Leopardi, The Palestinian Left and its Decline: Loyal Opposition
Full text: 

ترهّل اليسار الفلسطيني: المعارضة الموالية

The Palestinian Left and its Decline: Loyal Opposition

Francesco Saverio Leopardi

London: Palgrave Macmillan, 2020. 283 pages.

 

نادرة هي الكتابات والأبحاث التي تحاول فهم اليسار الفلسطيني منذ بدايته حتى الآن، والأكثر ندرة هو الأبحاث التي تحاول فهم اضمحلال اليسار الفلسطيني، وخصوصاً في الأراضي الفلسطينية، وعدم قدرته على التأثير في السياسة الفلسطينية.

في هذا الكتاب المكوّن من 8 فصول، يحاول الباحث الإيطالي فرانسيسكو ليوباردي فهم سبب ترهّل اليسار الفلسطيني، من خلال دراسة حالة الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، عبر تاريخها، ووجودها في لبنان، وسورية، والداخل الفلسطيني. ومحاججة الكتاب الرئيسية هي أن الجبهة الشعبية (الفصيل اليساري الأكبر التي أصبحت مجرد فصيل تتحكم في رأيه التجاذبات السياسية بين حركتَي "حماس" و"فتح"، بحيث أصبح للرئيس الفلسطيني أداة لمعاقبة الفصائل اليسارية، وذلك عبر وقف مخصصاتهم من منظمة التحرير)، اعتمدت منذ بدايات تأسيسها منهج المعارضة الموالية، أو الاندماج - المعارضة في منظمة التحرير وبرامجها وآلياتها، الأمر الذي أدى إلى التقلبات السياسية في مواقف الجبهة الشعبية، وإلى توترات وتجاذبات في داخلها، وخصوصاً بين قيادات الداخل والخارج. ولإثبات محاججته الرئيسية، يتتبّع الباحث تاريخ ومواقف الجبهة الشعبية، متنقلاً بين أرشيفات ومجلات الجبهة، ومقابلات مع ناشطين وقيادات في كل من الأردن والضفة الغربية المحتلة ولبنان.

يتحدث الكاتب في الفصل الأول، عن أزمة اليسار الفلسطيني، فيحاول أن يفنّد بصورة عامة الوضع الحالي لهذا اليسار واضمحلاله، ويستنتج أن الأمر ليس نتاج عامل واحد فقط، بل عدة عوامل أيضاً. وبخلاف الأصوات التي أرجعت اضمحلال اليسار إلى تفكك الاتحاد السوفياتي، فإن الكاتب يرى أن هذا استنتاج غير صحيح، وأنه نتيجة البنى الذاتية كذلك، والتي زادت من تأثير هذا التفكك في هذا اليسار.

يعطي الكاتب، في هذا الفصل، لمحة عن الجبهة الشعبية، وانقساماتها، ومواقفها من عرفات و"فتح"، والتجاذبات بينها وبين الجبهتين الديمقراطية والقيادة العامة، ويُبرز دور "فتح" وعرفات في ترويض سياسات الجبهة الشعبية، وجرّها إلى مربع المعارضة الموالية، وقدرة عرفات على تعزيز التقلبات في المواقف السياسية للجبهة الشعبية.

ويمكن اعتبار هذا الفصل أحد أهم الفصول، كونه يُظهر علاقات الجبهة الشعبية بالآخرين، ومواقفها، والأسباب التي أدت إلى تبنّيها سياسة المعارضة الموالية.

وفي الفصل الثاني، يناقش الكاتب مرحلة الخروج من بيروت، والانقسام الفلسطيني الداخلي، بين حركة "فتح" والموالين لها، وبين التيارات التي اختارت الذهاب إلى دمشق، بدلاً من تونس، وبينها الجبهة الشعبية التي عارضت خيار عرفات السلمي. كما يتناول حرب المخيمات التي حوصرت بدعم من النظام السوري، في ظل وجود الجبهة الشعبية في دمشق.

ويرى أن اتّباع الجبهة الشعبية سياسة المعارضة الموالية، أضعف من قدرتها على التأثير في قيادة منظمة التحرير، وفي الشركاء الآخرين، كالجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين، وعمّق من التقلبات السياسية للجبهة الشعبية.

ويناقش الكاتب في هذا الفصل أيضاً، اتفاق عدن - الجزائر، واتفاق الحسين - عرفات، وغيرهما، في محاولة لفهم مواقف الجبهة الشعبية المتقلبة من تلك المفاصل السياسية.

يتناول الفصل الثالث موقع الجبهة الشعبية في المحور السوري في منتصف الثمانينيات، وموقفها من استمرار نهج عرفات في تبنّي الخيار السلمي وتوجّهه إلى مصر، كما يناقش تأثير الاتحاد السوفياتي في توجهات الجبهة الشعبية. ويرى أنه في هذه المرحلة، تعزز نهج الجبهة الشعبية في اتّباع المعارضة الموالية، وازدادت تقلباتها السياسية.

الفصل الرابع من الكتاب يركز على العلاقات الوطنية للجبهة الشعبية في ظل الانتفاضة الأولى، وتعاظم دور الاتحادات، ووجود القيادة الموحدة في الأراضي الفلسطينية المحتلة. ويتحدث عن انقسام بين قيادات الداخل في الجبهة الشعبية، وقيادات الخارج، وخصوصاً فيما يتعلق بغموض موقف الجبهة الشعبية من الإسلاميين، وتحديداً التحالف مع حركتَي "حماس" والجهاد الإسلامي في الضفة الغربية وقطاع غزة، وتوتر علاقاتها مع "فتح"، وبالتالي تهميش الجبهة داخل منظمة التحرير الفلسطينية.

ويتناول الفصل الخامس موقف الجبهة الشعبية من عملية السلام بين منظمة التحرير الفلسطينية وإسرائيل، والذي تغير من المعارضة الشديدة، إلى المعارضة المشروطة، ثم إلى الموافقة الخجولة.

ففي تسعينيات القرن الماضي، استمرت سياسة التقلبات السياسية، ونهج الجبهة الشعبية في المعارضة الموالية، وأصبحت عملية السلام جزءاً من معادلة التجاذبات السياسية على الساحة الفلسطينية. وفي هذه الفترة، لحق الضعف الشديد بالجبهة الشعبية في الأراضي المحتلة، ولا سيما بعد انخراط جزء كبير من ناشطيها في منظمات المجتمع المدني، في محاولة لدمقرطة المؤسسات الفلسطينية، بدعم وتمويل خارجي، الأمر الذي شكل إضافة جديدة إلى معادلة التقلبات السياسية، وتحديداً ارتباط تلك المؤسسات بتمويل غربي.

كما يمر الكاتب على المفاهيم الأيديولوجية للجبهة الشعبية التي تنتهج الماركسية اللينينية، وأثرها في المواقف السياسية للجبهة.

ويناقش الكاتب في الفصل السادس، دور الجبهة الشعبية في الانتفاضة الثانية، بعد أن اندمجت جزئياً في العملية السياسية ما بعد تشكيل السلطة الفلسطينية، وخصوصاً مشاركتها في الانتخابات التشريعية الفلسطينية في سنة 2006 وفوزها بثلاثة مقاعد، بعد فشل محاولات تشكيل جبهة يسارية موحدة مع فصائل اليسار الأُخرى.

ويتناول الكاتب أيضاً، وبتركيز، الدور الذي أدته الجبهة الشعبية كوسيط بين طرفَي الانقسام الكبير ("حماس" و"فتح")، فيُبرز ضعف قدرتها على التأثير، نتيجة عدم وجود موقف ثابت، إذ كانت آراء الجبهة الشعبية ومواقفها تتقلب بين الفينة والأُخرى.

في الفصل السابع، يتحدث الكاتب عن غياب مشروع ماركسي داخل منظمة التحرير الفلسطينية، ويرى أن ذلك ناجم عن قلة الجهود التي بذلتها الجبهتان الشعبية والديمقراطية في هذا الشأن. ويشكك في أن تكون الجبهة الشعبية قد تبنّت فعلاً المنهج الماركسي اللينيني، بدليل أنها لم تتمكن من تجديد المنهج الثوري، ولا من التعبئة الشعبية الثورية، ويقارن هنا الجبهة بكل من حزب العمال الكردستاني (PKK) بقيادة عبد الله أوجلان، والذي تمكّن من تجديد نفسه، وباليسار المصري الذي انخرط وذاب في النهج الناصري، نتيجة وضعه القضية الوطنية والقومية كأولوية.

أخيراً، في الفصل الثامن، يزودنا الكاتب بخاتمة يُشرّح فيها منهج المعارضة الموالية الذي اتّبعته الجبهة الشعبية.

ختاماً، يوفر هذا الكتاب بداية موفقة لدراسة اليسار الفلسطيني، بمحتوى يدل على جهد بحثي عميق وكثيف، على مدار عدة أعوام، الأمر الذي يفتح الباب أمام العديد من الأسئلة التي ربما تجعل الباحثين الفلسطينيين يأخذون على عاتقهم البحث فيها.

Author biography: 

عبد الهادي العجلة: باحث ما بعد الدكتوراه في المعهد الألماني للدراسات الشرقية.