Geography and Demography in the Land of Israel in the Year 2000
Full text: 

يتفحص هذا المقال المشكلة الديموغرافية وانعكاساتها على خريطة أرض – إسرائيل، بالاستناد إلى توقع علمي – منطقي.

واستناداً إلى هذه النظرية، فإن المشكلة الديموغرافية هي الخطر الأكبر الذي يتهدد أساس الدولة اليهودية الصهيونية، وهي تتطلب قرارات سياسية جريئة وصعبة من أجل استدراك المشكلة قبل فوات الأوان.

هناك أيضاً من يتمسكون برأي مخالف متفائل. وهؤلاء هم الذين يعترفون بوجود مشكلة ديموغرافية، لكنهم يعتقدون أن هذه المشكلة ستحل عن طريق طرد العرب من أرض – إسرائيل أو إخراجهم طوعاً، أو بدلاً من ذلك عن طريق هجرة يهودية كبيرة تخفف من حدة المشكلة الديموغرافية.

فأي المقاربتين أكثر مصداقية؟

إن التوقع ليس تنبؤاً. فهو يعتمد على صورة وضع في نقطة زمنية في الماضي، وعلى صورة وضع في نقطة زمنية في الحاضر، وعلى المسارات التي حدثت بين هاتين النقطتين الزمنيتين والاتجاهات التي ظهرت خلال هذه الفترة الزمنية. ووفقاً للاتجاهات البارزة يحاول التوقع الإشارة إلى التطورات المرتقبة في المستقبل القريب (نحو 15 عاماً).

ومع ذلك، تدل التجربة التاريخية على أنه قد تحدث في الواقع تقلبات مفاجئة، تقلب التوقع رأساً على عقب: أحياناً نحو الأفضل، وأحياناً أخرى نحو الأسوأ. وفي إمكاننا أن نعطي نماذج عديدة على هذه التقلبات، لكن سنكتفي هنا بثلاثة: في ذروة الكارثة النازية، كان من الصعب أن نصدق أنه خلال ثلاثة أو أربعو أعوام ستقوم دولة يهودية. وفي فترة الركود الاقتصادي في الستينات، كان من الصعب أن نتوقع أنه بعد عام من ذلك ستنشب حرب الأيام الستة لتغير الوضع تغييراً كاملاً. وفي المجال الاقتصادي الدولي، لم يتوقع الخبراء الاقتصاديون أن ترتفع أسعار النفط خلال فترة قصيرة من دولار ودولارين إلى 42 دولاراً للبرميل، وأن يتجاوز العالم ذلك بسلام. كما لم يتوقعوا أن تنزل بأوبك العظيمة القدرة ضربة، بعد فترة قصيرة. إن هذه النماذج وغيرها متوفرة بكثرة، وهي تحوّل كل تكهن إلى تكهن مشروط.

يؤخذ أصحاب المقاربة المتفائلة بهذه الظواهر، ويدّعون أنه نظراً إلى أن التوقع ليس أمراً أكيداً فإنه، وبما أن في الإمكان تخطيط المستقبل وفقاً لهذا التوقع، يمكن بصورة لا تقل عن ذلك توقع معجزات وحدوث تغييرات مفاجئة. ولذا، وبالاستناد إلى مقاربتهم، فإن في الإمكان تجاهل الخطر الديموغرافي في أرض – إسرائيل، الذي يعتبرونه خطراً غيبياً، والاستمرار في الاحتفاظ بالأراضي المدارة – أو المحتلة – التي هي ثروة حقيقية. إننا لا نقبل هذه المقاربة لأنها ترفض مواجهة الواقع وانعكاساته وتنتظر أحداثاً على غرار معجزة قد لا تحدث أبداً.

 التوقع الديموغرافي

إذا افترضنا أن المسارات الحالية في أرض – إسرائيل ستستمر، فستبدو الصورة الديموغرافية سنة 2000 كما في الجدول التالي:

 

الجدول رقم (1)

السكان في أرض إسرائيل خلال سنتي 1985 و 2000 (بالملايين)

 

1985

%

2000

%

يهود

3,5

62,5

4,2 - 4,3

54 – 57

عرب في إسرائيل

0,749

 

1,2

 

عرب في يهودا والسامرة

0,83

 

1,1 – 1,5

 

عرب في قطاع غزة

0,533

 

0,8 – 1,0

 

مجموع العرب

2,112

37,5

3,1 – 3,7

43 – 46

مجموع السكان في أرض – إسرائيل

5,6

100

7,3 – 8,0

100

المصادر: مفصلة في صفحة 27.

 

وفي مقابل عرب إسرائيل الذين أصبح معدل الزيادة الطبيعية عندهم منخفضاً، فإن عرب يهودا والسامرة وقطاع غزة قد دخلوا فقط مؤخراً في مرحلة حرجة من التغير الديموغرافي، ولذا فإن السكان في هاتين المنطقتين سيزداد عددهم نسبياً في السنوات المقبلة.

أعد المكتب المركزي للإحصاء ثلاثة توقعات بالنسبة إلى السكان اليهود، هي: أ) توقع منخفض يتعلق بهبوط نسب الزيادة الطبيعية، وميزان هجرة سلبي يوازي نحو 5000 شخص في السنة؛ ب) توقع متوسط لهبوط أقل في نسب الزيادة الطبيعية، وميزان هجرة يوازي الصفر؛ ج) توقع عال لزيادة طبيعية من دون تغيير، وميزان هجرة إيجابي يوازي نحو 500 شخص في السنة. وبحسب التوقع المنخفض يصل مجموع اليهود إلى 4,06 ملايين نسمة سنة 2000؛ وبحسب التكهن المتوسط يصل إلى 4,2 ملايين نسمة؛ وبحسب الأعلى يصل إلى 4,3 ملايين نسمة.

أما بالنسبة إلى عرب إسرائيل، فأُعدت ثلاثة تكهنات تترقب زيادة طبيعية مرتفعة ومتوسطة ومنخفضة، وتفترض ميزان هجرة صفراً في جميع الحالات. وسيصل مجموع عرب إسرائيل بحسب التكهن المنخفض إلى 1,1 مليون نسمة سنة 2000؛ وبحسب التكهن المتوسط 1,15؛  وبحسب العالي 1,174.(1) بالنسبة إلى عرب يهودا والسامرة وغزة، أُعدت خمسة تكهنات سنة 1987: توقع التكهن الأدنى ميزان هجرة سلبياً يقدر بنحو 10 آلاف شخص في السنة من كل منطقة، وزيادة طبيعية آخذة في الانخفاض بسرعة، ومعدل أعمار أطول. وافترض التكهن الأقصى زيادة طبيعية مستقرة، ومعدل أعمار متزايداً، وهجرة توازي الصفر.

  

الجدول رقم (2)

الزيادة الطبيعية لدى اليهود والمسلمين في إسرائيل

ويهودا والسامرة وقطاع غزة

(النسب لكل ألف)

 

السنوات

ولادات

وفيات

زيادة طبيعية

المسلمون في إسرائيل

1965 – 1969

51,0

6,1

44,9

 

1970 – 1974

49,5

5,8

43,7

 

1980

38,9

4,2

34,7

 

1984

36,0

3,7

32,3

المسلمون في يهودا والسامرة

1968

44,3

21,6

22,7

 

1975

44,9

14,6

30,3

 

1980

43,4

10,3

33,1

 

1982

 

 

31,5

 

2002

 

 

31,0

المسلمون في قطاع غزة

1968

43

18,9

24,0

 

1975

50,7

15,6

35,1

 

1980

49,1

9,9

39,2

 

1982

 

 

36,7

 

2000

 

 

33,5

اليهود

1965 – 1969

22,5

6,7

15,8

 

1970 – 1974

24,3

7,3

17,0

 

1980

22,0

7,2

14,8

 

1984

21,6

7,3

14,3

المصادر: بالنسبة إلى إسرائيل: استناداً إلى "الكتاب السنوي الإحصائي لإسرائيل، 1986"، الصادر عن المكتب المركزي للإحصاء. وبالنسبة إلى يهودا والسامرة وغزة: استناداً إلى نشرة خاصة صادرة عن المكتب المركزي للإحصاء، رقم 802، 1987.

 

يتأرجح التوقع السكاني ليهودا والسامرة في سنة 2000 بين 1,06 مليون نسمة و 1,55 مليون نسمة، وفي قطاع غزة بين 741 ألف نسمة و1,07 مليون نسمة.(2)

وبالاستناد إلى التكهن الأدنى، سيكون في أرض – إسرائيل 3,1 ملايين عربي ونحو 4 ملايين يهودي سنة 2000. وبالاستناد إلى التكهن الأقصى، سيكون في السنة نفسها 3,8 ملايين عربي ونحو 4,3 ملايين يهودي. في الجدول رقم (1) يظهر التوقع الوسط.

هل في إمكاننا الاعتماد على توقعات المكتب المركزي للإحصاء؟

 اختبر ريخمان(3) مصداقية التكهنات حتى سنة 1973 على المستوى القومي، فوجد أنها ذات مصداقية عالية. واستكمل الباحث اختباره حتى الوقت الحاضر: في سنة 1954، أُعِد تكهن للسكان بمقدار 2,5 مليون نسمة، وكانت سنة تحقيق الهدف هي سنة 1965. وفي الواقع تحقق الهدف قبل الموعد بعام – أي في سنة 1964. في سنة 1963، أعد تكهن للسكان بمقدار 3 ملايين نسمة، وحدد موعد تحققه في سنة 1970، وهذا ما حدث بالضبط. وفي سنة 1967، أعد تكهن للسكان بـ 4 ملايين، وحدد موعد تحققه في سنة 1985، لكنه تحقق في سنة 1982. في حين أن تكهن الخمسة ملايين، الذي أعد في سنة 1972، من المفترض أن يتحقق في سنة 1992، وهذا ما سيحدث كما يبدو.

على المستوى القطري (مع تمييزه من المستوى المناطقي)، تحققت إذاً جميع التوقعات بصورة واضحة جداً. وليس هناك أي سبب للطعن في موثوقية التوقعات على الرغم من أن للمكتب [المركزي للإحصاء] اتجاهات أيديولوجية. ففي مجتمع عصري، فإن لهذه التوقعات أهمية قصوى فيما يتعلق بتلوينة موضوعات التخطيط كلها. وسيكون من الخطأ تجاهل التوقعات الديموغرافية للمكتب المركزي للإحصاء بسبب ترقب أحداث شاذة، أو الطعن في المعطيات لأسباب سياسية كهذه أو تلك.

وعلى الرغم مما قيل آنفاً، فإنه يمكن الإصرار على القول إننا إذا قابلنا المعدلات النسبية لليهود والعرب في أرض – إسرائيل سنة 1967 بالمعدلات النسبية في سنة 1987، فسنجد أنه لم يكد يحدث فيها أي تغيير. ومن هنا يمكن الاستنتاج، زعماً، أن الزعم الخاص بـ"الشيطان الديموغرافي" لا يستند إلى أساس (أنظر الجدول رقم 3).

 

الجدول رقم (3)

اليهود والعرب في أرض إسرائيل في السنوات 1967، 1977، 1985

السنة

الموقع

مجموع اليهود

بالملايين

النسبة المئوية

لليهود

مجموع العرب

بالملايين

النسبة المئوية

للعرب

1967 

إسرائيل

2,36

86

0,4

14

أرض – إسرائيل

2,36

63

1,362

37

1977

أرض – إسرائيل

3,077

65,4

1,7

34,6

1985

أرض – إسرائيل

3,5

62,5

3,112

37,5

إسرائيل (مع القدس)

3,5

82

0,75

18

إسرائيل (من دون القدس)

3,5

85

0,62

15

المصادر: المكتب المركزي للإحصاء، سنوات مختلفة.

 

إن هذا الادعاء يصبح صحيحاً عندما نقابل سنة 1967 بسنة 1985؛ إذ سيتضح حينذاك أنه لم يطرأ تقريباً تدهور على نسبة اليهود في أرض – إسرائيل في سنة 1985 قياساً بسنة 1967. وتتغير الصورة إذا قابلنا سنة 1977 بسنة 1985؛ فقد طرأ تدهور في ذلك بنحو 3% خلال عشر سنوات. وما يميز الاتجاه الذي ساد خلال العقد الأخير هو المسارات العامة والمحلية في آن. فأولاً، تضاءلت الهجرة، وثانياً زاد النزوح (أو عدد المغادرين)، كما تبين في الجدول رقم (4).

 

الجدول رقم (4)

حركة السكان اليهود في السنوات 1967 1985

السنة

مهاجرون

مغادرون

ميزان الهجرة

النسبة المئوية للمغادرين إلى مجموع السكان

1967 – 1968

نحو 30,000

20,000

10,000

0,39

1969

نحو 33,000

6,400

26,600

 

1970 – 1974

نحو 200,000

60,000

140,000

0,35

1975 – 1979

نحو 123,000

64,000

59,0000

0,35

1980-1985

نحو 97,000

67,900

29,200

0.39

المصادر: مستخلصة من "الكتاب السنوي الإحصائي لإسرائيل 1986، ص 28.

  

الجدول رقم (5)

حركة السكان في يهودا والسامرة

السنة

مجموع المغادرين

زيادة السكان

1967 – 1974 (7 سنوات)

45,100

56,500

1975 – 1981 (6 سنوات)

94,700

54,600

1982 – 1985 (3 سنوات)

15,500

60,700

المصدر: "الكتاب السنوي الإحصائي لإسرائيل 1986".

 

ما الذي حدث خلال الفترة الزمنية نفسها لدى عرب المناطق؟

يستدل من الجدول رقم (5) الوارد أعلاه، أنه في السنوات الأولى لسيطرتنا على المناطق، غادر الكثيرون من سكان يهودا والسامرة البلد. ومع الازدهار الاقتصادي لدول الخليج تضاعف عدد المغادرين، لكن منذ أزمة أسعار النفط، بدءاً بسنة 1981، توقفت المغادرة الجماعية. والنتيجة هي أن أغلبية زيادة السكان العرب في يهودا والسامرة ظلت كما هي منذ سنة 1981. ولا شك في أنه في حال زيادة قوة الجذب للدول العربية، فإن الصورة قد تتغير مرة أخرى؛ لكن ثمة أيضاً إمكاناً في أن أمراً كهذا لن يحدث.

في قطاع غزة يتراوح عدد المغادرين في السنة بين ألف وخمسة آلاف شخص.

 خلاصة

 من وجهة نظر يهودية، فإن معطيات الهجرة والزيادة الطبيعية والنزوح (المغادرة) لدى عرب إسرائيل في العقد الأخير ليست مشجعة. فلدى اليهود تقلصت الهجرة بصورة درامية، وازداد النزوح، وظلت الزيادة الطبيعية من دون تغيير وتستقر الآن عند 1,4% في السنة. أما الزيادة الطبيعية لدى عرب إسرائيل، فهي في انخفاض. لكن عدد الأطفال والشبان يقدر بنحو 60% من السكان العرب، الأمر الذي يضمن زيادة كبيرة للسكان على الأقل حتى سنة 2000 – والنزوح ضئيل لديهم. (في سنة 1985 كان يقيم في أرجاء أرض – إسرائيل 365 ألف طفل يهودي حتى جيل 4 أعوام. وفي السنة ذاتها كان فيها 370 ألف طفل عربي من فئة الأعمار نفسها. وبلغ معدل السكان العرب داخل إسرائيل في تلك السنة 18%، لكن معدل الأطفال العرب حتى جيل 4 أعوام كان 24%). في وسط عرب المناطق، فإن الزيادة الطبيعية مرتفعة بل ازدادت أكثر. كما انخفضت نسبة مغادري البلد انخفاضاً كبيراً، وكانت النتيجة زيادة بارزة في عدد السكان.

إن مغزى الصورة الديموغرافية لسنة 2000، هو أنه في تلك السنة سيصبح السكان في أرض – إسرائيل ثنائيي – القومية، وستكون نسبة العرب إلى اليهود: 45 إلى 55. أما داخل حدود إسرائيل (داخل الخط الأخضر) فستكون نسبة اليهود إلى العرب: 78 إلى 22.

وسيكون الوضع داخل الخط الأخضر سنة 2000 مختلفاً اختلافاً جوهرياً عو الوضع في أرض – إسرائيل عامة؛ فالخُمس فقط من السكان هو بمثابة أقلية. وهذه المعطيات لا تنطوي على تهديد ديموغرافي يمكن أن يتحول إلى خطر كياني. هذا هو الوضع تقريباً في معظم دول العالم.(4)

 الانتشار الجغرافي لسكان قبيل سنة 2000

 إن التوزع الجغرافي لليهود والعرب في أرض – إسرائيل، في الوقت الحاضر (1987)، توزع غير مختلط من حيث المبدأ؛ أي أن أغلبية السكان اليهود موجودة في مناطق تختلف عن تلك المناطق التي تضم السكان العرب (أنظر الخريطة رقم 1).

إن دينامية وضع كهذا تؤدي، بالضرورة، إلى اتجاهات انفصال مجموعة عن اخرة تنتهي إلى قيام كيان مستقل أو إلى نشوء استقلال ذاتي للأقلية، على غرار ما يجري أو ما جرى في إيرلندا الشمالية، وسيريلانكا، وبيافرا، وكردستان، وكويبك، وقبرص وإقليم الباسك وغيرها.

وفي حالة أرض – إسرائيل فإن الوضع لا يختلف، بل ربما هو أكثر درامية. فهناك مجموعتان، واحدة يهودية وأخرى عربية، تدعي كل واحدة منهما ملكية القطة نفسها من البلد. والفوارق التي تفصل بين المجموعتين كبيرة ولا يمكن ردمها: أنها فوارق دينية وثقافية، وفي الأساس قومية. والسكان العرب في أرض – إسرائيل جزء من أكثرية عربية هائلة في المنطقة، ولهذه الحقيقة دينامية وقوة خاصتان بها. كما أن أغلبية السكان العرب داخل تخوم أرض – إسرائيل وقعت تحت الاحتلال منذ 2- عاماً (1967)، وهي لا تسلّم بهذا الاحتلال. أما القسم الآخر من عرب أرض – إسرائيل، فقد أصبح من مواطني الدولة منذ إقامتها قبل 40 عاماً (1948). وعلى الرغم من أن أكثريتهم تسلّم بوجود دولة إسرائيل، فإنهم يشعرون برابط يربطهم بمصير العرب الفلسطينيين في المناطق، وبعدم الارتياح إلى الهوية اليهودية الصهيونية لإسرائيل.

هل كانت ستختلف الضغوط من أجل الانفصال لو كان التقسيم الطائفي – الجغرافي مختلفاً عما هو عليه اليوم؟

في قبرص، كان السكان اليونانيون والأتراك مختلطين بعضهم ببعض اختلاطاً بارزاً. لكن هذه الحقيقة لم تمنع تقسيم الجزيرة بينهم. في مقابل ذلك، فإن انتشار الأقباط بين المسلمين في مصر لا يمنع وقوع جوادث. لكن لا يخطر في البال انفصال الأقباط عن مصر أو انفصال عشرات الجماعات الدينية والإثنية في أنحاء الولايات المتحدة عنها.

عندما تقطن جماعات إثنية بعضها إلى جانب بعض، فإن الحل المألوف هو بنية فدرالية، وهذا يعني أن كل جماعة تحصل على حد كبير من الاستقلال الذاتي، مع حكم مركزي واحد (وهذا هو واقع الأمر في سويسرا وبلجيكا ويوغسلافيا). وهذا الأسلوب ينجح فقط إذا كانت أكثرية السكان يؤيد حلاً كهذا. والحالة الإسرائيلية ليست ملائمة للحل الفدرالي، حتى لو كان لهذا الحل مؤيدون بين اليهود؛ فالعرب غير معنيين ببنية كهذه. ولذلك فإن خريطة توزع السكان، التي نشأت، لا تبشر خيراً من النواحي التاريخية والديموغرافية والجغرافية.

من الناحية الجغرافية الداخلية، فإن الوضع غير مشجع لأن هناك أكثرية عربية بارزة تعيش في أنحاء سلسلة جبال أرض – إسرائيل كلها: ففي وسط الجليل توجد أغلبية عربية بارزة (80% من العرب)، وفي يهودا والسامرة نلحظ أن نحو 92% من السكان هم من العرب. وإذا أخذنا المرتفعات الجبلية الوسطى كلها، بما فيها القدس، نجد أن نسبة السكان العرب هي 66% في مقابل 34% من اليهود. وفي قطاع غزة 98% من السكان هم من غير اليهود. وتوجد أغلبية درزية بارزة في الجولان (66%)، ولو أنها تتجمع في منطقة جغرافية محدودة. أما في المثلث، فنجد أغلبية عربية مطلقة. وفي المنطقة المسيّجة في النقب الشمالي – المنطقة التي خصصت لتجمع البدو بعد سنة 1948 – نجد أن السكان كلهم تقريباً هم من العرب.

لكن الصورة التي حددناها أعلاه لم تتغير تغيراً جوهرياً منذ إقامة دولة إسرائيل، بكل ما لها صلة بمناطق الجليل والمثلث والمنطقة المسيّجة في النقب. كما أنها لم تتغير بصورة جوهرية في المناطق التي احتلها الجيش الإسرائيلي سنة 1967. وقد تقزمت كل محاولات الاستيطان اليهودي في المناطق العربية أمام نسب تكاثر سكانية عالية في وسط العرب في هذه القطاعات، وهي من أعلى النسب في العالم.

وفي هضبة الجولان، كانت الخطة تقضي بتوطين نحو 30 ألف يهودي خلال 15 عاماً ابتداء من سنة 1967. لكن، عملياً، استوطن هناك نحو 8700 يهودي فقط حتى سنة 1987. وفي الجليل، كانت الخطة تقضي بأن يصل عدد اليهود إلى 440 ألف يهودي في سنة 1983، لكن لغاية سنة 1985 لم يقطنه سوى 350 ألف يهودي، وفي تلك السنة كانت هناك أغلبية عربية صغيرة في أنحاء الإقليم.

وفي يهودا والسامرة، وفي أعقاب المجهود الاستيطاني منذ سنة 1967 حتى سنة 1986، بلغ عدد اليهود نحو 60 ألف نسمة – وهذا يساوي حجم التكاثر الطبيعي العربي في تلك المنطقة خلال سنتين. وتتحدث خطط غوش إيمونيم عن نحو مليون يهودي في هذا القطاع حتى نهاية القرن – فهل هذا صحيح؟

وكان يوجد في قطاع غزة نحو 2000 يهودي سنة 1985. وهذا يساوي حجم التكاثر الطبيعي لعرب غزة خلال شهر واحد (!). فما هي الإنجازات التي يمكن توقعها هناك؟

 تطورات في القطاع العربي

لو كان الوضع الذي عرضناه آنفاً ساكناً، لعلّ وعسى. لكن الوضع الدينامي الذي يظهر على الأرض سلبي جداً من وجهة النظر اليهودية.

إن عدد السكان العرب في مناطق سكنهم آخذة في التعاظم بصورة لافتة. ويشهد على ذلك الانتشار الواسع النطاق للتجمعات السكنية على سفوح الجبال، وفي الجليل والمثلث (امتدادات مادية وبراعم متروبولية كبيرة)، يتطور فيها كيان ثقافي واقتصادي وسياسي متماسك ومعاد لا يمكن السيطرة عليها (أنظر الخريطتين 2، و 3). أضف إلى ذلك، أنه في الوقت الذي تشتد فيه صعوبات الاستيطان اليهودي في المناطق العربية، وهي بصورة عامة في الجبال والتلال، فإن السكان العرب بدأوا يقطنون – وبنجاح – المناطق التي اعتبرت حتى الآن أراضي يهودية فحسب. وفي حين يشيد اليهود بإنجازاتهم بناء على عدد النقاط التي أقاموها في أنحاء أرض – إسرائيل، وهو رقم مدهش: نحو 230 مستعمر (!) في الفترة 1974 – 1986، فإن الإضافة الديموغرافي في هذه المستعمرات كانت صغيرة كما ذكرنا. وفي مقابلها، قام عرب أرض – إسرائيل بتوسيع ممتلكاتهم في القدس، والزيادة السكانية الأساسية هناك عربية لا يهودية. وفي الجليل، يوجد توغل عربي نحو الناصرة العليا وكرميئيل وقرى أخرى، بواسطة توسيع المناطق الزراعية وتخوم القرى، وفي الأساس إقامة قرى غير قانونية للبدو. وهناك توغل عربي نحو عشرات القرى اليهودية الساحلية وباقي أجزاء إسرائيل (في ريشون لتسيون ورحوفوت والخضيرة ونهاريا، وارتفاع بارز في نسبة العرب في حيفا وتل أبيب وإيلات وبئر السبع). إن عرب إسرائيل (سواء أكانوا من البدو أم من القرويين) يبنون على أراض لم تكن آهلة قط. والمقصود هنا الامتداد الكثيف من سفوح الجبال في الشرق تجاه الغرب كما هو الحال في طريق الكابري – الياجور في الشمال، وفي منطقة وادي عارة، وفي طريق بركاني في اتجاه رأي العين في وسط البلد. وهناك اتجاه ممثال في تكثيف الاستيطان في المنطقة المسيّجة في النقب، وأيضاً في جزر سكانية كما في بلدة الفريديس وفي جسر الزرقا وأو غوش وضواحيها. والمسار مماثل في يهودا والسامرة وقطاع  غزة. ويكفي أن نشير إلى التمدد العربي في منطقة أرغمان في غور الأردن، أو إلى التوسع في مناطق جنوبي الخليل. وإذا طبقنا عبارتي الهجرة و"الاستيطان" أيضاً على ظواهر تبدو موقتة في ظاهرها، مثل عبور عشرات ومئات الآلاف من العرب إلى أنحاء أرض – إسرائيل اليهودية كافة، طوال أيام الأسبوع (من دون أيام السبت)، فستبدو الصورة عندئذ مختلفة تماماً وستأخذ الإنجازات  العربية أهمية أكثر جدية (أنظر الخريطة رقم 4).

 

الخريطة رقم 1: الانتشار الجغرافي لليهود والعرب في أرض – إسرائيل

 

 الخريطة 2: التواصل العربي في الجليل

 

 إن الانقلاب الذي يجري حولنا في المجال الجغرافي لا يقتصر على السؤال عن "أين وكم؟" فحسب، بل "كيف؟" أيضاً – والمقصود هو الانقلاب الحالي الذي يمر عرب إسرائيل وعرب المناطق به. ويتخرج من الجامعات في إسرائيل سنوياً نحو 1000 خريج عربي، بالإضافة إلى نحو 6000 – 7000 خريج من المدارس الثانوية العربية (النظرية في الأساس والمهنية، أيضاً). وهؤلاء يبحثون عن الأعمال الملائمة لهم. إن نسبة العرب في الجامعات تتزايد، ومسألة التعايش اليهودي – العربي فيها لا تسقط عن جدول الأعمال (وخصوصاً في جامعة حيفا ومعهد التخنيون وفي بئر السبع والقدس). ومنذ أربع سنوات (1984 – 1987) ونسبة الطلبة العرب في جامعة حيفا تثبت عند 18%. لكن هذه النسبة كانت كافية لخلق الانطباع، في وسط السكان اليهود في حيفا والشمال، بأن جامعة حيفا جامعة عربية – وهذا التصور منع قسماً من الشبيبة اليهودية في الشمال من الدراسة في هذه الجامعة. والاستنتاج المطلوب هو أن لا حاجة إلى انتظار التعادل الديموغرافي الحقيقي كي يدخل التصور بشأن أغلبية عربية في منطقة معينة في وعي الجمهور اليهودي. لكن، علاوة على مسائل التصور والنسب بين الأكثرية والأقلية، فإن الانقلابات الثقافية المرافقة للانقلابات الاقتصادية والسياسية توجد مجتمعاً عربياً مختلفاً في جوهره عن هذا الذي عرفه يهود أرض – إسرائيل قبل حرب الاستقلال. وأكثر من ذلك، فإن المسارات الجارية داخل الخط الأخضر لا تقف عند خط الحدود وإنما تجري – بعد تأخر سنوات قليلة – في باقي أنحاء دولة إسرائيل.

 الانتشار الجغرافي توقع لسنة 2000

 إذا كان يهود أرض – إسرائيل لم يغيروا الخريطة الديموغرافية لأرض – إسرائيل خلال السنوات الأربعين الأخيرة – وربما لم يستطيعوا تغييرها – فإن السؤال الذي يطرح هو ما إذا كان ثمة إمكان أن نتوقع أن يغيروا هذه الخريطة خلال السنوات الثلاث عشرة المقبلة حتى سنة 2000؟

وعلى الرغم من التجربة الصعبة للسنوات الأخيرة، لكن من خلال الأمل – وليس واضحاً ما يكمن في أساسه – بأن نموذج سنوات ما قبل الدولة وبدايتها ملائم أيضاً للثمانينات والتسعينات، فإن خطط التطوير اليهودية متفائلة؛ فغوش إيمونيم (بحسب خطتها) والوزير موشيه آرنس (في بيان له في الكنيست) يخططان لرؤية مليون يهودي في يهودا والسامرة مع نهاية القرن المقبل. وبحسب خطة وزارة الداخلية سيضاف إلى إقليم الشمال خلال السنوات العشر ما بين سنة 1985 وسنة 1995، ما لا يقل عن 181,000 نسمة (في السنوات الثلاث عشرة ما بين سنة 1972 وسنة 1985 ازداد عدد السكان اليهود 95,000 نسمة!). وبحسب تلك الخطة (خطة وصول عدد سكان إسرائيل إلى 5,5 ملايين نسمة) سيتم تحويل نحو 10,000 يهودي إلى قطاع غزة حتى سنة 1995.

إن رؤية متبصرة لا تفسح مجالاً للتفاؤل الزائد للأسباب الآتية:

إن البشر عامة، وضمنهم اليهود، لا يميلون إلى هجر مراكز سكنهم للإقامة في الأطراف. فالخروج إلى الأطراف سمة الجماعات الصغيرة جداً (الرائدة عامة) التي لا تستطيع أن ترجح الكفة من الناحية الديموغرافية. وكان هذا الأمر ممكناً في الماضي، لأن مسار الاستيطان اليهودي في أرض – إسرائيل تضمن شراء أراض كبيرة وطرد مستأجريها العرب الذين كانوا يقطنونها. وقد نجح هذا الأسلوب أساساً، في المناطق السهلية في أرض – إسرائيل، لكنه فشل بصورة عامة في الجبال (في يهودا والسامرة والجليل). ولأن الاستيطان اليهودي الأساسي اليوم هو في الجبل وفي غور الأردن، فإن هذا الأسلوب لم ينجح هناك أيضاً. إذ ليس هناك عمليات كثيرة لشراء الأراضي، ولا يهجر العرب أراضيهم، وهم غير مستعدين للتنازل عنها. كما أن السكان العرب غير مستعدين في الوقت الحاضر للاتجار بالأراضي مع اليهود كما في الماضي، بل إنهم يخشون فعل ذلك لأسباب بينها خشيتهم انتقام المنظمات العربية المتطرفة. وبالنسبة إلى قطاع غزة، فإنه مزدحم سكانياً إلى حد الإشباع وليس لسكانه مكان يذهبون إليه حتى لو أغرتهم فكرة بيع أراضيهم. وفي الجيل الأخير في كل العالم، وفي إسرائيل أيضاً، ازداد الميل نحو تمركز السكان في الحاضرات الكبيرة، ومكافحة هذا الاتجاه تزداد صعوبة. ويقوض مسار كهذا فرصة تصنيع وتوطين المناطق الهامشية الواقعة على الأطراف في إسرائيل، مثل: هضبة الجولان والجليل الجبلي والنقب النائي وغور الأردن. ومن المشكوك فيه أن نستطيع في المستقبل المنظور التكهن بحدوث تطور واسع النطاق فعلاً مجهود حكومي جبار. لكن ينبغي لنا ألا نتوقع ذلك لأن وضع إسرائيل الاقتصادي في الوقت الحاضر والمتوقع في المستقبل المنظور ليس قوياً، ولا يمكن تحويل موارد كبيرة إلى الأطراف كما هو مطلوب. وإذا كان هذا لا يكفي، نلاحظ أن المجتمع اليهودي في إسرائيل أقدم، منذ حرب الأيام الستة، على نشر موارده الاقتصادية والبشرية على عدد بارز من الجهات الاستيطانية: هضبة الجولان، الجليل، يهودا والسامرة، القدس، قطاع غزة، النقب، وأخيراً في مشارف رفح وسيناء. ولهذا السبب ولأن المواد مع ذلك شحيحة، لم يتركز الجهد في أي مكان من هذه الأماكن، ولذلك نشأت خيبات أمل مختلفة فيها كلها.

وما هو أخطر من ذلك، أن تركيز الجهود في يهودا والسامرة منذ سنة 1977، تم على حساب الأطراف الهامشية داخل الخط الأخضر. ويكفي أن نلحظ أن نحو 15,000 يهودي هجروا منطقة بئر السبع وديمونا في الثمانينات. ويكفي أن نلحظ أن كل مدن الإعمار في الشمال وفي باقي أجزاء إسرائيل، باستثناء كرميئيل، وجدت نفسها في وضعية المراوحة في المكان. وتكفي هذه الملاحظات لندرك كم كان باهظاً الثمن الذي دفعناه حتى الآن لقاء عمليات الاستيطان في وسط أرض إسرائيل. ولأن فرض تحقيق إنجازات حقيقية في يهودا والسامرة ضعيفة، فإن إسرائيل تفقد بصورو متزايدة إنجازاتها القليلة في الجليل والنقب. أضف إلى ذلك، أن المناطق المكتظة بالسكان اليهود تعاني عدداً من المشكلات الاجتماعية والاقتصادية التي تتطلب حلولاً عاجلة (ضائقة سكانية، وحل مشكلة المواصلات)، ولذلك سوف تحول أموال التنمية بالتأكيد إلى هناك. وإلى ذلك تضاف حقيقة مؤسفة هي أنه في اللعبة السياسية الداخلية، يُطرح دائماً أمام قادة الجمهور السؤال عن الوجهة التي يتم تحويل الموارد المحدودة إليها – هل تحول إلى الأطراف البعيدة حيث عدد الناخبين ضئيل، أو إلى قلب الدولة الآهل الذي يضم أساس الناخبين؟ ويميل هؤلاء القادة دائماً إلى ترجيح كفة المدينة المركزية، وينبغي لنا ألا نتوقع تغير هذا الاتجاه في المستقبل.

 هل تغير هجرة كبيرة هذه الصورة؟

إن هجرة الضائقة*  التي كان من الممكن جذبها، بحسب نظرة المخططين، قد وصلت إلى نهايتها. إن المهاجرين المتوقعين (من الاتحاد السوفياتي وجنوب إفريقيا وغيرهما) سيستقرون في الأماكن التي يختارونها. وينبغي لنا أن نفترض أن المهاجرين سيختارون في معظمهم المركز الآهل أو أماكن قريبة منه، لا الأطراف البعيدة.

  

الخريطة 3: الانتشار العربي الكثيف حول القدس

 

ألا ينطوي هذا على القضاء على الاستيطان في الأطراف؟

إن الفرصة الحقيقية الوحيدة للاستيطان ستكون في الهوامش القريبة للمراكز اليهودية، التي يمكن أن تنزح عن المركز إليها أعداد قليلة من السكان لاعتبارات اقتصادية بسيطة، مثل شراء منازل بأسعار معقولة وعلى مسافة مريحة للانتقال يومياً إلى أماكن العمل. إن الفرصة الحقيقية للاستيطان اليهودي حتى سنة 2000 هي في أماكن تقع على مسافة 30 كلم أو 50 كلم من مراكز المدن الكبيرة، أي مسافة "خمس دقائق من كفارسابا"، و"خمس دقائق من القدس"، مناطق تيفن وسيغف (وهي القطاع الذي يسمى "قطاع العلم لسنة 2000") والتي تبعد "خمس دقائق عن حيفا"، وربما منطقة بئر السبع. أما في باقي المناطق الهامشية، فليست هناك أية فرصة لتطور مهم على الأقل حتى سنة 2000. وهذا يعني أنه لن تلوم حتى ذلك الحين على الأقل أية فرصة (حتى في حال حدوث هجرة على نطاق معقول) في أن يغير اليهود الخريطة التي وضعت في البداية. وبناء على ذلك، سيظل العرب أكثرية في هضبة الجولان، وفي الجليل الأوسط، وفي أنحاء يهودا والسامرة (بما في ذلك المثلث)، وقطاع غزة وأيضاً في النقب (في المنطقة المسيّجة). ولن يحدث في أية منطقة من المناطق التي لُحظت أعلاه، أي تغيير ديموغرافي جوهري لمصلحة اليهود. وفي مقابل ذلك، فإن المسارات الجارية بين السكان العرب تشير إلى استمرار تمددهم الديموغرافي والمادي، وازديادهم في الشريط الساحلي، وأساساً في المدن اليهودية. كما تشير إلى تسلل كثيف إلى المدن اليهودية داخل الجليل (مثل الناصرة العليا) إلى حدّ التسبب بمعضلات صعبة بالنسبة إلى استمرار المحافظة على الطابع اليهودي.

لكن ليس في هذا ما فيه الكفاية. فالدينامية الجارية على الأرض تنطوي على الكثير من الأخطار أيضاً. فإلى جانب التعاظم الديموغرافي – الإقليمي يوجد اتجاه (سيعزز في المستقبل أكثر فأكثر) للانفصال عن إسرائيل. ففي المناطق المحتلة منذ سنة 1967، تطرح المطالبة منذ الآن بالانفصال عن إسرائيل بأي ثمن، حتى أن هذا ينطوي على عصيان مدني وإرهاب متعاظم. ومن دون شك تقريباً إن هذه المطالبة ستقوى في المستقبل. وستطرح جماعات الأغلبية العربية داخل إسرائيل المطالبة بالاستقلال الذاتي الثقافي والسياسي بقوة أكبر، وحتى جماعات الأقلية ستطالب بالانفصال عن إسرائيل. والرابط بين الديموغرافيا الإقليمية والقوى الأخرى جلي، وقد يؤدي إلى الانفصال عن إسرائيل، إلا إذا عرفنا كيف نتصدى له بحكمة.

 ما الذي قد يحدث في المجتمع الإسرائيلي؟

 إن المسارات التي ستحدث في الجانب العربي من شأنها أن تؤدي إلى دينامية سلبية، في أساسها، في الجانب اليهودي:

 أولاً، ثمة إحساس متزايد بالإحباط والخوف من "الجني الديموغرافي" العربي المتصاعد. ويعزز هذا الإحساس التطرف في أوساط أقسام من السكان اليهود، وذلك يؤدي، طبعاً، إلى تطرف في الجانب الثاني، وهكذا دواليك. والحياة في أرض – إسرائيل ستكون مثقلة بتوتر متزايد حتى لو اتبعت، عوضاً من ذلك، سياسة "البطش" ضد السكان لوقف الانجراف. بكلمات أخرى: إذا كانت مجموعة سكانية عربية تعد 750,000 نسمة داخل إسرائيل تزعج يهود إسرائيل، ومجموعة سكانية عربية شاملة تعد 2 مليون نسمة في كل أرجاء أرض – إسرائيل لا تمنح الطمأنينة حتى ليوم واحد منذ سنة 1967، فماذا سيحدث في البلد عندما يتضاعف السكان العرب. ماذا سيحدث حين تتعاظم قوة السكان من ناحية ثقافية واقتصادية، عندما يواصلون التعليم وتتقلص الفجوات الاجتماعية – الاقتصادية بينهم وبين السكان اليهود؟ أو عندما سيوظف المجتمع اليهودي جهده الرئيسي في مجابهة عرب أرض – إسرائيل، ولن يتفرغ لجهد رئيسي في أي موضوع آخر! إن التوقع الممكن هو انخفاض في نوعية المجتمع الإسرائيلي، وبصورة خاصة تقوض الديمقراطية. وسيكون لذلك انعكاسات أخرى خطرة.

 

 الخريطة 4: المناطق في يهودا والسامرة المقترح ضمها إلى إسرائيل أو الانسحاب منها

 

ثانياً، إن الكثيرين من الشبان اليهود اليوم، وخصوصاً العلمانيين منهم، لا يرغبون – وفي المستقبل ستقل رغبتهم أكثر – في مجابهة كل المسائل العويصة التي ذُكرت آنفاً وغيرها من المسائل التي سيشار إليها. إن الكثيرين منهم سيواصلون النزوح عن البلد، وسيتعاظم عدد النازحين. سيشمل هذا النزوح أيضاً خيرة الشبان، الشبان الذين هم اليوم (وسيبقون لسنوات كثيرة بعد) رأس الرمح الأمني والنوعي لإسرائيل (نزح منذ قيام الدولة 10% من مجموع السكان اليهود، بينما نزح من مجموع عرب إسرائيل نحو 5% فقط). إن محاولة الادعاء أن نسبة النازحين لم تزدد هي تضليل إحصائي. ففي السنوات المنصرمة كان أساس النزوح من مهاجرين واجهوا صعوبات في الاستيعاب في البلد، أما اليوم فالنازحون هم في معظمهم من مواليد البلد، خريجي جامعات ومثقفين آخرين. كثيرون منهم هم مهندسون وعلماء -  وهؤلاء يحسبون عامة مع سلك الضباط في الجيش الإسرائيلي وهم الذين يشاركون في بناء نوعية المجتمع الإسرائيلي. وبناء على معطيات الجمعية الإسرائيلية لدراسة النزوح،(5) نزح 224 عالماً إسرائيلياً كبيراً سنة 1986. وقبل سنة من ذلك نزح نحو 100 عالم. وطبقاً لمعطيات وزارة الاستيعاب فإن 20% من الشبان، في سنة 18 – 28 عاماً، سينزحون عن البلد بالتأكيد. وبحسب ما نشر في "معاريف"، (6) فإن 45% من أبناء الكيبوتسات الذين نزحوا في السنوات الأخيرة كانوا ضباطاً في الجيش الإسرائيلي (37% في وحدات قتالية). ووفقاً لمعطيات المكتب المركزي للإحصاء، يضاف سنوياً نحو 15,000 نازح. ومن الـ 100,000 نازح في السنوات السبع الأخيرة، فإن  35,000 هم في سن 20 – 30 عاماً. لقد أعلن الوزير [يعقوب] تسور في "دافار"(7) أن النازحين هم في معظمهم من أبناء 18 – 28 عاماً. وبحسب البروفسور يورطنر، رئيس الأكاديمية القومية للعلوم، فإنه بناء على معطيات سنة 1984 هناك بين 200,000 أكاديمي مسجلين في إسرائيل، 34,000 صاحب مهنة أكاديمية وتقنية في الولايات المتحدة.

ثالثاً، بالإضافة إلى التشاؤم بالنسبة إلى فرص هجرة كبيرة إلى البلد لأسباب عالمية لا تتعلق بإسرائيل، فإن علينا أن نتوقع أنه كلما تدنت نوعية الحياة هناك وازداد النزوح عن البلد وتحول إلى معيار تضاءلت الهجرة، باستثناء هجرة دينية قليلة. إن المجتمع اليهودي الذي لن يزيد عدده (بسبب قلة الهجرة، والنزوح، وتكاثر طبيعي ضئيل وآخذ في التراجع) وستنخفض نوعيته، سيضطر حتى في الفترة القريبة إلى مجابهة سكان عرب يبلغ عددهم 2,5 – 3 ملايين نسمة. ومن أجل أمن إسرائيل لن يكون لدى هذا المجتمع خيار سوى اللجوء إلى القمع الذي سيتمادى مع تزايد عدد عرب أرض – إسرائيل وتزايد قوتهم، إلا إذا نجحنا في منع هذه الزيادة. وهذا مسار حتمي سيؤدي إلى مزيد من التدهور في نوعية الحياة هنا.

رابعاً، تزايد الحاجة إلى القمع والإحباط والإحساس بعدم وجود مخرج؛ وهرب شبان أصحاب ميول علمانية إلى خارج البلد؛ إلى جانب تكاثر طبيعي مرتفع في أوساط المتدينين المتزمتين، والمتدينين جزئياً، والمحافظين  على التقاليد على مختلف المستويات؛ بالإضافة إلى توبة الكثيرين من الذين لن يجدوا رداً منطقياً على الوضع المتدهور – كل هذا من شأنه أن يحول كفة الميزان في المجتمع الإسرائيلية من العلمانية إلى الدينية، وسيصبح أصحاب الفكر في المجتمع هم المتعصبون على أنواعهم. هذا التطور قد يؤدي إلى حرب ثقافية صعبة داخل المجتمع اليهودي (نرى براعمها منذ اليوم). وستؤدي هذه الحرب، بدورها، إلى هرب مزيد من العلمانيين من البلد، وفي نهاية المرحلة إلى تعزيز المكانة السياسية لأوساط دينية من الجناح المتطرف في الييشوف اليهودي في إسرائيل.

خامساً، إن الجهد الأمني – الداخلي، بالإضافة إلى صعوبات موضوعية أخرى، لن يتيح اختراقاً اقتصادياً. وسيستمر الوضع الاقتصادي المتاعي في تكدير حياة المجتمع الإسرائيلي ويحفز كثيرين آخرين على الهجرة. ويلاحَظ هذا المسار في الوقت الحاضر بكل تأثيراته، وتوقعات الخبراء الاقتصاديين ليست مشجعة حالياً.

إن المسارات الخمسة الآنفة الذكر تشير إلى أن من شأن الدولة الصهيونية، حتى في السنوات القريبة، أن تتغير تغيراً بارزاً: فمن ناحية واقعية ستكون هذه دولة ثنائية القومية يهودية – عربية. وعلى الرغم من الفرضية القائمة على أساس الدولة الصهيونية – أي أنها دولة الشعب اليهودي بكل مشاربه وتياراته، دولة يفترض أن يجد فيها كل يهودي، متدين أو علماني، موطنه فإنه طبقاً للتوقعات المذكورة سيزداد تأثير الأوساط المتدينة تزايداً بارزاً.

سادساً، أن طابع إسرائيل الديمقراطي رهن تناقضات داخلية تزداد عمقاً، سواء على الصعيد اليهودي – العربي أو على الصعيد الديني – العلماني (لأنه لا يمكن لدولة أن تكون ديمقراطية وفي الوقت نفسه دينية – يهودية، وتضطر أيضاً إلى قمع دائم لنصف سكانها غير اليهود). هكذا، قد تفقد الدولة الرصيد الذي كان لها حتى اليوم في العالم الغربي – الديمقراطي. ولن تحظى إسرائيل، من دون ديمقراطية، بالعطف الذي تحظى به في الولايات المتحدة وبقية دول الغرب، ولا أيضاً في أوساط اليهود الغربيين ومنهم اليهود الإصلاحيون والمحافظون. ومن دون هذا الدعم سيصعب على إسرائيل البقاء وحدها ردحاً طويلاً من الزمن.

سابعاً، ما يجري في إسرائيل لا يحدث في جزيرة منعزلة. فإسرائيل متمركزة في الشرق الأوسط وسط عالم عربي، يزيد عدد سكانه على مائة مليون نسمة، يقفل حدود الدولة ويطرح تهديدات في وجهها. ونظراً إلى ذلك، وفي لحظات ضعف قد تواجهها إسرائيل بسبب تقوض الإجماع الوطني داخلها، وبسبب فقدان الدعم الغربي، من الممكن أن تقوم في وقت ما بين سنة 1987 وسنة 2000 دولة واحدة كسورية، أو جبهة عربية أكثر تبلوراً، بمحاولة عسكرية قد تلحق ضرراً شديداً بدولة إسرائيل في الحرب.

وحتى لو كانت نهاية محاولة كهذه انتصاراً إسرائيلياً في الحرب، فإن من الواضح والمتفق عليه من الجميع أن ذلك سينجم عنه ثمن باهظ من الدماء، وإذا جاز التعبير ثمن اقتصادي باهظ. ومن الواضح أن كل وهن في قوة إسرائيل الداخلية سيعجّل المسارات التي وصفت، وستواجه إسرائيل الديمقراطية – الصهيونية أصعب امتحان عرفته عبر تاريخها؛ امتحان بشأن صميم وجودها.

 ما هي الوسائل للحيلولة دون هذا التوقع القاسي؟

بما أننا لا نتعامل مع معجزات، فإنه لا توجد حلول سهلة للوضع الذي واجهته إسرائيل في أعقاب حرب الأيام الستة. إن الحلول للوقت الحاضر وللمستقبل صعبة وعويصة. وبما أننا نعتبر أن جذور المشكلة تكمن في الموضوع الديموغرافي، فإن أحد الحلول التي قد تطرح من جانب متعصبين شوفينيين هو إبادة عرب أرض – إسرائيل. من وجهة نظر خلقية، يهودية وعالمية، لا يخطر بالبال أبداً إمكان كهذا. يمكن أن يطرح هذا فقط بسبب وجود أقلية دينية متعصبة يشار إليها في سياق مسيحاني. وبالإضافة إلى الاعتبار اليهودي والخلقي، الذي يجب أن يكون الأسمى في هذه الحالة، لنتفحص ما الذي ينطوي عليه أيضاً حل من هذا النوع. ما هو الثمن الدولي لعمل كهذا؟ يجب الافتراض أنه بعملية كهذه ستُخرج إسرائيل نفسها من المجتمع الدولي وتسرّع زوالها عن الخريطة؛ ومن الناحية الإسرائيلية – الداخلية، هل أن عملاً كهذا قابل للتنفيذ؟ يجب أن نفترض أن نية كهذه ستصطدم بمعارضة شديدة الخطورة إلى حد نشوب حرب أهلية رهيبة، إذ أن المقصود هنا محاولة إبادة 2 – 3,5 ملايين نسمة (الأرقام ستتغير طبقاً لأوان التنفيذ). وفي أية حال ينبغي لنا أن نحذف بإصرار هذه الفكرة المجنونة من جدول الأعمال.

 ثمة حال آخر هو الطرد، أو كما يسمونه للتخفيف من وقعه، تبادل سكان أو ترانسفير. صحيح أنه جرت في سنة 1948 عمليات طرد، وحدث هروب جماعي للعرب من البلد وهجرة كبيرة ليهود الدول العربية إلى إسرائيل. هل يمكن أن يتكرر تموذج كهذا، سواء في الحاضر أو في المستقبل القريب؟ في سنة 1948 هجر البلد نحو 700,000 عربي، وحتى الآن لم تحل المشكلات التي نجمت عن ذلك. في سنة 1967، هجر كثيرون أرض – إسرائيل (ثمة تقديرات تتراوح بين مائة ومائتي ألف نسمة) في خضم الحرب، وبعد ذلك حدثت هجرة غرادية. في الوقت الحاضر يجري الحديث عن طرد 2 – 3,5 ملايين نسمة. هل هذا واقعي؟ وماذ سيحدث إذا أبدى هؤلاء السكان مقاومة ضد الطرد؟ هل سننتقل آنذاك إلى قتل جماعهي؟ ألن ينقلب الأمر إلى حرب شاملة في الشرق الأوسط؟ وإذا حدث الطرد، كم سيطرد إلى أن تتدخل الدول العظمى – مائة ألف؟ ربع مليون؟ هل سيغير هذان الرقمان الصورة الديموغرافية تغييراً جوهرياً؟ وماذا سيحدث بعد ذلك؟ كل ما قيل أعلاه في شأن فكرة الإبادة يسري أيضاً على فكرة الطرد. العالم الغربي لن يقبل ذلك، وجزء بارز من السكان اليهود لن يسمح به، واليهود في العالم سيثورون ضده. بعد زمن ليس طويلاً ستتوقف العملية وستبقى إسرائيل مع أولئك السكان، لكن مع وصمة رهيبة. وهناك سؤال آخر هو: ما الثمن الذي سنضطر إلى دفعه في المنطقة؟ ماذا  سيفعل المطرودون؟ من سيستوعبهم؟ ألن تخلق في أعقاب الطرد مخيمات لاجئين جديدة، وم. ت. ف. جديدة، ونصل إلى تعميق العداء إلى الأبد؟ ستطرح أيضاً أسئلة مبتذلة: إذا طردناهم جميعاً، من سيجمع القمامة في إسرائيل؟ من سيبني البلد؟ من سيوفر الخضروات، ومن سيقدم [الطعام] في المطاعم؟

هناك حل بديل آخر هو الدمج، أي محاولة دمج عرب إسرائيل داخل مجموعات الأكثرية اليهودية. لكن فكرة كهذه لا أساس لها، لأن اليهود في معظمهم غير مستعدين أبداً لدمج العرب بينهم، وأكثرية العرب غير مستعدة للاندماج بين اليهود.

ثمة حل آخر هو التقدم رويداً رويداً نحو التعددية. وتفسير هذا أن نعطي بالضرورة حكماً ذاتياً معيناً لعرب ارض – إسرائيل، بواسطة اعتراف متبادل بين اليهود والعرب بالهويتين والحضارتين المنفصلتين، وسعي لحلول وسط في المسائل المختلف بشأنها.

هل سيوافق يهود إسرائيل على ذلك؟ إذ أن ما ينجم عن ذلك هو حكم ذاتي عربي في الجليل، وطبعاً تنازل عن المناطق المحتلة، بما في ذلك المثلث الصغير وأجزاء من النقب. هل سيوافق العرب على ذلك؟ فعرب المناطق لا يكتفون بحكم ذاتي، بل يطلبون دولة مستقلة. وكان الكثيرون منهم يريدون دولة على حساب دولة إسرائيل أيضاً.

إذا استبعد الإمكان المذكور لا يبقى إلا خيار واحد هو الرقابة الدائمة. هذا هو الأسلوب الذي اتبهناه حتى اليوم. وحتى الآن أثبت نجاعته، على الأقل من ناحية الأمن الداخلي. المشكلة هي أن استمرار الوضع الراهن سيؤدي إلى المسار الذي وصفناه، ونهايته تراجع متزايد لدولة إسرائيل بقالبها الحالي. وغذا كان الأمر كذلك، فماذا بقي لنفعله؟

أولاً، يجب أن نعترف بمسارات ولا ننتظر معجزات؛ وثانياً، يجب أن نتخذ قرارات شجاعة.

الحل الوحيد والملح المطلوب كي نغير الاتجاهات الصعبة التي وُصفت أعلاه، هو انسحاب من معظم أراضي يهودا والسامرة وقطاع غزة وتسليمها إلى العائلة الهاشمية، كي تقام هناك دولة مستقلة؛ وإذا اتضح أن لا شريك لنا في مفاوضات هذا هو هدفها فيجب أن ننفذ انسحاباً من جانب واحد (حتى لو أدى ذلك إلى حمام دم في هذه المناطق، وإلى سيطرة المتطرفين).

إذا تحقق الإمكان الأخير، فقد تنشأ فعلاً مشكلات خطرة لأمن إسرائيل الجاري علة طول الحد الجديد. لكن إسرائيل ستتحرر من التهديد الديموغرافي، وفي سنة 2000 لن يكون سوى 1,2 مليون عربي داخل الخط الأخضر، أي مجموعة سكانية عربية تشكل نحو 20% - 22% فقط من مجموع السكان. ومع مطيات ديموغرافية كهذا ستتمكن دولة يهودية – صهيونية من المجابهة، وحتى من التقدم بحذر وطمأنينة نحو التعددية.

وفي حالة كهذه سيطرح،  طبعاً السؤال: ماذا بشأن الاستيطان اليهودي في يهودا والسامرة؟ وكي نجيب عن هذا السؤال سنلقي نظرة فاحصة على الانتشار اليهودي في أرجاء يهودا والسامرة (في قطاع غزة لا يوجد يهود تقريباً، ولذلك لا توجد مشكلة استيطانية هناك). في لاقطاع الشرقي من يهودا والسامرة يوجد نحو 40 مستعمرة، وفيها ما يقرب من 4800 يهودي (سنة 1986). ولو أضفنا إليها كريات أربع وغوش سوسيا كوحدة جغرافية واحدة لبلغ مجموع السكان اليهود هناك 11,000 نسمة تقريباً. هذا قطاع مكطابق إلى حد كبير لمشروع آلون: لا يوجد فيه مجموعة سكانية عربية كبيرة ولا ضرورة لإخلائه، أي سيبقى الجيش الإسرائيلي على خط نهر الأردن وعلى سلسلة الهضاب شرقي الغور (أنظر الخريطة رقم 5). في القطاع الغربي، المسمى "خمس دقائق من كفار سابا"، يوجد نحو 25 مستعمرة، وفيها ما يقرب من 22,000 نسمة (سنة 1986). ويقيم جزر من هؤلاء السكان بمحاذاة حد الخط الأخضر، وستكون هناك ضرورة لإدخالها ضمن إسرائيل، سواء بناء على تسوية ما أو بواسطة انسحاب من جانب واحد. إن مجموع السكان اليهود الذين سيبقون في الجانب الثاني من الحد سيصل (وفقاً لمعطيات سنة 1986) إلى نحو 12,000 نسمة. وإذا ما استمرت المسارات الحالية، ربما يصل عدد هؤلاء السكان سنة 2000 إلى 20 – 30 ألف نسمة. إن القسم الأكبر منهم سيخلي المكان بإرادته مع جلاء الجيش الإسرائيلي عن المنطقة، لأن معظمهم لم يستوطن هنا لأسباب أيديولوجية، بل أراد منزلاً خاصاً في أحوال مريحة.

في قطاع المرتفعات الجبلية توجد 35 مستعمرة، فيها نحو 8000 نسمة (عدا غوش عتسيون بشكانها الأربعة آلاف والتي لا نية في إعادتها، ومعاليه أدوميم بسكانها الاثني عشر ألفاً، والتي هي جزء من القدس). في هذا القطاع يقطن في الأساس أعضاء غوش إيمونيم. إذا ما اتخذ قرار بالانسحاب من يهودا والسامرة فستضطر إسرائيل إلى الوقوف أمام مسألة مواجهة، وحتى عنيفة، مع أعضاء غوش إيمونيم وأتباعها، أي مع السكان البالغ عددهم نحو 10,000 شخص في المرتفعات الجبلية، بالإضافة إلى بضعة آلاف مستوطن في القطاع الغربي. وستكون هناك ضرورة لإخلاء بعضها مستعمرات وهمية.

إذا وضعت في كفتي الميزان مسألة مجابهة مجموعة قليلة مقاتلة أو تراجع متزايد وعميق لدولة إسرائيل، فإن الخيار واضح. وعلى الرغم من الألم الفظيم فإنه يجب أن نرجح الكفة بحزم وتصميم. بالنسبة إلى بقية المناطق التي لم نتطرق إليها، مثل القدس (بصورة جزئية)، وغوش عتسيون، ومنطقة مشروع آلون وتعديلات حدود طفيفة في كريات أربع وبالقرب من قلقيلية، فسيكون [ضمها إلى إسرائيل] الثمن الذي سيذطر الفلسطينيون إلى دفعه (مرة أخرى) لرفضهم الجلوس إلى طاولة المفاوضات في السنوات الخمسين الأخيرة. هذا إضافة إلى الثمن الذي دفعوه منذ سنة 1937 في أعقاب رفضهم المتعنت لحل وسط مع اليهود.

 

الخريطة 5: مناطق مقترح ضمها إلى إسرائيل

 

والآن يطرح السؤال الثاني: ماذا سيحدث إذا ما تحولت منطقة يهودا والسامرة، بعد انسحاب الجيش الإسرائيلي، إلى نقطة انطلاق للإرهابيين الذين سيقلبون حياة إسرائيل إلى جحيم؟ إذا حدث ذلك، فعلاً، فعندها سيضطر الجيش الإسرائيلي إلى العودة إلى هناك، ولو كان ذلك ينذر بحرب. إن أوذاع حرب كهذه ونتائجها على السكان المحليين قد تكون عويصة جداً. يجب أن نفترض أن كل من لهم علاقة بالأمر، إسرائيليين وفلسطينيين وأيضاً الدولتين العظميين، سيعرفون سلفاً الثمن الذي قد يترتب على خرق خطر لاتفاق السلام. وينطوي مجرد هذه المعرفة على ما يعزز عند الجانب العربي الرغبة في استمرار السلام وفي إحباط العناصر التي تريد الإخلال به.

خلاصة

لقد ذكرنا هنا نماذج ممكنة لمجابهة التهديد الديموغرافي، وأشرنا إلى الطريق التي ليست سهلة فعلاً لكنها الأقل صعوبة.

الخوف هو ليس  فقط أن الجناح السياسي اليميني في إسرائيل (اليوم 50% من سكان الدولة) يرفض قراءة الخريطة الديموغرافية وفهم المسارات الناجمة عنها في إسرائيل، بل أيضاً من أن الجناح اليساري يتجاهل هذه المسألة ويستخف بها. إن رجال اليسار يقللون من أهمية الموضوع ومن أهمية الأخطار الكيانية المتربصة بإسرائيل من جانب سكان عرب تختلف تطلعاتهم القومية، إلى هذا الحد، عن تطلعات يهود إسرائيل. وفقط إذا تم تخفيف حجم التهديد [الديموغرافي] يستطيع اليسار تبرير المواقف الحمائمية وإدانة الخطوات المتطرفة لمواجهة الشيطان الديموغرافي داخل تخوم إسرائيل (مثل إسكان الجليل أو خطوات وقائية معينة).

ومن يؤمن بأن الطريق الحالية تقود إلى الكارثة، على نطاق قومي، عليه أن ينضم إلى الجمهور المناضل للوصول إلى وعي عام للحقائق بكاملها، كي نحرر اليهود في إسرائيل من فرضيات عفى عليها الزمن ولا يزالون أسرى لها.

إذا لم نجد أذناً صاغية واستمر الضم الزاحف، فعندها لا يبقى لها سوى تبني المقولة الرهيبة ليهوشفاط هركابي:(8) "إنني أعترف بالحق الديمقراطي لليهود في إسرائيل في أن يجلبوا لأنفسهم انتحاراً قومياً. إذا ما حدث ذلك فسأذهب معهم، لكن ما دمت سأحذرهم من ذلك." 

 

المصادر:

المصدر: "في الطريق إلى سنة 2000 -  حرب أخرى أم سلام؟" (باديرخ لشنات 2000، عود ملحماه أو لكرات شالوم)، ألو هار إيفين، محرر (القدس: معهد فان لير، 1988)، ص 11 – 36.

* هجرة اليهود الذين كانوا يعيشون في محنة في شتاتهم بموجب معايير الفكر الصهيوني. (المترجم)

(1) المكتب المركزي للإحصاء، النشرة الشهرية رقم 4، 1987.

(2) بالاستناد إلى نشرة  خاصة للمكتب المركزي للإحصاء، رقم 802، 1987.

(3) ش. ريخمان، "عن فعالية خطة الانتشار الجغرافي للسكان في دولة إسرائيل"، "عبر فازور"، 1973، ص 27.

(4) M. L. Glassner, and H. J. De Bllij, Systematic Political Geography (New York: John Wiley, 1980), p. 433.

(5) "معاريف"، 12/6/1987.

(6) المصدر نفسه، 24/6/1987.

(7) "دافار"، 24/6/1987.

(8) ي. هركابي، "قرارات مصيرية" (تل  أبيب: عام عوفيد، 1986)، ص 7.

Author biography: 

أرنون سوفير: أستاذ في جامعة حيفا.