To Reconstruct Their School, Children Use Animation Art
Date: 
March 21 2023

في سنة2016 ، اقتحم نحو 30 آلية عسكرية و 150 جندياً تجمُّع أبو نوار البدوي شرقي القدس المحتلة، من أجل هدم مدرسة ابتدائية لخدمة أطفال التجمع، المدرسة المصنوعة من الصفيح، تحيط بها أربع مستوطنات وأبراج مراقبة من كل الجهات. هدم الجنود البناء وسرقوا خزانات مياه المدرسة وخلايا شمسية. وصل الأطفال صباحاً بزيهم المدرسي ليجدوا أن مدرستهم هُدمت بالكامل. جلسوا فوق الأنقاض يبحثون في عيونهم عن أي تفاصيل بقيت. كل مرة، يقوم أهالي أبو نوار بإعادة بناء المدرسة من جديد، ثم يعود الجنود ويهدمونها. هُدمت المدرسة خمس مرات منذ شباط/فبراير 2016 وحتى اليوم.  يتعرض سكان أبو نوار لمحاولات تهجير مستمرة منذ سنة 2009 "من أجل بناء الحي الجنوبي من مخطط E1 الاستيطاني بواقع 1500 وحدة استيطانية"[1].

 

أطفال تجمع أبو نوار

 

 في سنة 2017، جلس أطفال تجمُّع أبو نوار فوق أنقاض المدرسة ومعهم عدّتهم ليقوموا بإعادة بناء مدرستهم من جديد. بأياديهم الصغيرة، رسموا مخطط المدرسة، والحديقة والصفوف الدراسية، ثم بنوا المدرسة "طوبة طوبة"، وزرعوا الأشجار، لكن هذه المرة من خلال فن الرسوم المتحركة.

التقيت باسل نصر من "مصنع الرسوم المتحركة[2]" في مكتبه في مدينة رام الله، ليحدثنا عن عمله في مجال الرسوم المتحركة وإنشائه "مشروع" مصنع الرسوم المتحركة. فقال باسل "كنا أنا وصديقي الفنان عبود الحاج حسن نعمل في إحدى الشركات لتصنيع الألعاب، وخلال استراحة الغداء وشعورنا الكبير بالملل، خطرت في بالنا فكرة إنشاء مصنع الرسوم المتحركة، فكلانا لديه الاهتمام بالرسم والتحريك والفن وصناعة محتوى للأطفال. تركنا عملنا، وسريعاً وجدنا مكتباً فاستأجرناه ضمن إمكاناتنا البسيطة، وسميناه مصنع الرسوم المتحركة. اخترنا هذا الاسم لأنه عام وأردنا أن يكون باللغة العربية. شعرنا بأن كلمة المصنع قد تثير مخيلة الأطفال لِما تحتويه من عمل باليدين واستخدام المواد والأدوات. كما تشير كلمة المصنع إلى خط الإنتاج، إذ سعينا لنكون شركة إنتاج للأفلام والرسوم المتحركة، ونساهم في تطوير صناعة فن الرسوم المتحركة في فلسطين من خلال وجود مساحة تفاعلية وتعاونية تضم فنانين وصانعين وتقنيين وحرفيين وموسيقيين وكتّاباً."

 

باسل نصر وعبود الحاج

 

درس باسل نصر الهندسة المعمارية في جامعة بيرزيت، والتحق بورشة في معهد الصحة في فن الأنيميشن، ثم حضر دورة مكثفة في فانكوفر(كندا)، واستهواه هذا الفن ليكمل الماجستير في فنون الرسوم المتحركة في جامعة UCLA في كاليفورنيا. "اخترت الدراسة هناك لأن المدينة أيضاً فيها حراك أنيميشن، فهي تضم أضخم الاستوديوهات في العالم، مثل بكسار، وكانت كل الأفلام الجديدة تُعرض في الجامعة، وهي فرصة للقاء مخرجين ومحرّكين، ليس للدراسة فقط، بل للانخراط أيضاً في المساحات والنقاشات الخارجية لهذا الفن." وعلى الرغم من كل تلك الإمكانات وفرص التعلم والتطور الوظيفي السريع هناك، فإن باسل كان ينتظر إتمام دراسته والعودة إلى فلسطين بشغف كبير لمشاركة خبرته والمساهمة في إنشاء حراك فني وتطوير هذا الفن والصناعة في فلسطين. "هناك أمر ما يجذبني في فلسطين، يجعل من العمل محفزاً له قيمة، فقيمة العمل هنا لا يضاهيها أي مكان في العالم، لا أستطيع وصف الأسباب تحديداً."

وعن زميله وشريكه الفنان والحرفي عبود الحاج حسن، فقد درس الفنون الجميلة في جامعة النجاح، وتخرج منها سنة 2002، وهو كما يصفه باسل، "رسام محترف، وحرفي متعدد المواهب، من الرسم إلى الخياطة والنحت والنجارة والطهي." عبود  لديه شغف بإنتاج محتوى عربي للأطفال، وعمل على تصميم العديد من الألعاب التفاعلية، والقصص. دمجت علاقتهما في البداية ما بين الرسم الذي يقوم به عبود، ثم التحريك الذي يقوم به باسل. فكانا يكملان بعضهما البعض.

 

ورشات الأطفال واليافعين

 

سألت باسل عن أهمية هذا الفن، وموقعه حالياً بين الفنون السينمائية الأُخرى، وخصوصية هذا الفن فلسطينياً، فأجاب" لسنوات عديدة لم يحظَ فن الأنيميشن في العالم بحقه كشكل من أشكال التعبير الفني والسينمائي. ولكن مع ظهور مهرجانات الرسوم المتحركة، وإنشاء استوديوهات الأنيميشن وازدهار هذه الصناعة في قطاعات الإعلام والثقافة والفنون، وخصوصاً اليوم في عصر الديجيتال، أصبح الأنيميشن يتربع في قلب السينما والثقافة البصرية. وهناك تطورات هائلة تحدث كل يوم في هذا القطاع. ولهذا، فكرنا أنه عبر بناء استوديوهات محلية برؤى عالمية، يمكننا أن نكون نقطة في هذا البحر الشاسع. وعلى الرغم من أن فن الرسوم المتحركة في فلسطين لا يزال في بداياته، فإننا نتحدث عن غياب كامل لتدريس هذه التخصصات في الجامعات الرئيسية، وبالتالي وجود محركين قلائل جداً يمكن عدّهم على الأصابع، وإمكانات وميزانيات محدودة جداً وغياب دعم رسمي لهذا القطاع. فعادةً ما يكون الأنيميشن باستثمارات القطاع الخاص، أو تدعمه الحكومة، مثل اليابان، حيث تُعتبر ثالث أكبر صناعة في العالم،  أو كما في أوروبا، حيث تتواجد مؤسسات لصنّاع الأفلام، وتتوفر للعاملين فيه فرص وإمكانات، أو مثل أميركا، حيث الاستوديوهات الضخمة، وكل هذا غير موجود لدينا. إلا أننا نؤمن بقوة هذا الفن وأهميته فلسطينياً عبر اللغة العالمية التي يحملها من قوة سرد القصص بلغة بصرية، وقدرته على تخطّي القيود والحواجز السياسية والجغرافية."

 

تطوير مشهد

 

خلال الحوار، تحدثنا عن المحتوى المخيف الذي يقدَّم للأطفال في هذا العصر، وكأن هناك حرباً ضد الطفولة، فقد أصبح وصول الأطفال إليه متاحاً بسهولة، وهو عكس المحتوى الذي كان يقدَّم لنا، نحن جيل الثمانينيات، فبرامج الأطفال التي كنا نشاهدها احتوت على قيَم إنسانية. فمثلاً يتحدث برنامج كابتن ماجد عن شغف البطل ماجد بكرة القدم، لكنه يتحدث أيضاً عن الصراعات الطبقية بين سكان المدينة وبين فريقي المجد والسعادة، أي بين الفقراء والأغنياء. يتفق باسل مع ذلك ويقول "يكمن دورنا هنا تحديداً في محاربة المحتوى الاستهلاكي والرأسمالي، عبر إنتاج محتوى يحترم مخيلة الأطفال ويغذيها. أذكر في طفولتي أيضاً أنني كنت أتابع شارع سمسم والأنيمي الياباني، مثل عدنان ولينا والهداف، الذي كنت كلما أشاهد إحدى حلقاته، كنت أشعر بطاقة كبيرة، فأمسك الكرة وأضربها بقدمي بقوة. في بالنا دائماً إنتاج محتوى ذي جودة عربية، وليس فقط فلسطينية، لكن الطريق طويل لأنه يحتاج إلى إمكانات أضخم."

يركز مصنع الرسوم المتحركة على رفع مستوى الإنتاج وتقديم تدريبات وورش للمهتمين كبديل من التعليم الرسمي المفقود، وتوفير مساحة للمهتمين والباحثين عن فرص عمل وتدريب للخريجين الشباب للانضمام. وعلى الرغم من تسجيله كشركة، فإن مصنع الرسوم المتحركة يعمل مع الأطفال في المخيمات والتجمعات المهمشة ومناطق C ضمن ورشات فنية تركز على تعلّم الأطفال لهذا الفن لأهداف متعددة، منها بناء جيل مهتم ومواكب لهذه الصناعة، وقوة هذا الفن كعلاج للأزمات التي يعيشها الأطفال. يقول باسل "عملنا مع الأطفال في طولكرم، والأغوار، والخليل، وغيرها العديد من المناطق، فالرسوم المتحركة أصبحت تُستخدم في العالم كأداة تعليمية، يتعلم الطفل عبر اللعب مجموعة من المهارات، فمن خلال التحريك، يتعلم الطفل العلوم والرياضيات والفيزياء، على سبيل المثال، عمليات التسارع والتباطؤ، وماذا يعني ذلك. أيضاً هناك صقل للمهارات الاجتماعية، فهو لا يتصرف وحده، بل ضمن مجموعة، وعليه اتخاذ  قرارات من خلال النقاش وتوزيع الأدوار ضمن الفريق. وطبعاً المهارات الفنية وتنمية الحس البصري والحسي عبر استكشاف المواد، مثل معجون اللعب (الملتينة) والخشب والطين والصوف وغيرها، التي يمكن تطويعها لإنتاج شخصيات وبناء مشاهد. وأخيراً، يتعلم الطفل مهارات القرن الواحد والعشرين باستخدام  التطبيقات بواسطة الموبايل والآيباد والشاشات، وكل ذلك يستطيع ابتكاره في البيت من دون تكاليف." 

 

تطوير دمية

 

في فلسطين، تصبح حتى الرسوم المتحركة نوعاً من أنواع المقاومة، فهي مرتبطة بالواقع الفلسطيني المُعاش، فتحمل أفلام الأنيميشن التي ينتجها المصنع رسائل سياسية تحكي قصة الفلسطيني. فقد أنتج المصنع أفلاماً عن تدمير المدارس، واللاجئين الفلسطينيين، وتجربة الاعتقال التي يتعرض لها الأطفال الفلسطينيون، والنكبة واستمراريتها، والتعذيب في السجون الإسرائيلية. كذلك فإن فن الرسوم المتحركة لم يسلم من تقييدات الاحتلال الإسرائيلي. يقول باسل "نواجه مشكلة كبيرة في الحصول على المواد لصناعة الشخصيات والمشاهد وغيرها، مثل مواد السيليكون التي تُستخدم لصناعة الشخصيات، نحاول أيضاً البحث عن بدائل محلية."

في المصنع، يجلس باسل وفريقه عدة أسابيع، أحياناً، لصناعة يدين للدمية، يستخدمون مواد مصنوعة من السيليكون، ويجربون في القوالب والمواد، وعملية بناء كل دمية تستغرق وقتاً طويلاً.  يقول باسل "إنه فن ليس له نهاية، قد نعمل على اللقطة إلى الأبد." تعلّم باسل وفريقه كل ذلك وحدهم، بالتدريب والممارسة ومشاهدة فيديوهات. "نحب أن نشتغل بطريقة يدوية، وهي تُعتبر الطريقة الأصلية التي استُخدمت مع بداية السينما. ولكننا ندمج ما بين التقليدي والديجيتال لأننا معنيون بتطوير هذا الفن كصناعة." تعلمنا كل أنواع التحريك، من ستوب موشين، موشين غرافيكس، 2D أنيميشن، 3D  أنيميشن، وغيرها العديد، نحاول أن نواكب كل ما هو جديد في هذا القطاع، وشاركنا في مهرجانات عالمية."

 

تطوير مشهد من تجمع أبو نوار

 

يكمل باسل: هناك اعتقاد لدى الناس، أحياناً، أن الرسوم المتحركة مرتبطة فقط بالأطفال، وهذا غير صحيح، وربما جاء من ربط الرسوم المتحركة بأفلام الكرتون، وكلاهما لديه ميزات مختلفة عن الآخر. في المصنع، نستهدف الكبار، حيث نظّمنا في الصيف الماضي عروض رسوم متحركة  للكبار فقط، سعينا من خلالها لبناء مجتمع محب للرسوم المتحركة. كما نعمل في ورشاتنا مع فنانين من خلفيات مختلفة، فيُحضر كل فنان الأداة أو التقنية التي يعمل بها، سواء كولاج أو ألوان مائية أو غيرها.

مؤخراً، قام المصنع باستئجار مساحة جديدة ستكون مخصصة للورشات الاحترافية ضمن مستويات مختلفة من ستوري بوردينغ (القصص المصورة)، بناء الشخصيات، وغيرها. نستهدف الكبار ما فوق الـ 17 عاماً وخريجي الجامعات، كما ستكون هناك ورشات للأطفال من 6 إلى 16 عاماً. 

يختم باسل اللقاء بالقول: "هناك سحر في الرسوم المتحركة، عبر تحكّمك الكامل في كل شيء، فأنت تخلق أشياء وتدب الحياة فيها، وتعيد بناء المكان، كما فعل أطفال تجمُّع أبو نوار، لقد شعروا بأن في إمكانهم بالفعل إعادة بناء مدرستهم، وهذا سحر نحن بحاجة إليه كفلسطينيين."

 

[1]  أنظر الرابط الإلكتروني.

[2] https://almasna.me/

انظر

Read more