"Deal of the Century" in the Service of the Political Agenda of the Israeli Right?
Date: 
June 07 2019
Author: 

ليس خافياً على أحد أن وصول دونالد ترامب إلى البيت الأبيض شكل بداية مرحلة جديدة ومختلفة في العلاقات الأميركية-الإسرائيلية بعد 8 سنوات من الخلافات والتوترات بين الحكومة الإسرائيلية برئاسة بنيامين نتنياهو وإدارة الرئيس السابق باراك  أوباما.

هذه العلاقة المميزة  تجلت  فور تولي دونالد ترامب مهماته الرئاسية وقيامه بعدد من الخطوات حاول فيها أن يظهر تمايزه الكبير عن الإدارة الأميركية السابقة التي يمقتها، وانتهاجه مقاربة مختلفة في سياسته تجاه الشرق الأوسط عامة وبصورة خاصة إزاء مسألة التسوية السلمية للصراع الإسرائيلي-الفلسطيني. وتعتمد هذه المقاربة بصورة كبيرة على رؤيا الطائفة الإنجيلية في الولايات المتحدة التي تقدر بعشرات الملايين من الناس التي صوتت لدونالد ترامب، والتي تؤمن بالحق التاريخي للشعب اليهودي بأرضه، وتتماهى مع  التوجهات الأكثر يمينية في إسرائيل.

 من بين  أولى الخطوات التي قام بها ترامب تعيين طاقم خاص لتولي ملف المفاوضات السلمية بين إسرائيل والفلسطينيين من خارج وزارة الخارجية الأميركية ومن خارج المقاربة التقليدية التي اعتمدتها هذه الوزارة في التعامل مع العملية السلمية، تألف من ثلاث شخصيات رئيسية يهودية أرثوذكسية  قريبة جداً من أوساط اليمين الإسرائيلي: جاريد كوشنير صهره القادم من عالم رجال الأعمال والمال إلى السياسة؛ وجيسون غريبنلات يهودي أردثوذكسي من أبوين يهودين مهاجرين تعلم في طفولته في مدارس دينية  قبل أن يصبح محامياً ويتولى منذ 1997 إدارة المكتب القانوني لترامب؛ وديفيد فرديمان سفير الولايات المتحدة في إسرائيل وهو أيضاَ محامٍ عمل لدى ترامب في قضايا العقارات والمسائل المالية، وله علاقات وطيدة مع المستوطنين اليهود ونشاطات خيرية لا سيما في مستوطنة بيت إيل.

هذا هو الطاقم  الذي اعتمد عليه ترامب لوضع خطته للسلام التي أطلق عليها لاحقاً اسم "صفقة القرن" والتي منذ بدء الحديث عنها في سنة 2017 وحتى الآن لا  تزال خطوطها السياسية غير واضحة وعلنية، وجرى تأجيل الإعلان عنها المرة تلو المرة، وكان من المفترض أن تقدم بعد الانتخابات الأخيرة للكنيست الحادي والعشرين، لكن فشل بنيامين نتنياهو في تشكيل ائتلاف حكومي وقرار الكنسيت الجديد حل نفسه والدعوة إلى انتخابات جديدة في شهر أيلول/سبتمبر المقبل من شأنه أن يؤجل مرة أخرى الكشف عن البنود السياسية لهذه الخطة في الوقت الحاضر، والاكتفاء بالإعلان عن جوانبها الاقتصادية من خلال الورشة الاقتصادية التي ستعقد في البحرين في نهاية حزيران/يونيو الحالي.

تفريغ القضية الفلسطينية من رموزها الوطنية

بحسب تصريحات الطاقم الأميركي المكلف بخطة السلام، فإن ما يميز الخطة الجديدة عن سابقاتها أنها "واقعية"، تسعى إلى تحسين حياة الفلسطينيين من خلال التركيز على الجوانب الاقتصادية والحياتية من أجل تطوير نمط الحياة وتحسينه وبالتالي خلق ظروف مؤاتية للسلام.        

في مقابلة أجرتها مجلة "The National" (26/2/2019) قال جاريد كوشنير :"ما نحاوله هو حل واقعي يحسّن حياة الناس ويقوم على المبادئ التالية: الحرية؛ حرية الأديان وممارسة المعتقدات، والاحترام؛ احترام الشعوب لبعضها البعض؛ توفير الفرص؛ و تحقيق الأمن ". وفي رأيه، فإن التركيز هو على المسائل الاقتصادية، وعلى كيفية تنمية المناطق الفلسطينية بدلاً من التركيز على المسائل الجوهرية التي شكلت المبادئ الأساسية لكل خطط السلام وهي: القدس، اللاجئون، المستوطنات، الحدود، الأمن، والدولة الفلسطينية المستقلة.

لكن لدى متابعة عمل الطاقم الأميركي خلال  الفترة التي امتدت على أكثر من عامين، والاتصالات التي قام بها مع الطرفين، تبدو مبادئ خطة ترامب للسلام، التي تحدث عنها كوشنير في مقابلته، لا تعدو أن تكون مبادئ ظاهرية تخفي في طياتها جدول أعمال سياسياً  غير معلن هدفه الالتفاف على القضايا الجوهرية في النزاع وتفريغها من معناها، وخلق وقائع سياسية جديدة على الأرض تتطابق إلى حد بعيد مع الأجندة السياسية لليمين الإسرائيلي الحاكم وتنسجم مع نظرته الى التسوية مع الفلسطينيين.

فخلال تلك الفترة، وخلال الإعداد لـ"صفقة القرن"، اتخذ الرئيس الأميركي دونالد ترامب عدداً من  القرارات التي تمس مباشرة بالمسائل الأساسية المتعلقة  بالعملية السلمية بين إسرائيل والفلسطينيين، خرج فيها عن القرارات الدولية المتخذة، وفرض حقائق جديدة على الأرض لا يمكن لأي تسوية سياسية مستقبلية تجاهلها أو تخطيها.

فمن خلال الإعداد لـ "صفقة القرن"، ومن دون الإعلان عن مبادئها السياسية، جرى تحقيق  الأهداف السياسية الآتية:

لم يعد حل الدولتين هو الاساس للتسوية المستقبلية. فقد جرى التخلي الأميركي عن حل الدولتين بصورة تدريجية، وجاء هذا متناغماً تماماً مع سعي نتنياهو  إلى التنصل من التزامه بحل دولتين لشعبين. وبعد الموقف المبدئي المعلن لترامب بأنه يدعم حل الدولتين شرط أن يكون مقبولاً من الطرفين،  بدأ يبرز أكثر فأكثر تراجع ترامب عن الفكرة، بتأثير كبير من قبل بنيامين نتنياهو الذي في رأي أكثر من معلق إسرائيلي سعى الى إقناعه في لقاءاته معه بالتخلي عن الفكرة. فكتب شالوم يروشالمي في "يسرائيل هَيوم" (12/9/2017):  "لسنا في حاجة إلى أن نكون من دعاة نظرية المؤامرة كي نتخيل نتنياهو يجلس مع ترامب بعد الانتخابات في أميركا ويطلب منه القضاء مرة واحدة وإلى الأبد عن حل الدولتين. وأن نتخيل نتنياهو وهو يقرأ على مسامع ترامب مقاطع كاملة من كتابه "مكان تحت الشمس" ويحدثه عن الخطر الوجودي الذي يتربص بإسرائيل من جانب الدولة الفلسطينية التي ستغرقنا بملايين اللاجئين، وترامب يهز رأسه موافقاً. ونتنياهو يفسر لترامب أنه لا يستطيع التراجع عن حل الدولتين الذي عرضه في سنة 2009 ويطلب مساعدته للتخلص من هذا الوعد". في 21/4/2019 ، أعلن الموفد الأميركي جيسون غرينبلات في مقابلة أجرتها معه قناة التلفزة "سكاي نيوز عربية" ونقلتها صحيفة "يسرائيل هَيوم"  أنه لا فائدة من استخدام مصطلح حل الدولتين لأنه لن يؤدي أبداً الى السلام، ولأن كل جانب يفهم هذا المصطلح بطريقة مختلفة عن الآخر، وأن "صفقة القرن" تعكس رؤية واضحة وواقعية للسلام، ويمكنها وحدها أن تضع حداً للنزاع.
 
اخراج قضية القدس من التدوال. مسألة جوهرية أخرى شهدت تطوراً مهماً هي مسألة القدس. ففي 7/12/2017 ، أي بعد أقل من عام على توليه منصبه، أعلن ترامب اعترافه بالقدس عاصمة لإسرائيل ونيته نقل السفارة الأميركية إليها. الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل هو خطوة لخلق وقائع على الأرض لا يمكن تخطيها في ما يتعلق بموضوع تقسيم القدس الذي يرفضه نتنياهو وأحزاب اليمين رفضاً قاطعاً. وقد شكلت هذه الخطوة في رأي رئيس تحرير صحيفة "هآرتس" ألوف بن انتصاراً لبنيامين نتنياهو في كفاحه ضد الفلسطينيين وكتب في (8/12/2018): "سجل نتنياهو انتصاراً مهماً في كفاحه ضد الفلسطينيين مع اعلان ترامب الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل والبدء بتحضيرات نقل السفارة الى هناك. لم يمنح ترامب الفلسطينيين شيئاً في المقابل وأضعف الالتزام الأميركي بقيام دولة فلسطينية في المستقبل".

 

المستوطنات لا تشكل عقبة في وجه السلام. عمل فريق ترامب منذ مطلع سنة 2017 على التوصل إلى تفاهمات ضمنية مع الحكومة الإسرائيلية بشأن البناء في المستوطنات. ففي أعقاب إعلان إسرائيل في 3/2/2017 عن بناء مستوطنة جديدة لإسكان المستوطنين اليهود الذين جرى إخلاؤهم من مستوطنة عموّنة غير القانونية، والإعلان عن بناء 6000 وحدة سكنية جديدة ("معاريف" 3/2/2017)، قام الموفد الأميركي الخاص جيسون غرينبلات بزيارة لإسرائيل التقى خلالها بنيامين نتنياهو واتفق معه بحسب "هآرتس" (23/2/2017) على وقف البناء خارج الكتل الاستيطانية الكبرى، مقابل موافقة أميركية صامتة على البناء في مستوطنات القدس الشرقية وداخل الكتل الاستيطانية الكبرى. في هذه الأثناء بدأت تنتشر تسريبات عن صفقة القرن  تشير إلى أن جميع المستوطنات اليهودية ستبقى تحت السيطرة الإسرائيلية، وهذا ما شدد عليه نتنياهو أكثر من مرة خلال حملته الانتخابية الأخيرة بأنه لن يتنازل عن أي مستوطنة.

 

العمل على القضاء على حق عودة اللاجئين الفلسطينين. كانت سنة 2018 العام الذي شهد أشرس حملة منسقة على الأونروا، شنتها كل من الحكومة الإسرائيلية والإدارة الأميركية. وكان واضحاً التنسيق الكبير بين الجانبين الإسرائيلي والأميركي في الدعوة الى تفكيك الوكالة من خلال وقف المساعدات الأميركية المالية المقدمة اليها والتشكيك بدورها والجدوى من بقائها. وتركزت الحملة على هدفين: العمل على تغيير مفهوم اللجوء الفلسطيني بحيث يصبح محصوراً فقط باللاجئين الذين أجبروا على مغادرة أراضيهم سنة 1948 وعدم انتقال هذه الصفة إلى أولادهم أو أحفادهم؛ وتقليص المساعدات المالية الأميركية للأونروا التي في رأي الإسرائيليين والإدارة الأميركية تعمل على تأبيد مشكلة اللجوء الفلسطيني. رأت إسرائيل في هذا التحول في الموقف الأميركي إزاء الأونروا فرصة ذهبية للتخلص من موضوع حق عودة الفلسطينيين الذي يعتبر من أهم رموز النضال الفلسطيني الوطني. في هذا الاطار كتبت الباحثة يسرائيلا أورون في معهد دراسات الأمن القومي ("مباط عال"18/2/2018 ) : "تعتبر مشكلة اللاجئين الفلسطينيين مثل مشكلة القدس العقبة الكأداء المركزية في حل النزاع بين إسرائيل والفلسطينيين. وبالنسبة الى الفلسطينيين الذين تربوا على ثقافة النكبة فإن تقديم تنازلات في قضية اللاجئين هو بمثابة المس بالهوية الوطنية الفلسطينية." رحب الإسرائيليون بقرار ترامب تقليص المساعدات للأونروا، التي تمثّل في رأي جورج رومان مدير منتدى الشرق الأسط "العقبة الكبرى في وجه السلام"، وكتب في "يسرائيل هَيوم" (6/2/2018) : "بدلاً من أن تشجع الأونروا ثقافة السلام لدى الفلسطينيين وتحوّل الأموال لأهداف إنسانية بحتة، هي تنمي عقلية الضحية في المجتمع الفلسطيني. كما أن تعريفها الخاص للاجئبن الفلسطينيين الذي يصل الى أرقام مستحيلة تقدر بـ 5  ملايين لاجىء يجعل من الصعب التوصل إلى حل النزاع." ويتابع: " إن طريقة تعريف الولايات المتحدة للاجئين تشبه ما هو موجود في دول أخرى. إذ لا يمكن انتقال وضع لاجىء بالوراثة إلى من يملكون جنسيات أخرى. وإذا شطبنا من قائمة الأونروا اللاجئين الذين لا يدخلون ضمن هذه المجموعة، فان الرقم المنطقي للاجئين من سنة 1948 يتراوح اليوم ما بين 20 ألفاً إلى 30 ألف لاجىء لا أكثر."

 

تهميش قيادات الشعب الفلسطيني. استغل الطاقم الأميركي للمفاوضات رفض الفلسطينيين الاستمرار في التفاوض احتجاجاً على الاعتراف الأميركي بالقدس عاصمة لإسرائيل ونقل السفارة الأميركية إلى هناك، للتحريض على هذه القيادة واستخدام وسائل الترهيب ضدها من خلال القرار الذي اتخذته الولايات المتحدة في 2018 وقف تقديم المساعدات للفلسطينيين ،الذي بحسب صحيفة النيويوك تايمز (14/9/2018) كان وراءه جاريد كوشنير. ترافق هذا مع إغلاق مكتب منظمة التحرير الفلسطينية في واشنطن، وتحميل الطاقم الأميركي القيادة الفلسطينية المسؤولية عن تردي أوضاع الشعب الفلسطيني.
 
فتح الباب امام الضم الزاحف مع اعتراف الولايات المتحدة بالسيادة الإسرائيلية على هضبة الجولان. تذرعت إدارة ترامب لدى اعترافها بالسيادة الإسرائيلية على الجولان بأن هذه السيادة  تدخل ضمن سياسة "الدفاع عن النفس"، وهذا من شأنه أن يشكل سابقة لتكريس التخلي الأميركي عن استخدام مصطلح الاحتلال الإسرائيلي للأراضيالتي احتلت في حزيران/يونيو 1967. وكانت صحيفة "يديعوت أحرونوت" (14/3/2019) قد أشارت إلى أن التقرير الصادر عن وزارة الخارجية الأميركية حول وضع حقوق الإنسان في العالم لسنة 2019  أسقط  تعبير "أراض محتلة" في القسم المتعلق بإسرائيل لدى الحديث عن المناطق الفلسطينية، وأن كلمة احتلال وردت فقط مرتين في التقرير. وكشفت قناة التلفزة الإسرائيلية 13 أن السفير الأميركي لدى إسرائيل ديفيد فريدمان هو الذي أشرف على صوغ التقرير وأنه طلب من مساعده مراجعة النص مع قلم أحمر وحذف كلمة احتلال منه. وتكمن خطورة الاعتراف الأميركي بالسيادة الإسرائيلية على الجولان السوري في أنه يمكن أن يمهد الطريق أمام اعتراف أميركي  بتطبيق السيادة الإسرائيلية على الكتل الاستيطانية الكبرى وعلى المنطقة ج من الضفة الغربية، بما يعني تأبيد الاحتلال الإسرائيلي ودفن أي عملية تسوية سلمية مستقبلية.

 

 خلاصة

إن  الضرر الذي ألحقته إدارة الرئيس ترامب وطاقمها الخاص بمفاوضات السلام بحقوق الفلسطينيين ورموزهم الوطنية  هائل حتى قبل الإعلان عن المبادىء السياسية لـ"صفقة القرن". كما أن الانحياز الأميركي الصارخ لمصلحة إسرائيل والتطابق الكبير بين المقاربة الأميركية للتسوية وبين توجهات اليمين الإسرائيلي حول "صفقة القرن" يبيّنان أن الولايات المتحدة لم تفقد صفة الوسيط العادل والنزيه فحسب، بل باتت تقوم، من خلال طاقمها الخاص وخططه الاقتصادية وما يسمى بخططه السلمية، بتحقيق مخطط اليمين القومي الإسرائيلي في الضم وتأبيد الاحتلال اللذين هما موضع جدل إسرائيلي داخلي، لا بد أن ينعكس على المعركة الانتخابية المقبلة في إسرائيل.

Read more