجابة الشوامل على الهوامل بأن المستوطنة بديل للبيت، وأن وهج صوتها بديل لقمر فلسطين، وأنها الاحتلال المستمر الذي لا تخفيه البلاغة، ولا تخفف منه مراسم الاستقبال لأفواج المتضامنين ولا المسؤولين."[4]

ويتابع: بيتا "قدمت أجساد أبنائها لتأجيل التهام روحها – أرضها - وستستمر بذلك، لا تدافع عن داخل السور وإنما عن حدود السماء الفلسطينية. لا تتواسى بالوعود ولا الصور، قادتها أطفالها الشهداء الذين تمردت كرامتهم غير الملوثة بالعقلانية، لكننا نبكي عليهم لأننا لم نستطع حمايتهم ولم نرحل قبلهم. لذلك لن نكون كرماء بأن نمنح غيرهم حق الحديث عن النصر."[5]

واعتذر الشرفا "لعيسى الشهيد عن خطيئة النسيان المحتمل، وسأذكر للرائين بأن الطفل الذي كان يقود المسيرة نحو الجبل هو ابنه، وأنه خاف على أبنائه في حواريته الأخيرة مع الحياة بالقدر الذي خاف على الجبل." واعتذر أيضاً "لطلاب زكريا المدرّس الشهيد" الذي "قدّم درسه الأخير ببلاغة متقشفة. وليعلم العالم أننا نتبادل رعب الشوق بين مدرّس وطالب." واعتذر كذلك "لمحمد الفتى الشهيد ابن زميلي ورفيق دراستي، بأنه لم ينتظر أكثر ليسمع عيون محبّيه في تشييعه وأن والده أصبح أباً لصفّه. وأن جده الذي ورث اسمه قد ورث شهادته. وأنه علّمنا الصمت عند الحديث عن الفداء." ولا ينسى الاعتذار "لأحمد الفتى النبيل الشهيد الشاهد الذي تضامن مع صديقه محمد الشهيد ورافقه إلى دنيا لا نراها."[6]

وختم الشرفا نصه النثري قائلاً: "لا تدافع بيتا عن نفسها، بل عن فلسطين، وتزيل القذى من العيون التي لا تريد أن ترى المعركة بأنها معركة الاستيطان؛ بها بدأ الاحتلال والاستعمار، وبمواجهتهما فقط ينتهي، وهذه المواجهة لا يحتملها إلّا احتمال واحد، يتوهج الآن في بيتا، لا تأجيل ولا تبرير ولا استبدال، لا تبرير الثوريين ولا وعود الربانيين!" ويضيف أن جبلَي العرمة وصبيح أسسا لقاعدة فحواها أن "القوة ليست ضمان النصر دائماً."[7] 

جمهورية بُرقة المستقلة

ظهيرة 28 شباط / فبراير 1988، أعلن سامي دغلس، أحد ناشطي انتفاضة بُرقة، عبر مكبّر للصوت في ساحة البلدة عن "جمهورية مستقلة"، وذلك في أعقاب رجم شبانها موكباً تبيّن أنه لشمعون بيرس الذي كان وزيراً للمالية في حكومة يتسحاق شمير. وفي إثر هذه الحادثة طلبت قيادة منظمة التحرير من وزير الخارجية الأميركي جورج شولتز أن يفاوض أهالي بُرقة، وذلك بعد انتشار الخبر في وسائل إعلام أميركية وخليجية.

 

 

"جمهورية بُرقة المستقلة" على صدر صحيفة "الوطن" الكويتية

المصدر: موقع "نون بوست" الإلكتروني

 

يعيش دغلس اليوم تجربة مشابهة في قريته التي تقاوم الاستيطان وتشهد هجمات يومية للمستعمرين، مستذكراً تطويق الاحتلال لقريته بسياج مرتفع على امتداد 500 متر، لحماية جيش الاحتلال ومستوطني مستعمرة "حومش" التي أقيمت على قمم جبال معظمها لقريته.

كانت بُرقة عرضة للتنكيل دائماً، وعاشت أوقاتاً طويلة تحت حظر التجوال، لكنها ابتكرت أشكالاً متنوعة لمقارعة المحتلين. فقد انضمت مبكراً إلى انتفاضة الحجارة، لكن الاحتلال بدأ في 23 كانون الأول / ديسمبر 1987، يطارد عشرات الشبان ويعمد إلى تكسير أطراف مَن يقع في أيديهم، ومنهم دغلس الذي بنى ورفاقه مجسماً من الحجارة الضخمة لأحرف منظمة التحرير بالإنجليزية (PLO) على سفح جبل الخليلة، وكان يظهر بوضوح من مناطق بعيدة، ثم طوروا ابتكاراتهم من خلال إحضار علب معدنية ملأى بالقماش والوقود، وكانوا يشعلونها ليلاً قرب المجسم، فصار الاحتلال يستهدف الجبل محاولاً تجريف المجسم.

وبُرقة عريقة في المواجهة، فقد شارك والد سامي، عبد العزيز دغلس، في انتفاضة 1936، ويتفاخر أهالي بُرقة أن قائد ثورة تلك السنة، عبد الرحيم الحاج محمد، متحدر من قريتهم. ويروي سامي أن جدته حدثته عن استشهاد ابنها عقاب خلال معارك النكبة، وكيف سبقه اثنان من أبناء بُرقة في معركة يافا: عيد حجة، وبشير سيف، ومن المتعارف عليه في ذاكرة أهالي بُرقة أن جثمانَيهما شُيعا بحضور شعبي وثوري، إذ أطلق الثوار 21 رصاصة تحية لهما. وكان عقاب قد أمضى ليلة في بيت عائلته، ثم عاد إلى يافا، ورجع على أكتاف رفاقه شهيداً وودعته أمه بالدموع.

قدمت بُرقة 58 شهيداً من أبنائها منذ سنة 1929، أولهم الشهيدان حسين محمد صلاح، وعبد الحليم أحمد صلاح، اللذان سقطا خلال موقعة بيت إمرين الشهيرة التي شارك فيها الأهالي نساء ورجالاً.

وبعد الاحتلال الإسرائيلي في سنة 1967، فإن مواطني بُرقة لا يزالون يتذكرون التصدي لمناحم بيغن (القائد السابق للمنظمة العسكرية "إرغون" المسؤولة عن مجزرة دير ياسين)، عندما اقتحم محطة سكة حديد الحجاز (المسعودية) في قريتهم ليدعم المستوطنين خلال حملته الانتخابية في ربيع سنة 1977، والتي صار بعدها رئيساً للحكومة، الأمر الذي أجبر جيش الاحتلال على إجلاء بيغن من المحطة. ولاحقاً، فكك أريئيل شارون البؤرة الاستعمارية في منطقة المسعودية، لكن أنياب الجرافات بدأت بعد عامَين تنهش جبل القبيبات لإقامة مستعمرة "حومش" الممتدة على 1100 دونم معظمها من أراضي القرية الفاصلة بين جنين ونابلس، وللسيطرة على 4 تلال تُقدّر مساحتها بـ 35,000 دونم، وهي: القبيبات، والقصور، والظَّهر، وبايزيد المقام الأيوبي، والتي يمكن منها مشاهدة الساحل الفلسطيني المحتل بوضوح.

 

 

مناحم بيغن خلال اقتحامه محطة المسعودية في قرية بُرقة في سنة 1977، خلال حملته الانتخابية

المصدر: أرشيف محمد حجي

 

وبحسب شهادة دغلس، فإن هبّة بُرقة الأخيرة امتازت بالحشد الجماهيري، وبدعم القرى المجاورة، وباستخدام الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي على نطاق واسع، وهو ما لم يكن متوفراً في انتفاضة 1987، إذ اقتصر الأمر آنذاك، وبصورة خاصة، على إذاعة القدس من دمشق.

ووفقاً لدغلس الذي شغل منصب رئيس المجلس القروي قبل أعوام، فإن المقاومة الشعبية اليوم تختلف عن سابقتها، وهي متصلة بالمتضررين من الاستيطان بشكل مباشر، والذين يتحركون أكثر من غيرهم، بينما يخشى الاحتلال من انتقال نماذج المواجهة في بُرقة وبيتا وبيت دجن وغيرها، وتحولها إلى "كرة نار" وحالة شعبية واسعة في مواجهة الاستيطان والاحتلال.

ويشارك في هبّة بُرقة معظم أهلها بمختلف أعمارهم، وهي تعيد إلى أذهانهم أجواء انتفاضة 1987 التي امتازت بطابعها الجماهيري.

 

 

مواجهات في قرية بُرقة

المصدر: موقع جريدة "القدس"

 

ويُبدي دغلس تخوفه من عدم قدرة أهالي بُرقة على ملاحقة مسيرات المستوطنين المنظمين والمدعومين من قوات الاحتلال، والذين يسعون لاقتحام المكان الذي أقيمت عليه مستعمرة "حومش" وهُدمت. كما يبدي تخوفه من سعي بعض الجهات لاختطاف النموذج، أو توظيفه لمصالح معينة، أو تضخيمه عبر مواقع التواصل، الأمر الذي يهدد استدامته، لكنه يرى أن الأهالي يسعون لحماية النموذج في قريتهم.

ويعاني نحو 60 منزلاً تقع على أطراف بُرقة كثيراً، جرّاء إطلاق قوات الاحتلال قنابل الغاز بشكل كثيف قرب تلك المنازل التي تتعرض لهجمات المستوطنين أيضاً، كما يعانون بسبب إشعال المقاومين إطارات السيارات بكثرة قربها، الأمر الذي يولد بيئة غير صحية. 

المقاومة المسلحة غير ممكنة

يصرّ أهالي بلدات وقرى المواجهة في منطقة نابلس على عدم استخدام السلاح في المواجهات التي ينظمونها. ويرى المدير العام للعمل الشعبي في هيئة مقاومة الجدار والاستيطان، الناشط عبد الله أبو رحمة، أن بيتا وبُرقة ليستا نقاط المقاومة الشعبية الأولى والأخيرة، فقد سبقتهما نماذج عديدة، لكنه يؤكد أن نجاح هذا النمط من الفعل الوطني يحتاج إلى التعميم، فالفشل في أي نقطة مواجهة سيُضعف فكرة المقاومة الشعبية ككل، بينما النجاح سيعزز النماذج الأُخرى. ويشير إلى أن بعض المواقع نجح في تحقيق أهدافه، كقرية بُدْرُس غربي رام الله، والتي استطاعت إزالة جدار الفصل العنصري واستعادة جزء من أرضها، وقرية بلعين التي فعلت الشيء نفسه، خلافاً لمناطق أُخرى لم تحقق أهدافها.

ويرى أبو رحمة أن بُرقة نجحت حتى الآن في ردع المستوطنين، وأن بيتا دفعت ثمناً باهظاً إذ سقط 9 شهداء خلال 9 أشهر، لكنها ابتكرت وسائل مقاومة عديدة، واستطاعت إزالة البؤرة الاستعمارية، علماً بأن بنية تلك البؤر التحتية ما زالت قائمة، وجرى تحويلها إلى نقطات تمركز لجيش الاحتلال، وهناك وعود من حكومة بينت بإعادة المستوطنين إلى جبل صبيح.

رأى أبو رحمة أن تجربة قرية "باب الشمس" التي أقيمت في سنة 2013 لم تفشل، وأوصلت رسالتها إلى العالم كله، لافتاً الأنظار إلى مخطط E1 الاستعماري الذي يهدف إلى فصل وسط الضفة الغربية عن جنوبها.

وأوضح أبو رحمة أن المقاومة الآن محلية سببها انتشار قوات الاحتلال بعيداً عن المدن والقرى والمخيمات، فقوات الاحتلال باتت موجودة اليوم في المناطق المسماة "ج" التي تشكل 60% من مساحة الضفة الغربية، وتتميز بكثافة سكانية قليلة، وبالتالي تقلّ فيها نقاط التماس المباشر مع قوات الاحتلال ويصعب عمل نقاط اشتباك جديدة، ولذلك فإنها تحتاج إلى مساندة من المناطق القريبة منها.

فالمواقع المعزولة كالخان الأحمر لم تكن لتنجح في سنة 2018 في مجابهة الاحتلال لو لم يجرِ إسنادها من 3 محافظات مجاورة، ومن التجمعات المحيطة فيها. ويشير أبو رحمة إلى أن التنظيمات لا تنخرط بثقل في الاحتجاجات وفي تجاوز الصعوبات، فبعضها يشارك في المقاومة الشعبية، وبعضها الآخر لا يشارك. والسلطة توفر مقومات المشاركة في عدد من المواقع، وهو دور يختلف من موقع إلى آخر.

ويلاحظ أبو رحمة أن المشاركة الشعبية كانت تجري سابقاً بشكل عفوي، ولم تكن "عملاً وظيفياً"، وكانت محاطة بقيادة موحدة وببرنامج فاعليات موحد هدفه الخلاص من الاحتلال، وهذا غير متوفر اليوم، ولا سيما فيما يتعلق باتفاق التنظيمات على برنامج المواجهة مع الاستيطان والاحتلال، وهو أمر لن يتحقق من دون اتفاق التنظيمات.

والتحول الآخر على أرض الواقع، مثلما يقول أبو رحمة، هو دور المستوطنين، فبينما كان عددهم في انتفاضة 1987 نحو 100,000 مستوطن، فإن هذا العدد تضاعف بعد 3 عقود إلى نحو 700,000 مستوطن تنخرط نسبة كبيرة منهم في جيش الاحتلال، ويمارسون اعتداءات يومية منفردين وبالاشتراك مع الجنود الذين يؤمّنون الحماية الدائمة لهم، ويتلقون دعماً مباشراً من حكومة الاحتلال ومؤسساتها، علاوة على أنه تشكلت في داخلهم مجموعات إرهابية علنية مثل مجموعة "شبيبة التلال"، و"تدفيع الثمن"، وصارت المنظومة اليمينية الحاكمة تتنافس على التطرف.

وسبق أن قاد أبو رحمة ومجموعة من الشبان نموذجاً للمقاومة الشعبية في قرية بلعين غربي رام الله، استطاعوا من خلاله تغيير مسار جدار الفصل العنصري. ويعتبر أبو رحمة أن هبّة القدس في صيف سنة 2021 كانت امتداداً للاحتجاجات في العديد من المواقع، وتمكنت عبر المشاركة الجماهيرية الواسعة في مناطق 48 والضفة من تحقيق نجاحات مهمة.

ويختم أبو رحمة قائلاً إن من حق الشعب الفلسطيني التخلص من الاحتلال بجميع الطرق التي كفلها القانون الدولي، من دون أن يتم تصنيف هذه المقاومة بالمسموحة، وتلك بالممنوعة. غير أن المرحلة والظروف الراهنة لا تساعدنا على استخدام المقاومة المسلحة، وذلك بسبب اختلال موازين القوى، وهو ما جرى تجربته خلاله انتفاضة 2000 التي شهدنا فيها رداً إسرائيلياً بالطائرات والدبابات، والتي قدمت فيها إسرائيل ذاتها على أنها دولة تدافع عن نفسها، وتخوض حرباً بين جيشين.

أمّا الخيار الراهن للشعب الفلسطيني، فهو المقاومة الشعبية، لكن مع استمرار الانسداد السياسي، فإن الحل يكون بالتنصل من جميع الاتفاقات مع الاحتلال، وإعادة زمام الأمور إلى الشارع، بل "يمكن أن نفكر في العصيان المدني الشامل"، بحسب ما يقوله أبو رحمة. 

المرأة شريكة كاملة

شاركت سناء بدوي في انتفاضة 1987، وكانت تساهم في نقل بطولاتها وتضحيات شبانها، بحكم عملها في مكتب جريدة "الفجر"، وهي تصف الانتفاضة الشعبية بـ "قيمة نضالية عليا" تركت إرثاً عظيماً للشعب الفلسطيني كي يستمد منه الإلهام والقوة والديمومة على طريق الخلاص الطويل.

تقول بدوي إن الفلسطينيات شريكات في المقاومة الشعبية، وتحمّلن ويتحمّلن جزءاً كبيراً من تبعات الصدام مع المحتل، والذي يشمل نواحي الحياة كلها، بل حتى الثمن الذي يدفعه الرجل تتحمل المرأة معظم ارتداداته.

لقد كانت المرأة "النواة الصلبة" لانتفاضة 1987، فأغنتها وأضفت عليها بعداً وطنياً واجتماعياً وإنسانياً، وكانت "حامية نارنا الدائمة" مثلما قال الشاعر محمود درويش.

تؤكد بدوي أن نساء بيتا وبُرقة ونقاط المقاومة الشعبية كلها ينخرطن في المواجهات بأشكال متنوعة، كإسعاف الجرحى، وتزويد الشبان بالطعام، والمشاركة في الاعتصامات والمسيرات. وتعتبر أن التغير بين مشهدَي هبّات اليوم وانتفاضة 1987 سببه غياب التنسيق المشترك بين الناشطين، والتحولات داخل المجتمع، وتغوّل الاحتلال ومستوطنيه، وغياب العمق العربي والدولي، واعتبار كثير من الناس أن السلطة المعنية بحماية المواطنين وأرضهم تقف عاجزة عن القيام بهذا الدور.

لكن الكوابح لم تمنع من ظهور نماذج بطولية لنساء ورجال واجهوا المحتل ومستوطنيه في كثير من المواقع، وساهموا في تشكيل صورة حية للفلسطيني المناضل والمنتفض ضد أطول وأبشع احتلال، والذي يواجه بصوته وجسده اعتداءات الاحتلال وإرهاب المستوطنين. 

ربط النجاحات بالهدف الوطني

إن الظروف الذاتية الفلسطينية اليوم مختلفة، كما أن الظروف الموضوعية ازدادت سوءاً، بل إن إسرائيل أمعنت في مفاقمة السياسة نفسها التي أدت إلى انتفاضة 1987، وفي تجاهل حقوق الشعب الفلسطيني المشروعة، ولا تقدم غير ما يسمى تحسين وسائل العيش لصراع غير قابل للحل، مثلما يدّعي أقطاب الائتلاف الحكومي لدولة الاحتلال. ويشرح مدير مركز الأرض للأبحاث والدراسات، جمال زقوت، أن الظروف التي أحاطت باندلاع انتفاضة 1978 تتشابه مع ظروف اليوم، "فها هو رئيس حكومة الاحتلال نفتالي بينت يكرر أنه لا يريد التحدث مع الفلسطينيين، وأن العالم كله لم يعد يسأل عنهم، وهو الموقف ذاته الذي تبنّته دولة الاحتلال والإدارة الأميركية قبل انتفاضة 1987."

ومع أن عنصر الثقة بالحركة الوطنية وقيادتها توفَّر سابقاً، إلّا إن هذا غير متوفر الآن، بل إن قيادة اليوم لا تُقر بوجود أزمة مع الشعب يجب تصحيحها، بل تتصرف كأن الشعب لا يفهم قيادته ولا يُقدّر إنجازاتها، الأمر الذي ربما يفسر عدم انخراط الشعب في انتفاضة جديدة، ويُحدث إحباطاً يزيد الاختلاف بين التنظيمين المسيطرين "فتح" و"حماس" سوءاً؛ ذلك الاختلاف الذي لم يعد يقتصر على التباين السياسي بشأن برنامجين، بل تحول إلى صراع على السلطة، بعد فشل منظمة التحرير في "التسوية"، وفشل حركة "حماس" في "المقاومة"، ووصولهما عملياً إلى طريق مسدود.

ويرى زقوت أن مقومات نجاح المقاومة الشعبية في مناطق محددة مثل "بيتا" و"بُرقة" متوفرة، لكن الأهم هو ربط أي نجاح بالأهداف الوطنية العامة، فقد نجحت قريتا "بُدْرُس" و"بَلعين" في تعديل مسار جدار الفصل العنصري، مع أنه ما زال مستمراً في تحقيق وظائفه. لكن لا يمكن لأي مقاومة في كفر قدوم، والمعصرة، وقرى مسافر يطا، وفي العديد من المواقع الأُخرى، أن تذهب هباء.

ويربط زقوت نجاح المقاومة الشعبية بتجديد الحركة الوطنية وتطور حراك عابر للجغرافيا بمشاركة فئات شعبية واسعة، وبإشعال جبهات جديدة في مواقع تتعرض للمصادرة والتنكيل. 

أهمية ولادة تيار سياسي اجتماعي فاعل

الحاجة تتطلب ولادة تيار سياسي اجتماعي فاعل، مثلما يرى الكاتب والناشط السياسي سامي الكيلاني الذي جمع بين المشاركة الميدانية في انتفاضة 1987، والعمل السياسي والأكاديمي بعدها، فتعميم المقاومة الشعبية على عدد كبير من المواقع أمر مهم، شرط عدم التقليل من شأن النماذج الفردية التي تستند إلى النضال اللاعنفي، وهو الإطار الأوسع للمقاومة الشعبية.

ويشترط الكيلاني لنجاح المقاومة الشعبية أن تكون مرتكزة على خطة وطنية متكاملة تستمد النضال اللاعنفي، وتتناغم مع قدرات الجماهير وطاقاتها، وتراعي وجود فصائل وطنية عديدة تؤمن بها، وتأخذ في الحسبان عدم سيطرة السلطة الوطنية على الجغرافيا الفلسطينية كلها، واستمرار سيطرة الاحتلال على الجغرافيا.

ويُنحي باللائمة على القيادات الوطنية التي تحاول توظيف نماذج المقاومة الشعبية بعد ظهورها لمصلحتها، وتسعى للعودة إلى الواجهة من دون الانخراط الحقيقي في المقاومة الشعبية.

ويفصل الكيلاني بين النضال الحقيقي للهبّات الشعبية كحالة إنسانية ووطنية على الأرض، وما تطرحه من فاعليات تتصدى للاحتلال وجرائمه ومستوطنيه، ويؤكد أن القاسم المشترك بين انتفاضة 1978 والمقاومة الشعبية اليوم هو انخراط الناس في الاحتجاج. كما يلاحظ وجود حواجز كثيرة تحول دون تحويل المقاومة الشعبية إلى حالة عامة، أهمها حالة الإحباط، وسوء الإدارة، ومواقف الفصائل والأحزاب التي صارت تتماهى مع العشائرية والقبلية.

ويرى الكيلاني أن مقاومة اليوم لن تتحول إلى انتفاضة شعبية نظراً إلى غياب استراتيجيا واضحة للفصائل، "بينما نحتاج لترميم هذا الوضع إلى ولادة تيار سياسي اجتماعي فاعل، يؤمن بالقدرة على تفعيل الجماهير، ويستطيع كسب ثقة الناس."

ويعتبر أن "الارتداد عن المقاومة الشعبية نحو العمل العسكري الفردي البطولي، والتعامل معه كمُخلّص، لا يمكن أن يحققا نتائجهما، لأنهما يعجزان عن التصدي لإجراءات الاحتلال وإرهاب المستوطنين، ويفشلان في التحول إلى برنامج للخلاص الوطني، فهذا لن يتحقق إلّا بمشاركة جماهيرية واسعة بقيادة منغمسة في العمل، وتحظى باحترام الناس وثقتهم، وتلقى نداءاتها استجابة سريعة من أعداد واسعة لا تسمح لقوات الاحتلال بقمع المنتفضين بذريعة التصدي للإرهاب."

ويعزو تجسد المقاومة الشعبية في بعض المواقع دون غيرها إلى خصوصية الموقع، وشدة الاحتكاك مع المستوطنين فيه، ووجود قيادات محلية وشبابية مؤثرة داخله، وطبيعة العلاقات والروابط الاجتماعية بين أفراده، مقارنة بمواقع أُخرى ينتابها الإحباط "بسبب إدارة الحياة اليومية للمواطنين من طرف السلطة، والانقسام المخزي، وهي أجواء تحبط أي حركة شعبية واسعة بمفهوم النضال اللاعنفي الإيجابي، والذي يعتبره البعض استسلاماً، لكنه في الواقع إشراك طاقات الناس الهائلة، والتي تمكّنهم من جر الاحتلال إلى ساحتهم، بدلاً من الانجرار إلى ملعب الاحتلال العسكري الذي يتفوق مادياً بشكل هائل."

ويصف الكيلاني النماذح الشعبية في بيتا وبُرقة وغيرها بـــ "بؤر ثورية ترفع معنويات الجماهير، ولها ارتدادات إيجابية إذا ما انتقلت أو جرى تعميمها إلى مواقع أُخرى، شرط وجود قوى تثق بها الجماهير." ويرى أن الاحتلال يدرك خطورة هذه النماذج، ويخشى تعميمها إلى مواقع أُخرى، الأمر الذي يفسر شدة هجومه عليها، ومحاولة الاستفراد بها.

 

المصادر:

[1] هي فاعليات احتجاجية شعبية ينظمها سكان بلدة بيتا بشكل شبه يومي في أوقات المساء.

[2] تتألف هذه الوحدة من مجموعة من الشبان صغار السن، الذين يوجهون أشعة الليزر نحو البؤر الاستيطانية طوال الليل.

[3] أستاذ الإعلام والدراسات الثقافية في جامعة بير زيت، وهو روائي وكاتب من مواليد مدينة نابلس.

[4] وليد الشرفا، "أبو حيان التوحيدي. مرتد فلسطيني! مَن يقينا ترف الباذخين!!"، "صدى نيوز"، 16 تموز / يوليو 2021، في الرابط الإلكتروني.

[5] المصدر نفسه.

[6] المصدر نفسه.

[7] المصدر نفسه.

السيرة الشخصية: 

عبد الباسط خلف: إعلامي وباحث من جنين.