Israel at War: Israel the Next Day
Special Feature: 
Keywords: 
أمن إسرائيل
الاحتلال العراقي للكويت
حرب الخليج 1991
Full text: 

تعايش إسرائيل تطورات الحدث الخليجي على ثلاثة مستويات: مستوى أمني يتعلق بقوة عسكرية إقليمية نمت في ظل نظام يعتبر نفسه في حالة حرب معها؛ ومستوى عربي يتعلق بانهيار النظام العربي، حيث انتُهكت محظورات وتبدلت تحالفات وتشكلت محاور جديدة باعدت بين دول متصادفة، وجمعت بين أخرى متصارعة انضم بعضها إلى تحالف عسكري غربي بقيادة الولايات المتحدة، حليفة إسرائيل الاستراتيجية؛ ومستوى دولي حيث يتشكل أول مرة منذ الحرب العالمية الثانية تحالف عسكري دولي ينزل بقواته المزودة بأحدث الأسلحة والمعدات على أرض الخليج، لتدمير دولة عربية بتغطية الشرعية الدولية، ولا يكون الاتحاد السوفياتي في موقف مواجهة مع الولايات المتحدة في أزمة من هذا المعيار.

صحيح أن الأمر يبدو، من ناحية من النواحي، وضعاً أمثل بالنسبة إلى إسرائيل لأن الولايات المتحدة لا تغفل في أهدافها الاستراتيجية المتوخاة مصلحة إسرائيل البقاء والأمن. لكن المسألة أكثر تعقيداً من ذلك؛ فهي، وكما يحددها رئيس الأركان الإسرائيلي إيهود براك،[1]  زلزال تاريخي يضرب المنطقة ويشكل ذروة تراكم طويل متدرج لقوة مسارات على مر عشرات الأعوام، ستتواصل تفجراته لأعوام عديدة قبل أن تستقر منطقة الشرق الأوسط على صورة عالم جديد مختلف، ولا تكون إسرائيل معزل عن انعكاساته.

ويبدو الصراع في الخليج حالة من الحالات النادرة التي لا يختلف في شأنها المحللون السياسيون الإسرائيليون، إنْ في تعريفهم لجوهر النزاع والأهداف الأميركية من ورائه – ولو قفز بعضهم على الهدف الأميركي الاسترتيجي الأعلى للسيطرة على منابع النفط العربي – أو في تقويماتهم لانعكاسات هذا النزاع على إسرائيل في المدى البعيد. لقد أغفل محللون العامل الأساسي في النزاع عندما حصروا الأمر بقيم سياسية، وبكون الولايات المتحدة تحمل على عاتقها – باعتبارها القوة العظمى الوحيدة في الساحة العالمية – عبء حماية شعوب مقهورة من غي حكام أوحدين يتصرفون في مصائرها. لكن آخرين أجمعوا على أن الأمر يتعلق بصراع للسيطرة على منابع النفط وضمان تدفقه الحر وبالأسعار الملائمة لاقتصادات الدول الصناعية ولفرص نموها وأنماط الحياة فيها: فالهدف هدف مشترك للولايات المتحدة وللدول الغربية الرأسمالية، ولدول أوروبا الشرقية أيضاً، من حيث أن اقتصاداتها باتت تعتمد – ولو بصورة غير مباشرة – على نجاح العالم الغربي في تحقيق هذا الهدف.[2]  لكن أحداً من هؤلاء لم يصل إلى حد ملامسة الهدف الاستراتيجي الأميركي النهائي، بالقبض على أعناق الدول الصناعية الكبرى لتطويعها مع دخول العالم في سنة 1989 المرحلة الجديدة التي نشهد أولى طلائعها: الساحة العالمية خلت لقوة عظمى واحدة هي الولايات المتحدة بعد التداعي الاقتصادي للاتحاد السوفياتي وصعود القوميات في جمهورياته الذي بات يهدد تماسكه؛ واتجاه الأسرة الأوروبية نحو الوحدة الاقتصادية في سنة 1992، الذي يعني نشوء كتلة – قطب في التجارة العالمية ذات قدرة منافسة جدية للولايات خاصة، قياساً بمجمل عدد سكانها وإنتاجها القومي والقدرة الشرائية. ففي مثل هذا العالم الجديد، ستتيح سيطرة الولايات المتحدة على المنطقة العربية، التي تضم أكبر احتياطي من النفط، استخدام سلاح "سلمي" ناجع لتحقيق استراتيجيتها هذه باعتبار أن مسألة توفر الطاقة الرخيصة شرط لازدهار العالم الصناعي أو انكساره. ومن هذا المنظور، يمكن أن يفهم سبب أن يشكل مطلب العراق لرقعة لا تكاد تظهر على الخريطة مثل جزيرتي وربة وبوبيان، عقدة مستعصية لا سبيل إلى حلها إلا بحد السيف، وسبب أن تضع الولايات المتحدة نصب عينيها هدف تدمير قوة العراق العسكرية وقدراته ومنع حصوله على ممر إلى مياه الخليج.

إن مصلحة إسرائيل، وبغض النظر عن الحزب الموجود في السلطة، متماثلة تماماً مع الهدف الأميركي إزاء العراق. كما أن النية الأميركية المعقودة على إجراء ترتيبات إقليمية في المنطقة – غداة انتهاء الأزمة الحالية – تكون الولايات المتحدة فيها القوة الوحيدة الموجودة التي تحدد قواعد اللعبة، توزع الأدوار وتحرك اللاعبين في عالم عربي انهار نظامه، كي تكفل عدم صعود صدام حسين آخر أو أكثر، ونشوء تطورات تهدد مصالحها الاستراتيجية في المنطقة، أمر يتفق مع مصلحة إسرائيل الأساسية في البقاء والأمن. لكن هذه التغييرات الصاعقة التي تعيشها المنطقة تثير أسئلة أساسية مقلقة عند الإسرائيليين في شأن مكانة إسرائيل فيها: أي محيط ستجد إسرائيل نفسها فيه غداة اليوم التالي لذروة أزمة الخليج؟ هل تبقى الحدود فيه على ما هي عليه؟ هل تدوم التحالفات التي تبلورت فيه غداة احتلال العراق للكويت؟ هل تتقلص احتمالات المواجهات العسكرية العربية – الإسرائيلية في هذه الترتيبات الإقليمية الموعودة؟ وهل يقتنع المجتمع الدولي بعد تجربته مع العراق بشرعية إصرار إسرائيل على مبدأ الأمن أولاً، أم سيعتبرها مقدمة ونموذجاً لحل النزاعات الأخرى في المنطقة، وعلى رأسها القضية الفلسطينية؟ وهل تبقى إسرائيل الحليف الاستراتيجي الأول للولايات المتحدة في المنطقة، أم أن الوقت ما زال مبكراً جداً لنشوء خوف إسرائيلي استراتيجي من هذا المعيار؟

 

بلورة قواعد اللعبة

   لقد حاولت مدرستان تحليل الصورة التي سيبدو العالم فيها بعد أن تتوصل الدولتان العظميان إلى اتفاقات ويتم الانتقال من نهج القطبين إلى نهج الأقطاب المتعددة؛ فوجدت إحداهما أن الاستقرار في المركز – بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفياتي – يساعد في إحلال الهدوء في العالم، بينما وجدت الأخرى العكس تماماً، معتبرة أنه في اللحظة التي يتفق القطبان فيعملان على تخفيض الردع المتبادل الذي يمتلكانه، سيتجرأ زعماء محليون على تصفية حساباتهم مع محيطهم من دون خوف من أي عقاب. لكن الولايات المتحدة والاتحاد السوفياتي، في رأي البروفسور أمنون سيلع[3]   رئيس معهد ديفيس للعلاقات الدولية، غير مستعدين لتفكيك أنظمة أسلحتهما والانتقال من نموذج الصراع والتنافس إلى نموذج التنافس والتعاون في هذا النظام العالمي الجديد، كي يتسنى لقوى إقليمية أن تتسلح وبأسلحة غير تقليدية أيضاً، وأن تعمل بحرية على افتراض أن رجال الشرطة العالميين في إجازة، ولذلك فإن الأساس في أزمة الخليج هو بلورة قواعد اللعبة لا ما فعله العراق بالكويت. لكن سيلع يسجل استدراكاً مهماً: فالتخلي عن نموذج الصراع والتنافس لمصلحة نموذج التنافس والتعاون، والذي تجلى في الساحة الأوروبية أيضاً، لم يصل بعد إلى المجالات الإقليمية. كما أن توافق القطبين الأساسي في شأن قضية احتلال العراق للكويت في إطار الأمم المتحدة، لا يشكل انعطافاً حقيقياً بعد. وفي رأيه، فإن الاتحاد السوفياتي سلك نهجاً حذراً لا يمس تعاونه مع الولايات المتحدة، ولا تعاونه مع الدول الأوروبية الغربيةـ ولا ما تبقى من صداقاته مع العراق والدول العربية الأخرى، ويلتزم مقررات الأمم المتحدة؛ والولايات المتحدة راضية عن هذا السلوك، ولا ترغب في أكثر منه لأنها، في رأي سيلع، معنية بألا يخرب عليها خطواتها في الخليج. كما أنها لا ترغب في مشاركته الوثيقة، إذ لا تريد أن تتقاسم معه الأسلاب بعد انتهاء الأزمة هناك.

   ويعتبر البروفسور إيتان غلبواع،[4]   من جامعة بار – إيلان، أن هذا السلوك السوفياتي، الذي يعكس التغييرات المهمة في الساحة الدولي في السنوات القليلة الماضية، بالإضافة إلى الأهمية الحاسمة للمسألة الاقتصادية بالنسبة إلى أوروبا، وتضافر أسباب عربية مختلفة، هو الذي أتاح للولايات المتحدة تجنيد تأييد  دولي، وبلورة تحالف عسكري يضم دولاً عربية وينفي الصبغة الأميركية لتدخلها العسكري في الخليج.

ويجمع المحللون السياسيون الإسرائيليون على أن التغييرات في محيط إسرائيل العربي التي أطلقها هذا "الإنجاز" الأميركي، تفرض إعادة تقدير للنزاع العربي – الإسرائيلي، لأنه العناصر الأساسية المركبة للنزاع في المنطقة وخارجها تتغير، والتحالف العربي مع الولايات المتحدة خاصة، ضد دولة العراق العربية، لا يمكن أن يمر من دون مضاعفات، حتى بالنسبة إلى تلك الدول التي يعتبرونها من الأطراف الرابحة في هذه المواجهة مع العراق. وفي هذا الصدد يعتبر الدكتور ألكسندر بلي،[5]  أستاذ الدراسات الشرقية ومستشار رئيس الحكومة لشؤون عرب 1948، احتلال العراق للكويت نقطة انعطاف في التاريخ السياسي للشرق الأوسط، لأن العراق غذا كان قد خرق قواعد عربية بحيث لم تعد هناك أهمية للحدود السياسية الوطنية في العالم العربي، فإن أنظمة عربية أخرى قد انتهكت بدورها محظوراً عربياً، وذلك بتحالفها العسكري مع الدول الغربية ضد دولة عربية، "الأمر الذي أعاد الشرق الأوسط إلى حالة حرب الكل ضد الكل."

وفي الواقع، أثار عدد كبير من المراقبين والمحللين السياسيين الإسرائيليين إمكان نشوء اضطرابات في العالم العربي، في إثر انتهاء أزمة الخليج، بعد عملية الفرز التي جرت فيه بين مؤيد للتدخل العسكري الأميركي (والغربي) ضد العراق، وبين معارض له. وفي هذا الصدد، يتوقع الدكتور مردخاي نيسان،[6]   المحاضر في شؤون الشرق الأوسط في الجامعة العبرية بالقدس، انعكاسات مهمة لجنوح علاقات عربية كثيرة غداة نشوب أزمة الخليج. فقد انقلبت علاقة مصر بالعراق، من علاقة صداقة إلى علاقة تصادم وإعلان حرب. وانقلبت علاقة المملكة العربية السعودية بالأردن، من علاقة تعاون إلى توتر شديد وتعارض في الموقف من التدخل العسكري الأميركي؛ وتدهورت علاقتها باليمن المحكوم بنزاع حدودي مزمن وإنْ مكتوم، وإلى حد طرد مئات الآلاف من العمال اليمنيين من المملكة. كما تدهورت العلاقة بين منظمة التحرير الفلسطينية ومصر، راعيتها القديمة الأولى قبل اتفاق كامب ديفيد وبعده، بسبب تأييد المنظمة للعراق، وبلغت حد تلويح مصري واضح بوجود بدائل فلسطينيين لتمثيل الشعب الفلسطيني في أية مفاوضات سياسية في المستقبل. أما الأردن، "فقد أدار ظهره لطريق الوفاق، واختار حمحمة الحرب" عندما امتنع من الوقوف ضد العراق وترك جماهير الأردن تتحرك تأييداً لصدام حسين. كما يتوقع نيسان تعرض الأنظمة العربية، التي وقفت إلى جانب التحالف العسكري بقيادة الولايات المتحدة في الخليج، لأخطار كبيرة ستشهد عليها التطورات في المستقبل؛ وذلك لأن هدف هذه الأنظمة من وراء هذا التحالف يتوافق مع مصلحة إسرائيل. وهو يستذكر، في هذا الصدد، سقوط نظام الحكم في العراق سنة 1958 بعد فترو قصيرة من انجراره إلى تحالف عسكري مع بريطانيا، ويستشهد باغتيال رئيس مجلس الشعب المصري في تشرين الأول/أكتوبر 1990، باعتبارهما نذيراً لما هو آت.[7]

إن هذه التحولات في العالم العربي التي عكست نفسها في انضمام أنظمة عربية إلى التحالف العسكري الغربي ضد العراق، وفي إعطاء الوجود العسكري الأميركي على أرض الخليج شرعية عربية (في مؤتمر القمة الطارىء في القاهرة)، تنذر بصراع شامل في المنطقة لا تبقة دولة فيها بمنأى عن لهيبه في رأي الدكتور بلي.[8]  لكنه يستدرك أن هذه الأنظمة الموالية للغرب ستعزز مكانتها، وإنْ كانت ستفقد تأييد جماهيرها.

فمصر، في رأيه، تستطيع أن تنظر بتفاؤل إلى اليوم التالي لانتهاء أزمة الخليج. فقد عززت صورتها لدى واشنطن، كطرف مسؤول متمسك بمسار السلام إزاء الطرف الإسرائيلي الرافض، وكطرف مهتم بالمحافظة على المصالح الأميركية في المنطقة جدير بمكانة الحليف الاستراتيجي للولايات المتحدة المفضّل على إسرائيل. وأصبح توثيقة العلاقة المصرية – الأميركية وتجسيد التزام واشنطن نظام الرئيس مبارك وتوجهاته، موضع اهتمام أميركي واضح؛ وسيؤدي دوره في أزمة الخليج إلى تصفية المعارضة الداخلية الواسعة، وتحصين مكانة النظام الكبيرة في نظام القوى في الشرق الأوسط لوقت طويل.[9]

أما سوريا، فقد كان توقيت نشوب أزمة الخليج ممتازاً بالنسبة إليها في رأي بلي، لأنها تعاني أزمة اقتصادية حادة وعزلة دولية وعربية، وقد فقدت في الاتحاد السوفياتي في السنوات الأخيرة حليفاً استراتيجياً من الدرجة الأولى، فأصبحت من دون سند دولة عظمة وبلا مصدر مساعدة عسكرية ثابت ومضمون. وقد أتاحت لها الأزمة فرصة تحسين وضعها، فاستعادت علاقة جيدة مع مصر، واستأنفت علاقاتها الدبلوماسية مع بريطانيا، وتعزز تعاونها مع الولايات المتحدة. وهي تراهن، بدورها في أزمة الخليج، على مساعدة الولايات المتحدة في ترميم اقتصادها، وفي الضغط على إسرائيل لإخراجها من الجنوب اللبناني ومن الجولان، وهما هدفان أساسيان بالنسبة إلى دمشق، بالإضافة إلى المكسب الذي تحققه من إسقاط نظام صدام حسين الذي يزيل عدواً أساسياً لها وخطراً كبيراً على حدودها مع العراق.[10]

من جهة أخرى، يؤكد بلي أن الحكم في العربية السعودية، وبغض النظر عن النتيجة التي ستنتهي الأزمة في الخليج غليها، سيواجه امتحانات صعبة في كل الأحوال بعدما كشفت هذه الأزمة نقاط الضعف والأخطار الكامنة في بنية الحكم السياسية وزادت فيها. وكانت بوادر الخطر على الحكم هناك قد ظهرت بعد انتصار الثورة الخمينية في إيران، ثم جاءت الاضطرابات التي أشعلها الحجاج الإيرانيون في مكة المكرمة صيف سنة 1987، لتشكل دليلاً ملموساً على النيات الإيرانية المعادية للمملكة. وقد ازداد هذا الخطر عندما تبنى العراق موقفاً من الحكم السعودي مشابهاً للموقف الإيراني. ولا يرى بلي في مساعدة مصر وسوريا في حماية السعودية اليوم ما يسهل على الحكم هناك، لأن مصر وعلى الرغم من علاقاته الجيدة بالسعودية كانت تقيم علاقات وثيقة مع العراق، حتى غداة احتلاله الكويت؛ والتناقض الأيديولوجي بين النظامين السوري والسعودي لم يكن خافياً في يوم من الأيام، كما أن سوريا لا تزال حليفة إيران، عدوة السعودية. وبالإضافة إلى هذه العوامل مجتمعة، هناك الصراعات الداخلية في شأن الخلافة وفي شأن أمور أخرى، بينها تلك التي تتمحور حول الدور الأميركي في حماية المملكة. وإذا كان وجود قوات أميركية وأجنبية أخرى على الأراضي السعودية يتمتع بشرعية عربية، معززة بقوات مصرية وسورية هو – في رأي بلي – دليل على نجاح المملكة في طرح أمن السعودية الوطني كمصلحة عربية عامة، إلا أن بلي يشكك من جهة في استمرار هذا التوافق، ويقدر من جهة أخرى أن يكون للوجود العسكري الأميركي هناك تأثير حاسم في علاقات القوى على هذه الساحة، حيث عناصر المواجهة متوفرة في رأيه، وهي على وشك أن تنفجر غداة انتهاء أزمة الخليج.[11]

أما الأردن فقد اختفى كلاعب رئيسي في الساحة، في رأي بلي. بل أن المراقبين والمحللين السياسيين الإسرائيليين يجمعون على أن استقرار النظام الأردني بات في خطر أكبر من أي وقت مضى. فهو، في رأي يوسف ألفر[12]  نائب رئيس مركز يافي للدراسات الاستراتيجية في جامعة تل أبيب، يعيش في شبكة تناقضات يحاول أن يوازن بينها لكنها كلها سلبية بالنسبة إليه. ففي الساحة الداخلية، دفعه التناقض بين الاتجاهين الإسلامي الأصولي والفلسطيني إلى السماح بعودة منظمة التحرير إلى رحاب الأردن سنة 1989 وزيادة قوتها فيه كوزن في مقابل المسلمين الأصوليين، "وهي لعبة خطرة لا تعطيه سوى قدرة مناورة محدودة"؛ وفي الساحة الخارجية، دفعه خوفه من العراق الذي احتل الكويت بسهولة ومن دون مساعدة داخلية، والذي يتمتع بتأييد واسع في أوساط الأردنيين، إلى التقرب منه باعتبار أنه لا يستطيع مقاومته، وباعتبار أن العراق سند قوي له في مواجهة إسرائيل التي صدرت عن مسؤولين فيها، في السنتين الأخيرتين، تصريحات بشأن صيغة حل للمشكلة الفلسطينية تعتبر الأردن فلسطين.[13] 

في هذا الصدد، يستذكر مردخاي نيسان توقعات سياسيين وباحثين في الخمسينات بأن يكون تاريخ المملكة الأردنية الهاشمية قصيراً، ويستعيد ملاحظة دافيد بن – غوريون عن يوم قد يجيء يسقط فيه الأردن بين جاريه العراق وإسرائيل، ليقول إن شروط البقاء بالنسبة إلى الأردن قد أصبحت في حدها الأدنى سنة 1990؛ فالضائقة الاقتصادية ونمو الاتجاهين الأيديولوجيين المتناقضين "يلقيان ظلالاً ثقيلة على شرعية العائلة الهاشمية"، التي تفقد سيطرتها على السلطة بوتيرة سريعة. وقد أثارت نتائج انتخابات سنة 1989 وعودة منظمة التحرير إلى الأردن، والتظاهرات الشعبية المتكررة في أنحاء المملكة بدوافع اقتصادية ودينية، الشكوك في قدرة الحكم على التصدي الناجح وحتى في قدرته على البقاء.[14]

 

نظام إقليمي جديد

   وفي نظر محللين سياسيين إسرائيليين كثيرين، فإن هذه التحولات الدرامية السريعة في محيط إسرائيل العربي، وحالة عدم الاستقرار التي يعيشها كل الأطراف في المنطقة، ليست سوى بدايات. وقد يتبين "أن ما فعله صدام حسين [بالكويت] يمكن أن يكون، في الواقع، أول طلقة في سلسلة كاملة من تطورات ستؤدي إلى تغيير هذه الأنظمة الضعيفة."[15]  لكن الأمر، يقول يوسف ألفر، رهن مفارقتين: الأولى تتعلق بالتناقض بين هدف الولايات المتحددة ومعظم الدول العربية في إعادة الوضع  إلى ما كان عليه في دول الخليج قبل اجتياح الكويت، وبين إدراك ضعف البنى السياسية في هذه الدول. فالرغبة في العودة إلى الوضع الذي كان قائماً من قبل، تعني النية في حماية ما هو قائم، ولذلك سيكون على الولايات المتحدة أن تعزز أمن هذه الأنظمة؛ لكن هذه الأنظمة هي على درجة من الضعف لا يمكن تجاهله، والأسلحة التي ستزود بها قد تقع في أيدي قوى معادية. والمفارقة الثانية تتعلق بالاستراتيجية العالمية تجاه الخليج، إذ سترغب الولايات المتحدة بعد هدوء المعارك أو سكون الأزمة، في مواصلة تعزيز قوة الأنظمة العربية التي وقفت إلى جانبها في أزمة الخليج بتحالف عربي – أميركي لم يسبق له مثيل، لكنها سترغب أيضاً (وربما سوية مع الاتحاد السوفياتي) في المبادرة إلى عملية نزع سلاح مضبوط في الشرق الأوسط لتضمن عدم صعود قوة عسكري إقليمية أخرة في المستقبل، تهدد قدرتها وقدرة الدول الصناعية الأخرى على الوصول إلى منابع النفط في المنطقة. وهكذا، فإنها معنية بتزويد الأنظمة العربية الدائرة في فلكها بالأسلحة كماً ونوعاً، ومعنية أيضاَ بعملية نزع سلاح في المنطقة في آن واحد.[16]

إن هاتين المفارقتين تعكسان المأزق الناجم عن حقيقة أن العالم الصناعي الرأسمالي لن يستطيع التحرر من اعتماده على هذه المنطقة مصدراً للنفط في المستقبل المنظور، والإدراك أيضاً أن هذه المنطقة لا يمكن أن تبقى في منأى عن تحولات اجتماعية وسياسية لا بد من أن تهدد التدفق الحر للنفط الرخيص. وكل هذا الكلام المبهم والملتبس حتى الآن، عن نظام جديد أو ترتيبات أمنية جديدة في المنطقة، يعكس النية في الاستباق.

وفي هذا الصدد، يجزم ألفر أن الذين يتحدثون عن نقل الصورة الديمقراطية في أوروبا الشرقية، في نهاية سنة 1989، إلى الشرق الأوسط إنما يعيشون وهماً مطبقاً. فهو يستبعد تحولات ديمقراطية في هذه المنطقة، في المستقبل المنظور، لأسباب تتعلق بالخلفية التاريخية والبنى الاجتماعية لدولها. ولذلك فإن الأمر، في رأيه، لا يتجاوز عزم الولايات المتحدة – في حال حققت أهدافها في نزاع الخليج – على ضمان بنية سياسية أكثر استقراراً لا تضطرها إلى تورط آخر مماثل لما يحدث هناك اليوم؛ وهذا يعني تعزيز قوة الأنظمة القائمة لا تغييرها.[17]

أما بالنسبة إلى نية إسقاط النظام العراقي تحديداً، فيقول مردخاي نيسان[18]   أنه "إذا مني بضربة مميتة فسيكون لذلك تأثير حاسم في سيماء المنطقة، وإذا خرج سليما فإن العنصر المكون العراقي سيبرز في أي نظام جديد." لكنه يستدرك بملاحظة أن هدم بنية النظام السياسي القائم في الشرق الأوسط ليس دليلاً، في حد ذاته، على قيام بناء مختلف تماماً في المستقبل. وهو يؤكد أن العداء للغرب، ولأميركا خاصة، لن يسكن في العالم العربي – الإسلامي. كما أن عزلة إسرائيل "ستبقى على ما يبدو، أيضاً، أساساً صلباً في الفسيفساء السياسية في المنطقة كلها." ويدعو نيسان إلى رسم خريطة جديدة للشرق الأوسط على أساس المسارات الداخلية في بعض دوله، وخصوصاً إسرائيل والأردن، وفي ضوء سلسلة الأزمات التي تحكم المنطقة، "بحيث تبقى إسرائيل في حدودها الحالية مع تخفيف شديد للمشكلة الديموغرافية، سوية مع حل معقول للمشكلة الفلسطينية، فيعيَّن نهر الأردن حدود وفاق وخط فصل."[19]

يجمع محللون سياسيون إسرائيليون على أن الولايات المتحدة ما كانت لتستطيع أن تقدم على كل ما أقدمت عليه في الخليج، لولا الشرعية العربية (ولو غير الإجماعية) التي أُعطيت لها لاستقدام قواتها والقوات الحليفة إلى المنطقةن ولولا التعاون الرمزي مع القوات العربية فيها، لأن الأمر كان سيبدو احتلالاً إمبريالياً أميركياً، والأنظمة العربية المتعاونة في رأيهم ما كانت لتصمد. لكنهم مع ذلك يسلمون بأن تحالف أنظمة عربية أساسية مع الولايات المتحدة ضد دولة عربية لن يبقى من دون انعكاسات على إسرائيل أيضاً. ويرى هؤلاء المحللون، في معظمهم، هذه الانعكاسات الأمنية والسياسية سلبية على إسرائيل، لكن عدداً منهم يرى فيها بعض الاحتمالات الإيجابية.

وفي هذا الشأن يعطون مسألة تسليح الولايات المتحدة لبعض الأنظمة العربية أولوية، وخصوصاً أن الأمر لا يتعلق بالتزويدات الحالية من أسلحة متطورة (مثل الصفقة مع العربية السعودية)، وإنما يتعلق بنية واشنطن مد الأنظمة الضعيفة بالسلاح لتقويتها، والأنظمة الأخرة المتعاونة لتحصينها. وقد كان الأمر موضوع معارضة واحتجاج وتوضيحات بين تل أبيب وواشنطن في الأشهر الأخيرة. ويعطي يوسف ألفر هذه المسألة بُعداً إقليمياً عندما يؤكد وجود احتمال أن تسقط هذه الأسلحة المتطورة، فيما بعد، في أيد معادية (كما حدث بعد احتلال العراق للكويت)، لأن الأنظمة التي تتسلح بها أنظمة ضعيفة لن تنجح بالضرورة في استخدامها للدفاع عن نفسه. وهذا الاحتمال يعني، في رأيه، أن الأسلحة قد تستخدم ضد العرب، بعضهم ضد بعض (كما جرى للكويت) أو ضد إسرائيل، أو حتى في نزاعات إقليمية بين العرب وإيران أو بينهم وبين تركيا.[20]

ومع ذلك، يرى ألفر في هذا التحالف العربي مع الولايات المتحدة في الخليج "براعم تطور إيجابي" على هذا الصعيد، وذلك على الرغم من تشديده على ضرورة أن تأخذ إسرائيل في حسابها، دائماً، إمكان تشكل ائتلاف عسكري عربي واسع ضدها، وتكون مستعدة لهذا الخطر الأكبر عليها. فنسيج العلاقة التي تتبلور بين الولايات المتحدة وائتلاف من الدول العربية هو، في رأيه، نسيج استراتيجي لم يسبق له مثيل، ويمكن أن يوظَّف عاملاً مهدئاً للعداء العربي – الإسرائيلي فيطلق تطورات تُبعد دولاً عربية أخرى عن دائرة الصراع مع إسرائيل: فالسعودية مثلاً – وهي في رأيه نموذج ضعيف لأنها لم تقف يوماً موقفاً فعّالاً ضد إسرائيل – ربما تبتعد عن منظمة التحرير وعن الدول العربية الأخرى الأكثر عداء لإسرائيل؛ وسوريا، من جهتها، قد تتقدم على طريق الحوار مع إسرائيل بهدف تسكين الصراع إذا بقيت ضمن الائتلاف الحالي في الخليج.[21]

هذا التقدير "الإيجابي" المتحفظ يدعمه اختصاصي الشؤون الأميركية في وزارة الخارجية الإسرائيلية، حنان بار – أون، الذي يلحظ أن الجانب العربي اليوم، وبعد انتهاء الحرب الباردة، قد فقد قدرة استغلال العداء الذي كان قائماً بين الشرق والغرب، وأن هذه الحقيقة تشكل عاملاً من العوامل التي توجد الفرصة السانحة للأميركيين للعمل من أجل تحقيق تسويات شاملة في المنطقة.[22]  لكن هذه التوقعات "الإيجابية" تبدو معزولة، وتضيع في غمرة الانعكاسات السلبية التي يتداولها المحللون الإسرائيليون، الذين يؤكدون أن لهذا التحالف العربي مع الولايات المتحدة (وحليفاتها الغربيات) ثمناً سيُطلب من إسرائيل دفع قسم منه. فإسرائيل، يقول دانيال بن – سيمون، "لم تجد نفسها منذ أعوام طويلة أمام أخطار ملموسة إلى هذا الحد على الصعد الإسرائيلية والإقليمية والدولية، يشكل القاسم المشترك بينها كلها انعدامُ المرونة والتقدم من جانبها فيما يختص بالنزاع الإسرائيلي – الفلسطيني"، وقد تواجه احتمال أن يرتبط مصير النزاع في الخليج، عندما يحين الوقت الملائم، بمصير الفلسطينيين، وتُفرض عليها تسوية موازية "برعاية الدول الكبرى أو مجلس الأمن الدولي... ."[23]

في هذا الشأن يتوقع ألكسندر بلي أن تجد إسرائيل نفسها بعد انتهاء أزمة الخليج، تحت ضغط شديد للانسحاب من المناطق المحتلة، ومنها الجولان، بعد التحول في العنصر السوري في النزاع، إنْ على صعيد تحسين سوريا لعلاقاتها بمصر أو بالولايات المتحدة، أو على صعيد قبولها مبدأ الامتناع من احتلال أراضي الغير بالقوة، وتعاونها مع التحالف الدولي ضد العراق الذي يمكن أن يشكل فيما بعد نواة ضغط على إسرائيل بمباركة أميركية.[24]  ويوافقه في ذلك يوسف ألفر الذي يتوقع، استناداً إلى تركيبة الائتلاف الحالي في أزمة الخليج، أن يكون الضغط على إسرائيل في الإطار السوري - اللبناني، لا في الموضوع – الأردني؛ لكنه يشير إلى استحالة تجاهل توق العرب العام والمستمر إلى حل المشكلة الفلسطينية باعتباره مفتاح الاستقرار والتعاون الحقيقي مع الولايات المتحدة، وإلى إمكان ضغط أميركي – مصري على إسرائيل في هذا الموضنع، ربما من خلال الرغبة في استغلال الضعف الذي أصاب مكانة الأردن ومنظمة التحرير نتيجة مواقفهما من أزمة الخليج. لكنه، مع ذلك، يرى في التدخل الأميركي ضمانة ضد أي تهديد عربي عسكري يكون "تعبيراً متطرفاً" عن هذه الضغوط المحتملة.[25]

هذا الضغط العربي – الأميركي في الموضوع الفلسطيني يراه المستشرق موشيه ماعوز محتماً، لأن العرب سيطلبون تسوية المشكلة الفلسطينية وإعادة الجولان "لأنهم سيكونون ملزمين  بذلك تجاه جماهيرهم بعد أن أثار  تحالفهم مع الولايات المتحدة معارضة في أوساط طبقات واسعة، وهم مضطرون إلى تعليل ذلك والمسارعة إلى إثبات أنه كان عندهم بمثابة هدف من وراء هذا التحالف. أما العملة التي سيتم الدفع بها فستكون عملة إسرائيلية."[26]

لكن الأمر ليس ميكانيكياً إلى هذا الحد، على الرغم من المواقف الصادرة عن الأطراف الدولية الأساسية المتورطة في نزاع الخليج والتي توحي بأن أزمة الخليج ستكون معبراً إلى تسوية شاملة لمشكلات الشرق الأوسط كلها. فالأمر سيكون مجرد بداية لمسار عام شامل طويل جداً في رأي حنان بار – أون، لأنه من غير المعقول أن يكون هناك حل إجرائي فوري يوافق الجميع عليه. فالأميركيون يريدون تسوية شاملة، والشروط الملائمة للسعي لها كانت – في رأيه – متوفرة حتى قبل نشوب أزمة الخليج؛ الأمر الذي يعني أن أية نهاية لهذه الأزمة لا تشكل انتصاراً حاسماً لصدام حسين، ستعطي الولايات المتحدة قوة معززة بائتلاف قوي إذا اجتمعت مع حقيقة انتهاء الحرب الباردة وخسارة العرب فرصة استغلالها كما في الماضي، ستبلور فرصة سانحة لها. وقد يبدأ الأميركيون باعتماد اتفاق كامب ديفيد أساساً لحل المشكلة الفلسطينية، لينطلقوا من ثم إلى السعي لوضع ترتيبات مع سوريا والأردن والعربية السعودية، على الأقل، بهدف وقف حالة الحرب أو تسكينها "لأنه أصبح واضحاً لهم اليوم بعد ما جرى في الخليج، أن أية تسوية تفرض عدم التحدث عن السلام."[27]

والمشكلة الأساسية لإسرائيل في هذا المسار، في رأي يوسف ألفر، أن الولايات المتحدة قد تخرج من أزمة الخليج وقد بنت تعاوناً استراتيجياً أكبر مع الدول العربية المتحالفة معها، والتي تمثل مصالح متناقضة مع مصالح إسرائيل. وهذا سيجعل من الصعب على الولايات المتحدة، أحياناً، أن تمد جسراً بين التناقضات  القائمة فينشأ في تقديره وضع تتبنى واشنطن فيه موقف حليفاتها العربيات في مواجهة إسرائيل. لذلك، فإن ألفر في حين يؤكد أن الولايات المتحدة ستبقى حليفة إسرائيل الاستراتيجية، في المدى البعيد، يقدر أن تصبح هذه العلاقة الاستراتيجية أكثر تعقيداً نتيجة العلاقات التي تنسجها مع حليفاتها الجديدات.[28]

إن مصير هذه العلاقة إلى وضع أكثر تعقيداً في هذه المرحلة الجديدة في المنطقة، الموعودة بحل نزاعاتها وبترتيبات أمنية تنطوي، بلا شك، على معان سياسية تكون إسرائيل في وسطها، أمر يضع القيادات الإسرائيلية أمام احتمال أن تُفرض على إسرائيل حلول ترفضها منذ أربعين عاماً ونيف. فالرئيس التنفيذي في إسرائيل للمنظمة الصهيونية العالمية وللوكالة اليهودية، سيمحا دينيتس، يرى في الانعكاسات المحتملة على إسرائيل ما يفرض دخول الحكومة الإسرائيلية فوراً في حوار مع واشنطن يتعلق بمسائل أساسية أربع: (1) التفاهم في شأن التسوية التي توقفت، وإعداد مذكرة تفاهم استراتيجي على مكونات مسار التسوية، وضمان تغطية أميركية للموقف الإسرائيلي من المسائل السياسية والأمنية الحيوية لإسرائيل؛ (2) التشديد على أن منظمة التحرير، بعد النهج الذي سلكته، لا يمكنها أن تكون عنصراً أساسياً ثابتاً في حل المشكلة الفلسطينية؛ (3) بما أن الاتحاد السوفياتي متورط في النزتع، وبما أن موافقته مطلوبة على أية تسوية تُنجز بين الأطراف، فإن إقامته علاقات دبلوماسية كاملة مع إسرائيل، ومأسسة نهجه في مسألة هجرة اليهود السوفيات، ستكسبانه مكانة في المسار السياسية المتوقع؛ (4) تقوية إسرائيل وتحصينها إزاء صفقات السلاح الضخفمة كملً ونوعاً، التي تعقد مع الدول العربية، ومساعدتها في استيعاب الهجرة من الاتحاد السوفياتي بواسطة هبات وقروض خاصة أيضاً.[29]

إن إجراء هذا الحوار هو، في رأي دينيتس، واحدة من مهمتين اثنتين تفرضهما المرحلة. والمهمة الثانية هي إجراء تقويم جديد للعلاقات الإسرائيلية – الأميركية باعتبار أنها كانت وستبقى عنصراً أساسياً وضرورياً في حل النزاع العربي – الإسرائيلي، ولأن العالم بعد أزمة الخليج سيعود – على حد قوله – وتعود معه الإدارة الأميركية إلى معالجة هذا النزاع بنشاط مضاعف في الوقت الذي تغيرت جميع عناصره المكونة في المنطقة وخارجها. وهاتان المهمتان، في تقديره، تهيئان إسرائيل لتكون قادرة على التأثير في المبادرة السياسية التي تُستأنف، فلا تُقاد إليها قسراً، وعلى مواجهة المسار السياسي والتقدم بالمفاوضات من أجل السلام "من دون المساس بأمنها وقدرتها على مواجهة التحديات أمامها."[30]

غير أن هذه التحديات المقبلة، في رأي مردخاي نيسان، تفترض من حكومة إسرائيل أكثر من ذلك. فهو يقول بالمجازفة وتحمّل أخطار مدروسة لأن المطلوب، في نظره، تحقيق "انتصار إسرائيلي دائم". فإسرائيل، كما يقول، عرفت حروباً كثيرة وانتصارات أيضاً في ساحة المعركة، "إلا أن الانتصار العسكري لا يترجم دائماً إلى مقابل فعلي على الصعيد السياسي، سواء إزاء الخارج أو فيما يتعلق بشروط البقاء في الداخل. وليس هناك مكسب في المدى البعيد عندما تتحول عملية تدمير قوة العدو إلى انتصار موقت، وتخلق عملية ترميم جيش عربي مهزوم وتسليحه سباقاً مضاعفاً إلى جولة الحرب التالية"، وللحكومة الإسرائيلية بقيادة الليكود "التزامات تجاه الجمهور اليهودي الذي عيش أهوال الحرب في أيام الهدوء النسبي وفي أيام اشتعال النار، ويجب عدم التسليم بوضع يفرض فيه الطرف الآخر عليها حصاراً دائماً واستثماراً أمنياً هائلاً وتهديداً بالحرب لا يهدأ."[31]

[1]    "معاريف"، 26/10/1990.

[2]   المصدر نفسه.

[3]   "الاتحاد السوفياتي: إلى جانب الولايات المتحدة، لكن باحتراس، "سيكراه حودشيت"، العدد 9، 29/10/1990، ص 17 – 18.

[4]   "تأييد واسع للرئيس بوش، استمراره الطويل غير مضمون"، "سكيراه حودشيت"، المصدر نفسه، ص 11.

[5]   "قواعد ولاعبون في الساحة العربية عقب أزمة الكويت"، "سكيراه حودشيت"، المصدر نفسه، ص 21.

[6]   "الأزمة في الخليج الفارسي، والنظام الجديد في الشرق الأوسط"، "هاأوماه"، العدد 102، شتاء 1990 – 1991، ص 138.

[7]   المصدر نفسه.

[8]   "قواعد ولاعبون..."، مصدر سبق ذكره، ص 21 – 22، 26.

[9]   المصدر نفسه، ص 27 – 28.

[10]   المصدر نفسه، ص 26 – 27.

[11]   المصدر نفسه، ص 25 – 26.

[12]   "مفارقات، تبعية وتحالفات جديدة"، "سكيراه حودشيت"، مصدر سبق ذكره، ص 42.

[13]   المصدر نفسه.

[14]   "هاأوماه"، مصدر سبق ذكره، ص 140.

[15]   يوسف ألفر، مصدر سبق ذكره، ص 43.

[16]   المصدر نفسه.

[17]   المصدر نفسه، ص 45.

[18]   "هاأوماه"، مصدر سبق ذكره، ص 139 – 140.

[19]   المصدر نفسه.

[20]   "سكيراه حودشيت"، مصدر سبق ذكره، ص 43 – 44.

[21]   المصدر نفسه، ص 44.

[22]   طالي ليفكين – شاحاك، "الربط معقول جداً"، "دافار"، 7/12/1990.

[23]   "مات السلام عاش الأمن"، "دافار"، 5/12/1990.

[24]   "سكيراه حودشيت"، مصدر سبق ذكره، ص 27.

[25]   "سكيراه حودشيت"، مصدر سبق ذكره، ص 44.

[26]   طالي ليفكين – شاحاك، "دافار"، مصدر سبق ذكره.

[27]   المصدر نفسه.

[28]   "سكيراه حودشيت"، مصدر سبق ذكره، ص 46.

[29]   "اليوم بعد الأزمة"، "هآرتس"، 5/11/1990.

[30]   المصدر نفسه.

[31]   "هاأوماه"، مصدر سبق ذكره، ص 139.