كيف رأيتُ منحوتة سيروان باران
Date:
28 juin 2021
Auteur: 

منذ وقعت عيناي عليها عاد إليّ تلقائياً شعور مسافر من تجربتي في أقبية تحقيق عسقلان: اليدان المقيدتان إلى الخلف على كرسي الشبح في غرفة التحقيق، الحاجة المفتقدة إلى التحرك لفرك اليدين، للمس الجبهة، لتعديل الحجاب، لتأدية الصلاة، وغير ذلك من اكتشافات لأهمية أن تكون اليدان بلا قيود، وهي أهمية لا تدرَك إلا حين تعطّل القيودُ فعلَهما.

 

بوستر لـ أسامة حجاج، ٢٠٠٨، من موقع بوستر فلسطين

 

ومع التمعّن في صورة المنحوتة بدأ يتسلل من تلك الأيام أثر الإنهاك الجسدي الناجم عن تواصل الشبح والحرمان من النوم، إنهاك في النفس والعقل، كما في الجسد والأطراف.. تخور القوى، ويضعف الجسد، وتضمحل رؤية النور أمام العينين، ويصبح أقصى الحلم التحلّل من أوجاع الظهر والرقبة بإسنادهما على متّكأ مريح يتيح إغفاءة قليلة لاستعادة التوازن، لكنه حلم لا يتحقق إلا بعد عشرين ساعة يومياً من الشبح المنهك في غرفة التحقيق، أتخلص منه قليلاً عند تناوُل وجبة الطعام الرديء القليل، التي كانت تُجلَب إلى غرفة التحقيق، وعند طلب الذهاب لقضاء الحاجة، حيث يُسمح به لمدة 5 دقائق، كنت أستغلها لأتوضأ سريعاً بماء الزنزانة الصدئ من دون أن يسعفني الوقت للصلاة داخل الزنزانة، حيث تتم إعادتي فوراً إلى غرفة التحقيق، وحين أطالب بفك قيودي للصلاة، يقول المحقق لي: يمكنك الصلاة بعينيك، كما فعل ويفعل غيرك من المعتقلين!
تلك الحالة اليومية هناك في التحقيق، بتفاصيلها العديدة، نجحت المنحوتة في تكثيفها، أمّا انحناءة رأس الأسير فيها، فقد بدا لي جيداً أنه بفعل الإنهاك لا الخضوع، وتعب الجسد وليس انهزام روح الصمود من داخله، لكنه صراع طويل ومرير مع الزمن، ينتصر فيه مَن يدرك كنه فلسفة الزمن ويتفوق على سطوته على أعصابه وروحه داخل السجن.
وسائل التحقيق في سجون الاحتلال الإسرائيلي لا تستهدف إتعاب الجسد فقط، بل تركز على خلخلة الجدران النفسية للمعتقل، على تجفيف نبع إيمانه بمبادئه، على زعزعة ثقته بما يحمله من يقينيات، وما يطوف بعينيه من رجاء، ومتى خرج المرء من تلك التجربة محمّلاً بعبير مبادئه، متشبثاً بأحلامه، بعزمه وألَق عينيه ونضارة قلبه وسموّ روحه، فقد فاز على سجانه، وأبطل أهدافه، وعرّى وسائله في تركيعه.

À propos de l’auteur: 

لمى خاطر: كاتبة وناشطة اعتُقلت في 24/07/2018 م، وحُكم عليها بالسجن مدة 13 شهراً بعد عدة جلسات محاكمة، أعقبت 35 يوماً من التحقيق في مركز تحقيق عسقلان بتهمة النشاط الوطني والميداني، في إطار تنظيم يعدّونه (محظوراً).