The Israeli Project for a Regional Order
Keywords: 
إسرائيل
السياسة الاقتصادية
النزاع العربي - الإسرائيلي-1993-
سياسة إسرائيل في الشرق الأوسط
السلام
Full text: 

أعطى انعقاد مؤتمر مدريد للسلام في الشرق الأوسط وبدء المفاوضات الفلسطينية – الإسرائيلية والعربية – الإسرائيلية، بشقيها الثنائي والمتعدد الأطراف، بعداً سياسياً راهناً لضرورة إضاءة مضمون وأبعاد رؤية إسرائيل للمنطقة في ظل "السلام" (أو "التسوية" التي تسعى إسرائيل للتوصل إليها مع الدول العربية). وجاءت الاتفاقات بين إسرائيل ومنظمة التحرير الفلسطينية ومعاهدة السلام بين إسرائيل والأردن والاتفاقات الاقتصادية اللاحقة ، وتواصل المفاوضات مع سوريا ولبنان، ومواصلة اجتماعات اللجان المتعددة الأطراف، وبدء أشكال ومستويات مختلفة من العلاقات السياسية والدبلوماسية والاقتصادية بين إسرائيل وعدد من الدول العربية، لتضع مشروع إسرائيل لنظام إقليمي جديد في جدول أعمال النقاش اليومي في المنطقة.

على أية خلفية ينهض التصور الإسرائيلي لمستقبل المنطقة في ظل "السلام" العربي – الإسرائيلي، وما هي مكوناته الأبرز وماذا يتطلب من ترتيبات وعلى أية إمكانات واستراتيجيات يعتمد؟

وفي ضوء التدقيق في نشأة وظروف ومكونات التصور الإسرائيلي للنظام الإقليمي ووظائفه النظرية والفعلية، يمكن طرح الملاحظات التالية: 

أولاً: تأريخية المشروع الإقليمي الإسرائيلي

  • حكم رؤية إسرائيل لموقعها ودورها في المنطقة تاريخ محدد، هو تاريخ الصراع العربي – الإسرائيلي، والصراع الفلسطيني – الإسرائيلي، وقبل ذلك الصراع مع الحركة الصهيونية الاستيطانية نفسها ومع السيطرة الكولونيالية البريطانية. وهو تاريخ ما زال يحتفظ بتأثيراته القوية والمباشرة في ضوغ تلك الرؤية. ولذا نجد تاريخ الصراع هذا يصبغ المفاصل الرئيسية لرؤية إسرائيل للتسوية بمكوناتها السياسية والاقتصادية والأمنية والأيديولوجية، كما انعكست تأثيراته على إدارتها للمفاوضات الثنائية والمفاوضات المتعددة الأطراف. ولعل هذا التأثير يبرز أكثر ما يبرز في الشروط والقيود والممارسات التي تعتمدها إسرائيل لمنع قيام دولة فلسطينية، وحجب الشعب الفلسطيني عن ممارسة حقة في تقرير المصير والعودة، وتأجيل بت القضايا الأساسية المتعلقة بالسيادة على الأرض، ومصير القدس والمستوطنات والحدود وقضية اللاجئين، مراهنة في ذلك على إحراز المزيد من الخلل في ميزان القوى، وإحداث تغييرات على أرض الواقع. ويبرز كذلك في الترتيبات الأمنية التي تشترطها في تسوياتها الثنائية. ومن هنا تأتي أهمية البعد الأمني في اتفاق السلام الإسرائيلي – المصري، واتفاق "إعلان المبادئ" وما تبعه من اتفاقات تفصيلية، وفي الاتفاق مع الأردن، والمشاريع الإسرائيلية المطروحة على كل من سوريا ولبنان. كما نجده في طروحات إسرائيل الأمنية والإقليمية. وتظهر آثاره في التصورات الإسرائيلية لنطاق وطبيعة العلاقات الاقتصادية المستقبلية في المنطقة.

ومن الأمثلة البارزة لهيمنة الشأن الأمني (بمعناه الضيق القائم على مفهوم "السيطرة العسكرية") في رؤية إسرائيل لعلاقاتها بمحيطها العربي، تعاطيها مع عملية "إعادة انتشار" قواتها خارج المناطق الآهلة – والمنصوص عليها في اتفاق "إعلان المبادئ" الموقع بينها وبين منظمة التحرير الفلسطينية – من الضفة الغربية باعتبارها عملية أمنية بحت؛ أي من زاوية انعكاسات هذا الانسحاب على أمن مستوطنيها، لا من زاوية تنفيذ مشروع "سلام" يقوم على الانسحاب من الضفة الغربية والقطاع ووقف بناء المستوطنات وتفكيك المبنى منها، والإقرار بحق الفلسطينيين في السيادة وبناء مؤسساتهم وفق إرادتهم الحرة. وفي النظرة ذاتها التي حكمت موقفها في المفاوضات بشأن انسحابها من الجولان وجنوب لبنان، والتي تقف وراء رفضها الانضمام إلى معاهدة منع انتشار الأسلحة النووية.

ولذا يصعب العثور، خارج بعض التصريحات المقتضبة وذات الصيغة العمومية والسياقات الآنية أو الاعتبارات الدعاوية المحضة، على تصورات إسرائيلية تضع "سيناريوهات سلام" مستقبلية للمنطقة قبل اتفاق كامب ديفيد. ومن الطبيعي أن يكون اتفاق السلام المصري – الإسرائيلي المبرم سنة 1979 قد ولّد داخل إسرائيل إمكانات فتح آفاق علاقات "تطبيعية" كاملة لا مع مصر فحسب، بل أيضاً مع عدد من الدول العربية الأخرى، وشكل المناخ السياسي الذي تركه اتفاق كامب ديفيد داخل إسرائيل الأرضية لنشوء اهتمام مؤسساتي أكاديمي وقيادي سياسي إسرائيلي في البحث في أشكال ونطاق التعاون الاقتصادي بينها وبين الدول العربية (وبالتحديد دول الطوق العربي). وسيطرت نظرية (مستقاة من قراءة سطحية للتجربة الأوروبية الغربية) بين أوساط "الإنتليجنسيا" الإسرائيلية (ربما في أوساط بيروقراطية الأحزاب "العمالية" الإسرائيلية، وفئات من التكنوقرا) مفادها أنه بقدر ما تتكثف علاقات "التعاون الاقتصاد" (حتى قبل التسوية السياسية) يتوطد "السلام" وتصبح "الحرب حالة غير قابلة للتصور".

 بقي الاهتمام الإسرائيلي "المؤسساتي" طوال الثمانينات منصبّاً على صوغ مشاريع للتعامن الاقتصادي الإسرائيلي – العربي. ووضعت المؤسسات الاسرائيلية المتخصصة عشرات الأبحاث التي تناولت مشاريع لأنشطة اقتصادية إسرائيلية – عربية مختلفة. لكن تلك المشاريع بقيت من دون نسق محدد أو إطار جامع (خارج نظرية أن التعاون الاقتصادي يوطد السلام)، إلى أن قام جناح من قيادة حزب العمل الإسرائيلي بوضع "عملية السلام والتعاون الاقتصادي" في إطار مشروع بناء نظام إقليمي جديد. وكان أفضل من عبّر عن هذا المشروع وتولى التنظير والترويج له وزير الخارجية الإسرائيلي شمعون بيرس، ونائبه يوسي بيلين. وقد شرح الأول مشروعه لإقامة نظام إقليمي في كتاب صدر في خريف سنة 1993 بعنوان "الشرق الأوسط الجديد" * ووضع الآخر كراساً بعنوان "رؤيا للشرق الأوسط" ** في أواخر السنة نفسها، تبنى فيه مشروع بيرس رسمياً، وطرحه موجّهاً للسياسة الإسرائيلية الخاصة بالعلاقات الإقليمية في المحادثات المتعددة الأطراف المتفرعة من مؤتمر مدريد.

لكن انتقال تصور إسرائيل لعلاقاتها الإقليمية من تصور يختزل عملية "السلام" إلى عملية توليد مصالح اقتصادية متبادلة، إلى تصور يربط إرساء "السلام" في المنطقة بعملية تأسيس نظام إقليمي جديد فيها، بدأ التبلور مع بدء المفاوضات العربية – الإسرائيلية وتطورها. وفي مفاوضات قامت على أرضية متغيرات إقليمية ودولية ذات سمات انعطافية وبُعد استراتيجي: حرب الخليج الثانية ونتائجها المتفاعلة في مجمل النظام الإقليمي العربي؛ تفكك الاتحاد السوفياتي وانهياره، وانتهاء الحرب الباردة ونتائج ذلك على واقع النظام الدولي؛ متغيرات محلية، شكلت الانتفاضة الشعبية في الضفة الغربية وقطاع غزة أبرز عناوينها على صعيد الصراع الفلسطيني – الإسرائيلي وشكّلت عودة حزب العمل الإسرائيلي إلى السلطة أبرز عناوينها على الصعيد الإسرائيلي. 

ثانياً: جوهر مشروع إسرائيل الإقليمي

  • تكفي نظرة سريعة إلى مشروع "الشرق الأوسط الجديد" الذي طرحه بيرس وآخرون لإدراك أنه مشروع لا يتوقف عند حدود إقامة "سوق شرق أوسطية"، بل هو في صيغته الإسرائيلية المتداولة مشروع لتأسيس نظام إقليمي جديد؛ مشروع يجد هدفه النهائي "في إنشاء مجموعة إقليمية من الأمم لها سوق مشتركة وهيئات مركزية منتخبة تتشكل وفق نموذج المجموعة الأوروبية"، على حد تعبير بيرس. وتأكيداً لذلك، فإن المشروع يتضمن إقامة نظام أمني إقليمي يتولى مهمة "تثبيت النظام السياسي الجديد في المنطقة على أرضية صلبة." كما تيرافق تنفيذ المشروع مع بناء هيكل متكامل من الهيئات واللجان الإقليمية والمشتركة الفنية والاختصاصية والاقتصادية والتنسيقية، إلخ.أي أن تنفيذ المشروع يستدعي إقامة بنية أو بنى تنظيمية ترسم حدود النظام الإقليمي المقترح وتحدد وظائفه وتتوسع بتوسعه. ولذا فإن المشروع الإسرائيلي ينطوي على مراحل زمنية وسياسية – تنظيمية. فعلى سبيل المثال، يطرح بيرس تطبيق التسوية العربية – الإسرائيلية على مرحلتين: تنتهي الأولى بعقد اتفاقات سلام ثنائية (بين إسرائيل وكل دولة عربية على حدة) من خلال المفاوضات الثنائية؛ وتنتهي الأخرى بتطبيع العلاقات الإسرائيلية – العربية من خلال المفاوضات المتعددة الأطراف بصورة رئيسية. وتدخل عملية التطبيع في المشروع الإسرائيلي باعتبارها شرطاً ضرورياً لبناء النظام الإقليمي الجديد. كما ينطوي المشروع على تشييد اقتصادر إقليمي عبر ثلاث مراحل تتمثل في: 1) إقامة مشاريع تعاون مشتركة ثنائية ومتعددة الأطراف؛ 2) إشراك مؤسسات دولية في إنجاز مشاريع تتطلب استثمارات رأسمالية ضخمة؛ 3) صوغ سياسة اقتصادية للمجموعة الإقليمية الشرق الأوسطية تترافق مع إقامة مؤسسات إقليمية رسمية وتطويرها.

إن كون المشروع الإقليمي الإسرائيلي ينظر إلى شرق أوسط يتشكل كنظام سياسي – اقتصادي – أمني متكامل لا يعني، بالضرورة، تهميشاً للبعد الاقتصادي للمشروع؛ فالتصور المذكور يعطي أهمية بالغة لعملية إعادة تنظيم الشرق الأوسط كوحدة اقتصادية عبر توليد "تغييرات أساسية في اقتصادياتها، بكل ما يستدعيه ذلك من إقامة مشاريع مشتركة، وبناء محطات طاقة وتحلية مياه،وتأسيس بنية تحتية من المواصلات والاتصالات، وتطوير الزراعة والصناعة والسياحة، وفتح الحدود وتشجيع المنافسة." وقد يكون لإبراز الجوانب الاقتصادية والتجارية والمالية، والحديث الدائم عن مشاريع مشتركة، والاستثمارات المحلية والأجنبية، والحدود المفتوحة لـ "البضائع والأشخاص والأفكار والتكنولوجيا"، حيثيات ووظائف معينة (بغض النظر عن توفر وعي لهذه الحيثيات والوظائف أو غياب هذه الوعي)، منها: تسويق "السلام"، لا باعتباره أمراً فاصلاً بين مرحلتين سياسيتين في الأساس فحسب، بل باعتباره أمراً فاصلاً بين مرحلتين اقتصاديتين كذلك، وإذا كان صحيحاً اعتبار "السلام" (التسوية السياسية) أمراً فاصلاً بين مرحلتين تاريخيتين فإنه ليس هناك ما يجعل ذلك بالضرورة، أمراً فاصلاً على الصعيد الاقتصادي. إذاً، هناك تدخل "أيديولوجي" لتمرير واقع "سلام" سياسي ممكن بغلاف "رخاء" اقتصادي مرتقب.

إن عملية الترويج لمقولة السلام الذي يجلب الرخاء والتنمية لا تقتصر على  الطرف الإسرائيلي ولا على مؤسسات أكاديمية أميركية ولا على مؤسسات دولية، وإن تباينت أشكال هذا الترويج ولغته والجمهور الذي يخاطبه. فقد جرى الاحتفال الرسمي بتلك المقولة في المؤتمر الذي دعت الولايات المتحدة إليه بعد توقيع اتفاق "إعلان المبادئ" بين إسرائيل ومنظمة التحرير بفترة قصيرة، تحت شعار تأمين مساعدات مالية لتنمية مناطق الحكم الذاتي الفلسطيني. كما أعيد الاحتفال بالمقولة ذاتها في المؤتمر الاقتصادي العالمي للتنمية في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، الذي عقد في الدار البيضاء في أواخر تشرين الأول/أكتوبر 1994، وحضرته أغلبية دول المنطقة ومئات رجال الأعمال من دول المنطقة وخارجها، ونشطت الولايات المتحدة وإسرائيل، بالإضافة إلى الدولة المضيفة، في تنظيمه. ونجد المقولة المذكورة أيضاً تشغل حيزاً مهماً من أعمال بعض لجان عمل المفاوضات المتعددة الأطراف. كما نجد مشاركة بعض الأطراف العربية، على مستويات رسمية وغير رسمية، في تسويق مقولة أن "السلام" الإسرائيلي – العربي سيجلب الرخاء والازدهار.

المشكلة هنا ليست ما إذا كان لـ "السلام" منافع اقتصادية أم لا، فهذه قضية تخضع للتمحيص العلمي والتدقيق العياني لكل نشاط اقتصادي يصبح ممكناً بفعل "السلام". المشكلة تكمن في: أولاً، بأي مفهوم لـ "السلام" يجري الحديث (وهل هو "سلام" عادل ومتكافئ، أم تسوية مفروضة تقيدها علاقات قوة وهيمنة)؛ ثانياً: تسويق (بوعي أو من دون وعي، فهذا لا يغير شيئاً) "وهم" يتمثل في تصوير "السلام" فانوساً سحرياً سيعمم بمجرد حلوله الرخاء والازدهار في المنطقة، ويتلاشي، بمجرد تثبيته، معظم المشكلات الكثيرة والمتفاقمة التي يعيشها العالم العربي. لقد خبرت المنطقة نموذجاً لهذا الوضع عشية اتفاق كامب ديفيد، حيث شارك أكثر من طرف حينئذ في الترويج للمنافع التي سيهيلها السلام الآتي على مصر، ليتبين لاحقاً أن الواقع جاء مخالفاً لذلك تماماً، أن جذور المشكلات الاقتصادية والاجتماعية تكمن في مكان آخرـ وأن "السلام" يمكن أن يكون، في أحسن الأحوال، عاملاً مساعداً في حل المشكلات، إذا ما توفر له مضمون عادل ومتكافئ.

وفي الواقع، كان حزب الليكود، ولأسباب تخص برنامجه السياسي وأيديولوجيته الصهيونية اليمينية المتطرفة التي تعطي الأولوية للاعتبارات الاستيطانية والسيطرة على الأرض الفلسطينية، أقل من غيره داخل إسرائيل حماسة لمقولة السلام الجالب للازدهار، على الرغم من كونه الحزب الذي تولى عقد اتفاق السلام مع مصر. ولا شك في أن عدم امتلاك الحزب المذكور تصوراً لدور إقليمي متكامل لإسرائيل في مرحلة ما بعد التسوية السياسية أحد أسباب إحجامه عن الترويج لمقولة السلام المزدهر.

وخلافاً لمرحلة اتفاق كامب ديفيد، تتقدم إسرائيل، ممثلة بأطراف من حزب العمل، الصفوف في الترويج لمقولة أن السلام والتعاون الاقتصادي "سيدهنان منطقة الشرق الأوسط بالأخضر"، وسيعممان الرخاء والتنمية والازدهار. ولا يتردد خطاب السلام الإسرائيلي الرسمي، ولا المشروع الإسرائيلي للنظام الإقليمي الجديد، في اعتبار أن "مردود" السلام الاقتصادي سيشمل إسرائيل، وكذلك الدول المشاركة الأخرى في المنطقة. ويمكن تفسير هذا انطلاقاً من أنه لم يكن لدى إسرائيل، في أواخر الستينات ثم في أواخر السبعينات، مشروع السلام الإقليمي. فقد انصب جهدها، عندما طرح الرئيس السادات مبادرته خلال زيارته للقدس، على تحييد مصر وإخراجها من إطار الصراع العربي – الإسرائيلي، وبالتالي ترجيح موازين القوى الإقليمي لمصلحتها. ولذا، صعّد الليكود بعد اتفاق كامب ديفيد حروبه واعتداءاته على أطراف عربية عدة (م.ت.ف، لبنان، سوريا، العراق، تونس). كما أن إسرائيل، ممثلة بالليكود الحاكم آنذاك، دخلت المفاوضات العربية – الإسرائيلية التي افتُتحت في مدريد في خريف سنة 1991 من دون أن تملك تصوراً لمشروع إقليمي للسلام، وذلك على غرار ما فعلته في كامب ديفيد. فقد تلخص هدف الليكود من مشاركته في المفاوضات – كما كشف رئيس الحكومة الإسرائيلية السابق، يتسحاق شمير، بعد هزيمة حزبه في انتخابات الكنيست سنة 1992 – في إحباط تسوية سياسية تقوم على أساس مبدأ "الأرض في مقابل السلام" وقراري مجلس الأمن رقمي 242 و338، وفي كسب الوقت لإحداث وقائع جديدة على الأرض تغير الطابع الديموغرافي للمناطق المحتلة؛ وهذا هو مضمون شعار "السلام في مقابل السلام" الذي طرحة الليكود في مقابل شعار "الأرض في مقابل السلام". 

ثالثاً: مصادر دعم المشروع الإقليمي الإسرائيلي

(ج)      إن مشروع إقامة نظام إقليمي جديد لتجسيد تسوية الصراع العربي – الإسرائيلي مشروع صاغه وبلوره حزب العمل، وفي الأساس جناح داخل الحزب وإن حظي، بصورة متفاوتة ومتقلبة نسبياًـ بتأييد قوى وأحزاب أخرى، وربما فئات مهمة من بيروقراطية الدولة، وشرائح من التكنوقراط والبورجوازية الإسرائيلية. وهو مشروع ولد ونما، كما ذكرنا، في سياق تحولات ومتغيرات إقليمية ودولية مهمة.

إن هذا يعني أن الانطباع – الشائع في الكثير من الأدبيات العربية بشأن هذا الموضوع – الذي مفاده أن إسرائيل امتلكت عند تأسيسها، أو بعد مرحلة قصيرة منه، تصوراً متكاملاً لنظام إقليمي شرق أوسطي (أو مشروعاً للهيمنة الاقتصادية على المنطقة) عملت وفقة، لهو انطباع مغلوط فيه تماماً؛ فتصور إسرائيلي لنظام إقليمي جديد يمتلك مقومات خطة استراتيجية، هو وليد مرحلة تاريخية محددة، وهي مرحلة لم تستكمل معالمها وشروطها الرئيسية إلا في أواخر الثمانينات وبداية التسعينات. ومن الخطأ أيضاً التعامل مع المشروع الإسرائيلي لنظام إقليمي جديد كرسم تخطيطي جاهز ومهيأ للتطبيق التنفيذي، فهو ليس كذلك: أولاً، لأن جوانب مما يطرحه المشروع ذات طابع تجريبي؛ وثانياً، لأنه مشروع يعتمد في قيامه وتنفيذه على الأطراف العربية التي قد يكون لها تصورات أخرى أو قد تجد نفسها غير قادرة على تبني المخطط الإسرائيلي ذاته أو جوانب مهمة منه؛ وثالثاً، قد تجد إسرائيل نفسها بحاجة إلى إدخال تعديلات واسعة على مشروعها (لأسباب داخلية وخارجية أو للأسباب كلها مجتمعة)؛ رابعاً، قد تفرض تطورات وتعقيدات الواقع في حركته الفعلية مساراً مختلفاً عند بدء تطبيق المشروع الإسرائيلي على نطاق واسع، حتى إذا افترضنا موافقة الأطراف المعنية عليه؛ وتعقيدات الواقع في حركته الفعلية مساراً مختلفاً عند بدء تطبيق المشروع الإسرائيلي على نطاق واسع، حتى إذا افترضنا موافقة الأطراف المعنية عليه؛ وذلك لعوامل واعتبارات عدة، قد يكون من بينها غياب الاستثمارات الرأسمالية التي تعتمد أغلبية مشاريع إسرائيل الإقليمية عليها، وتنامي معارضة سياسية وشعبية واسعة لعملية "التطبيع" في الدول العربية المعنية، وتصاعد المعارضة داخل إسرائيل لانسحابات واسعة من الأراضي العربية؛ وخامساً، يبقى مشروع النظام الإقليمي المطروح من حزب العمل (أو من جناح نافذ فيه) مشروعاً معرضاً للطي إذا ما تغيرت السلطة في إسرائيل (عودة الليكود إلى الحكم، مثلاً)؛ وسادساً، هناك توتر بين عناصر مهمة من المشروع الإسرائيلي في صيغته المتداولة قد تأخذ شكلاً صراعياً أو تناقضياً في أوضاع معينة، وتحديداً بين العناصر التي تغلب الاعتبارات الاقتصادية وتلك التي تغلب الاعتبارات الأمنية أو الأيديولوجية. وقد رأينا هذه التوتر بوضوح في التطورات التي جرت بعد توقيع اتفاق أوسلو، حيث سعت إسرائيل للتنصل من تطبيق المرحلة الثانية من الاتفاق المذكور، انطلاقاً من اعتبارات أمنية (أمن "المستوطنين")، ولا سيما بعد العمليات الفدائية التي نفذتها "حماس"، و "الجهاد الإسلامي".

لكن الملاحظات السالفة لا تعني، ولا ينبغي أن تعني، تجاهل المشروع أو إهماله على أساس أن ليس له حظ في الحياة؛ والمشروع يملك مؤهلات وإمكانات تفرض التعاطي معه بجدية، أبرزها: 

  • السياسة الاقتصادية الليبرالية الجديدة

يستند مشروع "النظام الإقليمي الجديد" الإسرائيلي إلى برنامج ("أجندا") اقتصادي ينسجم تماماً مع برامج مراكز النظام الاقتصادي العالمي ومؤسساته المتنقذة (كالبنك الدولي وصندوق النقد الدولي). وهو برنامج يحمل الأيديولوجيا الاقتصادية الليبرالية بصيغها الجديدة وبجيمع ما يترتب عليها من "احتفال" والتزام باقتصاد "السوق الحرة" (الخصخصة، تحرير التجارة، تقليص دور الدولة في الاقتصاد، ..)، ومن تقبل لأشكال واسعة ومتسعة من اللامساواة في فرص ونوعية الحياة والدخل والثروة، ولأشكال واسعة من الاستغلال التي تطرح تحت شعارات تأمين البيئة الملائمة وتشجيع استثمارات ونمو رأس المال الخاص، وتقليص دور القطاع العام والدولة في الاقتصاد حتى الحدود الدنيا، بكل ما يمكن أن يترتب على ذلك من تقليص للديمقراطية الاجتماعية (بمعنى حق المواطن في التعليم والرعاية والصحية والاجتماعية والعمل ..) التي لا يعوّض عنها تبني بعض جوانب الديمقراطية السياسية الليبرالية. وهو برنامج ينسجم مع توجهات ومصالح رأس المال الدولي والشركات المتعددة الجنسيات. وقد تم تبنيه – خلال الثمانينات والنصف الأول من التسعينات – من قبل معظم دول المنطقة. 

  • السمة الاستراتيجية لمشروع إسرائيل الإقليمي

يهتم المشروع الإسرائيلي الإقليمي بصوغ تصور لمرحلة تاريخية جديدة لا بتحديد متطلبات لحظة سياسية عابرة أو فترة انتقالية. ومن هنا يطرح المشروع التدرج في مختلف مجالات ومستويات العلاقات السياسية والدبلوماسية، إضافة إلى العلاقات والمشاريع الاقتصادية والتجارية والمالية.وهذا يعني أن المشروع ليس مطروحاً للتنفيذ دفعة واحدة ولا بالوتائر ذاتها على مختلف المستويات؛ فهو قابل لأن يسير بسرعة مع طرف وببطء مع طرف آخر، وأن يدخل تطبيعاً سياسياً كاملاً مع طرف، وعلاقة دبلوماسية ثانوية بطرف ثان، وبلا علاقات رسمية بطرف ثالث في آن معاً. وهذا يسري في المجالات الاقتصادية والأمنية والدبلوماسية. ولذا، لن يكون الحكم على نجاح المشروع الإسرائيلي أو فشله (وفق ما قد يدخل عليه من تعديلات تمليها متغيرات الواقع) ممكناً استناداً إلى مراقبة نشاط محدد في لحظة زمنية معينة فحسب، بل إن ذلك يتطلب النظر إلى مجموعة من الأنشطة والعلاقات والفعاليات وتطورها على مدار مرحلة كاملة قد تتجاوز عقداً من الزمن.1

وإذا وضعنا الأجواء الدعاوية التسويقية، التي رافقت إعلان مشروع "النظام الإقليمي الجديد"، جانباً، فلا يتوقع تلمس تأثيرات مهمة في الاقتصاديات العربية قبل مضي أعوام عدة. ويعود ذلك إلى أسباب وعوامل كثيرة، يتعلق جزء منها بطبيعة المشاريع الاقتصادية المطروحة والخاصة بالبنية التحتية والتي يتطلب إنجازها أعواماً طويلة وتأميناً لرؤوس أموال كبيرة بالمقاييس المحلية والإقليمية؛ كما لا يتوقع، في المدى القصير على الأقل، أن يتم خفض المصروفات العسكرية وإن خُفضت حجوم القوات المسلحة، وذلك بسبب التكلفة العالية لعملية التجديد المطلوبة دورياً لأنظمة الأسلحة وتطويرها؛ كما يبقى من المرجح أن ينتج من التسوية السياسية، في المدى القصير على الأقل، تفاقم أوضاع فئات اجتماعية واسعة إذا ما استكملت الدول العربية تطبيق إجراءات "الإصلاح الاقتصادي"، التي يطالب البنك الدولي وصندوق النقد الدولي بها وكذلك الكتل الاقتصادية الدولية (نافتا – رابطة أميركا الشمالية للتجارة الحرة، الاتحاد الأوروبي..)؛ هذا بالإضافة إلى النتائج الاقتصادية السلبية المتوقعة من تطبيق اتفاقية الـ "غات" (GATT) الأخيرة على معظم الدول العربية. تعبير آخر، من الخطأ الوقوع في الفخ "الاقتصادوي" الذي يميل إلى الحكم على نجاح المشروع الإسرائيلي أو فشله بمقياس اقتصادي ضيق، ويتجاهل في الوقت نفسه الترتيبات السياسية – الاستراتيجية التي تحرك جوهر المشروع الإسرائيلي. هذا علاوة على أن المشاريع الاقتصادية التي تطرحها إسرائيل – هذا إذا توفر التمويل الضروري لعدد كاف منها – ليست من النوع الذي يقود أو يهدف إلى تأمين الشروط لتحسين نوعية الحياة لأغلبية السكان في المنطقة؛ فهي من النوع الذي يبغي توفير بيئة ملائمة لنمو رأس المال الخاص (العالمي والمحلي)، والذي يمنح الاقتصاد الإسرائيلي – عبر الاتفاقات السياسية في الدرجة الأولى – بعض الميزات المترتبة على ربط الاقتصاديات المحيطة به. إنها مشاريع تهدف إلى رفع العزلة الاقتصادية عن إسرائيل وتأمين (وفق شروطها) في اقتصاديات المنطقة. وهذا بالنسبة إلى إسرائيل أمر ذو أهمية استراتيجية حيوية (تفوق أهميته الاقتصادية). 

ج)   غياب المشروع العربي البديل

طُرح المشروع الإسرائيلي لنظام إقليمي جديد في اللحظة التي دخل النظام الإقليمي العربي مرحلة جديدة من الضعف والصراعات الداخلية والتفكك، وبالتحديد بعد حرب الخليج الثانية. كما أن الأطراف العربية المعنية أدارت تفاوضها مع إسرائيل من دون أن تصوغ مشروعاً مشتركاً متكاملاً في مواجهة المشروع الإسرائيلي. وإذا أضفنا إلى هذا فشل محاولات جامعة الدول العربية في إقامة سوق عربية مشتركة – وهي محاولات بدأت في الفترة الزمنية التي بدأت أوروبا الغربية عملية بناء سوقها المشتركة – وما ولده  ذلك الفشل من إحباطات، يصبح جلياً تماماص أن المشروع الإسرائيلي الإقليمي يبقى (على الصعيد الرسمي) عملياً من دون بديل عربي موحد. بل أن المشروع الإسرائيلي يجد دعماً مباشراً وغير مباشر ولاعتبارات مختلفة من الولايات المتحدة الأميركية والاتحاج الأوروبي، ومن المؤسسات الدولية المالية المهمة؛ فقد نحجت إسرائيل في أن تجند في مراكز النظام الرأسمالي العالمي رأياً عاماً مؤيداً لمشروعها الإقليمي في إطاره العام. وعلى الرغم من مضي ما يزيد عن أربعة أعوام على بدء مؤتمر مدريد للسلام في الشرق الأوسط، فإن المشروع الإسرائيلي الإقليمي لم يخضع لتقويم عربي موحد، ولم يواجه مقاومة أو معارضة منهجية عربية رسمية فاعلة. ولعل ذلك يعود إلى غياب التصور العربي المشترك من جانب، والخشية من الضغوط الأميركية ومن ضغوط أخرى من جانب ثان، وفقدان التنسيق – لا في الجانب السياسي فحسب، بل في الجوانب الاقتصادية والاستراتيجية / الأمنية أيضاً – بين الأطراف المعنية في المفاوضات المباشرة والمفاوضات المتعددة الأطراف،من جانب ثالث. ومن الطبيعي في هذه الحال أن نجد أن المشاريع الاقتصادية المطروحة، سواء في مجال البنية التحية أوم في مجالات أخرى، في إطار المفاوضات المتعددة الأطراف أو في أدبيات البنك الدولي بشأن التعاون الشرق الأوسطي ومقترحات المفوضية الأوروبية، هي في معظمها ذات أصول أو تأثيرات إسرائيلية.           

د)  الدعم الدولي والإقليمي

إن إسرائيل لا تعول في سعيها لتحقيق مشروعها على إمكاناتها الذاتية فحسب، بل أيضاً على دعم وإسناد دوليين وإقليميين مؤثرين، وبالتحديد الدعم والإسناد من الولايات المتحدة التي اتسع نفوذها السياسي والعسكري في المنطقة بعد انهيار الاتحاد السوفياتي وبعد حرب الخليج الثانية. كما أن إسرائيل تجد في صلاتها الأوروبية السياسية والتجارية من جانب، وفي تقاطع التوجهات الأوروبية الشرق الأوسطية مع توجهاتها من جانب آخر، مصادر تدعيم لمشروعها الإقليمي. واليابان بدورها انتقلت، وتحديداً بعد الاتفاق الإسرائيلي – الفلسطيني، إلى تأييد مشروع إسرائيل الشرق الأوسطي (في الإطار العام).وتعول إسرائيل تأييد من مراكز وقوى إقليمية تسعى لتحسين موقعها عبر السعي لإعادة ترتيب التحالفات في المنطقة، كما أنها تعول على إكساب مشروعها تأييد شرائح جديدة من البورجوازيات العربية وفئات من التكنوقراط في الدول المحيطة، باعتبار أن هذا المشروع يفتح أمام تلك الشرائح والفئات فرصاً جديدة.2

هذا الاصطفاف الواسع للقوى المؤيدة، وإن بصورة متفاوتة، لمشروع إسرائيل الإقليمي، وهذا الضعف والتشظي للقوى المعارضة لمضمون التسوية الإسرائيلية يفسران "الاختراقات" التي حققها المشروع الإسرائيلي خلال فترة وجيزة جداً، قياساً بعمر الصراع العربي – الإسرائيلي، أي الفترة الممتدة بين بدء عملية المفاوضات في خريف سنة 1991 وقرار دول مجلس التعاون الخليجي بإنهاء المقاطعة غير المباشرة لإسرائيل في خريف سنة 1994، فقد شهدت هذه الفترة، وخصوصاً منذ أيلول/سبتمبر 1993، إبرام اتفاقات رسمية مع أطراف عربية معنية مباشرة بالصراع، والشروع في إجراءات تطبيعية (دبلوماسية واقتصادية) واسعة قبل التوصل إلى تسوية شاملة للصراع مع الأطراف العربية كافة، وقبل أن تحدد جامعة الدول العربية موقفاً جماعياً بإنهاء أو بتغيير القوانين المتعلقة بالمقاطعة العربية لإسرائيل.

كما أن المراجعة السريعة للاتفاقات الإسرائيلية – العربية التي تمت في الفترة المذكورة تكشف المدى الذي اعتمد المفاوض الإسرائيلي فيه على مشاريع التعاون الاقصادي والترتيبات الأمنية، التي صدرت عن مراكز أبحاث أكاديمية واستراتيجية إسرائيلية خلال الثمانينات وبداية التسعينات، في صوغ تفصيلات الاتفاقات المذكورة، وبالتحديد على صعيد الملاحق الاقتصادية والأمنية.

ومع ذلك، ينبغي تجنب استنتاج أن توفر التأييد السياسي للمشروع الإسرائيلي الإقليمي كاف، في حد ذاته، لنقل المشروع إلى حيز الواقع؛ فهناك مشكلة تمويل الخطط الاقتصادية التي يطرحها المشروع المذكور، وهي "مشكلة" فعلية لسبب أساسي هو أن رأس المال الخاص (سواء رأس المال العربي أو رأس المال الدولي) يذهب إلى حيث شروط الاستثمار أفضل ومعدلات الربح أعلى والضمانات القانونية والسياسية للنشاط الرأسمالي أكثر استقراراً. ولذا، فإن حكومة إسرائيل أو غيرها من الحكومات لا تستطيع أن تحفز الشركات المتعددة الجنسيات ورأس المال المالي على الاستثمار في المنطقة من دون أن تتوفر الأوضاع والشروط الملائمة (من وجهة نظر هذه الشركات ومن وجهة نظر رأس المال هذا). كما أن مساعدات حكومات الدول الرأسمالية الصناعية ومساعدات مؤسسات دولية، كالبنك الدولي وصندوق النقد الدولي، لا تقدم من دون  شروط وضمانات، كما أثبتت الصعوبات والعراقيل التي وضعتها تلك الدول والمؤسسات أما تنفيذ وعودها لمنطقة الحكم الذاتي الفلسطيني. لكن التمويل ليس المشكلة الوحيدة والأصعب في وجه تطبيق مشروع "النظام الإقليمي الجديد" الذي تطرحه إسرائيل (أو أطراف متنفذة فيها)؛ بل أن المشروع يواجه تعقيدات وتوترات وتناقضات اجتماعية واقتصادية وسياسية وفكرية – أيديولوجية. 

رابعاً: آلية إقامة النظام الإقليمي

(د)  يحدد المشروع الإسرائيلي آلية إقامة النظام الإقليمي الجديد عبر:

1-     عقد اتفاقات ثنائية بين إسرائيل وكل دولة من الدول العربية المجاورة من جانب، وعقد اتفاقات متعددة الأطراف من جانب آخر. وتحدد الاتفاقات الثنائية علاقات إسرائيل بكل دولة من دول المحيط العربي في المجالات الاقتصادية والتجارية والأمنية – العسكرية، إضافة إلى المجالين الدبلوماسي والسياسي، وما يترتب على هذه من ترتيبات تنظيمية وإدارية وفنية وعسكرية مشتركة.

2-     التركيز في المرحلة الأولى على تأسيس محور ثلاثي يأخذ، بصورة متدرجة، صيغة تشكيلة سياسية اقتصادية أمنية (شكل من أشكال الكونفدرالية) تضم إسرائيل والأردن والكيان الفلسطيني، وترتبط لاحقاً، وعلى نحو متدرج، بتشكيلة أوسع تضم سوريا ولبنان. ويتم في الوقت نفسه توسيع العلاقات الاقتصادية بمصر، وبالتحديد في مجالي الطاقة والسياحة وبعض الصناعات المحددة، كصناعة النسيج.

3-     تطبيع العلاقات الاقتصادية (إضافة إلى العلاقات السياسية والدبلوماسية) مع سائر الدول العالم العربي وفق آليات السوق الرأسمالية، أي من دون اشتراط علاقات اقتصادية متميزة كما هي الحال مع الكيان الفلسطيني والأردن، أو مع سوريا ولبنان، لكن مع عدم إغفال الاعتبارات الأمنية أو تجاهلها. وبيدو أن اشتراط إقامة علاقات اقتصادية متميزة بالدول العربية المحيطة يرتبط بمفهوم إسرائيل لأمنها القومي وحاجتها إلى توليد "مصالح مشتركة" تنفي، أو تقلص إلى الحدود الدنيا، إمكان نشوب حروب أو نزاعات أو عمليات عسكرية جديدة: ترتيبات مائية مشتركة؛ بنية تحتية مشتركة؛ مشاريع اقتصادية مشتركة؛ تبادل تجاري غير مقيد؛ إضافة إلى إقامة هيئات مشتركة مقررة في مجالات اختصاصها. 

خامساً: مجالات ودلالات مشاريع إسرائيل الاقتصادية الإقليمية

(هـ)  إن الجسم الأكبر من المشاريع الإسرائيلية المقترحة في إطار ما تسميه إسرائيل "التعاون الاقتصادي" الإقليمي يتألف من:

  • مشاريع بناء وتطوير بنى تحتية ومرافق عامة في مجالات المياه والطاقة (نفط، غاز، كهرباء، إلخ)، والمواصلات والاتصالات (طريق برية، سكك حديدية، خطوط جوية مباشرة، موانئ، اتصالات سلكية ولاسلكية، إلخ).
  • مشاريع ثنائية (أي بين إسرائيل وإحدى الدول العربية) أو مشاريع إقليمية (تضم إسرائيل وأكثر من دولة عربية واحدة) معنية بأنشطة إنتاجية أو خدماتية محددة. ويتمركز أغلبها في مجالات السياحة ("ريفييرا" البحر الأحمر والحدائق الثقافية، على سبيل المثال) وصناعة النسيج والملابس، أو في مشاريع ملائمة لتجارة الحدود (كتجارة الأسمنت)، ومشاريع مرتبطة بالبنية التحتية أو بالسياحة أو بهما معاً (مشروع ربط البحر الأحمر أو البحر الأبيض المتوسط بالبحر الميت، محطات لتحلية مياه، إلخ).
  • مشاريع تساهم في توطيد عملية التطبيع الإسرائيلي العربي، أو مشاريع ذات وظائف دعاوية (إبراز فوائد عملية التطبيع)، أو مساعدة للنشاطين السابقين، مثل: بنك تنمية إقليمي؛ مركز طبي إقليمي؛ جامعة إقليمية؛ مراكز علمية متخصصة مشتركة.

وتصب المشاريع الاقتصادية الإسرائيلية المقترحة، كما هي حال الترتيبات العسكرية – الأمنية الثنائية مع الدول العربية، في خدمة تنظيم شروط "اندماج" إسرائيل في المنطقة. ومن هذه الزاوية يمكن فهم اهتمام إسرائيل الواضح بتوسيع وتطوير شبكات البنية التحتية بينها وبين الدول العربية المحيطة؛ فعبر هذه البنية، تربط إسرائيل نفسها بالمنطقة مادياً وعيانياً، وتوفر – قبل استكمال هذا أو ذاك من مشاريع البنية التحيتة أحياناً – أشكالاً أخرى من الترابط بالمنطقة.

  • تتطلب مشاريع البنية التحتية (باعتبار أن أغلبيتها العظمى تقع في إطار القطاع العام من الاقتصاد) اتفاقات تفصيلية بين الحكومة الإسرائيلية وكل دولة من الدول العربية المعنية؛ الأمر الذي يترتب عليه تنسيق بين الطرفين على مدى غير قصير. والمرجح أيضاً أن يسفر عن لجان فنية مشتركة.
  • من المعروف أن الحصول على تمويل دولي، وبشروط ميسرة، أسهل بالنسبة إلى مشاريع البنى التحتية ذات البعد الإقليمي؛ ومن هنا يلاحظ اهتمام البنك الدولي والمفوضية الأوروبية بمشاريع بنى تحتية خاصة في مجالات المواصلات، الطاقة والمياه.
  • يشكل توسيع البنية التحتية المادية وتطويرها شرطاً، كما أنهما يشكلان عاملاً مساعداً، لتنمية اقتصاد السوق، وهو عامل مساعد كذلك في تنمية سوق شرق أوسطية مشتركة.
  • تفترض إسرائيل أن التطبيع الاقتصادي يعني، فيما يعني، أن يقام بين إسرائيليين وعرب الكثير من الأنشطة الاقتصادية المشتركة (المالية والتجارية والإنتاجية، إلخ)، التي يساهم رأس المال الخاص فيها بصورة رئيسية، وفق آلية اقتصاد السوق الحرة، أي من دون اتفاقات بين حكومات دول المنطقة (ربما مؤسسات دولية)، يعكس ما يتعلق بالمياه والطاقة والمواصلات التي تحتاج إلى هكذا اتفاقات.

ويتبين من التدقيق في المشاريع الإسرائيلية الإقليمية أن محركها الرئيسي هو تحقيق اندماج إسرائيلي غير متكافئ مع المحيط، وذلك عبر عدد من الآليات التي تخدم: 1- تحويل إسرائيل إلى مركز رئيسي من مراكز البنية التحتية الإقليمية في المشرق العربي؛ 2- تسهيل حصولها على الطاقة وبأرخص تكلفة ممكنة؛ 3- تحسين موقعها الاقتصادي دولياً.ويتضح ذلك من خلال:

  • طرح إسرائيل نفسها وسيطاً لنقل المياه من لبنان إلى الأردن، ومن مصر إلى غزة من جانب أول، وإصرارها على عدم إحداث أي تغيير في سيطرتها على المصادر المائية العربية التي استولت عليها بالقوة العسكرية سنتي 1949 و 1967، من جانب ثان؛ والسعي لاستغلال مصادر مائية تقع خارج سيطرتها الراهنة، من جانب ثالث؛ والتدخل للحد من نمو أوضاع ديموغرافية في المحيط ترفع مستويات الاستهلاك المائي على نحو غير اعتيادي لموارد تشارك في استغلالها (مثل فرض قيود على دخول الفلسطينيين إلى مناطق الحكم الذاتي)، من جانب رابع. 3
  • السعي لتنويع مصادرها من الطاقة (النفط والغازـ إضافة إلى الفحم الحجري والطاقة الشمسية)، وتسهيل الحصول عليها بأرخص تكلفة ممكنة (وبالتحديد فيما يتعلق بالغاز والنفط)، وتخفيض تكلفة الكهرباء عبر ربط شبكتها الكهربائية بشبكات الدول العربية المحيطة.
  • السعي لإحياء شبكة الطرق البرية والبحرية والسكك الحديدية التي ربطت فلسطين قبل سنة 1948 بمحيطها العربي، كنموذج لتطبيع علاقة إسرائيل بالدول العربية المجاورة وقبول هذه الدول العربية كلها جزءاً مكوناً للمنطقة، من جانب، وتأسيس شبكة علاقات جديدة (طرق سريعة تربط بين تركيا ومصر وتمر عبر إسرائيل، إلخ) تعطي إسرائيل موقعاً استراتيجياً، من جانب آخر.
  • ويلاحظ أيضاً في مشاريع وأنشطة "التعاون" الاقتصادي التي اقترحها إٍسرائيل خارج أطر البنية التحتية ما يلي:
  • تمركز معظمها في المناطق الحدودية المتاخمة للدول العربية المحيطة، ويعود هذا إلى اعتبارين: يتعلق الأول بتوفر يد عاملة رخيصة وبالقرب من الأسواق المحلية، ويتعلق الثاني باعتبارات أمنية، أي بإنشاء نشاط اقتصادي في المناطق الحدودية يولد عند فئات اجتماعية مصلحة في الأمن والتطبيع. ويظهر هذا أكثر ما يظهر في جنوب لبنان، حيث تخص إسرائيل هذا الجزء من لبنان بعملية ربط مكثف بالمراكز الإقليمية والدولية لعالم التجارة والمال. كما أنه يظهر في مشروع "منطقة الجولان" (بالمعنى الجغرافي الواسع)، وفي المشاريع المقترحة بين إسرائيل والأردن.
  • اعتماد بعض المشاريع المطروحة على تكريس تقسيم عمل تتخصص إسرائيل وفقه بالجانب القائم على التكنولوجيا المتطورة والخبرة التسويقية الدولية (أي المجالات التي تتمتع بقيمة مضافة عالية)، في حين يوكل إلى الجانب العربي المجالات الأقل تصنيعاً (مشروع التكامل في صناعة النسيج بين إسرائيل ومصر، على سبيل المثال).
  • لقد كان لفكرة "الاتحاد الاقتصادي" الإسرائيلي – الأردني – الفلسطيني دور موجّه في تحديد مضامين الاتفاقات الاقتصادية التي أبرمتها إسرائيل مع منظمة التحرير والأردن. لكن العلاقات الإسرائيلية – الأردنية – الفلسطينية لن تنمو باتجاه التكافؤ (حتى بالمعنى النسبي الواسع جداً للكلمة)، بل ستتجه – إن تم التوصل إلى اتفاق بشأن الوضع النهائي للمناطق الفلسطينية المحتلة وقضية اللاجئين – إلى اعتماد نموذج يشبه (في بعض جوانبه) ذلك الذي تمثله نافتا (وبالتحديد العلاقة القائمة بين الولايات المتحدة والمكسيك). ويبرر هذا التوقع الفارق الشاسع بين حجم الاقتصاد الإسرائيلي والاقتصادين الفلسطيني والأردني، والهوة الواسعة في القدرات العسكرية، وحالة التبعية والوهن والتفكك التي يعانيها الاقتصاد الفلسطيني بعد ما يقارب ثلاث عقود من الاحتلال الاستيطاني. هذا إضافة إلى القيود السياسية والأمنية التي وضعها اتفاق أوسلو على السلطة الفلسطينية، ومشكلات الاقتصاد الأردني البنيوية (البطالة، الديون الخارجية ...). 

سادساً: أبعاد التوجهات الأمنية الإسرائيلية

(و)      توضح الترتيبات والمقترحات الأمنية التي تطرحها إسرائيل في مفاوضاتها واتفاقاتها مع الدول العربية المحيطة أنها تعتمد استراتيجيا تهدف، عبر اتفاقاتها مع هذه الدول، إلى مواصلة تأمين أوسع قدر ممكن من السيطرة العسكرية على محيطها. وهذا ما تعكسه المقولة الإسرائيلية بدقة من أن "السلام الإسرائيلي – العربي سيكون سلاماً مسلحاً." وهنا تبرز الحاجة إلى تأكيد أن إسرائيل ستواصل جهودها – اعتماداً، في الأساس، على دعم الولايات المتحدة الأميركية – للحفاظ على تفوقها العسكري في مجال الأسلحة التقليدية أولاً، وعبر ضمان بقائها الدولة النووية الوحيدة في المنطقة لأطول فترة ممكنة، ثانياً. 4

وبيدو أن إدراك القيادة الإسرائيلية غياب إمكان إحراز نصر استراتيجي على الدول العربية، إضافة إلى تأثير الأيديولوجيا الصهيونية، قد وفرا الأرضية لهيمنة الشأن الأمني على رؤية تلك القيادات لمكونات التسوية السياسية التي تطلبها، بما في ذلك رؤيتها للترتيبات المتعلقة بشؤون المياه والسكان والحدود والعلاقات الاقتصادية، إلخ. ولذا، فإن نظرة أحادية الجانب وصيغاً لترتيبات لا متكافئة تسيطر على طروحات إسرائيل الأمنية مع جوارها العربي كجزء من تنظيم شروط "اندماجها" الإقليمي في مرحلة ما بعد تسوية الصراع العربي الإسرائيلي. والأدلة على ذلك كثيرة ومتنوعة، من أبرزها:

  • احتلال الترتيبات الأمنية والعسكرية حيزاً مهماً من اتفاق أوسلو واتفاق القاهرة اللاحق مع منظمة التحرير الفلسطينية. ويسرى هذا على تدابير تضمنها الاتفاق مع الأردن. كما أننا نجد إصراراً إسرائيلياً على تضمين الاتفاقات مع الدول العربية بنوداً تفرض على الجانب العربي مناطق واسعة نسبياً منزوعة السلاح، وإدخال تعديلات على الحدود لمصلحة توسع إسرائيل، وإعادة النظر في بنية الجيوش العربية، وتخفيض حجومها، وتقليص قدراتها الهجومية. ومن هنا تمسّك إسرائيل بمطلب أن يتضمن اتفاق السلام مع سوريا عملية نزع سلاح مناطق تتجاوز حدود الجولان في مقابل نزع سلاح مساحة رمزية في الجانب الإسرائيلي (على غرار ما حدث مع مصر)؛ وحرصها على ألاّ تؤثر التسوية مع الدول العربية في ما تسيطر عليه من موارد مائية؛ وإصرارها على أن يأخذ الانسحاب الإسرائيلي من الجولان فترة زمنية تسمح لإسرائيل بتقويم الترتيبات الأمنية المعتمدة؛ وأن يشمل الاتفاق مع الأردن تحديداً لخطوط انتشار القوات العسكرية الأردنية؛ واعتبار إسرائيل بقاء الكيان الفلسطيني منزوع السلاح (خارج وجود جاز قوي لـ "الشرطة") أمراً مسلماً به كشرط من شروط التسوية النهائية.
  • وجود توجه واضح عند المخططين الاستراتيجيين الإسرائيليين لإقامة نظام أمني إسرائيل أردني فلسطيني، يرتبط لاحقاً، عبر إسرائيل، بنظام أمني إسرائيلي سوري لبناني. وتأتي هذا في سياق سياسة تحويل أي انسحاب تقوم إسرائيل به من أراض عربية محتلة إلى رصيد أمني لها.
  • تحويل مرحلة "الحكم الذاتي" الفلسطيني المنصوص عليها في اتفاق أوسلو إلى مرحلة اختيارية لمنظمة التحرير والسلطة الفلطسينية، يكون مقياسها أمن مستوطنات إسرائيل وجيشها داخل مناطق الحكم الذاتي والمناطق المحتلة وأن مواطنيها بصورة عامة. وهي تعتمد هذا المقياس من دون التزام من جانبها بتجميد المستوطنات أو تفكيكها، ومن دونت الإقرار بالسيادة الفلسطينية على كامل أرض الضفة والقطاع (بما في ذلك القدس) أو الاعتراف بحق الشعب الفلسطيني في تقرير المصير والعودة. كما أنها تنظر إلى التجمعات الفلسطينية في الدول العربية، وفي إسرائيل نفسها، من منظور أمني، وتشترط أن تقبل الدول العربية التي تستضيف تجمعات فلسطينية الموافقة على مبدأ توطينهم، وتربط مساواة معاملة مواطنيها الفلسطينيين بمواطنيها اليهود بالحل "الشامل" المنسجم مع شروطها.
  • النظر إلى الأردن من زاوية الوظائف الأمنية التي يمكن أن يؤديها: أي كعازل بينها وبين سائر الدول العربية، ومطالبته بالبقاء خارج أية تحالفات أو معاهدات سياسية أو عسكرية تسمح بوجود قوات غير أردنية على أرضية. كما تلمح إلى الدور الذي يمكن أن يؤديه الأردن كمعبر اقتصادي إلى الدول العربية الأخرى.
  • كما يبرز مفهوم إسرائيل للأمن غير المتكافئ في أشكال عدة أخرى، منها:
  • اعتماد إسرائيل مقولة أن تفوقها العسكري هو الذي أرغم الدول العربية على التفاوض معها، واستخلاص قيادتها، بالتالي، أن الحفاظ على هذا التفوق هو أحد ضمانات "السلام" في المنطقة؛
  • استخدام العلاقة الخاصة التي تربطها بالولايات المتحدة دعامة من دعائم أمنها، أي قوة ردع مساندة لها في مواجهة محيطها العربي؛

(ج)  اعتبار أن لا بديل لديها (إسرائيل) عن الاحتفاظ بتفوقها العسكري النوعي في مجالي الأسلحة التقليدية والأسلحة غير التقليدية والأسلحة غير التقليدية لفترة مفتوحة زمنياً، والبقاء، بالتالي، خارج أية معاهدات قد تضع قيوداً على تسلّحها، بما في ذلك معاهدة منع انتشار الأسلحة النووية؛

(د)   اعتبار أن وجود حالة "عدم استقرار" في الشرق الأوسط (والتي يجري توسيع حدودها لتشمل، إضافة إلى الدول العربية، كلاً من إيران ودول آسيا الوسطى، وباكستان) يشكل تهديداً ممكناً لأمن دولة إسرائيل ومناقضاً لأية إجراءات يمكن أن تتخذ للحد من الأسلحة.

 

* هذه الدراسة جزء من الفصل الأول من كتاب للمؤلف سيصدر، في وقت قريب، عن مؤسسة الدراسات الفلسطينية تحت عنوان: "استراتيجية إسرائيل الاقتصادية للشرق الأوسط".

 

المصادر: 

* Shimon Peres, The New Middle East (Dorset: Element Books, 1993).

** Yossi Bellin, A Vision of the Middle East (Tokyo, December 15, 1993).

1 لاحظ على سبيل المثال تأكيدات يوسي بيلين (أيار/مايو 1994)، نائب وزير الخارجية الإسرائيلي، بأن إسرائيل ستفكر في إقامة سوق مشتركة في الشرق الأوسط في العقد المقبل، بعد تنمية بنية تحتية مشتركة في المنطقة، ولاحظ إشارته إلى أنه "من الممكن أن تشهد المنطقة    في الأعوام الخمسة المقبلة إقامة بنية تحتية مشتركة لكل من فلسطين ومصر والأردن وسوريا، ولبنان. وإذا تم ذلك فإننا سنفكر في إمكان قيام سوق مشتركة." أنظر:

James Harding, “Israel to Consider Mideast Common Market,” Financial Times,    May 14/15, 1994.

لاحظ أيضاً التقويم الذي قدمه بيلين في مؤتمر صحافي، بعد زيارته لمسقط (للمشاركة في اجتماع لجنة المياه للمفاوضات المتعددة الأطراف)، وقال فيه: "إنه من الزاوية الاقتصادية، وبفضل القدرات المتوفرة في دول الخليج، فمن الممكن أن تكون علاقات إسرائيل الاقتصادية بدول الخليج أكثر كثافة من العلاقات التي ستقام مع الدول المجاورة لنا، بسبب الفجوة الاقتصادية الكبيرة الموجودة بيننا وبين جيراننا وغير الموجودة بيننا وبين دول الخليج" (التشديد مضاف). أنظر:

Israel Information Service, Gopher, April 21, 1994.

2 عبرت أوساط حاكمة عربية عدة عن تأييدها لإقامة سوق شرق أوسطية أو "نظام شرق أوسطي" في المنطقة: فإضافة إلى اتفاق أوسلو الذي تنص ملاحقة الاقتصادية على تعاون اقتصادي "إعلان المبادئ" بين إسرائيل ومنظمة التحرير الفلسطينية، ترحيباً "رسمياً" في مصر والمغرب وعُمان والأردن وتونس، واستعداداً تركياً للمشاركة. وعبّر "إعلان الدار البيضاء"، الصادر عن المؤتمر الاقتصادي العالمي للتنمية في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا (30 تشرين الأول/أكتوبر والأول من تشرين الثاني/نوفمبر 1994) الذي شارك فيه جميع الدول العربية باستثناء العراق وليبيا وسوريا ولبنان، عن نية الحكومات والقطاعات الخاصة الممثلة في المؤتمر "بناء الأسس لمجموعة اقتصادية للشرق الأوسط وشمال إفريقيا تقتضي في مرحلة حرية تدفق البضائع ورأس المال واليد العاملة عبر المنطقة." (راجع نص "الإعلان" المذكور في: صحيفة "الحياة"، 2/11/1994، التشديد مضاف).

3 كمثال لـ الأهمية الاستراتيجية التي تعطيها الحكومة الإسرائيلية لموضوع المياه، راجع مقال زئيف شيف في صحيفة "هآرتس"، 8/10/1993، والمنشور في "القدس العربي"، 12/10/1993. ويشير المقال إلى دراسة أكاديمية تحمل عنوان "مشكلة المياه في إطار التسويات بين إسرائيل والبلدان العربية" منعت الحكومة نشرها بسبب ما تحوية من خرائط تفصيلية ترسم حدود الانسحابات الإسرائيلية. وأشرف على الدراسة المذكورة يهوشع شفارتس (وهو خبير إسرائيلي معروف بشؤون المياه)، وأهارون زوهر (يعمل في التخطيط الإقليمي لمشاريع مشتركة بين إسرائيل والدول العربية). وتستخلص الدراسة "أن فصل إسرائيل عن يهودا والسامرة من دون إجراء تصحيح في الحدود، ومن دون تعاون مع الفلسطينيين في الضفة، هو السيناريو الأشد خطراً على اقتصاد المياه في إسرائيل.." وتوصي الدراسة بأن تتولى إسرائيل "السيطرة على أغلبية مصادرة المياه بهدف منع ضخ المياه الجوفية في يهودا والسامرة على حساب الاستغلال الإسرائيلي لمنطقة اليركون [العوجا] – التماسيح." كما توصي بحل مشكلة قطاع غزة المائية من خلال إما تحلية مياه البحر وإما نقل مياه من نهر النيل. وتطالب بأن تعمل إسرائيل كل شيء من أجل إبقاء الثروة المائية الحالية في يديها، وبأن تقدم "تنازلات فقط إذا توفرت جدوى سياسية نوعية."

4 يقول دوري غولد، وهو من كبار باحثي مركز الدراسات الاستراتيجية في جامعة تل أبيب، في مقابلة مع صحيفة "الأهرام": "لكل دولة في المنطقة ميزاتها. فمصر تتمتع بكثافة سكانية ومنطقة جغرافية واسعة، وسوريا أيضاً تمتاز باتساعها الجغرافي وكثافتها السكانية أكثر من إسرائيل. وتكون المحافظة على التوازن العسكري لدولة صغيرة كإسرائيل عن طريق المحافظة على التفوق العسكري، بمعنى الحصول على تكنولوجيا متطورة تقدم لها كتعويض عن النقص العددي وصغر المساحة الجغرافية." ويعتبر أن إسرائيل تبقى احتياطاً استراتيجياً للولايات المتحدة في حال "تغيرت سياسة الأخيرة، أو العكس، تجاه تركيا ودول الخليج." أنظر: "الأهرام"، 7/12/1993، مقابلة مع دوري غولد أجرتها أميرة حسن.

Author biography: 

كاتب فلسطيني، عضو المجلس الوطني الفلسطيني.