وثائق إسرائيلية حديث صحافي لوزير الخارجية الإسرائيلي، دافيد ليفي، بشأن الخطر العراقي والسلام في الشرق الأوسط، 22/10/1990
Full text: 

          ... لقد ثبت أن المشكلة الفلسطينية ليست وحدها سبب الاضطراب وعدم الاستقرار في الشرق الأوسط. فهناك إلى جانب هذه المشكلة مشكلات معقدة أخرى، مشكلات دول في حيازتها كميات هائلة من الأسلحة. وقد استغل صدام حسين وضعاً معيناً. لقد قلت في الأمم المتحدة انكم في الوقت الذي أخافكم الخميني، خلقتم بأيديكم هذا الوحش، وزودتموه بكميات هائلة من السلاح، بالمساعدات المالية والمعرفة التقنية. وها قد عاد ما اعتقدناه زال وولّى: أطماع مملكة دجلة والفرات ضد مملكة النيل. وعندك، من ناحية أخرى، أطماع سوريا التي لم تشبع بعد، بالإضافة إلى أنظمة غير مستقرة هي فريسة سهلة لأمثال هؤلاء الطغاة.

          يجب ألا نخلط بين الفلسطينيين و م.ت.ف. ان م. ت. ف. التي سعت بمساعدة بعض دول أوروبا ودول أخرى لتكتسب صورة المعارض للعنف، وتعهدت أمام الأميركيين بالامتناع من ممارسة الإرهاب، هل نفذت تعهدها؟ هل برّت فيه؟

          لقد شاهدنا في أي اتجاه سارعت م.ت.ف. لحظة بروز صدام حسين هذا. إن شيئاً ما كان ليغير عرفات، لأنه متمسك بذلك المفهوم... إن أي تعليل لن يغير في حقيقة أن م.ت.ف. منظمة إرهابية حددت لنفسها هذه الاستراتيجية أو تلك، لتحقيق هدفها.

          يجب أن نتذكر ما قلناه قبل عشرين عاماً، كيف تبجحوا وقالوا: من هم العراقيون؟ نجيء وندحرهم، إنهم بدائيون، وما شابه ذلك. تُرى إلى أين وصلوا في العقد الأخير ـ إلى حد تهديد العالم كله. وربما كانت مبالغة أن نقول "العالم كله"، لكن العراق يهدد اقتصاد العالم كله وجيرانه. إنه يتهددنا بشرائع تتجاوز شرائع الغاب، ويجب ألا نستخف بالأمر. إنني أتعاطى التهديدات العربية معاطاة جدية لأنني أتذكر نفسي.

          لا يمكن لأحد أن يجزم بما سيفعل العالم المسمى العالم الحر بزعامة الولايات المتحدة. إن مصالح العالم الحر هي التي أصبحت في خطر. لقد هبت الولايات المتحدة للمساعدة في إنقاذ هذه المصالح، وليس من أجل النظام الديمقراطي في الكويت، وليس حتى من أجل العربية السعودية؛ والرئيس الأميركي ملزم بدحر هذا الخطر، ليس تجاه شعبه فقط بل أيضاً تجاه العالم كله. وقد لمست هذا التصميم في اجتماعاتي مع وزراء خارجية كثيرين في أوروبا، وفي الولايات المتحدة أيضاً، وفي محادثات مغلقة. إنهم يدركون أن الخطر لن يزول إذا بقي صدام حسين في منصبه، وسيكون جمع مثل هذا الائتلاف في المستقبل مهمة مستحيلة. فإذا تمت التسوية تبقي صدام حسين وآلته الحربية بكل عناصرها، فأنت عندئذ تبقي فصلاً سيواصل تهديد أنظمة أخرى موالية للغرب.

          وليس عبثاً أن هذه الدول العربية هي في حالة ذعر تقريباً: فها قد عادت فكرة كل العرب ضد الغرب التي كانت حية في يوم من الأيام، واليوم مع صعود الأصولية بتطرفها الأعمى تقريباً، التي تأسر الطبقات الأكثر دونية. ولقد قلت في تلك المحادثات أنه إذا حدث هذا الأمر فستكون النتيجة أنه [صدام حسين] لن يضطر إلى اللجوء إلى التهديد ـ إذ سيجيئون إليه ويدفعون الضريبة - إن هذا هو ما سيحدث إذا بقي في منصبه مع آلته، وإذا تبين أن هذا الأسطول الحربي الذي يهدده يخاف من خياله. هذا لا يعني أننا نريد الحرب، لكن يوجد خطر ملموس على الجميع ـ على كل من يحيط بنا.

          أستطيع أن أزودك بتصريحات وروايات لدول عربية ترى في صدام حسين خطراً على أنظمتها، وهي ستقول لك ان هذا شأن عائلي عربي. ثم ماذا؟ إذا سألتني عما إذا كانوا يرون هذا الخطر ومعناه في المدى الطويل. أقول نعم؛ وعما إذا كان هناك استعداد للتصدي لهذا الخطر، أقول نعم؛ وعما إذا كانت هذه (التسوية) ستتم، [أقول] توجد مقدمات هنا وهناك. لكنني لا أستطيع أن أقول بيقين أن هذا الأمر سيحدث ومتى سيحدث.

          إننا لا نملي على أحد إطلاقاً، ولا نقدم النصائح. قلت لأحدهم، من مجموعة الصحافيين الذين قابلتهم في نيويورك، اننا قد توقفنا عن التفكير. إننا نفكر في أمننا. أنت اتخذتم قراراتكم ولم تسألونا، ولا تنوون سؤالنا بشأن ما ستفعلونه.

          إن الذي يتحدث عن مسار السلام ممنوع من أن يدقق النظر فقط في الرقعة الضيقة المسماة "فلسطينيين". إنها مشكلة يجب معالجتها، لكن يجب أن نرى المضمون أيضاً حتى نرى الأخطار. وهذا موضوع وجودي بالنسبة إلى إسرائيل. يجب أن ننظر إلى الأمور بالمفهوم الذي تكلم به حلف الأطلسي وحلف وارسو. فهذا المنطق يجب أن ينطبق علينا أيضاً: وقف حالة الحرب قبل كل شيء، وحل المسائل بالطرق السياسية.

          إن الذي يهمنا أكثر من أي شيء آخر، هو صورة الوضع الذي سينشأ في الشرق الأوسط بعد صدام حسين، وماهية مركزية إسرائيل في كل التغيير الذي سيحدث. فهذا الوضع وضع لا نجلس فيه نحن جانباً. إنني أقرأ كل ما يُقال ـ عن الوقوف في الظل، وعن انخفاض قيمتنا، وعن أنهم لا يفكرون فينا. وأنا أكفر بكل هذا. ممنوع أن ننسى أن هذا التهديد تهديد مباشر لنا ـ لا إذا هاجمنا العراق وإنما بسبب العقوبات التي أقرها مجلس الأمن الدولي بموافقة الولايات المتحدة.

          إن الوقوف في الظل أمر جميل، لكن ليس بحني قامتنا. فإذا كنا حلفاء يجب أن يتحدثوا معنا في شأن الوضع الذي سينشأ بعد الأزمة.

          ثانياً، لم أتصور أننا سنتكيف إزاء الوقوف في الزاوية، أو أن أحداً سيوقفنا في الزاوية. لذلك، فإن ما قيل في امتداح سياسة إسرائيل طلبت أن يعرفه الشعب الأميركي، لا مني أنا وإنما من قادته. وقد حدث ذلك في ظهور مشترك لا في غرفة مغلقة. ثم صحيح ان أسلوبي أسلوب شاذ أحياناً في المصطلحات الدبلوماسية، لكن هذه هي الطريقة التي يجب أن نتصرف بها. إذ لا مجال للتجميل في مثل هذه الأمور. فعندما ظهرنا، وزير الخارجية [الأميركي] وأنا، تحدثت بصراحة عن التشاور وعن التنسيق وعن الالتزامات، وقد وافق على ذلك وتحدث باللهجة نفسها، وعن أن تفوقنا النوعي أيضاً لن يتقوض، وعن ضرورة وضع إسرائيل في الصورة والتشاور معها. كان هذا هو مطلبي من الأميركيين، وقد تم التسليم به في النهاية. وتوجد مناقشات وتوجد التزامات في بعض المجالات، والأمور ليست سرية.

          يجب ألا نعفّر وجهنا بالتراب لأننا لن نحقق شيئاً بأية طريقة أخرى. أنت مستعد جيداً للبحث عن حل، لكن ماذا لو كان الطرف الآخر غير مهتم بالأمر؟ لكن إذا وُجدت قيادة محلية تقبل المخطط العام للمبادرة الإسرائيلية ـ وليس م.ت.ف. ـ فلتتفضل. إنها شريك جدي.

          سنخطو مرحلة مرحلة.

          لا أعتقد أن الضم ممكن. إننا ملزمون باتفاق دولي مهم، ومن يقول بكامب ديفيد لا يقول بالضم. فالاثنان لا يتزاوجان.

          لست مستعداً للقبول بأن علي في كل مرة أن أتصارع مع رفاقي ـ في شأن ما إذا كان الطريق صحيحاً. وأستطيع أن أقول ان الحكومة، والحركة التي أنتمي إليها بالتأكيد، راغبتان في السلام وتؤمنان به. إن الجميع في الحركة التي أنتمي إليها يرفع راية كامب ديفيد اليوم. أما في شأن ما إذا الأمر سيكون ممكناً، فهذه مسألة ستظهر في تحقيق المسار الذي كنا نحن المبادرين إليه.

          وإذا كان أحد يتوقع أن أسير في اتجاه دولة فلسطينية ـ كلا. وأقول ذلك علانية. فأنا أعرف أن دولة فلسطينية هي بداية نهاية دولتي أنا، وأن هذه المسألة مسألة وقت فقط.

 

المصدر:

"هآرتس"، 23/10/1990.