قبل الحرب العالمية الأولى، كانت المناطق التي ستُشكَّل منها فلسطين الانتدابية تضم متصرفية القدس التي استقلت عن ولاية سورية في سنة 1874 واشتملت على أقضية يافا وغزة والخليل، ثم على قضاء بئر السبع، ولواء عكا، الذي كان تابعاً لولاية بيروت، آنذاك، وضمَّ أقضية حيفا وصفد والناصرة وطبرية، ولواء البلقاء الذي كان تابعاً لولاية بيروت ومركزه نابلس، وشمل أقضية جنين وبني صعب وجماعين والسلط.
خريطة اتفاقية سايكس بيكو التي تُظهر تركيا الشرقية في آسيا، وسوريا، وغرب بلاد فارس، ومناطق السيطرة والنفوذ المتَّفق عليها بين البريطانيين والفرنسيين. (الموسوعة التفاعلية للقضية الفلسطينية)
وخلال الحرب، وبناءً على الاتفاقيات التي توصّل إليها كلٌّ من مارك سايكس وجورج بيكو، في أيار/مايو 1916، حصلت فرنسا على مناطق في شمال الجليل، وعلى إمكانية الوصول إلى بحيرة طبرية عبر منطقة حوران، بينما حصلت بريطانيا على جيب عكا-حيفا، وذلك بعد أن فشل جورج بيكو في إقناع مارك سايكس بأن يكون ميناء غزة هو المنفذ الذي تطالب به بريطانيا على البحر الأبيض المتوسط، واتُّفق على تدويل القدس وبقية مناطق فلسطين.
بيْد أن الإمبرياليين البريطانيين كانوا مصممين على التشكيك في هذه الاتفاقيات في أسرع وقت ممكن، إذ كانوا ينظرون إلى نظام تدويل فلسطين على أنه موقت، كما كانوا ينظرون إلى الحدود بالطريقة نفسها. ومنذ صيف سنة 1916، بدأ مارك سايكس، في نطاق منظور المراجعة هذا، يفكر في كيفية دمج المشروع الصهيوني ضمن المخططات البريطانية، وهو ما تحقق عن طريق إصدار تصريح بلفور.
عندما عُقد مؤتمر الحلفاء في سان ريمو في نيسان/أبريل 1920، كانت الجيوش البريطانية احتلت فلسطين. وكان الغرض من ذلك المؤتمر هو الانتهاء من وضع معاهدة السلام مع تركيا، أي التسوية النهائية لخلافة الإمبراطورية العثمانية. وما بين 19 و21 نيسان/أبريل 1920، اجتمع أعضاء المجلس الأعلى للحلفاء، وهم: البريطاني لويد جورج، والفرنسي ألكسندر ميليران والإيطالي فرانشيسكو سافيريو نيتي، لتحديد شروط المعاهدة. وبعد أن تمّ حل جميع حالات سوء التفاهم بين فرنسا وبريطانيا، وتخلت فرنسا عن مطلبها بضمان الحماية الدينية في فلسطين، تمّ توزيع الانتدابات، ولكن من دون تحديد حدودها الحقيقية، واحتُفظ بالتعريف التوراتي لفلسطين: أي "المنطقة الواقعة بين دان في الشمال وبئر السبع في الجنوب". وهكذا، مُنح الانتداب على فلسطين وبلاد ما بين النهرين لبريطانيا، والانتداب على سورية، ولكن من دون الموصل التي كانت من حصتها، بحسب اتفاقيات سايكس-بيكو، لفرنسا. وفي 25 نيسان/أبريل، تم صوغ النص النهائي لقرارات مؤتمر سان ريمو، والتي أصبحت جزءاً من معاهدة السلام مع تركيا، والموقّعة في سيفر في 10 آب/أغسطس 1920.
بعد أن حصلت بريطانيا على الانتداب على فلسطين، كان عليها ترسيم حدود هذا الكيان الانتدابي، بما يضمن الانتقال من حدود إمبراطورية إلى حدود كيان دولتي، صار يحدّه من الجنوب مصر، ومن الشرق إمارة شرق الأردن وسورية، ومن الشمال لبنان.
ترسيم حدود فلسطين الجنوبية
كانت حدود فلسطين الجنوبية، أو بالأحرى متصرفية القدس، مع مصر قد تمّ ترسيمها منذ سنة 1906. ففي مطلع ذلك العام، صرّح السلطان العثماني عبد الحميد بأن شبه جزيرة سيناء تتبع الدولة العثمانية. وفي 3 أيار/مايو 1906، أراد العثمانيون إنشاء فرع لخط سكة حديد الحجاز يصل من معان إلى العقبة على البحر الأحمر، وذلك لتأمين طرق الحج بين مصر والحجاز، فنشأت بين بريطانيا، التي كانت تحتل مصر منذ سنة 1882، والسلطنة العثمانية أزمة حول الحدود عُرفت باسم "أزمة العقبة"، أو "أزمة طابا"؛ إذ طالبت الحكومة المصرية في عهد الخديوي عباس الثاني بتشكيل لجنة مشتركة لتعيين التخوم بين شبه جزيرة سيناء والأملاك العثمانية في الشام والحجاز، لكن السلطان عبد الحميد تجاهل الطلب المصري، وأمر اللواء رشدي باشا قائد حامية العقبة العثمانية باحتلال وادي طابا، معتبراً أن مصر ولاية عثمانية، وبالتالي لا يمكن أن يوجد بينها وبين بقية الولايات الخاضعة للإدارة العثمانية مباشرةً حدود وتخوم، فاعتبر البريطانيون أن احتلال طابا ينطوي على تهديد لمصر وقناة السويس. وبعد قيام البريطانيين باستعراض قوتهم البحرية، تخلى السلطان العثماني عن مشروعه وتم توقيع اتفاقية في مطلع تشرين الأول/ أكتوبر، كرّست إدراج قطاع طابا، بالقرب من العقبة، ضمن حدود مصر. وتمّ ترسيم خط الحدود المصرية الفلسطينية في الصحراء بين البحر الأبيض المتوسط والبحر الأحمر، من رفح إلى طابا.
في 9 أيار/مايو 1919، ورد في مذكرة قدمها الوفد البريطاني إلى مؤتمر باريس للسلام أن البريطانيين يعتزمون تبنّي الحدود بين مصر والإمبراطورية العثمانية التي رُسِّمت في سنة 1906. وفي 28 شباط/فبراير 1922، أعلنت بريطانيا إنهاء الحماية البريطانية على مصر التي أصبحت دولة مستقلة ذات سيادة، وبات للحدود المصرية طابع دولي، وعزز الانتداب البريطاني على فلسطين تلك الحدود برسم ما يُعرف بـ"الحد الفاصل" بين مصر وفلسطين. وفي 10 تموز/يوليو 1922، أصبحت منطقة النقب جزءاً من فلسطين، وذلك إرضاءً للمنظمة الصهيونية التي كانت تضغط على الحكومة البريطانية كي تؤمن لها إمكانية الوصول إلى البحر الأحمر، ورُفضت مطالب الأمير عبد الله بن الحسين الذي كان يطمع بضم النقب إلى إمارة شرق الأردن.
ترسيم حدود فلسطين الشمالية
كان ترسيم الحدود الشمالية لفلسطين الانتدابية عملية أطول بكثير وأكثر تعقيداً من ترسيم الحدود الأُخرى. إذ كان الأمر يتعلق هنا بحدود تفصل بين المناطق الخاضعة للسيطرة الفرنسية والمناطق الخاضعة للسيطرة البريطانية، وتمرّ عبر مناطق مكتظة بالسكان، بينما تمّ ترسيم الحدود الأُخرى لفلسطين الانتدابية مع مصر الخاضعة للسيطرة البريطانية، ومع إمارة شرق الأردن الخاضعة كذلك للسيطرة البريطانية، وهي حدود مرّت بصورة رئيسية في مناطق قليلة السكان. أما الاختلاف الثاني الذي ميّز حدود فلسطين الانتدابية الشمالية، فقد تمثّل في أن هذه الحدود كانت حدوداً مائية، بمعنى أن السيطرة على موارد المياه اضطلعت بدور كبير في ترسيمها. ولم يتم التصديق على اتفاقية الحدود السورية (اللبنانية) الفلسطينية بين بريطانيا وفرنسا حتى آذار/مارس 1923، وذلك بعد أن أقرّ مجلس عصبة الأمم الانتداب البريطاني على فلسطين رسمياً في تموز/يوليو 1922.فقد طالب البريطانيون، في البدء، بأن تشمل حدود فلسطين حوضيْ نهر الليطاني ونهر الأردن لتلبية حاجات الحركة الصهيونية، وذلك بعد أن كان حاييم وايزمن أكد، في مؤتمر السلم في باريس في شباط/فبراير 1919، أن مستقبل فلسطين الاقتصادي كله يعتمد على إمدادات المياه للري وتوليد الكهرباء، وأن إمدادات المياه يجب تأمينها، بصورة رئيسية، من سفوح جبل الشيخ، ومنابع نهرَيْ الأردن والليطاني، بحيث تشمل حدود فلسطين جنوب غرب سورية والجنوب اللبناني حتى جنوبي صيدا. وفي أيلول/سبتمبر من العام نفسه، أعاد حاييم وايزمن طرح هذه المطالب في باريس أمام روبير دو كيه، الأمين العام للمفوضية الفرنسية العليا لبلاد الشام، والذي سيصبح الرجل الثاني، بعد الجنرال غورو، في إدارة الانتداب الفرنسي على سورية، بيْد أن دو كيه رفض أن تشمل حدود فلسطين نهر الليطاني وجبل الشيخ. ومنذ شهر تشرين الثاني/نوفمبر 1919، وحتى شهر كانون الأول/ديسمبر 1920، عندما اتفقت الحكومتان البريطانية والفرنسية على تشكيل لجنة مشتركة لترسيم الحدود في المناطق الخاضعة لنفوذهما، تمّ تبادل عدة اقتراحات بشأن هذا الترسيم بين ممثلين للدولتين، كان من ضمنها مقترح فرنسي يقضي بأن تتنازل فرنسا للحركة الصهيونية عن نصف حوض بحيرة طبرية، وعن قضاء صفد، ولكن ليس أبداً عن مجرى نهر الليطاني المنفصل عن حوض الأردن، ولا عن ثلوج جبل الشيخ، أو أي جزء من منطقة البقاع. بيْد أن المسؤولين البريطانيين بقوا مصرّين، طوال سنة 1920، على ضرورة تمكين المستوطنين اليهود من استخدام مياه الليطاني، الحيوية لضمان التنمية الاقتصادية وتوفير شروط نجاح الوطن القومي اليهودي.وأخيراً، وفي 23 كانون الأول/ديسمبر 1920، وبعد أن تكرّست فكرة أن فلسطين تمتد، وفقاً للكتاب المقدس، من دان في الشمال إلى بئر السبع في الجنوب، تمّ الاتفاق على إنشاء لجنة مشتركة فرنسية- بريطانية لترسيم الحدود وتسوية المسألة المتعلقة باستخدام المياه، بحيث صار البريطانيون يركّزون جهودهم على السيطرة على منابع نهر الأردن وروافده، وأهمها اليرموك. وقد باشرت هذه اللجنة المشتركة أعمالها في حزيران/يونيو 1921، وتوصلت، في مطلع شباط/فبراير 1922، إلى اتفاق لتثبيت حدود فلسطين مع سورية ولبنان، الذي كان الجنرال غورو أعلن في 31 آب/أغسطس 1920 استقلاله باسم لبنان الكبير، وأصبح هذا الاتفاق نافذاً في 10 آذار/مارس 1923. وهكذا، وُلد الخط الحدودي المعروف بـ "بوليه- نيو كومب"، نسبةً إلى الكولونيل الفرنسي ن. پوليه والكولونيل البريطاني س.ف. نيوكمب، اللذين عُيِّنا لرئاسة لجنة الحدود؛ وهو خط لم يكتمل سوى بإجراء تعديل حدودي آخر أقرّه الجانبان الفرنسي والبريطاني في 23 حزيران/يونيو 1923؛ وبموجب هذا التعديل، سُلخ سهل الحولة عن لبنان ونُقل من السيطرة الفرنسية إلى السيطرة البريطانية، وهو ما نجم عنه سلخ 7 قرى حدودية عن لبنان، أصبحت داخل فلسطين، جغرافياً، بينما أُلحق سكانها بلبنان.
وبحسب اتفاق حُسن الجوار، الذي اتفقت عليه سلطات الانتداب الفرنسي والانتداب البريطاني في 2 شباط/فبراير 1926، تمتع سكان سورية، التي تمّ رسم حدودها الدولية مع فلسطين على بُعد 10 أمتار من الشاطئ الشمالي الشرقي لبحيرة طبرية، بالحق في استغلال البحيرة في مجاليْ الملاحة والصيد. وبحسب بعض المؤرخين اللبنانيين، ومنهم عصام خليفة ومسعود ضاهر، فإن مساحة لبنان الكبير، قبل تحديد الحدود الدولية بينه وبين فلسطين، أي بين حدود الانتداب الفرنسي وحدود الانتداب البريطاني، كانت تُقدَّر بـ 12000 كيلومتر مربع، لكن عندما أضيفت منطقة الحولة وأراضي القرى السبع، من دون سكانها، إلى فلسطين، تقلّصت هذه المساحة لتصبح 10452 كيلومتراً مربعاً.
ترسيم حدود فلسطين الشرقية
بدأت المفاوضات المباشرة بين وزارة الخارجية البريطانية والمنظمة الصهيونية بشأن مضمون صك الانتداب البريطاني على فلسطين في منتصف تموز/يوليو 1919، وذلك بعد أن كان البريطانيون أعدوا مشروعاً شاملاً لصك الانتداب، اشتمل على 29 مادة، بينما كانت المنظمة الصهيونية أعدت مشروعاً تضمّن 5 مواد. وفوّض وزير الخارجية، آنذاك، اللورد بلفور السكرتير الأول في وزارة الخارجية البريطانية إريك فوربس آدم الدخول في مفاوضات مع المنظمة الصهيونية بشأن المشروعين، بينما ترأس بن كوهين، نيابةً عن حاييم وايزمن، الجانب الصهيوني في تلك المفاوضات. وبحلول كانون الأول/ديسمبر 1919، كان الوفدان قد توصلا إلى مسودة "حل وسط"، لم تتضمن أي إشارة إلى شرق الأردن. وبعد أن تولى اللورد جورج كرزون منصب وزير خارجية بريطانيا في تشرين الأول/أكتوبر 1919، راح يسعى، اعتباراً من منتصف آذار/مارس 1920، لإدخال تعديلات على المسودة، إذ عارض ما ورد في ديباجتها عن "الاعتراف بالصلة التاريخية التي تربط الشعب اليهودي بفلسطين ومطلبه الرامي إلى إعادة بناء فلسطين، بصفتها وطنه القومي." وبغية تجاوُز معارضة كرزون تلك، طرح بلفور صيغة جديدة وافق عليها اللورد كرزون بعد الضغط الذي مارسه عليه كلٌّ من لويد جورج وبلفور، ووردت في ديباجة صك الانتداب، الذي أحيل على عصبة الأمم في 22 تموز/يوليو 1922، على النحو التالي: "ولما كان قد اعترف بذلك بالصلة التاريخية التي تربط الشعب اليهودي بفلسطين وبالأسباب التي تبعث على إعادة إنشاء وطنهم القومي في تلك البلاد." ومن ناحية ثانية، وبغية الالتفاف على المطالبة الصهيونية بضم المنطقة الواقعة شرقي نهر الأردن إلى فلسطين، دعم اللورد كرزون، في 31 آذار/مارس 1921، إدراج مادة عن شرق الأردن ضمن صك الانتداب، حملت الرقم 25. وكان مقترح إقامة إمارة عربية شرقي نهر الأردن يقف على رأسها الأمير عبد الله بن الحسين، ولا تُطبَّق عليها شروط الانتداب على فلسطين، ومن ضمنها إقامة الوطن القومي اليهودي، قد طُرح في مؤتمر القاهرة الذي عُقد في الأسبوع الثاني من شهر آذار/مارس نفسه، برئاسة وزير المستعمرات ونستون تشرشل، وشارك فيه المسؤولون عن السياسات البريطانية في المنطقة، والذي قرر أيضاً تأسيس دولة عراقية ومبايعة فيصل بن الحسين ملكاً عليها. وفي محادثات جرت في القدس في 28 آذار/مارس 1921، عرض وزير المستعمرات ونستون تشرشل على الأمير عبد الله بن الحسين مشروع إقامة إمارة شرق الأردن خارج نطاق فلسطين، وأكد له أن شرق الأردن لن يكون جزءاً من الوطن القومي اليهودي الذي سيتم إنشاؤه غربي نهر الأردن.
وقد ورد في المادة 25 من صك الانتداب على فلسطين ما يلي: "يحق للدولة المنتدبة بموافقة مجلس عصبة الأمم أن ترجئ أو توقف تطبيق ما تراه من هذه النصوص غير قابل للتطبيق على المنطقة الواقعة ما بين نهر الأردن والحد الشرقي لفلسطين كما سيعين فيما بعد بالنسبة للأحوال المحلية السائدة في تلك المنطقة، وأن تتخذ ما تراه ملائماً من التدابير لإدارة تلك المنطقة وفقاً لأحوالها المحلية بشرط ألا يؤتى بعمل لا يتفق مع أحكام المواد 15، 16، 18." وبناءً على هذه المادة، تمّ إنشاء منطقتين إداريتين-فلسطين، تحت الحكم البريطاني المباشر، وإمارة شرق الأردن المتمتعة بالحكم الذاتي تحت الوصاية البريطانية-وفقاً لتفسير الحكومة البريطانية المعدل لمراسلات الحسين-مكماهون لسنة 1915، والتي حُدِّدت حدودها بعد أن تنازلت فرنسا في سنة 1921 عن مقاطعة الرمثا وضمتها إلى شرق الأردن، كما تنازل عبد العزيز آل سعود في سنة 1925 عن منطقة مُعان، بينما ضمت بريطانيا خليج العقبة، كأمر واقع، إلى أراضي الإمارة.
خاتمة
لم يشارك أي ممثل لسكان فلسطين العرب، ولا أي ممثل عربي آخر، في المفاوضات التي حددت حدود فلسطين الانتدابية، بينما شاركت المنظمة الصهيونية، ليس فقط في النقاشات التي دارت حول نص تصريح بلفور، قبل إقراره رسمياً، وفي النقاشات التي سبقت إصدار صك الانتداب البريطاني على فلسطين، بل شاركت كذلك في النقاشات المتعلقة بتحديد حدود فلسطين الانتدابية.
فبريطانيا التي كانت تحتل مصر، فرضت على السلطان العثماني، بعد تلويحها بالقوة العسكرية، ترسيم الحدود الجنوبية لِما ستصبح فلسطين الانتدابية مع مصر، وجعلت نهر الأردن خطاً لحدود فلسطين الانتدابية الشرقية، بعد أن قررت إقامة إمارة شرق الأردن، واتفقت مع فرنسا على ترسيم حدود فلسطين الشمالية والشمالية الشرقية مع لبنان وسورية، بعد أن مارست ضغوطاً قوية على فرنسا كي تقبل تلبية بعض مطالب الحركة الصهيونية، التي ضغطت على البريطانيين والفرنسيين، خلال مفاوضات ترسيم الحدود، لإدخال أكبر عدد ممكن من مصادر المياه ضمن حدود فلسطين. ويعود استبعاد ممثلي العرب الفلسطينيين عن المشاركة في المفاوضات التي حددت حدود فلسطين إلى كونهم لم يتمتعوا، وفقاً لتصريح بلفور ولصك الانتداب الذي أُدرج ضمنه هذا التصريح، بأي حقوق سياسية. وفي هذا السياق، يذكر الباحث الفرنسي جان بول شينيولو أنه في نقاش دار بين البريطانيين والفرنسيين، عشية انعقاد مؤتمر سان ريمو، دعا رئيس الوزراء الفرنسي ألكسندر ميليران إلى ذكر حقوق العرب الفلسطينيين السياسية في القرارات التي ستصدر عن المؤتمر، لكن البريطانيين رفضوا دعوته هذه، واستؤنف النقاش في هذه المسألة في المؤتمر، فتظاهر البريطانيون بالموافقة، لكنهم شددوا على أن الحقوق السياسية للعرب الفلسطينيين مندرجة في مصطلح "الحقوق المدنية"، بحيث لم يتم الاعتراف عملياً بهذه الحقوق السياسية.
*أُلقيت هذه الورقة في المؤتمر العلمي الذي نظمته مؤسسة الدراسات الفلسطينية، بالتعاون مع جامعة بير زيت، ومع أقسام الدراسات الفلسطينية في عدد من الجامعات الأميركية والأوروبية، في ذكرى مرور مئة عام على إقرار "عصبة الأمم" صك الانتداب البريطاني على فلسطين، وذلك في أواخر تشرين الأول/أكتوبر ومطلع تشرين الثاني/نوفمبر 2022.
أهم المراجع
Berthelot, Pierre. “L’eau comme déterminant du tracé des frontières coloniales: le cas de la Palestine mandataire”. 5 décembre 2017.
Laurens, Henry. La question de Palestine. Tome I: 1799-1922, l'invention de la Terre sainte. Paris: Fayard, 1999.
Perrin, Dominique. Palestine: une terre, deux peuples. Villeneuve d'Ascq: Presses universitaires du Septentrion, 2000.
Vareilles, Guillaume. Les frontières de la Palestine: 1914-1947. Paris: L’Harmatin, 2011.