In Unity and Resistance the Palestinian People Will Bring down the Deal of the Century and Will Prevail
Full text: 

لم يحمل الإعلان الأميركي بشأن مشروع صفقة القرن أي شيء جديد أو نوعي على الوعود والخطوات التي أطلقها ترامب ونفّذها دعماً لدولة الاحتلال، فموضوع سلخ القدس وتهويدها، وشطب قضية اللاجئين وحقهم في العودة، وشرعنة سياسة الضم والقضم لأجزاء واسعة من أراضي الضفة، جميعها موضوعات تم حسمها قبل إعلان هذه الخطة، فضلاً عن الاعتراف بضم كيان الاحتلال لهضبة الجولان السورية المحتلة. وعليه، فإن هذه الخطة لن تخرج عن نطاق الاستجابة الأميركية لمطالب نتنياهو ممهورة بالختم الأميركي وتوقيع الرئيس ترامب.

وبهذا المعنى، انبثقت ملامح مشروع ترامب لحل الصراع العربي / الفلسطيني - الصهيوني، متجاوزة واقع الانحياز الأميركي الكامل تاريخياً إلى رؤية دولة الاحتلال، ومتجاهلة قرارات الشرعية الدولية ذات الصلة بالقضية الفلسطينية، علاوة على تجاهلها إطار الرباعية الدولية التي من المفروض أنها الجهة الدولية المخوّلة متابعة ملف الصراع في المنطقة. والأهم من ذلك كله، أن الخطة تضع أميركا في موقع الشريك الكامل في العدوان على شعبنا وأمتنا. بكلمات أُخرى، وبعيداً عن الإسهاب، فإن هذه الصفقة ليست سوى الصيغة الراهنة الأميركية الصهيونية لتصفية القضية الفلسطينية، وإطباق الهيمنة الشاملة على المنطقة، واستكمال ما سُمي مشروع الشرق الأوسط الجديد الذي نلمس تداعياته وانعكاساته على الوضع العربي، فهي، بحكم الظروف الاستثنائية التي تعيشها المنطقة العربية، تُعتبر "صفقة العمر" بالنسبة إلى ترامب وإدارته ودولة الاحتلال لفرض الرؤية الأميركية الصهيونية وتصفية القضية الوطنية، وصوغ مستقبل المنطقة وشعوبها، وبناء حلف إقليمي عربي – صهيوني - أميركي لمواجهة محور مقاومة المشروع الأميركي الصهيوني.

والمؤسف أن مقدمات تكوين هذا الحلف تَشكّلت، ويعبّر عنها التهافت العربي الرسمي والتطبيع للعلاقات مع الكيان الصهيوني، واعتبار إيران العدو الرئيسي لعدد من هذه الأنظمة، وإدارة الحرب بالوكالة في سورية واليمن وليبيا، ومواقف بعض هذه الأنظمة من صفقة عُرضت عليها قبل إعلانها رسمياً في الاجتماع الاحتفالي الذي جرى بين ترامب ونتنياهو.

وبإيجاز، فإن هذه الصفقة تدعو إلى تكريس نظام الاحتلال والأبارتهايد الصهيوني بما يشمل جماهير شعبنا في الجزء المحتل من فلسطين في سنة 1948، وإلى تخفيض سقف الحقوق الفلسطينية إلى أقل من سقف الحكم الذاتي أو محميات تحت سيطرة الاحتلال، وتطبيع العلاقات العربية مع دولة الاحتلال، وتوسيع دورها ووظيفتها الإمبريالية في المنطقة، وتقود إلى إشعال نيران الحرب الأهلية الفلسطينية.

وعليه، فإن أقل ما يمكن أن توصف به هذه الصفقة هو أنها إعلان حرب على الشعب الفلسطيني والأمة العربية. ومع أن فرص تسويق هذه المؤامرة كمشروع للحل منعدمة في ظل الرفض الفلسطيني القاطع والشامل لها على المستويين الرسمي والشعبي، إلّا إن أخطارها تبقى قائمة على الوضعين الفلسطيني والعربي، إذ إن مواصلة التمسك بنهج أوسلو، والمفاوضات العبثية، واستمرار الانقسام الفلسطيني، ستجعل من الرفض الفلسطيني مجرد موقف فارغ من أي محتوى. لذلك، فإن تحقيق الوحدة الفلسطينية من دون إبطاء، واستناداً إلى خيار المقاومة وإنهاء تعاقد أوسلو السياسي، سيوفر الحماية الوطنية الضرورية للمشروع الوطني الفلسطيني، وسيحدّ من هرولة العديد من الأنظمة العربية لتطبيع علاقتها مع دولة الاحتلال، وسيعزز المطالب الفلسطينية بتوفير الحماية الدولية لشعبنا، وبتحمّل المجتمع الدولي لمسؤولياته في إخضاع الدولة الصهيونية للقانون الدولي، وإلزامها بتطبيق قرارات الشرعية الدولية.

وعليه، فإن صفقة القرن بما تحمله من أخطار على مستقبل القضية الوطنية والأمة العربية تطرح على شعبنا العديد من الاستحقاقات لإفشالها، وإغلاق الأبواب أمامها، ووضع شعبنا على طريق أهدافه الوطنية.

ويأتي في طليعة هذه الاستحقاقات إعادة بناء المشروع الوطني الفلسطيني باعتباره مشروعاً للتحرر الوطني في مواجهة المشروع الاستعماري والاستيطاني العنصري الصهيوني، والتحرر من جميع الأوهام والتوقعات التي بُنيت على مفاوضات مسار مدريد – أوسلو؛ هذه المفاوضات التي وفرت على مدار أكثر من ربع قرن الغطاء لتمدد المشروع الاستيطاني الصهيوني، وأدخلت شعبنا وقضيته الوطنية إلى الأزمة والمأزق اللذين نعيشهما اليوم، ومهدت لتوفير مقدمات الإعلان بشأن صفقة القرن. فالمشروع الاستيطاني الصهيوني، وعلى غرار أشكال الاستعمار الاستيطاني كلها التي عرفتها البشرية، يُعتبر مشروعاً إقصائياً عنصرياً يهدف إلى الاستيلاء على الأرض، وإبادة السكان الأصلانيين مادياً أو ثقافياً، وتقويض هويتهم الوطنية، الأمر الذي يعكس واقع المجتمع الصهيوني اليوم الذي تهيمن عليه القوى الصهيونية الأكثر تطرفاً وعنصرية، والذي تلاشى فيه جميع المطالبين بالتسوية السياسية، ليس فقط ببهتان ثقلهم في الخارطة السياسية، بل بغياب هذا المطلب أيضاً من برامجهم لضمان حصولهم على نسبة الحسم التي تؤهلهم لعضوية الكنيست الصهيونية، علاوة على مجاهرة العديد من الأحزاب الصهيونية برفض إقامة دولة فلسطين، وامتناع حكومة نتنياهو من عرض الخطة الأميركية لإقرارها في الحكومة بسبب هذا الرفض.

إن هذا الواقع بما يقدمه من استخلاصات ودروس يتطلب امتلاك برنامج نضالي وطني موحد يصوب المسار السياسي، ويؤسس للنهوض الوطني من أجل مضاعفة مصادر قوتنا؛ برنامج يعيد تجميع عناصر البرنامج الوطني التي تم تفكيكها في محطات التفاوض المتعاقبة؛ برنامج يعبّر عن وحدة الأرض والشعب والهوية والمصير لعموم أبناء شعبنا في جميع أماكن وجودهم، ويحشدهم في خنادق مقاومة المشروع الصهيوني، فالمؤامرة تستهدف مكونات الشعب الفلسطيني في أماكن وجوده كافة.

وعليه، فإن تحويل الإجماع الوطني الفلسطيني الرافض لصفقة القرن إلى برنامج سياسي نضالي موحد يجب أن يستند إلى:

  • القطع مع اتفاق أوسلو وإعلان فشله بشكل صريح والتحلل من جميع التزاماته السياسية والاقتصادية، وخصوصاً الأمنية منها، وفي مقدمها التنسيق الأمني، وسحب الاعتراف الفلسطيني بدولة الاحتلال، وإعلان انتهاء المرحلة الانتقالية التي نصّ عليها هذا الاتفاق، ونقل ملف القضية الفلسطينية إلى الأمم المتحدة، ومطالبة المجتمع الدولي بتحمّل مسؤولياته في توفير الحماية الدولية لشعبنا، ووضع الدولة الصهيونية تحت طائلة القانون الدولي، وإلزامها بتنفيذ قرارات الشرعية الدولية التي تستجيب لحقوق شعبنا الوطنية. ولذلك فإن تطبيق قرارات المجلس الوطني والمركزي في هذا الصدد، ومن دون إبطاء، سيُشكّل خطوة في هذا الاتجاه.
  • التشديد على أن حق العودة ليس فقط حقاً فردياً وجماعياً لشعبنا في العودة إلى القرى والبلدات والمدن التي هُجّروا منها، بل هو جوهر القضية الوطنية الفلسطينية، والجسر الذي يوصل بين حقوقنا الوطنية المباشرة والتاريخية أيضاً. وإن تطبيق حق العودة يعني توفير جميع المقدمات لممارسة عودة اللاجئين إلى أراضهيم وقراهم المهجرة، وحقّهم في التعويض تنفيذاً للقرار 194، وتجسيداً للاستقلال الوطني.
  • الشروع في حوار وطني جاد ومسؤول من أجل استكمال جهود المصالحة، وإنهاء الانقسام وطيّ ملفه، وإعادة بناء وترتيب مؤسسات شعبنا الوطنية على أساس الشراكة الوطنية الديمقراطية، وفي مقدمها منظمة التحرير الفلسطينية، وتنفيذاً لاتفاقات المصالحة الوطنية التي أجمعت عليها قوى شعبنا في محطات الحوار الوطني الشامل. وهذا الأمر يتطلب الدعوة الفورية إلى اجتماع الإطار القيادي الموقت للمنظمة من أجل الاتفاق على برنامج نضالي موحد لمواجهة صفقة القرن، واستكمال عملية المصالحة من النقطة التي توقفت عندها، وعدم الاكتفاء باللقاءات المشهدية التي لا تعكس الجدية الضرورية والمطلوبة لتحقيق الوحدة الوطنية. فالدعوة إلى عقد هذا الإطار يُشكّل المعيار لجدية موقف أي فصيل من موضوع الوحدة الوطنية، وهو لا ينتقص من شرعية مؤسسات المنظمة، وإنما يعمل على ترسيخها، علاوة على أن هذا الإطار هو جزء من اتفاق المصالحة.
  • تشكيل حكومة وحدة وطنية تعمل على استكمال مهمات حكومة الوفاق الوطني لإنهاء الانقسام، وإدارة الوضع الداخلي، والتحضير لإجراء الانتخابات الشاملة للرئاسة والمجلس التشريعي والوطني. حكومة تعمل على تخفيف أعباء الحصار عن أبناء شعبنا في القطاع الصامد، وإيقاف سياسات التمييز والعقوبات كلها على أبناء شعبنا هناك وعائلات الشهداء والأسرى والمحررين. حكومة تساهم في بناء سياسة تنموية فلسطينية تعزز صمود شعبنا ومقاومته، وتأخذ بعين الاعتبار عملية النهوض بالقطاعات الإنتاجية الصناعية والزراعية، وتعزيز عملية المقاطعة الاقتصادية لمنتوجات الاحتلال، والارتقاء بمستوى الطبقات والفئات المهمشة، وتعميم التكافل الاجتماعي بين جميع شرائح وفئات شعبنا، ومكافحة الفساد، وضمان الحريات وحقوق الإنسان، وتحويل السلطة وحكومتها إلى أداة من أدوات منظمة التحرير الفلسطينية تكون مهمتها الرئيسية تعزيز صمود أبناء شعبنا الفلسطيني على الأرض، وخصوصاً في القدس، من أجل مواجهة المشروع الاستعماري الصهيوني، وبما يضمن حقوقهم الاقتصادية والاجتماعية والمدنية.
  • إطلاق طاقات شعبنا الكفاحية وتنظيمها والارتقاء بها، وبناء الأدوات الميدانية المؤهلة لقيادتها، إن على المستوى المركزي الوطني العام، أو على مستوى الامتدادات المحلية في المحافظات والقرى والأحياء، فالمقاومة هي الرافعة المجربة، وهي حجر الزاوية لتحقيق أهداف شعبنا الوطنية والتاريخية.
  • إطلاق أوسع حملة شعبية لمناهضة التطبيع مع الكيان الصهيوني، وعدم مجاملة أي نظام عربي رسمي يمارس التطبيع، والضغط من أجل تنفيذ القرارات التي صدرت عن بعض البرلمانات العربية التي جرمّت التطبيع واعتبرته خيانة لمصالح الأمة العربية، ومطالبة الدول التي تقيم علاقات مع دولة الاحتلال بسحب اعترافها وقطع العلاقات الدبلوماسية معها وسحب سفرائها. وهذه الانشطة يجب ألّا تكتفي بالعمل الموسمي أو الاحتفالي، بل عليها أن تتم بالتنسيق مع جميع أطر عمل الشعب العربي والأحزاب والمؤسسات المناهضة للتطبيع ولصفقة القرن.
  • تعزيز وإسناد وتوسيع نشاط حملة مقاطعة "إسرائيل" وسحب الاستثمارات منها وفرض العقوبات عليها، من أجل محاصرة الاحتلال ومشروعه الاستعماري الاستيطاني على طريق نزع الشرعية عن كيانه البغيض.
  • تفعيل ملفات انتهاكات العدو لحقوق الإنسان الفلسطيني، وملاحقة جرائمه بحق أبناء شعبنا في محكمة الجنايات الدولية، علاوة على تفعيل دورنا في جميع المؤسسات الدولية بناء على الاعتراف بفلسطين دولة بعضوية مراقب.

فعلى الرغم من صعوبة الظرف الذي يعيشه شعبنا وقضيتنا الوطنية، فإننا نمتلك كثيراً من مصادر القوة التي يمكن البناء عليها لإدارة اشتباكنا المفتوح مع المشروع الصهيوني، وإفشال هذه الصفقة والمؤامرة، وفي مقدمها استمرار صمود شعبنا ومقاومته في تعبير واضح عن عمق الوطنية الفلسطينية، واتساع ساحة التأييد الدولي التي تتسع باطّراد على المستويين الرسمي والشعبي، فضلاً عن دعم الجماهير العربية.

وعليه، ينبغي لنا مغادرة حالة المراوحة والمراهنة على خيارات أثبت الواقع فشلها ونتائجها المدمرة، والشروع في منح جماهير شعبنا وأمتنا الأمل باستعادة وحدتنا الوطنية كأساس لتجميع مصادر قوتنا كلها، من أجل شقّ طريق النهوض الوطني لحماية مشروعنا الوطني التحرري، والانطلاق نحو تحقيق أهدافنا.

Author biography: 

أحمد سعدات: الأمين العام للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين.