نظمت مؤسسة الدراسات الفلسطينية في مقرها ببيروت، مساء يوم الثلاثاء في 3 آذار/مارس 2015، لقاء مع المؤرخ الفلسطيني رشيد الخالدي، الخبير في الشؤون الأميركية وبقضايا الصراع العربي- الإسرائيلي، الذي يشغل كرسي إدوارد سعيد للدراسات العربية في جامعة كولومبيا، ويترأس قسم التاريخ فيها، كما يترأس هيئة تحرير مجلة الدراسات الفلسطينية بالإنكليزية.
وقد تناول البروفسور الخالدي في حديثه، الذي استمع إليه عدد كبير من المثقفين والصحافيين وأساتذة الجامعات، موضوعين رئيسيين هما: العقبات السياسية والدستورية الأميركية التي تعترض اتفاقاً نووياً مع إيران، وأبعاد الضغوط التي يمارسها بنيامين نتنياهو، بهذا الخصوص، على التوازن بين الجهازين التنفيذي والتشريعي في الولايات المتحدة الأميركية، من جهة، وإمكانية التوصل إلى اتفاق نووي مع إيران وتداعياته المحتملة على دول الإقليم، من جهة ثانية.
وقد أشار الخالدي إلى أن إدارة باراك أوباما الديمقراطية والقيادة الإيرانية تبدوان راغبتين في التوصل إلى اتفاق حول برنامج إيران النووي، لكنه عبّر عن اعتقاده بأن تمرير مثل هذا الاتفاق في الولايات المتحدة الأميركية لن يكون بالأمر السهل، إذ تعترضه عقبات دستورية ناجمة عن العقوبات التي فرضها الكونغرس، وبخاصة مجلس الشيوخ، على إيران، وهي عقوبات تشترط القيادة الإيرانية رفعها للموافقة على أي اتفاق، في حين أن الكونغرس، الذي يخضع لسيطرة الحزب الجمهوري حالياً، قد لا يوافق على ذلك. وربما، في مثل هذه الحالة، قد يضطر الرئيس أوباما إلى اللجوء إلى أسلوب التفافي يمكنه من تمرير بعض جوانب الاتفاق التي لا تحتاج مجلس الشيوخ من أجل إقرارها.
وبالتزامن مع حديث البروفسور الخالدي في مقر مؤسسة الدراسات الفلسطينية ببيروت، كان رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو يعتلي منبر الكونغرس بواشنطن، ليحذر أعضاءه - كما ذكر المتحدث - من خطورة التوصل إلى اتفاق نووي مع إيران، ويحثهم – وإن بصورة غير مباشرة- على عرقلة تمريره من خلال الامتناع عن رفع العقوبات المفروضة على الجمهورية الإسلامية.
وقدّر المتحدث أن تدخل بنيامين نتنياهو المباشر هذا في الصراع الدائر بين إدارة ديمقراطية، من جهة، وكونغرس يسيطر عليه الجمهوريون، من جهة ثانية، قد تكون له تداعيات سلبية على مستقبل العلاقات الأميركية - الإسرائيلية، وبخاصة على توجهات الرأي العام الأميركي، إذ إنها المرة الأولى في تاريخ هذه العلاقات التي ينحاز فيها رئيس حكومة إسرائيلي، بهذه الصورة الواضحة، لأحد الحزبين الرئيسيين في الولايات المتحدة الأميركية، وهو ما عزاه الخالدي إلى قناعة نتنياهو، واليمين الإسرائيلي الذي يمثله، بأن الدعم التقليدي الذي كان يقدمه الحزب الديمقراطي لإسرائيل راح يتراجع مع الوقت، وأن رهانهما يجب أن يكون، من الآن وصاعداً، على الحزب الجمهوري.
وبعد أن رسم الخالدي هذه الصورة المركبة لمسألة الاتفاق النووي مع إيران، في ضوء آليات اتخاذ القرار والتوازن بين السلطتين التنفيذية والتشريعية في الولايات المتحدة الأميركية والتدخل الإسرائيلي، افترض إمكانية تجاوز العقبات والتوصل إلى اتفاق، لينتقل إلى الحديث عن تداعياته المحتملة على دول الإقليم.
وفي هذا الصدد، خالف المتحدث الآراء الشائعة التي ترى أن مثل هذا الاتفاق ستكون له تداعيات على دول كثيرة في الإقليم: سورية ولبنان واليمن وفلسطين، معتبراً أن الساحة الوحيدة التي تستأثر حالياً باهتمام أركان الحزبين الديمقراطي والجمهوري في الولايات المتحدة الأميركية، والتي ستتأثر مباشرة بهذا الاتفاق ستكون الساحة العراقية، التي تشهد منذ الآن نوعاً من تنسيق بين الولايات المتحدة الأميركية وإيران، يهدف إلى القضاء على "إرهاب" الجماعات السنية المتطرفة، وعلى رأسها "داعش"، وترتيب "البيت العراقي".
وشدد البروفسور الخالدي على أن الأميركيين مصممون على التنسيق مع إيران كونها القوة الأكثر فاعلية على الأرض في العراق، لافتاً، من جهة أخرى، إلى أن هذا القبول بالدور الإيراني لا يحول دون استمرار تحالف الولايات المتحدة الأميركية مع المملكة العربية السعودية والتنسيق مع حكامها، باعتباره أقدم تحالف عقدته الولايات المتحدة مع دولة في الإقليم، وهي حريصة على هذا التحالف لأسباب عديدة، من أهمها النفط وموقع المملكة ودورها في المنطقة.