ينتمي هذا الكتاب إلى حقل الدراسات المدينية، ويتركز مضمونه على الآثار التي تركتها السياسة الكولونيالية البريطانية في السكان العرب. ويمكن التدليل على بعض هذه الآثار بالمثال التالي: في بداية الانتداب البريطاني كان اليهود يشكلون ثُمن مجموع سكان حيفا، أمّا في نهاية فترة الانتداب فقد ازداد عددهم إلى أكثر من نصف مجموع السكان. وجاءت هذه الزيادة من الحماية البريطانية للهجرة اليهودية غير المشروعة، ورعايتها توطين اليهود في فلسطين.
يغطي هذا الكتاب، بدقة، تطور مدينة حيفا ديموغرافياً واقتصادياً وصناعياً واستراتيجياً في العقدين الفاصلين بين نهاية الحرب العالمية الأولى وعشية الحرب العالمية الثانية. ويستمد معلوماته من سلسلة غير عادية من المصادر الرسمية وغير الرسمية، البريطانية والصهيونية، فضلاً عن عدد من المقابلات مع أشخاص عاشوا في حيفا وهم اليوم منتشرون في دول متعددة.
وتتقصى المؤلفة التحولات التي طرأت على حيفا خلال هذه الفترة، ولا سيما التحولات السياسية لدى السكان العرب والعلاقات بين النخب السياسية والتجارية من جهة، وبين الفئات الاجتماعية الأُخرى للفلسطينيين، كالقرويين الذين اجتذبتهم المدينة إلى مصالحها ومرفئها ومرافقها، من جهة أُخرى. وفي الكتاب، أيضاً، ملحق مثير عن أفراد من عائلات حيفا الرئيسية، مسيحية وإسلامية، أصبح بعضهم الآن في عداد الموتى وتفرق بعضهم الآخر في بقاع الأرض.