منذ بداية أزمة الخليج تكشفت أهداف التحالف الأميركي والأطلسي المعادية لمنطقة الشرق الأوسط وشعوبها، وتكشفت كذلك أهداف النظام العالمي الجديد الذي تسعى الإدارة الأميركية لفرضه بالقوة على شعوب هذه المنطقة وعلى العالم بأسره. فلم يكن من مصلحة الإدارة الأميركية، التي تمثل مصالح الاحتكارات المصرفية والمالية الضخمة والاحتكارات النفطية الرئيسية والصناعات الحربية، أن تنمو في المنطقة قوى تبدي درجة من الاستعداد لمقاومة أطماعها في السيطرة على المنطقة وثرواتها النفطية الضخمة وفوائدها، خاصة بعد أن أصبحت حاجة الولايات المتحدة إلى السيطرة على هذه الثروات والفوائد حاجة ملحة لا غنى عنها في ظل أزمة الركود التي يعانيها الاقتصاد الأميركي. فمن المعروف أن الاقتصاد الأميركي ليس في أحسن حالاته؛ فهو يعاني العجز الكبير في الميزان التجاري وفي ميزان المدفوعات، ويعاني كذلك الديون الخارجية التي تفوق ديون العالم الثالث مجتمعة، ويعاني أيضاً ضعف قدرته على مواكبة مستوى تطور الثورة التكنولوجية، خاصة في كل من اليابان وألمانيا الموحدة.
المفاوضات و"الاستقرار" الأميركي
فالولايات المتحدة الأميركية كانت تسعى منذ بداية أزمة الخليج لتحقيق جملة من الأهداف المباشرة وأُخرى بعيدة المدى. فمن خلال ضرب القوة العسكرية العراقية أرادت الإدارة الأميركية أن تضع السعودية ودول الخليج تحت مظلة حمايتها الأمنية، وأن ترهب دول المنطقة وتثنيها عن أية محاولة للتمرد على قرارها بالهيمنة على هذه المنطقة الحيوية من العالم. وفي ظل أزمة ركود الاقتصاد الأميركي، بات ضرورياً الحفاظ على زعامة الولايات المتحدة للعالم الرأسمالي بصورة خاصة وللعالم بأسره بصورة عامة، وتحديداً تطويع سياسة دول السوق الأوروبية واليابان على طريق تقليص الفجوة في منجزات الثورة التكنولوجية الجديدة بينها وبين العملاقين الاقتصاديين على وجه التحديد: ألمانيا الموحدة واليابان. ثم هي أرادت من خلال ذلك أن تخل بالتوازن العسكري الذي بدأ يتشكل في المنطقة بين الدول العربية وإسرائيل لتأكيد مواقفها المعلنة بالحفاظ على التفوق العسكري الإسرائيلي المطلق في المنطقة وضمان أمن إسرائيل وسلامتها. وهنا ينبغي الاهتمام بهذا المخطط على صعيدين: يتصل الأول بالعراق ومستقبله السياسي في إطار نظام الأمن الإقليمي الذي تحاول الولايات المتحدة فرضه على المنطقة، والثاني يتصل بأزمة الشرق الأوسط، وجوهرها القضية الفلسطينية ووسائل حلها في إطار نظام الأمن الإقليمي هذا أيضاً.
فمن أجل دفع الجهد الرئيسي في حسم النتائج السياسية التي ترتبت على الحرب العدوانية ضد العراق، تضغط الولايات المتحدة، كما تضغط إسرائيل، باتجاه توسيع دائرة هذا الصراع وهذه المعركة السياسية بهدف استيعاب حل الصراع العربي – الإسرائيلي والصراع الفلسطيني – الإسرائيلي في إطار نظام الأمن الإقليمي، الذي تروّج الإدارة الأميركية له. ويبقى الشرق الأوسط، ولعقود عديدة مقبلة، المنطقة الاستراتيجية الحيوية، وتبقى له طبيعة سياسية خاصة نحتاج إلى جهود كبيرة حتى يخرج من دائرة المعاناة ومن دوامة التغييرات المستمرة، الأمر الذي يقتضي مواجهة الأزمات العامة الشاملة ويقتضي جهداً شاقاً ومستمراً لانتزاع الحقوق الوطنية للشعب الفلسطيني ولجميع الشعوب العربية. وإلى أن يتحقق ذلك، تبقى الولايات المتحدة قادرة على الضغط على الأوضاع في منطقة الشرق الأوسط، من أجل تأمين "الاستقرار" اللازم لحماية مصالحها، من خلال إعادة ترتيب المنطقة، سواء بإجراء ترتيبات أمنية إقليمية، أو بمحاولات إحلال سلام بين إسرائيل والدول العربية يضمن أمن إسرائيل من جهة، ويضمن استمرار تدفق النفط إلى الولايات المتحدة وإلى أوروبا واليابان، من جهة أُخرى. وليس مهماً حجم الظلم الذي توقعه هذه السياسة بشعوب المنطقة، وليس مهماً إغراق المنطقة في مزيد من المعاناة وعدم الاستقرار، وليس مهماً عدد الحروب التي يمكن أن تشتعل، بل المهم هو سلامة واستقرار مصالح الولايات المتحدة. إن "الاستقرار" الأميركي لا يعني بالضرورة استقرار أقطار المنطقة، بل يمكن أن تكون الحرب أحد عناصر هذا الاستقرار، كما كانت الحرب العراقية – الإيرانية عنصر استقرار للمصالح الغربية عامة.
وعلى الرغم من أن الإدارة الأميركية، وعلى لسان رئيسها جورج بوش ووزير خارجيته جيمس بيكر، كانت تعلن أنها لا تملك خططاً جاهزة لحل الصراع العربي – الإسرائيلي والفلسطيني – الإسرائيلي، فإن ذلك لم يكن ليخدع أحداً، لأن هذه الإدارة كانت تطرح خطوطاً جوهرية عامة لسياستها المستقبلية في المنطقة، وهي لا تزال تواصل تنكرها لقرارات الشرعية الدولية الخاصة بالقضية الفلسطينية وأزمة الشرق الأوسط، وهذه السياسة تتقاطع مع الأفكار التي كانت إسرائيل، ولا تزال، تدعو إليها، والتي حاولت استثمار نتائج حرب الخليج أيضاً للوصول إلى حلول مع الدول العربية أساساً تقوم على اتفاقية عدم اعتداء، وعلى نزع السلاح من المنطقة، والتعاون الاقتصادي، والاتفاق على استغلال مصادر المياه. وخلال ذلك، وعلى جوانبه، لا ضير من تسوية القضية الفلسطينية في إطار نظام الأمن الإقليمي المقترح، كما عبّر عن ذلك وزير الخارجية الإسرائيلي آنذاك، دافيد ليفي، من دون أن يترتب على ذلك أي استعداد للانسحاب من الأراضي العربية المحتلة أو للتنازل عن السيادة الإسرائيلية عليها.
كان هذا الموقف الأميركي في إطاره العام، وهو الموقف الذي حمله وزير الخارجية جيمس بيكر فيما بعد إلى الدول المعنية في المنطقة، لتسجل الولايات المتحدة لحظة انتصار دبلوماسيتها التي تمسكت بها على مدى العقدين الأخيرين، والتي كانت تعارض عقد المؤتمر الدولي لمناقشة قضية الصراع في الشرق الأوسط، والذين كان يهدف إلى وضع حد للاحتلال الإسرائيلي للأراضي العربية، ويفتح الطريق أمام إقامة دولة فلسطينية في الضفة الغربية وقطاع غزة، وطرحت بديلاً منه، المؤتمر الإقليمي للسلام.
وقد تعززت هذه الدبلوماسية مع انهيار الاتحاد السوفياتي، الذي تحول من كونه قوة عظمى، وأحد قطبي هذا الكون، يدعم العرب ويؤيد المؤتمر الدولي، إلى شريك يختزل دوره إلى المستوى الذي يقتصر على التأييد المطلق لما تريده الولايات المتحدة، بعد أن دفع فاتورة لمصلحة إسرائيل تأسست على تخليه عن موقفه بشأن القضية الفلسطينية وعلى موافقته على إعادة العلاقات الدبلوماسية الكاملة بإسرائيل بعد أن كان قد فتح باب الهجرة اليهودية على مصراعيه.
فتحت هذه التحولات الاستراتيجية في العالم وفي منطقتنا شهية الولايات المتحدة الأميركية لتعزيز هيمنتها المنفردة على منابع النفط وتأمين نوع من الاستقرار طويل الأمد في منطقتنا، سياسياً واقتصادياً وعسكرياً، وكأن النظام العالمي الجديد يبدأ بالنظام الإقليمي الجديد في الشرق الأوسط. وبدأت قيمة إسرائيل الاستراتيجية تكتسب بعداً جديداً، فوجدت الإدارة الأميركية في الوضع الجديد فرصة لتحقيق هدفين: الأول (وهو يشكل هدفاً استراتيجياً لإسرائيل إلى جانب كونه هدفاً أميركياً) إتاحة الفرصة أمام إسرائيل أول مرة لدمجها في نسيج المنطقة العربية من خلال مؤتمر السلام الإقليمي الذي بشّر جيمس بيكر به، بما يعنيه من الالتقاء وجهاً لوجه بين إسرائيل ودول المنطقة العربية، والذي من خلاله تبدأ جملة من الخطوات التطبيعية المتدرجة، بدءاً برفع المقاطعة الاقتصادية العربية، وتوزيع الثروات المائية، وتمويل المشاريع الاقتصادية المشتركة بأموال عربية ويابانية، وتأمين تبادل تجاري، وانتهاء بالتطبيع وإقامة العلاقات الدبلوماسية الكاملة بهذه الدول.
أما الهدف الثاني فهو محاولة تخفيف، إنْ لم يكن التخلص من العبء الذي تشكله إسرائيل على الولايات المتحددة بسبب اعتمادها شبه الكامل على الملايين العديدة من الدولارات التي تقدم لها على شكل هبات وتبرعات، إلى جانب تأمين حاجاتها العسكرية للمحافظة على تفوقها النوعي والاستراتيجي على دول المنطقة مجتمعة. وهذا يستلزم دمج جميع أطراف هذه المنطقة في النظام الإقليمي الجديد، ومن ضمنها، طبعاً، الفلسطينيون، الذين عليهم أن يبدوا "مرونة" من نوع خاص ليتسنى "تأهيلهم" وإشراكهم في مشروع السلام الأميركي.
خطأ الفلسطينيين الكارثي
كان الفلسطينيون آنذاك، وحتى انعقاد مؤتمر السلام في مدريد، وعلى اختلاف أهوائهم ومشاربهم وآرائهم السياسية وأينما وجدوا، كانوا جميعاً يعيشون حالة واحدة من الترقب والتوتر، وربما الأمل. كلهم يريدون السلام ويريدون وضع حد للمعاناة، وكانت لغتهم واحدة، سواء تلك المتعلقة بالحقوق والثوابت الوطنية أو تلك التي تتعلق بالجانب الآخر (الذي كان في حينه يشمل الأميركيين والإسرائيليين على حد سواء). وجاءت الجولة الأولى من اللقاءات التي تعددت فيما بعد مع جيمس بيكر، لترسخ اقتناع الفلسطينيين، أو معظمهم على الأقل، بأن الإدارة الأميركية لم تغادر مواقعها المعادية لحقوق شعبنا، بل أكثر من ذلك، فإن بيكر حاول البحث عن قيادة بديلة محلية، وهذه المرة من داخل م. ت. ف لا من خارجها، كما درجت العادة. صحيح أن بيكر لم يفلح في ذلك، لكنه أفلح في إقناع محاوريه بأن تغييراً في السياسة الأميركية قد وقع، وبجدية توجهات بلده نحو السلام، وبأن النظام العالمي الجديد هو النظام العتيد الذي سيشيع السلم والعدل والرفاهية على وجه الكرة الأرضية، وكأن النظام العالمي الجديد دِين سَمِح جديد. وسقط المحاورون الفلسطينيون في الأشراك الأميركية.
كان الخطأ الكارثي الذي سببه الفلسطينيون لأنفسهم ولقضية شعبهم موافقتهم على الذهاب إلى مؤتمر السلام في مدريد في 30 تشرين الأول/أكتوبر 1991 بالشروط الأميركية والشروط الإسرائيلية المجحفة، التي تنتقص من حقوق شعبنا الوطنية وتختزل بعضاً منها وتلغي بعضها الآخر. وارتكب الجانب الفلسطيني خطأ فادحاً أيضاً عندما ابتدع فكرة قدرته على تغيير مسار المفاوضات في بعض مراحلها، وعندما يشاء هو ذلك، وكأن المفاوضات نشاط ذهني وحسن أداء، متناسياً أن شروط المفاوضات وقوانينها كانت قد وضعت في رسائل تبادلتها الإدارة الأميركية مع جميع الأطراف، ومن بينها الطرف الفلسطيني طبعاً، حدّدت فيها، وبكل تفصيل، جميع مراحل المفاوضات الثنائية والمتعددة من بدايتها حتى النهاية. فعندما وافقت م. ت. ف على استثناء نفسها من المفاوضات، لم يعد لها حق المطالبة بالشراكة، وعندما أقرّت بأن قرار مجلس الأمن رقم 242 ينطبق فقط على المرحلة النهائية من المفاوضات، بات من غير الممكن أن يتم انطباق هذا القرار على المرحلة الانتقالية، كما يطالب الطرف المفاوض الآن، حيث ينبري له الإسرائيليون والأميركيون معاً ليقولوا أن ذلك يخالف القواعد التي قامت المفاوضات على أساسها.
ويبقى الجانب الفلسطيني المفاوض يتحدث ويتصرف ويمارس التضليل أحياناً، وكأن فهمه وأمنياته وتمنياته هي الأساس الذي ترتكز المفاوضات عليه، بينما تدل الوقائع والحقائق على شيء آخر، حتى أن الراعي الأميركي نهره أكثر من مرة، وأجبره على التقيد بما التزمه. فبينما يتحدث الفلسطينيون عن دولة، تتحدث إسرائيل عن حكم ذاتي، وعندما يتحدثون عن سيادة وطنية وحقوق تشريعية تتحدث إسرائيل عن صلاحيات إدارية وظيفية، وإذا تحدثوا عن حكومة فلسطينية للفترة الانتقالية تتحدث إسرائيل عن حكم ذاتي وظيفي. إن السياسة الرسمية هي المسؤولة عن هذا الإرباك وهذا التردي، وشعبنا الفلسطيني لا يقبل بديلاً من حق تقرير المصير والاستقلال والسيادة.
إن م. ت. ف التي كانت "الرقم الصعب" قد حوّلت نفسها إلى الطرف الأضعف في المفاوضات، فبدل التمسك بالثوابت والحقوق الوطنية التي لا فرصة للسلام في المنطقة من دونها، ومن دون الحضور الفلسطيني لا مكان لأي مؤتمر في شأن الصراع في الشرق الأوسط، وبدل إظهار عناصر القوة هذه، أكسبت م. ت. ف نفسها عناصر الضعف، وأفقدت نفسها عناصر قوتها، وأفرغت موقفها من قوة الارتكاز على شرعية حقوقها وعلى شرعية القرارات الدولية التي تعالج هذه الحقوق وتناست أن لا حل من دون الفلسطينيين، فوافقت على عدم تمثيل نفسها في المفاوضات، ووافقت على إرجاء "القدس" إلى مراحل أُخرى، ووافقت على تقسيم الشعب وعلى تنحية حقوقه في العودة، وكل ذلك استجابة لإرادة الأميركي وعملاً بنصيحته بالتركيز على الجوهر من دون "القضايا الإجرائية"، فاختلط الإجرائي بالجوهري وضاع الإثنان. وكان الوصول إلى مدريد مصحوباً بـِ"فيض من الأفكار الجديدة المبتكرة"، التي نثرها الجانب الفلسطيني في جميع الاتجاهات، والتي كانت قادرة على تغيير المواقف ونسف المفاهيم الثابتة بصورة "أدهشت" الأميركيين. هذا، في حين استرخت إسرائيل، وقامت بتثبيت مواقفها، وإحياء مشروعها الصهيوني ودفعه إلى الأمام بتكثيف الاستيطان، غير آبهة ولا مترددة في تأكيد نيتها عدم التنازل عن شبر من "أرض إسرائيل الكبرى".
وبعد مؤتمر مدريد الاحتفالي، كانت المفاوضات في واشنطن تقتصر على الأمور الإجرائية من دون ذات الجوهر والمضمون، حتى جاءت الجولة الرابعة التي وصلت إلى طريق مسدود "أنقذها" الجانب الفلسطيني بتقديم مشروعه للمرحلة الانتقالية، في محاولة لإحداث "انفراج" في المفاوضات، وكان مسؤولية المفاوضات ومسؤولية إنقاذها تقعان على عاتق الطرف الفلسطيني من دون سواه؛ فتم التخلّي عن الإعلان الذي يلتزم عدم الشروع في التفاوض في شأن المرحلة الانتقالية قبل وقف الاستيطان وجميع أشكال النشاطات الاستيطانية، وقبل ضمان تطبيق اتفاقية جنيف الرابعة على المدنيين الفلسطينيين تحت الاحتلال، وقبل تأمين الحماية الدولية لشعبنا ولأرضنا ولأمننا ولمستقبلنا. لكن سياسة الاندفاع والركض إلى أمام قادت إلى تجاوز هذه الثوابت، الأمر الذي سجل بداية لجملة من القضايا التي تمسّ مستقبل النضال الوطني الفلسطيني ومستقبل شعبنا الفلسطيني. فقد بدأت تتوضح معالم تطورات تنطوي على قدر كبير من المخاطر التي ستنعكس سلباً على مجمل القضية الوطنية، وأصبحت طريقة صنع القرار الفلسطيني وآلية تنفيذه في مقدم الاهتمامات والهموم الوطنية، الأمر الذي استدعى بذل الجهود اللازمة لتوفير الآفاق والفرص الأفضل لتجاوز هذا الخلل، وتدارك هذا الانزلاق، وتوفير أعلى درجات التنسيق والتعاون الكفاحي من أجل عدم تمكين السياسة الأميركية من فرض سياسة الإذعان على شعوبنا ومن استرهان مستقبلها. لكن الطرف الفلسطيني المفاوض، بدل تجاوبه مع هذه الجهود، كان يبدي استجابة غير مبررة للضغوط الأميركية نالت من عوامل القوة الذاتية في الموقف الفلسطيني وأضعفتها، وشجعت الإدارة الأميركية على الإمعان في ممارسة الابتزاز على مختلف جبهات عناصر الحل، سواء في المفاوضات الثنائية أو في المفاوضات المتعددة الأطراف. ومع ذلك، وعلى الرغم من أهميتها القصوى، فإن المحاور الرئيسية للمستقبل الفلسطيني تبقى تلك الخاصة بساحة العمل الوطني وكيفية إدارة الصراع.
غياب الديمقراطية
ويبقى غياب الديمقراطية في التعامل مع القضايا المصيرية أحد أهم مظاهر الخلل في الموقف الفلسطيني الرسمي، الأمر الذي يُسقط – في حال عدم تجاوز هذا الخلل – إمكان توفير استراتيجية واضحة ومعروفة، لا فيما يتعلق بالعملية التفاوضية الدائرة فحسب، بل – وهو الأهم – في اتجاه العلاقات الوطنية الفلسطينية. فحالة الانقسام السياسي في صفوف الحركة الوطنية، الناجمة عن انخراط أحد أطرافها في العملية التفاوضية الجارية وعن الشروط الإسرائيلية والأميركية، هي التي تضعف، من دون شك، وحدة وتماسك الصف الوطني في النضال المناهض للاحتلال. وكان يمكن أن يؤدي الانقسام إلى نتائج مدمرة لو أنه تحوّل، كما كان يُراد له، إلى انشقاق عمودي في صفوف الحركة الوطنية، على قاعدة الموقف من العملية السياسية الحالية. وتبقى العلاقات الوطنية مهدَّدة، كما هددتها محاولات افتعال الفوضى والاقتتال الداخلي التي كان على رأس أسبابها الخلل الكبير في علاقة م. ت. ف. بجماهير الأراضي المحتلة والشتات كذلك، من غزة إلى الكويت مروراً بلبنان. وتسببت السياسة الرسمية على الصعيدين – الخارجي، لجهة العملية السياسية، والداخلي، لجهة العلاقة بين أطراف الحركة الوطنية – بإحداث مأزق حقيقي لا تزال آثاره قائمة حتى الآن، ولا تزال الحاجة إلى إجراء معالجة جدية قائمة أيضاً. ويقف في طليعة هذه الإجراءات مغادرة جميع الفرقاء مواقعهم التي يتمترسون خلفها، وعدم الاكتفاء بتأييد هذا الموقف أو رفضه، أو الركون إلى أن العملية التفاوضية تسير، أو أنها تتعثر ومآلها الفشل؛ إذ إن هذه المواقف جميعها تقود إلى تعميق المأزق، ولا تساعد في تجاوزه.
إسرائيل والمفاوضات
في هذا الوقت بالذات، تتصاعد آلة القمع الإسرائيلية ويتصاعد الاستيطان والنشاطات الاستيطانية، وتبقى إسرائيل غير شاعرة بأن خطراً يتهددها وبأن السلام خيارها. بل إنها، في ظلّ الأجواء العالمية الجديدة وبعد تدفق الهجرة الروسية نحوها، تشعر بالأمن والأمان، وتشعر بأن أوضاعها أفضل من أي وقت مضى. وقد طلبت إسرائيل، وسعت، وأنجزت "سلاماً" مع مصر، عندما كان الخطر يتهددها، وأعادت "الأرض في مقابل السلام". أما اليوم فإن "السلام" الذي يعرضه العرب عليها "رخيص" ولا يمكن مقايضته بالأرض، لأنه معزول عن كامل التهديد الذي يجب أن يكون كافياً في صلبه حتى يكون غالياً ويستوجب مقايضته. وهي – إسرائيل – تدير المفاوضات مع جميع الأطراف العربية من الوضع النموذجي الأمثل للتفاوض، إذ إنها فرضت إرادتها بقوة السلاح على أرض الواقع، ونجحت في الوقت نفسه في كسب التأييد السياسي لموقفها على الساحة الدولية، وهو ما جعل كسب المعركة السياسية أمراً يسيراً عليها. وقد دخلت إسرائيل، بقيادة الليكود، عملية التفاوض من دون أن يكون لديها نية التوصل إلى حل للصراع، بل كانت تهدف إلى الدعاية، وتحسين صورتها، والظهور بمظهر المحب للسلام، إلى جانب كسب الوقت، وربما إرجاء استخدام القوة على الجبهة السورية. وقد تبيّن على مدى العام الفائت أن إسرائيل تستخدم العملية التفاوضية من أجل الوصول إلى شيء واحد هو الفوز، عن طريق إخضاع الجانب الفلسطيني والحصول منه على امتيازات وعدم تقديم أية تنازلات، والهدف تعزيز مكانة إسرائيل وقوتها في الساحتين العربية والدولية، الأمر الذي يؤمن الفوز على جبهة الجانب السوري أيضاً. كما لاحظنا كيف أن إسرائيل لا تركز على كنه الصراع لكنها تركز على الطرف المفاوض في محاولة للتأثير في سلوكه وتوجيهه، حتى أن الإسرائيليين حاولوا تقديم النصح والإرشاد، والظهور بمظهر الحريص على مصلحة الشعب الفلسطيني، وعبّروا عن ذلك صراحة في الأيام الأخيرة من الجولة السابعة التي انتهت في الأول من تشرين الثاني/ نوفمبر.
الانتخابات الإسرائيلية ورابين
"لم تحظ أية من الانتخابات التي شهدتها إسرائيل باهتمام الدولي والإقليمي بمثل ما حظيت به انتخابات الكنيست الثالث عشر التي جرت في حزيران/يونيو الماضي. ويرجع ذلك إلى الارتباط الوثيق بين مستقبل عملية السلام في المنطقة ونتائج هذه الانتخابات." فقد جهد الإعلام الغربي، ومعه الإعلام العربي الموجّه، في محاولة اختراق الشارع الفلسطيني بهدف إحداث الوهم لديه بأن مجرد حدوث تغيير في الحكومة الإسرائيلية، تنحية الليكود، صاحب السياسات المتعنتة والمتصلبة والأيديولوجية الضيقة الممجوجة، عن الحكم، يُعدُّ في حد ذاته تطوراً بالغ الأهمية، ويمهد الطريق أمام مشروع السلام الأميركي، الأمر الذي يستدعي التساهل مع حكومة رابين الجديدة، وذلك من دون التدقيق في نياتها ومن دون ضمان انصياع رابين لقرارات الشرعية الدولية. لقد بيّن رابين بكثير من الوضوح التواصل في السياسة الإسرائيلية بين حزب العمل وحزب الليكود، ورسوخ أصول هذه السياسة في العقيدة الصهيونية، ويتجلى ذلك في الإبقاء على حالة المراوحة في المكان، وعدم التقدم، والبقاء في مواجهة الطريق المسدود.
ورثت إسرائيل، بقيادة حزب العمل، أزمات اجتماعية واقتصادية حادة عن حزب الليكود، تمثلت في:
- الركود الاقتصادي؛
- تراجع الاستثمارات الأجنبية والمحلية؛
- ازدياد معدل البطالة؛
- تفاقم الصراعات الاجتماعية في ظل عدم القدرة على استيعاب الهجرة الحديثة. وحتى تستطيع الحكومة الجديدة معالجة بعض هذه الأزمات، كان يكفيها فتح ملف اتفاق التعاون الاستراتيجي الذي يربطها بالولايات المتحدة، وبخاصة بعد أن استطاعت هذه الحكومة تنحية شمير والليكود عن سدة الحكم في إسرائيل، فضمنت:
1- وضع التفوق العسكري المطلق على جدول الأعمال.
- الحصول على ضمانات القروض المصرفية التي لا يقف أثرها عند العشرة مليارات من الدولارات، وإنما يتجاوز ذلك، باعتبار أن هذه القروض تيسر نيل ضمانات وقروض إضافية من أوروبا الغربية، وبخاصة من ألمانيا، ومن اليابان أيضاً. وتعتبر هذه الضمانات ضرورية ومهمة؛ فضمانات القروض المصرفية الأميركية تؤمن المداخل الملائمة للتغلب على الأزمات الاجتماعية والاقتصادية الراهنة في إسرائيل. وضمانات ألمانيا واليابان تتيح لها تكثيف الاستيطان والنشاطات الاستيطانية في ظل حالة انتعاش ونمو في اقتصادها الوطني، أي أن بناء 11 ألف وحدة سكنية في الضفة الغربية لن يكون على حساب الاقتصاد، ولا على حساب الانتعاش والنمو.
لقد طال انتظار المفاوض الفلسطيني لجولة المفاوضات السادسة في واشنطن، والتي كانت الأولى بعد أن تسلّم يتسحاق رابين مهمات منصبه على رأس الحكومة الإسرائيلية، وبعد أن أُسقط يتسحاق شمير. حتى أن بعض الفلسطينيين ذهب إلى القول أن المفاوضات الجدية والحقيقية قد بدأت مع هذه الجولة، وأن ما حدث من قبل كان مجرد "مضيعة للوقت"، حيث أن السمة الرئيسية للجولات الخمس السابقة كانت الإغراق في القضايا الإجرائية. صحيح أن العهد الجديد لا يريد "تفجير" عملية التفاوض، والصحيح أيضاً أنه لا يريد أن ينزل عن موقف ما فوق الحد الأقصى، عندها أيقن الطرف الفلسطيني المفاوض أن التوصل إلى حل وسط بقي في عداد الأمور الصعبة المنال. فعاد إلى الحديث عن الطريق المسدود الذي وصلت المفاوضات إليه. وجاء انعقاد المجلس المركزي في أواسط تشرين الأول/ أكتوبر الماضي فرصة للطرف الفلسطيني المفاوض، الذي أُسقط في يده، ليجعل من اجتماع المجلس منبراً لمواصلة التبرير البائس للسياسة التي انتهجها منذ بدء جولات بيكر في المنطقة حتى الآن. وذلك من دون انتهاز المناسبة لملامسة قضايا الوحدة الوطنية، ومن دون وضع اليد على الأسباب الصحيحة لحالة الانقسام الحالي، والتلميح إلى مسؤولية الآخرين عن ذلك. ولم نسمع أكثر من "استصراخ الضمائر من أجل وضع حد للفوضى والانقسام" و"المناشدة بالتمسك بالوحدة الوطنية" من دون إغفال الغمز من جانب "المعارضة" ومطالبتها بأن تكون "بناءة" ضمن إطار العمل العام، مع عدم إخفاء النظرة الاستخدامية لدورها. نحن نعتقد أن المشاركة في العملية التفاوضية لا تعني في حد ذاتها التخلي عن الأهداف والحقوق الوطنية، لكن الصحيح أيضاً أن المشاركة بالشروط التي باتت معروفة تملي مساراً محدداً لعملية التفاوض لا تقود في حال الإمعان فيه سوى إلى قبول الحل والاستسلام له، وهو الحل الذي يتجاهل الحقوق الوطنية في حدها الأدنى. فالادعاء أن أي تنازل لم يحدث لا يمكن اعتباره إلا ديماغوجية ومحاولة للتضليل.
المرحلة الانتقالية
هي المرحلة التي تتوسط مرحلتين: الأولى هي الوضع القائم، والثانية هي المرحلة الدائمة أو النهائية. والوضع القائم هو نتيجة تراكم فعل السياسة الإسرائيلية على مدى 25 عاماً من الاحتلال للضفة الغربية والقدس وقطاع غزة. وبهدف خلق وقائع على الأرض، أجرى الاحتلال تغييرات جغرافية واقتصادية وديموغرافية وسياسية واجتماعية. لكن ما هي الأسس والضوابط التي تضمن للمرحلة الانتقالية أن تكون كذلك؟ ما هي الأسس والثوابت التي توفرها حتى نستطيع أن نبني عليها لضمان الوصول إلى ممارسة حق تقرير المصير والسيادة؟ما هي آليات الترابط التي يجب اعتمادها بين المرحلة الانتقالية والمرحلة النهائية؟ وأخيراً ما هي العناصر التي تتوفر في المشروع الصهيوني للمرحلة الانتقالية، والتي تضمن الوصول إلى الاستقلال؟
ولد المشروع الفلسطيني للفترة الانتقالية تعبيراً عن الانضباط لقوانين العملية التفاوضية والأسس التي تستند إليها في رسالة الدعوة إلى مؤتمر مدريد ورسالة الدعوة إلى مفاوضات واشنطن (التي تستبعد كل البنود والمسائل التي لا تبدي إسرائيل استعداداً للبحث فيها على طاولة المفاوضات). فبعد قبول الطرف الفلسطيني المفاوض التخلّي عن وحدة الشعب ووحدة حقوقه الوطنية المشروعة، دخل الوفد مأزق التسليم المسبق بإطار كامب ديفيد كأساس وسقف للتسوية السياسية، التي تقوم على التعامل مع الشعب الفلسطيني بوصفه أقليات سكانية لها الحكم الذاتي في الضفة والقطاع، والتوطين للاجئين في البلاد العربية والأجنبية بدلاً من العودة. وهكذا، بقيت المفاوضات الفلسطينية – الإسرائيلية محصورة في مشروع الحكم الذاتي من دون الربط بين مراحل الحل، ومن دون الربط بين مسارات المفاوضات الثنائية والمتعددة، ومن دون ربطها بأفق مرئي للحل النهائي.
إن المشروع الفلسطيني للمرحلة الانتقالية يشكل تراجعاً في هدفه العام وفي تفصيلاته عن المشروع الذي تقدم الطرف الفلسطيني به في نهاية الجولة الرابعة: إذ جاء المشروع الراهن ليتجاهل قرارات المجالس الوطنية الفلسطينية وقرارات الشرعية الدولية. وهو يتجاهل الحاجة إلى موقف واضح لا غموض فيه بشأن ترابط مراحل الحل في تنفيذ القرار رقم 242، وإلى موقف واضح لا لبس فيه بشأن القدس والمستوطنات، ليطرح صيغاً عامة بالنسبة إلى القدس وصيغاً سيئة بالنسبة إلى المستوطنات، ويغفل وجود المستوطنين إغفالاً تاماً.
إن مقدمة المشروع تستخدم ألفاظاً مقتضبة تفسح في المجال، وتؤدي إلى تفسيرات مختلفة ذات آثار بعيدة المدى. فهي لا تحتوي على القول الصريح والواضح بحق الفلسطينيين في تقرير مصيرهم، بل تعنى بالتعبير عن رغبة الطرفين في التوصل سريعاً إلى اتفاق في شأن الترتيبات لحكومة ذاتية انتقالية، كما نصت عليها رسالة الدعوة إلى مؤتمر مدريد للسلام، علماً بأنه جاء أيضاً في رسالة الدعوة تلك، تأكيد راعيي المؤتمر "أن فرصة تاريخية قائمة فعلاً لدفع الإمكانات قدماً من أجل سلام حقيقي وتحقيق تسوية سلمية شاملة ودائمة وعادلة." وعليه، كان الأجدى للمشروع، وانسجاماً مع هذا الإعلان الدولي وقبل دخول مفهوم الترتيبات الانتقالية، أن يحدِّد هدف عملية السلام من المنظور الفلسطيني الذي يستفيد من هذا الإعلان، والتشديد على أن هدف هذه العملية تطبيق قرارات الشرعية الدولية القاضية بانسحاب إسرائيل من الأراضي التي احتلتها خلال حرب سنة 1967، وإبراز الربط بين المرحلة الانتقالية والمرحلة النهائية الدائمة، التي تبدأ بالانسحاب الإسرائيلي الكامل من جميع أراضي الضفة الغربية وقطاع غزة والقدس، وتوضيح أن السلام يتأسس على القواعد القانونية الواردة في ميثاق الأمم المتحدة.
لكن المشروع الفلسطيني يتحدث في البند الرابع عن انسحاب الحكومة العسكرية الإسرائيلية وقواتها بالقول: "ستنسحب القوات المسلحة، ويتم إعادة انتشارها في مواقع أمنية متفق عليها." وعليه، فإننا نلاحظ ما يلي:
1) تأجيل إدراج تطبيق قرار مجلس الأمن الدولي رقم 242 على الضفة الغربية وقطاع غزة.
2) ثبات القوات المسلحة متمركزة في الضفة وغزة.
3) تلزم سلطة حكم الذات نفسها بقبول وجود هذه القوات على أراضيها.
4) بقاء الاحتلال وإضفاء الشرعية عليه.
أما البند الخامس، الخاص بالقدس، فإنه يحمل تناقضاً صارخاً؛ ففي الوقت الذي يدّعي المشروع سريان الاتفاق على القدس الشرقية، فإن هذا البند يضع مدينة القدس خارج المفاوضات، علماً بأن إسرائيل ضمّت المدينة إليها رسمياً منذ بداية احتلالها للضفة، وقامت بتغييرات جوهرية باتجاه طمس معالمها، وتهويدها، وتغيير تكوينها الديموغرافي، ومحاصرتها بالمستوطنات من جميع الجهات، لا لمنع توسعها فحسب، بل لإلحاق أحيائها إدارياً بهذه المستوطنات. فإذا لم يكن اليوم، فكيف ومتى يمكن تخليص القدس وإخراجها من براثن القوانين والجيوب الاستيطانية في داخلها والقلاع من حولها؟!
وفي البند السابع، يتناول المشروع الفلسطيني من يسميهم "المرحَّلين والمبعدين" عن الأرض الفلسطينية المحتلة، وهنا نلاحظ ما يلي:
1) يقر المشروع الفلسطيني لإسرائيل بالسيادة على الأرض.
2) يدور المشروع حول موضوع اللاجئين، ولا يدخل صلبه. وهذا يفتح المجال واسعاً أمام تقسيمات قسرية للاجئين الفلسطينيين، الأمر الذي يدعم وجهة النظر التي تحاول إيجاد حلول منفصلة ومتمايزة لهذه التقسيمات المصطنعة.
3) إن قضية اللاجئين جزء لا يتجزأ من القضية الفلسطينية، وينبغي حلها على قاعدة قرارات الشرعية الدولية، وبخاصة القرار رقم 194، الذي يحظى بإجماع دولي، ويضمن حق اللاجئين في العودة إلى ديارهم ووجوب دفع تعويضات عن ممتلكات الذين يقررون عدم العودة.
4) يتجنب المشروع تعريف المرحلين والمبعدين، فمن هم؟ ومنذ متى بدأ الترحيل والإبعاد؟ هل يقصد المشروع الفلسطيني أولئك الذين قصدهم اتفاق كامب ديفيد؟ أي "الذين اضطروا إلى الرحيل عن الضفة وغزة سنة 1967"، فكيف نضمن عودة مئات آلاف اللاجئين والمبعدين منذ سنة 1967، أي طوال أعوام الاحتلال لا خلال عام واحد فقط؟
إن قضية الفلسطينيين اللاجئين في بلاد اللجوء والشتات هي لب القضية الفلسطينية وجوهرها، وهي ليست "عبئاً" على النضال الوطني، وهي بالتأكيد ليست "تطرفاً" يثير حساسية الطرف الآخر. إن بقاء قضية اللاجئين بلا حل حقيقي يضمن حماية حقوقهم وصونها سيكون العامل الذي يفجّر المفاوضات اياً تكن الدرجة التي وصلت إليها مع هذا الطرف أو ذاك.
وإذا كان صحيحاً أن "جانباً مهماً من المعارك السياسية الحقيقية يدور داخل قاعة المفاوضات"، فيجب أن يعمل المفاوض الفلسطيني على إرساء المفاوضات الجارية على قاعدة قرارات الشرعية الدولية لتكون المرجعية السياسية والحقوقية للمفاوضات الثنائية والمتعددة سواء بسواء، وهو ما يضمن حق شعبنا في العودة وفي تقرير المصير، ويؤمن مصالح وأمن شعوب المنطقة وفي مقدمة شعب فلسطين. وعكس ذلك سيقود إلى مفرق طرق خطر يهدد وحدة الشعب ويهدد قضيته السياسية والوطنية، ويوفر بالتالي قاعدة لديمومة الاحتلال وعدم إمكان إحلال سلام، سوى السلام القائم على التطبيع بقوة الجيوش.