وثائق عربية كلمة الرئيس صدام حسين في وفد اتحاد نقابات العمال العرب، بغداد، 3/11/1990
Full text: 

          الذي نريده هو أن يكون كل العرب أقوياء، مالكي البترول والذين لا يملكونه أيضاً، ولا يمكن أن يكونوا أقوياء إلا عندما نتصرف تجاه ثروة العرب في أي مكان على أساس الواقع التاريخي بأننا أمة واحدة بغض النظر عن التقسيمات الإدارية ووجود دول عربية منتشرة على الوطن الواحد، وفي الأمة الواحدة، وإذا ما نمت هذه النظرة بتصرف عملي فإننا سنصبح مع الزمن وكأننا حالة واحدة، أو أننا حالة واحدة في التفكير وفي التصرف، وسنكون عند ذلك أقرب إلى الله سواء الأغنياء منا أو الفقراء ولكن الحرمان المستزيد مع الدور الخبيث في سحق المحرومين قد يجعل بعضهم بعيداً عن الله بسبب الحاجة، ومن المؤكد أن الأغنياء الذين يملكون من غير تعب ومن غير عمل، يكونون هم الأبعد عن الله دائماً.

          بدأت المؤامرات التي لم تكن بدايتها الثاني من آب [أغسطس] ضد المركز الذي وجد الأشرار أنه لا بد من سحقه للتأثير على كل معنويات الأمة، وليس التأثير على معنويات الشعب العراقي فقط.. والمؤامرات كانت تحاك دائماً وهي ليست جديدة علينا إلا بصورتها ونوع الإمكانات الجديدة التي حشدت خلف شعاراتها، أما هي، فهي موجودة منذ زمن طويل، ولا بد أنكم اطلعتم على ما يسمى بـ (إيران غيت) التي فضحت من قبل الإعلام الغربي والتي كانت قد دبرت في عام 1986، وقد سبقت هذه الفضيحة الأحداث الحالية.. وكما قال الأخ الفلسطيني القدسي بأن المؤامرة على الأمة العربية هي بقصد استهداف عناصر القوة فيها.. وأينما كان هناك عنصر اقتدار يمكن أن يؤثر بالتتابع وبالتأثير القومي الأخوي ليحيي عناصر اقتدار الأمة في كل الوطن العربي، فإنه يستهدف بالمؤامرات.

          وعلى أساس هذا التفسير استهدف نظام عبد الناصر في مصر، وعلى أساس هذا التفسير، مع الأسف، نتعامل الآن مع حسني الذي يريد أن يضع مصر العروبة في مغطس الصهيونية وأميركا، وربما كان الحديث بهذا المستوى لأول مرة، وأعتقد أنني تحدثت في هذا الموضوع سابقاً ولا أعرف أين، بأننا فاتحنا أميركا رسمياً في أواخر عام 1989 عن طريق وزير خارجيتنا، وجرى الحديث مع بيكر الذي هو نفسه وزير خارجية أميركا الآن وقلنا لهم انكم تتآمرون علينا ولدينا من الأدلة ما يؤكد ذلك قلنا لهم إذا كنتم تتوهمون بأن أسلوب المؤامرات في بلدان العالم الثالث يمكن أن يأتي لكم بنتيجة في العراق، فإنكم واقعون في الوهم، وسوف تلمسون الوهم لمس اليد، وفي حزيران [يونيو] الماضي علمنا مؤكداً أن بعض القادة العرب، من غير تكليف منا، ولم نكن نعرف بهذا الأمر، قد بعثوا للأميركان برسائل خطية يحذرونهم من المؤامرة على شخص صدام حسين، وهذا يعني أن هؤلاء القادة العرب كانوا قد اطلعوا بصورة أو بأخرى على أن الأميركان يتآمرون على شخص صدام حسين.. وصدام حسين رجل بسيط مواطن من هؤلاء العرب الكثيرين.. ولكن لماذا يتآمرون عليه؟ لماذا تتآمر عليه الدولة العظمى رقم واحد في العالم كما تسمي نفسها؟ يتآمرون عليه حتماً لأنه يمثل حالة اعتبارية في السياسة العراقية وفي النظرة العربية.

          إن هذه هي عادتنا، وهذا هو منهجنا، وهذا هو إيماننا، والذي يحاول أن يتآمر علينا وأقصد بذلك الذي يتآمر على الأمة، علينا أن نضرب رأسه بدلاً من أن ننحني له ونساوم معه على مقدسات الأمة، وهذا هو الذي حصل.

          إن احتلوا مساحة صغيرة نسترجعها بالهجوم المقابل وندمرهم فيها، وبالتالي عليهم أن يخرجوا من أرض العرب، وعلى الصهاينة أن يخرجوا من أرض فلسطين، ولا تنازل عن هذا، فالمعركة اليوم ليست معركة على الذي حصل بعد الثاني من آب [أغسطس]، بل هي معركة الدفاع عن كل المقدسات وعن حق الاختيار في الحياة.

          هذه المعركة، إخواني، ليست معركة من أجل قضايا فنية نختار لها الكلمات، كما عبر أحد الإخوان، في قاموس الدبلوماسية لتجد حلاً لها، وإنما طرحت الأمور هكذا، معركة اجتماعية ثقافية قومية إنسانية إسلامية بكل معانيها عالية المستوى، والباطل بكل أوصافه على الخط المقابل، وعندما يكون وصف المعركة بهذا المستوى. علينا أن نكون مستعدين بهذا المستوى لتحمل التضحيات، وفي العراق يفهم إخوانكم العراقيون حقوقهم ويفهمون واجباتهم، ويزدادون الآن اعتباراً بعد أن منحتموهم الثقة في أن يكونوا الممثلين عنكم في المعركة القادمة في موقع جغرافية العراق.. وإذا ما جاؤوا للسلام فهو الذي نريد، السلام مع كرامة العرب، السلام على أرض عربية غير محتلة، السلام الذي تخرج به جيوش الغزاة، من الجولان وفلسطين إلى أرض مقدسات المسلمين في الحجاز ونجد.. إلى مياه الخليج.

          كفى.. كم سنة مرت وشعب فلسطين ينتظر.. لقد انتهى نصف شعب فلسطين من القتل والذبح بسبب فلسطين، بل ان المعركة بيننا وبين إيران والذين واجهوا مصيرهم أو الذي استشهدوا، إنما كان حالهم كله بسبب فلسطين وكل هذه الفتن التي تحصل في الوطن العربي وفي المنطقة كلها بين العرب وبين المسلمين إنما هي بسبب قضية فلسطين لأنهم لا يريدون أن يكون العرب في وضع يقدرون فيه على أن يتوجهوا توجهاً جاداً لتحرير فلسطين وقد غاب هذا الأمر عن الدبلوماسية منذ سنين طويلة، حيث بقي العرب يلومون بعضهم بعضاً على عبارتي استرجاع حقوق فلسطين واسترجاع حقوق العرب في فلسطين في مؤتمراتهم أياماً وسنين وهم لا يملكون شيئاً.. لماذا لا تقولون تحرير فلسطين حتى تأتي الصهيونية وتجلس أمامكم قائلة انها مستعدة ولكن تعالوا نتناقش، وعندها اختلفوا على الكلمات.. ولكنهم قبل أن يظهر لهم أي شيء بدأوا يختلفون على الكلمات في بيانات يصدرونها هم وحدهم كعرب.. ويا له من ضعف ومذلة وإحساس بالصغر.

          وفي مؤتمر قمة بغداد، كنا كمن يستجديهم ليقدموا مساعدة بسيطة إلى الأردن لكي يصمد في وجد الإضعاف الذي يقصد منه انهيار الأردن ليحلبوا موقفاً سياسياً خاصاً يخططون إليه في الأردن، ولكي تدعم منظمة التحرير الفلسطينية وأهلنا الذين تسيل دماؤهم يومياً على فلسطين.. وقد تحدثت مع بعضهم بالهاتف بعد انفضاض المؤتمر، وقلت له يا أخي فلان أرجوك أن تساعد أبا عمار والملك حسين، أن تساعد الأردن والفلسطينيين، وقد والله طلبت من أحدهم عند باب الطائرة وأنا أودعه وقلت له يا أخي أرجوك أن تساعد الأردن والفلسطينيين وكأنه استجداء على مئات الملايين من الدولارات التي لم يقدموا منها إلا الشيء البسيط القليل ولكن المعلن الذي قدموه لجيوش الاحتلال 12 أو 14 مليار دولار، ملياران منها تجعل شعبنا في فلسطين يقاتل إلى عشر سنوات أخرى دون أن يحمل همّ شيء، ومثل هؤلاء الناس يجب أن لا نتحدث معهم بدبلوماسية وسياسة مرتاحة، فقد نزعت الغيرة من عقولهم، وتبخرت الإنسانية من ضمائرهم، فتحجروا، وعندما كنا نتكلم مع بعضهم، كنا كأننا نتكلم مع حجر، لا يعرق جبينه من الخجل ولا تلتمع عيناه نخوة تجاه أي قضية من القضايا الشريفة..

 

المصدر:

"ألف باء" (بغداد)، عدد 1154، ص 23، 7/11/1990، ص 8 ـ 9.