منذ بدء اجتياح الجيش الروسي لأوكرانيا، وتصاعد حدة المعارك بين الطرفين، وتحوُّل المواجهة العسكرية بين البلدين إلى مواجهة دولية بين الرئيس الروسي فلاديمير بوتين من جهة ومعسكر الدول الغربية بقيادة الرئيس الأميركي جو بايدن من جهة أُخرى، وجدت إسرائيل نفسها في وضع لا تُحسد عليه. فالدولة التي تعتبر نفسها أهم حليف للولايات المتحدة في المنطقة، والتي تزعم أنها تتبنى قيم الغرب، والتي كان ينتظر منها حلفاؤها الغربيون أن تقف معهم صفاً واحداً ضد الغزو الروسي لأوكرانيا، إذا بها تنتهج موقفاً مغايراً حذراً ومحايداً بحجة الدفاع عن المصالح الأمنية الإسرائيلية وضمان حياة اليهود الذين يعيشون في أوكرانيا وروسيا. وقد حاولت إسرائيل تغطية موقفها المتذبذب هذا بمساعي وساطة حاول رئيس الحكومة نفتالي بينت القيام بها بين الطرفين للتوصل إلى وقف إطلاق نار، لكن بدا واضحاً أن فرص نجاحها صعبة.
فما هي خلفيات الموقف الإسرائيلي من الحرب في أوكرانيا؟ ومَنْ تخدم فعلاً الوساطة التي يقوم بها نفتالي بينت بين الطرفين؟ والأهم ما هي دروس هذه الحرب وتداعياتها على إسرائيل؟
"سياسة السير بين النقاط": المصالح أولاً
منذ الأيام الأولى للمعارك في أوكرانيا بدا أن هناك توزيعاً للأدوار في إسرائيل بين رئاسة الحكومة ووزارة الخارجية. ففي الوقت الذي دانت وزارة الخارجية، في بيان صادر عنها،[1] الغزو الروسي لأوكرانيا، وأعربت عن أملها بالتوصل إلى حل دبلوماسي، ودعمت وحدة أراضي أوكرانيا، امتنع رئيس الحكومة نفتالي بينت من التنديد علناً بروسيا، واكتفى بالإعراب عن تعاطفه مع المواطنين الأوكرانيين في هذه "الفترة الصعبة والمأسوية".[2]
ومنذ الأسابيع الأولى للحرب، دأب رئيس الحكومة على الاتصال هاتفياً بالرئيسين الروسي والأوكراني مبدياً استعداده للتوسط بينهما، وفي الوقت نفسه كان وزير الخارجية يائير لبيد يلتقي وزير الخارجية الأميركية أنتوني بلينكن في لاتفيا[3]، ويشرح أن الهدف من الوساطة التي يقوم بها رئيس الحكومة نفتالي بينت هو إبقاء قناة الحوار مفتوحة بين الغرب وروسيا من أجل تسهيل التوصل إلى وقف إطلاق نار بين الطرفين، وهي مهمة بدت منذ اللحظة الأولى شبه مستحيلة.
"السير بين النقاط" هو الاسم الذي أطلقه الإسرائيليون على سياستهم الرسمية إزاء الحرب. لكن كان واضحاً أن الهدف الأساسي من هذه السياسة هو عدم إغضاب الرئيس بوتين إلى جانب مراعاة الإدارة الأميركية والتنسيق معها منعاً لحدوث سوء فهم أو خلاف مع الحليف الأميركي.
قدمت إسرائيل العديد من الحجج، وفي مقدمها الحجة الأمنية، دفاعاً عن سياستها الحذرة هذه؛ ففي رأيها روسيا موجودة عسكرياً في سورية، وتقتضي المصلحة الأمنية الإسرائيلية المحافظة على التنسيق الأمني مع القوات الروسية الموجودة هناك، والالتزام بالتفاهمات التي جرى التوصل إليها منذ بدء التدخل العسكري الروسي في سورية سنة 2015 من أجل ضمان حرية عمل سلاح الجو الإسرائيلي ضد التمركز العسكري الإيراني في سورية، واستمرار الخطة العسكرية لمحاربته، والتي أطلقوا عليها اسم المعركة بين الحروب، والإبقاء على قنوات حوار مفتوحة مع الرئيس الروسي، والقيام بدور الوسيط المحايد، ثم تأتي بعدها مصلحة إسرائيل في المحافظة على حياة اليهود في أوكرانيا وفي روسيا.
لكن المنطق المضمر وراء هذه السياسة الإسرائيلية الحذرة هو أن إسرائيل دولة صغيرة لا تستطيع التورط في صراع بين دول كبرى، وأن الحرب الدائرة في أوكرانيا ليست حربها، وبالتالي عليها ألاّ تنحاز إلى طرف دون آخر في صراع دام ومعقد لا أحد يمكنه التنبؤ كيف سينتهي، وأن ما يجري يغير النظام العالمي القائم والمشهد الشرق أوسطي، لذا فإن المطلوب هو التمسك بالدفاع عن مصالح إسرائيل الحيوية بالدرجة الأولى من دون محاباة.
وما يجري في أوكرانيا، ولا سيما موقف الدول الأوروبية والولايات المتحدة بشأن عدم التورط عسكرياً بصورة مباشرة في الصراع خوفاً من الانزلاق إلى حرب عالمية ثالثة، أثار بشدة مخاوف إسرائيل من أن تجد نفسها يوماً ما وحيدة في مواجهة البرنامج النووي الإيراني في حال جرى توقيع اتفاق جديد بين الدول الكبرى وإيران، وأن تصبح مثل أوكرانيا وحدها في مواجهة التهديد النووي الإيراني.
لكن سياسة "السير بين النقاط" لم تمنع إسرائيل من تأييد قرار الأمم المتحدة إدانة الغزو الروسي لأوكرانيا بعد أن سبق أن امتنعت عن التصويت على قرار أميركي يدين روسيا. ومع ذلك يمكن القول إن هذه السياسة لم تكن موضع إجماع في إسرائيل، ولا سيما وسط المحللين والصحافيين والمثقفين. فقد علت أصوات تدين تذبذب الحكومة وتطالبها بالوقوف إلى جانب "الطرف الصحيح في التاريخ"، لا لأسباب أخلاقية فحسب، بل أيضاً لأسباب لها علاقة بمصالح إسرائيلية حيوية أمنية وعسكرية وسياسية واقتصادية.
ففي رأي العميد المتقاعد عاموس يادلين على إسرائيل أن ترفع "الصوت عالياً ضد العدوان الروسي" حفاظاً على مصالحها، وذلك لأسباب جوهرية تتلخص في محافظة الولايات المتحدة "على تفوق إسرائيل العسكري الذي يعتبر رصيداً استراتيجياً من الدرجة الأولى، ويؤمن استقراراً إقليمياً. كما أن قوة إسرائيل وتفوقها النوعي بالإضافة إلى الحلف القوي مع الولايات المتحدة هما اللذان يرسخان صورتها الردعية في بيئة معادية، وهما اللذان يشجعان الدول العربية على الاعتراف، بالتدريج، بأنها ʾهنا كي تبقىʿ، وهذا الاعتراف مكون مركزي في قرار الدول العربية إقامة علاقات معها والسعي للسلام".[4]
لكن، وعلى الرغم من هذه الانتقادات، فإن سياسة الحكومة بعدم الانحياز إلى أي طرف في النزاع يبدو أنها تحظى بتأييد الجمهور الإسرائيلي العريض، على الرغم من تعاطف الإسرائيليين بصورة عامة مع محنة الشعب الأوكراني.
وساطة بينت مَنْ تخدم؟
في 6/3/2022 قام نفتالي بينت بزيارة خاطفة إلى موسكو في إطار مساعي وساطة بين الطرفين للتوصل إلى وقف إطلاق نار. وعلى الرغم من أن الزيارة جرت، بحسب المحللين الإسرائيليين، بالتنسيق مع الأميركيين والأوروبيين، فإنها كانت موضع تهكم واستخفاف لدى بعض الأوساط الإسرائيلية التي رأت أن بينت خدم في زيارته هذه مصلحة بوتين بالدرجة الأولى، من خلال تصوير نفسه أمام العالم بأنه منفتح على الحوار. ورأى المحلل السياسي يوسي ميلمان أن بينت يقوم بمهمة أوكلها إليه "الدكتاتور الروسي"، وأن أحاديث بوتين الهاتفية مع بينت، ولقاءه به، هما جزء من عملية تمويه يقوم بها الرئيس الروسي لإعطاء الانطباع أنه مستعد للحوار، بينما هو في الحقيقة يواصل العمل وفق خطة عسكرية لن تتبدل قبل تركيع أوكرانيا.[5]
ورأى أكثر من محلل أن هدف زيارة بينت هو تحسين العلاقات مع الرئيس الروسي أكثر من أي شيء آخر. فكتب المحلل سامي بيرتس: "الهدف واضح للعيان وهو المحافظة على منظومة العلاقات مع بوتين، ومصلحة إسرائيل في الحفاظ على حرية الحركة في سورية، وعلى حياة اليهود والإسرائيليين في روسيا وأوكرانيا. صحيح أن هذه الزيارة لن توقف العدوان الروسي على أوكرانيا لكنها تمنح إسرائيل وقتاً إضافياَ يمكنها من الاستمرار في الوقوف على الحياد، وكي تبدو كوسيط يتمتع بعلاقات جيدة مع الطرفين".[6]
لكن، وعلى الرغم من ذلك، فإن زيارة بينت ووساطته ساهمتا في تلميع صورته داخلياً، وعززتا إلى حد ما مكانته السياسية إزاء خصومه، وسلطت بعض الأضواء عليه على الساحة الدولية كزعيم يقوم بدور تاريخي.
دروس الحرب وتداعياتها على إسرائيل
أثارت الحرب الروسية على أوكرانيا تساؤلات كثيرة وسط الباحثين والمحللين الإسرائيليين بشأن تداعيات هذه الحرب على المنطقة بصورة عامة، وعلى إسرائيل بصورة خاصة. ورأى فيها كثيرون دلائل على انهيار النظام العالمي السائد، ونشوء واقع جيو-سياسي مغاير يتطلب قراءة صحيحة له لاستخلاص الدروس المطلوبة.
فالدرس الاستراتيجي من الحرب الأوكرانية هو اختبار استخدام سلاح الدبلوماسية والعقوبات الاقتصادية في مواجهة آلة الحرب الروسية. وفي هذا الإطار كتب عاموس يادلين ما يلي: "مع كل الاحترام للقوة الناعمة ولمنظومات المعلومات والسايبر، فقد أثبتت الأحداث في أوروبا أنه لا يمكن التخلي عن قدرات عسكرية تقليدية يمكنها أن تحسم المعركة. وثمة درس إضافي لإسرائيل هو صلاحية العقيدة الأمنية الإسرائيلية، إذ يجب أن ندافع عن أنفسنا بقوانا الذاتية".[7]
لقد أثبتت الحرب في أوكرانيا لإسرائيل أنه لا يمكن الوثوق بالضمانات الدولية من أجل الدفاع عن مصالحها الأمنية، الأمر الذي يعكس أهمية التنسيق مع روسيا في سورية، والنظر إلى هذا التنسيق على أنه "ثروة نفيسة" في العقيدة الأمنية الإسرائيلية، لأنه سمح للحكومة الإسرائيلية قصف الميليشيات الموالية لإيران على الأراضي السورية، "وفي عالم لا تقدم فيه الضمانات الدولية أمناً موثوقاً به، يتعين على رئيس الحكومة بينت الاستمرار في سياسته الحذرة".[8]
بدأت إسرائيل تستخلص العديد من الدروس العسكرية من الحرب الدائرة، وذلك على الرغم من الغبار الذي ما زال يلف المعارك، وتضارب المعلومات، والحرب على الوعي بين الطرفين. لكن، ومنذ الأيام الأولى للمعارك، أثبت الحرب الدائرة خطأ عقيدة كان الجيش الإسرائيلي بدأ بتطبيقها وعنوانها جيش إسرائيلي صغير وذكي في الحروب المستقبلية. وبحسب تقرير نشرته صحيفة "يديعوت أحرونوت"[9]، فإن الحرب في أوكرانيا أثبتت خطأ الذين قالوا إن الحروب القديمة صارت وراءنا، وأن في الإمكان تقليص الجيوش. ففي العقدين الأخيرين قلص الجيش الإسرائيلي حجم سلاح البر، ولا سيما الدبابات والمدرعات وألوية سلاح المشاة، انطلاقاً من عقيدة أن الحرب المقبلة يمكن أن يُستخدم فيها جيش صغير وذكي، لكن ما يحدث في أوكرانيا يثبت حاجة الجيش إلى قوات كبيرة من الجنود النظاميين ومن الاحتياطيين الذين يمكن توزيعهم على أكثر من جبهة في حال نشوب حرب متعددة الجبهات ضد إسرائيل. وقد ساهمت الحرب في تزايد الطلب على الصناعات الأمنية الإسرائيلية، وخصوصاً المسيّرات والمنظومات الاعتراضية وأنظمة القتال الإلكترونية ومنظومات السيطرة والمراقبة وأنظمة الاتصالات، من دول مجاورة لروسيا، مثل بلغاريا وهنغاريا وتشيكيا ورومانيا وسلوفاكيا والسويد.
التداعيات على إسرائيل
- هجرة اللاجئين الأوكرانيين إلى إسرائيل:
يقدّر الكونغرس اليهودي عدد السكان اليهود الذين يعيشون في أوكرانيا بحوالي 400.000 شخص، وهناك قرابة 200.000 يهودي من أصول أوكرانية يعيشون في إسرائيل ويحملون الجنسية الإسرائيلية.
وفي نهاية شباط/فبراير، ذكرت الوكالة اليهودية أن نحو 2500 يهودي أوكراني تقدموا بطلبات هجرة إلى إسرائيل، في حين ذكرت وزارة الهجرة والاستيعاب الإسرائيلية أنها تستعد لاستقبال 10.000 مهاجر جديد من أوكرانيا.
لكن ما إن بدأ تدفق اللاجئين إلى إسرائيل حتى فرضت السلطات الإسرائيلية قيوداً وعقبات على المهاجرين من غير اليهود، فعلى سبيل المثال كل إسرائيلي يريد استضافة عائلة من أوكرانيا عليه دفع مبلغ 10.000 شيكل كضمانة، مع التعهد بأن تغادر العائلة البلد بعد شهر. وبررت السلطات قرارها هذا بأن نحو 24٪ من السياح الذين انتهت مدة تأشيراتهم وظلوا في إسرائيل بصورة غير قانونية هم أوكرانيون.
وأظهرت مسألة المهاجرين من أوكرانيا إلى إسرائيل التمييز الذي تمارسه السلطات الإسرائيلية بين اللاجئين اليهود واللاجئين غير اليهود، وعدم مراعاة الأوضاع المأسوية لهؤلاء، والتمسك بمبادئ عنصرية وانتقائية في استقبالهم، الأمر الذي تسبب بهجوم عنيف على وزيرة الداخلية من حزب يمينا أيلييت شاكيد واتهامها بالعنصرية، لتعلن في وقت لاحق، خلال الأسبوع الماضي، رفع عدد اللاجئين الأوكرانيين من غير اليهود المسموح لهم بالدخول إلى إسرائيل ممن لهم أقارب في البلد. في هذه الأثناء ارتفعت الأصوات التي تطالب بمنح اللاجئين الأوكرانيين من غير اليهود في إسرائيل الإقامات وأذونات العمل، كما تفعل الدول الأوربية إزاءهم. لكن، وعلى الرغم من هذا الجدل، فإن ثمة مَنْ يرى في هجرة اليهود الأوكرانيين إلى إسرائيل فرصة ذهبية للاقتصاد الإسرائيلي الذي يعاني نقصاً في اليد العاملة، وهو بحاجة إلى يد عاملة نوعية من مهندسين ومبرمجين في مجال الهاي تك، وإلى عمال في مجالات البناء والصناعات الأُخرى، وبالتالي فإن قدوم مهاجرين يحملون شهادات جامعية وشهادات تعليم عالٍ يمكن أن يساعد في ملء أكثر من 13.000 وظيفة شاغرة في قطاع الهاي تك وحده، بعد خضوعهم للإعداد والتأهيل المطلوبين.[10]
التداعيات على المفاوضات النووية مع إيران، وعلى الوضع في سورية
لا يُخفى أن الحرب الروسية على أوكرانيا انعكست على مفاوضات فيينا، ولا سيما بعد اشتراط موسكو عدم سريان العقوبات الاقتصادية التي فُرضت على تجارتها مع إيران، الأمر الذي أدى إلى تأجيل المفاوضات لمزيد من التشاور، في وقت كان الجميع يقول إن توقيع الاتفاق النووي الجديد بات وشيكاً. فإلى أي حد سيؤثر الموقف الروسي في المضي قدماً نحو اتفاق نووي جديد؟
مما لا شك فيه أن الشروط الروسية الجديدة لها تأثير في توقيع اتفاق نووي جديد مع إيران. وبحسب دراسة الباحثة سيما شاين في بودكاست،[11] والتي نشرها معهد دارسات الأمن القومي، فإن الشرط الروسي هو بمثابة "وضع عصي في دواليب الاتفاق"، ويمكن أن يؤدي إلى إفشاله لأن الاتفاق ينص على أن روسيا هي الدولة المكلَّفة إخراج المواد الانشطارية من إيران، وبالتالي من الصعب إيجاد دولة أُخرى تحل محلها الآن ويوافق عليها الإيرانيون. ناهيك بأن بوتين لا يريد في هذه الفترة بالذات تقديم إنجاز لبايدن على صورة توقيع اتفاق نووي. كما أن روسيا لا تريد، بحسب الباحثة، السماح لإيران، بعد رفع العقوبات عنها، بالعودة إلى تصدير النفط وسد النقص الحاصل نتيجة العقوبات المفروضة على روسيا.
ورداً على سؤال لم تربط الباحثة بين التصعيد الإيراني الأخير، الذي تجلى في الهجوم الصاروخي على إربيل، وبين الحرب في أوكرانيا، ورأت أن هذا له علاقة بالحرب السرية الدائرة بين إسرائيل وإيران، وبالهجوم الإسرائيلي على قاعدة المسيّرات الإيرانية في كرمنشاه.
مع ذلك يرى أكثر من باحث إسرائيلي أن تطورات الحرب في أوكرانيا لا بد من أن تكون لها تداعيات على الجبهة الشمالية لإسرائيل، وعلى الوضع على الجبهة السورية في الجولان. ومن المفيد الاطلاع على ما كتبته الباحثة في معهد دارسات الأمن القومي كرميت فالنسي في هذا الإطار: "قد تكون للحرب في أوكرانيا انعكاسات على مكانة الأسد الدبلوماسية أيضاً. فحتى قبل سنة واحدة تقريباً، كان الأسد ʾمنبوذاًʿ في الشرق الأوسط، لكن، مؤخراً، باشرت بعض الدول العربية، في مساعٍ لتطبيع العلاقات مع النظام والاعتراف بشرعيته. أمّا التحالف المتين مع بوتين، الذي يُعتبر اليوم عدواً للعالم الغربي، فلا يخدم الأسد في هذه الفترة، بل قد يعود بضرر وخيم على محاولاته الرامية إلى الفوز بالشرعية الإقليمية والدولية. وليس بعيداً عن الحقيقة الافتراض أن الأسد متخوف من أن الضغط الغربي على روسيا، سواء أكان اقتصادياً أم دبلوماسياً، قد يُضعف الدعم الروسي له، أو قد يؤدي، على الأقل، إلى الحد من تدخُّل روسيا في سورية. وهذا بالتأكيد إذا ما أخذنا في الحسبان حقيقة أنه ليس لدى الرئيس بوتين مشاعر خاصة تجاه الأسد، أو تجاه الدولة التي يقف على رأسها، بل إن ما يشغله ويحكم اعتباراته هو المصالح الروسية، المتغيرة تبعاً للظروف". وتتابع فالنسي: "في المحصلة، فإن الجدل الجاري في إسرائيل بشأن العلاقة بين ما يجري في أوروبا وبين النشاط الإسرائيلي في سورية يتلخص في أنه ينبغي ألّا نستهين بأهمية العلاقات مع روسيا، لكن، في المقابل، علينا عدم إغفال موقف إسرائيل القوي وما تملكه من أوراق مساومة، بما في ذلك في السياق السوري أيضاً. فهذه، إلى جانب الارتدادات السلبية التي قد تصيب سورية جرّاء الحرب الراهنة في أوروبا، قد تنطوي على فرص جديدة لإسرائيل لا تقل عن المخاطر".[12]
إن مآلات تطور المعركة العسكرية في أوكرانيا، وما سيحققه بوتين في حربه، لن تنحصر نتائجهما في أوروبا، بل يمكن أن يعيدا تشكيل المشهد الشرق الأوسطي. لذا من المتوقع أن تواصل إسرائيل سياستها الحذرة، والدفاع عن مصالحها، والتزام عدم التورط في دعم طرف ضد طرف آخر في واقع شديد التعقيد والتقلبات.
[1] راجع نشرة مختارات من الصحف العبرية بتاريخ 24/2/2022.
[2] - المصدر نفسه.
[3]- راجع نشرة مختارات من الصحف العبرية بتاريخ 8/3/2022.
[4] - عاموس يادلين، "على إسرائيل أن ترفع صوتاً عالياً وواضحاً ضد العدوان الروسي وألاّ تقف موقف المفترج"، الموقع الألكتروني "N12"، 2/3/2022.
[5] - يوسي ميلمان، "بينت يقوم بمهمة أوكلها إليه الدكتاتور الروسي"، "هآرتس"، 6/3/2022.
[6] - سامي بيرتس،"لماذا اختار بينت موقع الوسيط"، "هآرتس"، 9/3/2022.
[7] - عاموس يادلين، "أفعال بوتين ستحدد كيف سيبدو العالم في العقود المقبلة"، "N12"، 24/2/2022.
[8] - شموئيل ساندلر، "الضمانات والمعايير الدولية والحرب الروسية - الأوكرانية"، معهد بيغن- السادات للأبحاث الاستراتيجية، 17/3/2022.
[9] - يمكن الاطلاع عليه في عدد مختارات من الصحف العبرية الصادر في 1/3/2022.
[10] - ميخائيل همفراس، "الهجرة من أوكرانيا: فرصة ذهبية للاقتصاد الإسرائيلي"، "يسرائيل هيوم"، 14/3/2022.
[11] - https://www.inss.org.il/he/
[12] - كرميت فالنسي، "الرحب الراهنية في أوروبا ق تنطوي على فرص جديدة لإسرائيل في الساحة السورية"، موقع "N12" 1/3/2022.