دخل الاقتصاد الإسرائيلي العقد الثاني من القرن الحادي والعشرين، وهو في أفضل أوضاعه منذ قيام دولة إسرائيل في سنة 1948، فقد استطاع منذ أواخر ثمانينيات القرن الماضي التخلص من أزمات الكساد والتضخم التي عانى جرّاءها سنوات عديدة، كما تمكن من مواصلة النمو لأكثر من ربع قرن حتى أصبح اليوم اقتصاداً غنياً يضاهي اقتصاد الدول الأوروبية. فمعدل دخل الفرد الإسرائيلي أصبح يوازي نحو 90% من متوسط دخل أغنى 16 دولة في العالم،1 ويرافق هذا التقدم الكبير توظيف كامل لليد العاملة (عدم وجود بطالة)، واستقرار في الأسعار (عدم وجود تضخم) وفائض في ميزان المدفوعات (عدم وجود عجز). ويمكن القول إن العوامل التالية هي من أهم الأسباب التي ساعدت إسرائيل على تحقيق هذا التقدم:
اتفاقيات أوسلو: فاعتراف منظمة التحرير الفلسطينية بإسرائيل، وانتهاء المقاطعة العربية لها، أنهيا عزلتها الدولية وفتحا أمامها فرصاً هائلة من الأسواق والعلاقات والاستثمارات التي منحتها مكانة دولية عادت عليها بفوائد كبيرة على مستوى نشاطاتها الاقتصادية في الداخل والخارج على حد سواء. ويكفي في هذا المجال، الإشارة إلى أن الصين والهند اللتين كانتا، قبل أوسلو، لا تعترفان بإسرائيل ولا تقيمان معها أي علاقات اقتصادية أصبحتا الآن تتاجران معها بمليارات الدولارات، بالإضافة إلى شراكات اقتصادية واستراتيجية.
صناعة التقنية العالية: كان من شأن اهتمام إسرائيل المبكر والطموح إلى كل ما له تأثير إيجابي في نمو صناعة التقنية العالية من تخصيص الموارد الكافية للإنفاق على التعليم والبحث العلمي، وسن القوانين الملائمة لتوفير البيئة المساعدة، وعقد الشراكات الاستراتيجية مع المراكز العالمية، أن كرّس إسرائيل مركزاً عالمياً له الريادة في عدة مجالات في صناعة التقنية العالية. ولم تقتصر فوائد هذا المركز الطليعي على توسيع مجالات النشاط الإسرائيلي في الإنتاج والاستثمار والتصدير، بل تعدته أيضاً إلى تحقيق اختراقات سياسية واستراتيجية كبيرة، وخصوصاً في قارتي آسيا وأفريقيا، وذلك بسبب الارتباط العضوي بين صناعتي التقنية العالية والأسلحة المتطورة.
ويُجمع معظم المعلقين الاقتصاديين على أن مستقبل إسرائيل الاقتصادي في السنوات القليلة المقبلة سيتعزز بسبب العاملين التاليين:
اكتشاف الغاز الطبيعي: ويكفي هنا أن نلاحظ أنه بينما كانت إسرائيل في السنوات القريبة الماضية تستورد الغاز من مصر، فإنها ستصدره في أواخر سنة 2019 إلى مصر والأردن.
تنامي العلاقات الاقتصادية مع دول الخليج العربي: وهي علاقات يتحكم فيها البعدان الأمني والسياسي، إذ تقوم إسرائيل بإمداد المملكة العربية السعودية ودول خليجية أُخرى بالمعدات والأجهزة الأمنية الحديثة وبالمعلومات الاستخباراتية، وفي المقابل ستحصل على أسواق لمنتوجاتها وخدماتها المتنوعة.
لقد تمكنت إسرائيل من تحقيق جميع الإنجازات الاقتصادية، وهي ملتزمة بصورة مستمرة ومطلقة بالمشروع الصهيوني وأولوياته في التوسع على المستويين الجغرافي والبشري. ولمّا كان المشروع الصهيوني ليس مشروعاً للتحرر الوطني، وإنما مشروع استعماري استيطاني إحلالي، فقد فُرض على الإنجازات الاقتصادية التي حققتها إسرائيل في العقود الماضية أن تتم في سياق تطورات الديناميات الخاصة بهذا المشروع، وبصورة تمت فيها إعادة صوغ تركيبة المجتمع الإسرائيلي وفق توجهات عقائدية وثقافية وسياسية جديدة. ومن الممكن أن نسجل في هذا المجال الأمور الثلاثة التالية:
إعادة تموضع شاملة للنظام الاقتصادي السياسي في إسرائيل: لقد تم القضاء على نظام الاشتراكية الديمقراطية الذي ظل سائداً في إسرائيل منذ تأسيسها في سنة 1948 حتى منتصف ثمانينيات القرن الماضي، وجرى تعزيز النظام الرأسمالي في أفق أيديولوجيا الليبرالية المحدثة (Neoliberalism)، كما انحسر نفوذ الأحزاب العمالية وتعاظمت سيطرة الأحزاب اليمينية المتطرفة على مجمل الحياة السياسية.
تنامي ظاهرة سوء توزيع الدخل القومي إذ دخلت إسرائيل نادي الدول الغنية وهي في أسفل قائمة ذلك النادي من حيث درجة المساواة في الدخل بين مواطنيها، وقد كانت حتى مطلع ثمانينيات القرن الماضي في أعلى قائمة نادي دول الديمقراطية الاشتراكية.
انتشار ظاهرة الفساد فمواصلة إسرائيل عمليات القمع الإنساني والاستغلال الاقتصادي للشعب الفلسطيني في مناخ التخلي عن نظام الديمقراطية الاشتراكية، وما رافقه من انحسار مفاهيم التضامن والتعاون المجتمعي، وسيادة مفاهيم الرأسمالية في التنافس وأولوية المصلحة الفردية، والانفتاح على الأسواق العالمية وثقافة الشركات متعددة الجنسية، أمور كلها أشاعت جواً من الفساد في مؤسسات القطاع العام، وفي ممارسات رجال الأعمال في القطاع الخاص. وبينما كان الشعور العام في العقود الثلاثة الأولى من عمر الدولة أن الفساد في إسرائيل، كدولة ومجتمع، هو حالات فردية استثنائية نادرة، وأن تصرفات الأغلبية من موظفي الدولة ومن رجال الأعمال هي تصرفات نظيفة وشفافة تصدر عن ثقافة «الرواد المثالية»، نجد أن الشعور العام في العقدين الماضيين قد انقلب كلياً، وأصبح يشك في تصرفات كل أصحاب النفوذ، سواء في الحكومة أو في الشركات الكبيرة.
وهكذا نرى أن إسرائيل تعيش في نهاية العقد السابع من عمرها في حالة من الازدواجية الفاضحة. فهي من ناحية تمثل أرقى ما توصل إليه الإنسان من تقدم على مستوى الحكم والعلوم، ومن ناحية أُخرى تمثل أسوأ ما انحدر إليه الإنسان من عنصرية وتنكر للمبادئ الإنسانية في التسامح والتكافل والمساواة. وتظهر هذه الازدواجية حادة وعارية عندما نلاحظ:
- نظام الحكم في إسرائيل فيه فصل حقيقي للسلطات، وفيه مراقبة حقيقية لتصرفات السلطة التنفيذية، إذ تمت محاكمة وسجن رئيس دولة ورئيس حكومة سابقين، وحالياً (آذار/مارس 2019) يجري الإعداد لمحاكمة رئيس الحكومة الحالي، بنيامين نتنياهو. كما أن للدولة جهازاً بيروقراطياً عقلانياً قادراً على وضع أولويات ملائمة للسياسات والعمل الدؤوب على تطبيقها. ومن ناحية التقدم العلمي حققت إسرائيل تقدماً مرموقاً أهّلها لأن تتمتع جامعاتها بسمعة عالمية مرموقة، كما أن لها اقتصاداً منفتحاً على الأسواق العالمية مكّنها من إقامة علاقات تجارية واستثمارية متينة بالتجمعات الاقتصادية الكبرى في الاتحاد الأوروبي وأميركا الشمالية وبالاقتصادات الصاعدة كالصين والهند. ويتمتع الاقتصاد الإسرائيلي بحضور عالمي مهم في مجال صناعات النمو الجديدة، كصناعة الاتصالات الإلكترونية والمعلومات الرقمية وأجهزة الطب الحديثة، ويؤدي في الوقت نفسه دوراً كبيراً في تصنيع الأسلحة وتصديرها بطريقة تعود عليه بفوائد اقتصادية وسياسية مهمة.
- تنتهج إسرائيل سياسات اجتماعية واقتصادية على مستوى المواطنة والسكن والهجرة تُعتبر متناقضة مع القوانين والأعراف السائدة في المجتمعات الديمقراطية الغربية التي تدّعي إسرائيل تمثيلها في محيط التأخر العربي. كما أن التوجهات السياسية والأيديولوجية للنخب الإسرائيلية تتموضع كلها تقريباً في سياق عنصري وفاشي واضح وصريح وغير مقنع. كذلك تمارس إسرائيل سياسة عدوانية توسعية قادتها إلى عقد تحالفات مع الحركات التكفيرية الإجرامية على الحدود مع سورية، قبل أن تتمكن الدولة السورية من هزيمة هذه الجماعات وتنظيف الحدود منها. وفي الوقت نفسه تمعن إسرائيل في تمزيق أوصال الضفة الغربية وتهويدها بما فيها القدس، وأيضاً في اضطهاد الفلسطينيين وسجن رجالهم ونسائهم وتهديم بيوتهم، وتشغيل آلتها في القتل المنهجي على مدار ساعات الليل والنهار.
من الطبيعي أن تطرح هذه الازدواجية الصارخة التي يعيشها المجتمع الإسرائيلي هذه الأيام (على أعتاب العقد الثالث من القرن الحادي والعشرين) أسئلة مهمة بشأن مستقبله ومستقبل المشروع الصهيوني، وهذا ما يجب أن يستحوذ على اهتمام الباحثين العرب بالعلوم السياسية والاجتماعية والاقتصادية. وفي هذا الفصل سنهتم بالأسئلة الخاصة بالبعد الاقتصادي والتي يمكن صوغها على الشكل التالي:
- ما هي التوقعات المستقبلية لحركة الاقتصاد الإسرائيلي، وإلى أي حد وصلت مرحلة النمو المستدام كما يعتقد معظم الخبراء في إسرائيل؟
- ما هي طبيعة التوجهات الاقتصادية الإسرائيلية في سياق حركة العولمة، وما هي علاقة هذه التوجهات بأولويات المشروع الصهيوني في التوسع الجغرافي والبشري؟
- ما هي طبيعة العلاقات الاقتصادية بين إسرائيل والدول العربية، وخصوصاً مع الضفة الغربية وقطاع غزة ومصر والأردن، والعلاقات المستجدة مع دول الخليج العربي؟
من الواضح أن الإجابة عن هذه الأسئلة لا تتحقق عبر دراسة الوضع الراهن للاقتصاد الإسرائيلي فقط، فهي تحتاج أيضاً إلى معرفة كيفية تطور هذا الاقتصاد تاريخياً حتى وصل إلى وضعه الراهن، وهو ما يمكّننا من كشف الديناميات التي تتحكم في تطور البنية الداخلية للاقتصاد، وتطور عملها تاريخياً كي نستطيع تكوين فكرة عن احتمالات اتجاهاتها المستقبلية.
بناء على ما تقدم سنخصص الجزأين الأولين من هذا الفصل لدراسة تاريخية تحليلية للخلفية الاقتصادية–السياسية التي تشكل البيئة الواقعية للاقتصاد الإسرائيلي. وفي الجزء الأول نقوم برصد وتحديد الآليات الاقتصادية التي ابتكرها المشروع الصهيوني في فلسطين، والتي لم يكن ممكناً من دونها إقامة دولة إسرائيل سنة 1948، بالإضافة إلى تأثيرها المحوري في توجيه النشاط الاقتصادي للدولة الجديدة. وفي الجزء الثاني نعرض باختصار الست مراحل التي مر بها الاقتصاد الإسرائيلي منذ قيام الدولة حتى وقتنا الحاضر. أمّا في الجزء الثالث، فسنقدم صورة لبنية الاقتصاد الإسرائيلي كما هي في نهاية العقد الثاني من القرن الحادي والعشرين، وسنركز في هذا العرض على ثلاثة موضوعات هي: اندماج الاقتصاد الإسرائيلي في الأسواق العالمية؛ التقدم العلمي والتقني في إسرائيل؛ وضع الصناعة الحربية. وفي الجزء الرابع ندرس العلاقات الاقتصادية بين إسرائيل والدول العربية وما ترسمه تلك العلاقات من احتمالات مستقبلية.
أولاً: الآليات الاقتصادية للمشروع الصهيوني
منذ أن ابتدأ المشروع الصهيوني في فلسطين في الربع الأخير من القرن التاسع عشر حتى وقتنا الحاضر في أواخر العقد الثاني من القرن الحادي والعشرين، وهو يتوسع باستمرار: جغرافياً عبر الاستيلاء على الأراضي العربية وبناء مستعمرات يهودية عليها، وبشرياً عن طريق إحضار المهاجرين اليهود من أنحاء العالم وتقديم المساعدات الهائلة لهم ودمجهم في المجتمع الإسرائيلي. ولقد تمكن هذا المشروع من الاستمرار في عملية التوسع هذه طوال أكثر من قرن وربع قرن على الرغم من التغييرات الدولية الهائلة، إذ نجح في ابتكار علاقة دينامية بين نشاطه السياسي ونشاطه الاقتصادي، بشكل لا يضع فيه أحدهما حدوداً وقيوداً على الآخر، بل على العكس يقوم بتكميله ودعمه وتطويره. فالنشاط السياسي يعمل على تذليل العقبات الاقتصادية التي تعترض طريق التوسع الصهيوني، بينما يعمل النشاط الاقتصادي دائماً على توفير البيئة الملائمة لرفع سقف الأهداف السياسية وتطويرها لمصلحة التوسع الجغرافي والبشري.
وسنعمل هنا على فهم السياق الذي تم فيه ابتكار العلاقة العضوية بين «السياسة» و«الاقتصاد»، والذي أوجد ما ندعوه آليات الصهيونية الاقتصادية، ثم نتابع تطور هذه الآليات عبر المراحل التاريخية التي مر بها المشروع الصهيوني.
عندما بدأ النشاط الاستيطاني لليهود في فلسطين، في الربع الأخير من القرن التاسع عشر، كان يفتقد الشروط التي ساهمت في نجاح مشاريع الاستيطان الاستعمارية المعروفة في أميركا الشمالية وجنوب أفريقيا وأستراليا. فالنشاط الاستيطاني اليهودي في فلسطين لم تقم به دولة استعمارية قادرة على التحكم في الأراضي وتوزيعها على مستوطنين أوروبيين، كما جرى في المشاريع الاستعمارية الأوروبية، وإنما بدأته مجموعات صهيونية ليس لها أي قوة عسكرية ذاتية، وكل ما كانت تملكه هو القوة الاقتصادية التي وظفتها للحصول على تأييد الدول الاستعمارية السياسي. كذلك لم يكن في فلسطين أرض حرة غير مملوكة (Free Land)، أي أرضاً بلا ثمن يتمكن المستوطن من الاستيلاء عليها من دون تكلفة اقتصادية، كما حدث في معظم المشاريع الاستعمارية الاستيطانية. فالأراضي الفلسطينية في الواقع كانت مملوكة وذات قيمة اقتصادية كبيرة، حتى إن متوسط سعر الدونم منها في مطلع القرن العشرين كان يساوي متوسط سعر الدونم من الأراضي الأميركية الريفية.2
إن غياب الشروط الاقتصادية للمشروع الاستعماري في فلسطين هو ما يفسر إخفاق عمليات الاستيطان الأولية في تحقيق أي تقدم ملموس في العقود الثلاثة الأولى من نشاطها (1882 – 1914). ففي أعوام هجرة اليهود الكبرى من أوروبا
(1905 – 1914)، هاجر إلى أميركا أكثر من مليون يهودي، بينما لم يهاجر إلى فلسطين إلاّ 30,000 يهودي فقط، والأهم من ذلك هو أن الأغلبية العظمى من هؤلاء المهاجرين (80%) ما لبثت أن غادرت إلى أميركا بعد أشهر أو أسابيع من وصولها إلى فلسطين.3
إن النجاح الذي حققته الحركة الصهيونية فيما بعد على طريق الاستيطان الاستعماري في فلسطين جرى عبر ابتكار آليات اقتصادية جديدة تختلف عن آليات الاستيطان الاستعمارية الكلاسيكية. وهي لم تبتكر هذه الآليات تلقائياً، أو وفق تصور مجموعة أو حزب، وإنما عبر صراع سياسي وتجارب من الخطأ والصواب، حتى إن الكاتب الإسرائيلي غيرشون شافير يرى أن العقود الثلاثة (1882 – 1914) شهدت ست مراحل متنوعة من الاستيطان اليهودي،4 هي:
المرحلة الأولى: بدأت سنة 1882، وقام بها مهاجرون من حركة أحباء صهيون Lovers of Zion)i)، الذين شكلوا ما يُسمى موجة الهجرة الأولى (First Aliyah)، وأقاموا مستعمرات قرب صفد ويافا والقدس، وحاولوا تقليد أساليب الزراعة الفلسطينية، لكن المحاولة كانت غير مجدية، ولم تتمكن المستعمرات من تأمين ضرورات الحياة الرئيسية للمستوطنين. كما أن أغلبية موارد منظمة أحباء صهيون كانت تُستنفد في عملية الهجرة وشراء الأراضي من دون فائض يدعم اقتصاد المستعمرات.5
المرحلة الثانية: بدأت بتدخل البارون اليهودي الفرنسي إدموند دو روتشيلد لإنقاذ عملية الاستيطان، عبر تقديم الدعم المالي والإشراف المباشر على إقامة المستعمرات. واستخدم روتشيلد خبراء فرنسيين لديهم خبرة بالزراعة الفرنسية الاستعمارية في الجزائر. وبعد عشرة أعوام وإنفاق مبالغ هائلة، انسحب من قيادة النشاط الاستيطاني اليهودي، نتيجة فشل النموذج الذي اتبعه، وذلك لافتقار فلسطين إلى شروط إنشاء المزارع الاستعمارية الكبيرة التي تقوم بإنتاج سلع زراعية تباع في الأسواق العالمية.
المرحلة الثالثة: بدأت في مطلع القرن العشرين، عندما استلمت جمعية الاستعمار اليهودي (Jewish Colonization Association) مهمة الإشراف على معظم المستعمرات اليهودية. وكانت الجمعية غير صهيونية، استخدمت سياسة جديدة اعتمدت المعايير الاقتصادية للسوق، وهو ما أدى إلى خفض معدلات أجور العمال اليهود حتى وصلت إلى معدلات أجور العمال العرب، فضلاً عن خسارة كثيرين من المهاجرين اليهود عملهم، إذ وجدوا أنفسهم من غير مورد للرزق، فتركوا فلسطين وعادوا إلى أوروبا بمساعدة الجمعية.
المرحلة الرابعة: جاءت هذه المرحلة نتيجة تأسيس المنظمة الصهيونية العالمية سنة 1897 (World Zionist Organization)، والتي أقامت شبكة عالمية من الأجهزة السياسية النشيطة في أوروبا والعاملة على تشجيع الهجرة اليهودية إلى فلسطين. وفي المؤتمر الصهيوني الخامس في سنة 1901 تم إقرار إنشاء الصندوق القومي اليهودي (Jewish National Fund) بهدف تمويل شراء الأراضي في فلسطين، فبدأت عمليات الشراء والهجرة من دون اعتبار للوضع الاقتصادي في فلسطين وقدرته الاستيعابية.
المرحلة الخامسة: رافق هذه التجربة وصول موجة الهجرة الثانية (Second Aliyah)، وكان أفرادها مغايرين جذرياً لأفراد موجة الهجرة الأولى. فقد كان المهاجرون الأوائل من أفراد الطبقة الوسطى ولديهم رأس مال مكّنهم من العيش في المدن كالقدس ويافا والخليل وصفد، أمّا أفراد الموجة الثانية فكانوا في معظمهم من الطبقة العاملة ومتشبعين بالأفكار الاشتراكية والقومية، وكان همهم الأول إيجاد مورد للرزق، فعملوا على تأسيس أحزاب عمالية اشتراكية تدافع عن مصالحهم.
المرحلة السادسة: كرّست هذه التجربة الأسلوب الصهيوني في الاستيطان، وابتدأت بعقد التحالف بين الأحزاب العمالية والمنظمة الصهيونية، الأمر الذي أدى إلى بناء اقتصاد يهودي في فلسطين يعمل على إيجاد علاقة استعمارية مع الاقتصاد العربي. وقد تم ذلك عبر إحداث تشويه في الأسواق الاقتصادية الثلاث: سوق رأس المال، وسوق الأرض، وسوق العمل.
تم التشويه أولاً في سوق رأس المال بحكم وجود مؤسسات سياسية (الصندوق القومي اليهودي) توزع المال من أجل الاستثمار وفق اعتبارات سياسية. وبذلك تعطلت مهمة سوق رأس المال بتوزيع الأموال على المشاريع الاستثمارية بحسب الكفاءة الاقتصادية، إذ إن جزءاً كبيراً من التوزيع أصبح يتم من دون المرور بالسوق. وحدث التشويه ثانياً في سوق الأرض لأن الصندوق القومي اليهودي كان قادراً على دفع أسعار عالية للأرض لا يستطيع أحد في السوق المحلية مجاراتها أو منافستها. كما أن قيام الصندوق بشراء الأرض كان يعني أنها أصبحت خاضعة لملكية جماعية (اليهود في العالم)، وأنها سُحبت من «سوق الأرض» في فلسطين، وهو ما أدى، بدوره، إلى رفع أسعار الأراضي وقيام سوق غير مجدية للمضاربات العقارية. أمّا التشويه الثالث فحدث في سوق العمل على أساس أن العاملين في المستعمرات التعاونية (الكيبوتس)، التي تشرف عليها الأحزاب العمالية وتمولها المنظمة الصهيونية، كانوا غير مضطرين إلى دخول سوق العمل أصلاً، كما كانت أجورهم تتحدد وفق معايير ليست لها أي علاقة بالمعايير الاقتصادية لقوى العرض والطلب في السوق.
تجدر الإشارة إلى أن أسلوب المستعمرات التعاونية الذي يوصف، عادة، بأنه أسلوب اشتراكي، قام على أساس حقيقتين: الأولى أن محركه الرئيسي كان رأس المال، ومن دون ذلك كان من المستحيل له أن يستمر أو يتطور؛ الثانية، أنه قام على أساس التمييز العنصري بين العامل اليهودي والعامل العربي، إذ إن الأحزاب العمالية وجدت فيه أفضل وسيلة لضمان الامتيازات للعامل اليهودي.
قاد نجاح تحالف المنظمة الصهيونية والأحزاب العمالية إلى إنشاء مؤسسات اقتصادية أُخرى في قطاعات الصناعة والتمويل والتأمين والخدمات الصحية، اعتمدت أسلوب المستعمرات التعاونية ذاته، أي التشويه الكامل لكل من اقتصاد السوق والعمل وفقاً لمعايير سياسية غير اقتصادية. وهكذا، فإن الحركة الصهيونية ابتكرت أسلوب الاستيطان اليهودي في فلسطين، الذي يتحرك بقوة رأس المال الأجنبي ويعمل على تشويه الاقتصاد العربي. وبفضل ذلك تغلب الأسلوب الصهيوني في الاستيطان على الصعوبات الاقتصادية التي واجهها؛ فقد تغلب على عقبة عدم وجود أرض حرة (Free Land) بفضل رأس المال الأوروبي الذي مكّنه من شراء الأرض بأسعار مرتفعة. أمّا عقبة وجود سكان مقيمين على الأرض، فتم التغلب عليها عن طريق إجلاء الفلاحين عن الأرض التي يشتريها اليهود، إذ كان من المتعارف عليه في السابق أن الفلاحين يبقون في الأرض عند انتقال ملكيتها.
لم يكن في إمكان الأسلوب الصهيوني للاستيطان أن ينجح لو أنه أعتمد على قدراته الذاتية فقط، فمع أنه تمكن من حل مشكلتي عدم وجود أرض حرة، ووجود سكان أصليين، إلاّ إنه كان أيضاً بحاجة إلى دعم دولة استعمارية ذات قوة عسكرية لتحقيق أهدافه. وتحقق ذلك عبر انهيار الإمبراطورية العثمانية في الحرب العالمية الأولى، ووقوع فلسطين تحت الاحتلال البريطاني. فقد أيدت بريطانيا المشروع الصهيوني بإصدارها وعد بلفور سنة 1917، وبعد أن احتلت جيوشها فلسطين حكمتها بأسلوب الانتداب الذي أقرته عصبة الأمم، والذي تضمن تعهداً بمساعدة اليهود في تأسيس وطن قومي لهم في فلسطين.
كانت سياسة حكومة الانتداب البريطاني بالنسبة إلى الاقتصاد العربي في فلسطين سياسة استعمارية تقليدية، قائمة على أساس إبقاء الاقتصاد الفلسطيني منتجاً للسلع الزراعية وللمواد الخام، ومستهلكاً للسلع الصناعية البريطانية. أمّا بالنسبة إلى الاقتصاد اليهودي في فلسطين، فكانت السياسة البريطانية مغايرة لذلك تماماً وقائمة على أساس دعم الصناعة اليهودية حتى على حساب المصالح الاقتصادية للاستعمار البريطاني.6
واعتمدت حكومة الانتداب سياسة تشجيع قيام صناعات يهودية في مقابل عدم السماح بقيام صناعات عربية، فلجأت إلى أسلوب دعم الصناعة اليهودية عن طريق إزالة الضرائب الجمركية على المواد الضرورية التي تستوردها هذه الصناعات، وفرض ضرائب جمركية عالية على البضائع الأجنبية التي تنافس الصناعات اليهودية. وفي الوقت نفسه، عمدت إلى ترك السلع الصناعية العربية من دون أي حماية؛ فعلى سبيل المثال، لم تفرض أي ضرائب استيراد على زيت الزيتون أو الصابون لأنهما من أهم المنتوجات العربية، بينما فرضت ضرائب استيراد عالية على الأسمنت والسلع الكيماوية والآلات الكهربائية التي تنتجها الصناعات اليهودية. كذلك قامت حكومة الانتداب البريطانية بمنح رأسماليين يهود امتيازات احتكارية تمكنوا خلالها من السيطرة على عصب الاقتصاد الفلسطيني، ومنها شركة الكهرباء (Rotenberg)، وشركة البحر الميت للملح.
وبالإضافة إلى ذلك، قدمت حكومة الانتداب المساعدة والعون إلى آليات الاستيطان اليهودي لإحداث التشويه في الأسواق الاقتصادية الثلاث. فبالنسبة إلى سوق الأرض، ساعدت حكومة الانتداب المجهود الصهيوني عبر منح المؤسسات الاستيطانية امتيازات استيطان الأراضي في الحولة وبرة قيسارية وكذلك في شراء على نطاق أوسع الأراضي عن طريق سن قوانين وضرائب أثقلت كاهل مُلاّك الأرض، وخصوصاً أولئك الذين كانوا يعيشون خارج فلسطين في سورية ولبنان، فازدادت عمليات بيع الأراضي العربية لليهود في أثناء فترة الانتداب.7 أمّا بالنسبة إلى سوق العمل، فإن المجهود الصهيوني الذي شقها إلى سوقين، واحدة يهودية وأُخرى عربية، لاقى دعماً قوياً من حكومة الانتداب التي تبنّت سياسة التمييز في وظائف القطاع العام، فكانت رواتب الموظفين اليهود الذين يعملون في المرافق العامة للحكومة أعلى من الرواتب التي يحصل عليها الموظفون العرب الذين يقومون بأعمال مماثلة، على أساس أن الرواتب كانت تتحدد وفق معدل مستوى المعيشة، لا وفق إنتاجية الموظف كما هو مفترض. كذلك فإن العمال اليهود الذين تستخدمهم
حكومة الانتداب كانوا يحصلون على أجور تبلغ أضعاف ما يحصل عليه العمال العرب عند القيام بأعمال مماثلة، ذلك بأن أجور الأخيرين كانت لا تتعدى مستوى معيشة الفلاح الفلسطيني الفقيرة، بينما كانت أجور العمال اليهود تعادل مستوى معيشة اليهودي في المدن الكبرى.8 أمّا فيما يتعلق بسوق المال، فقد اعترفت حكومة الانتداب بالمنظمة الصهيونية وبالصندوق القومي اليهودي، وساعدت في إحضار رأس مال أوروبي لليهود في فلسطين، وخصوصاً في الثلاثينيات عندما تسارعت هجرة اليهود الألمان هرباً من النازية. وكان لدى هؤلاء رؤوس أموال كبيرة ساهمت في تأسيس الطبقة الرأسمالية اليهودية في فلسطين، وفي تشييد الصناعة اليهودية التي وجدت فرصتها التاريخية في التوسع الصناعي خلال سنوات الحرب (1939–1945)، وذلك عندما أخذت تنتج كثيراً من السلع الصناعية التي توقف استيرادها بسبب الحرب. وتضافرت تلك العوامل لتساعد آليات الصهيونية الاقتصادية المدعومة برأس المال الأوروبي اليهودي والتنظيمات السياسية، في إنشاء اقتصاد يهودي حديث وصناعي في فلسطين خلال فترة الانتداب.
الجدول (1)
تقديرات سكان فلسطين (1922–1947)
السنة |
العرب (آلاف) |
اليهود (آلاف) |
نسبة اليهود إلى العرب (%) |
1922 |
695,3 |
89,7 |
13 |
1926 |
751,2 |
149,5 |
20 |
1930 |
826,2 |
164,8 |
20 |
1934 |
919,6 |
255,5 |
28 |
1938 |
1,021,5 |
403,0 |
39 |
1942 |
1,135,3 |
483,6 |
43 |
1946 |
1,290.0 |
571,1 |
45 |
1947 |
1,333,8 |
609,0 |
46 |
المصدر:
Jacob Metzer, The Divided Economy of Mandatory Palestine (Cambridge: Cambridge University Press, 1998), p. 215.
الجدول (2)
تقديرات الناتج الصافي للعرب واليهود (1922–1947)
(جنيه فلسطيني)
السنة |
العرب (آلاف) |
اليهود (آلاف) |
نسبة اليهود إلى العرب (%) |
1922 |
6628 |
1549 |
23 |
1926 |
8323 |
3143 |
38 |
1930 |
9310 |
5714 |
61 |
1934 |
13,354 |
15,220 |
113 |
1938 |
15,868 |
15,342 |
100 |
1942 |
21,486 |
24,342 |
114 |
1946 |
30,062 |
34,594 |
115 |
1947 |
32,992 |
37,974 |
115 |
المصدر:
Ibid., p. 242.
الجدول (3)
حجم الإنتاج الصناعي في فلسطين (1922–1939)
(جنيه فلسطيني بأسعار 1939)
السنة |
العرب (آلاف) |
اليهود (آلاف) |
نسبة اليهود إلى العرب (٪) |
1922 |
1254 |
660 |
53 |
1926 |
1905 |
1479 |
78 |
1930 |
2402 |
2876 |
120 |
1934 |
3019 |
7385 |
247 |
1939 |
3400 |
9453 |
278 |
المصدر:
Ibid., p. 228.
تتضح الأهمية المحورية لفترة الانتداب البريطاني في دعم المشروع الصهيوني بصورة مكّنت من تحقيق مشروع الدولة اليهودية، من خلال الاطلاع على الجداول الإحصائية 1 و2 و3. فبالنسبة إلى عدد السكان، يبيّن الجدول 1 أنه خلال الأعوام الثلاثين للانتداب، ازداد عدد اليهود في فلسطين سبعة أضعاف (من أقل من 90,000 نسمة إلى أكثر من 600,000 نسمة). أمّا حجمهم النسبي إلى عدد السكان الكلي فازداد من نحو 11% إلى 31%. وفيما يتعلق بالإنتاج الاقتصادي، يبيّن الجدول 2 أن حجم الإنتاج اليهودي في بداية الانتداب كان يشكل 19% من حجم الإنتاج الكلي لفلسطين، وأصبح في نهاية الانتداب يساوي 53%، والسبب في ذلك هو أن اليهود تمكنوا في أثناء الانتداب من الاستثمار بصورة تفوق أضعاف ما استثمره العرب. فمع أنهم في آخر عام من فترة الانتداب كانوا لا يشكلون أكثر من 31% من عدد السكان، إلاّ إن حصتهم من استثمارات رأس المال كانت نحو 88%، ومن الإنتاج الصناعي 89%، ومن عدد العمال الصناعيين 89%.9
مكّن هذا التقدم الصناعي الكبير الحركة الصهيونية من إقامة جميع المؤسسات والأطر والأجهزة الضرورية لقيام الدولة، بما في ذلك تجهيز جيش بلغ تعداده
60,000 جندي يهودي خلال حرب 1948، بينما عجزت سبع دول عربية عن
الاشتراك بأكثر من 40,000 جندي.10 وتمكنت القوة العسكرية الإسرائيلية خلال أشهر من سنة 1948 من احتلال نحو 76% من أرض فلسطين التاريخية، وتشريد نحو 750,000 – 800,000 فلسطيني، علماً بأن كل ما كان يملكه اليهود من أرض فلسطين عند نهاية الانتداب لم يتجاوز 7%.11
ج) مرحلة الديمقراطية الاشتراكية
عندما قامت دولة إسرائيل سنة 1948، كان للاقتصاد اليهودي في فلسطين طابع الملكية الجماعية أكثر من الملكية الخاصة. فأغلبية الأرض (أكثر من 90%) كانت خارج نطاق الملكية الخاصة، كما أن أغلبية نشاط القطاع الزراعي كان يتم بالأسلوب التعاوني (الكيبوتس والموشاف). ومن ناحية أُخرى كانت الحركة الصهيونية والأحزاب العمالية تملك العديد من المؤسسات الاقتصادية والصناعية والمالية والخدمات الصحية، كما كانت النقابة العامة للعمال اليهود (الهستدروت) تمتلك وتشرف على مؤسسات صناعية ومالية وصحية. وكان لدى الأحزاب العمالية التي استلمت زمام السلطة قناعة قوية بأن بناء الدولة والاستمرار في التوسع الاستيطاني لا يمكن أن يتم عبر اتباع سياسة اقتصادية مبنية على حرية السوق، بل على العكس، كان هناك إيمان عميق عند هذه الأحزاب بضرورة الاستمرار في السياسة التي اتبعتها الحركة الصهيونية قبل قيام الدولة، وهو أن يشكل القطاع العام الآلية التي تحرك النشاط الاقتصادي.
أدى نفوذ الأحزاب العمالية إلى تبني إسرائيل في العقود الثلاثة الأولى من عمرها نظاماً هو أقرب ما يكون إلى نظام «الديمقراطية الاشتراكية»، وهو نظام اتبعه كثير من الدول الأوروبية بعد الحرب العالمية الثانية، ومبني على أساس شراكة ثلاثية بين رأس المال والعمال والدولة. وفي هذه الشراكة تلتزم المنظمات العمالية تقليص حجم مطالبها المتعلقة بالأجور وأوضاع العمل في مقابل تعهد رأس المال والدولة باتباع سياسة توظيف كامل لليد العاملة (التزام سياسة مكافحة البطالة)، وكذلك أن يتعهد رأس المال بمراعاة حقوق العمال والاعتراف بشرعية ممثليهم في النقابات العمالية. وتبين من التجارب التاريخية أن قدرة نظام الاشتراكية الديمقراطية على الاستمرار في مناخ نمو وازدهار ومن دون أزمات اقتصادية يعتمد أساساً على قدرة الدولة على الاحتفاظ باستقلالية دينامية تؤهلها لأن تقود عملية تراكم رأس المال وتوزيع الدخل القومي بشكل يضمن بقاء التعايش بين العمل ورأس المال في إطار المصلحة القومية العليا.
إذا دققنا في السجل التاريخي لنظام الديمقراطية الاشتراكية في إسرائيل في العقود الثلاثة الأولى، نرى خليطاً من النجاحات الهائلة على صعيد الاقتصاد الكلي (Macro)، وإخفاقات كثيرة على صعيد الاقتصاد الجزئي (Micro). وبالنسبة إلى النجاحات، فقد كانت هائلة بكل معنى الكلمة، إذ ازداد عدد السكان أربعة أضعاف عما كان عليه عند قيام الدولة. أمّا فيما يتعلق بالناتج القومي الإجمالي (GNP) فازداد بمعدل 9% سنوياً، وبذلك يكون دخل الفرد قد ازداد بمعدل 4,5% سنوياً. وفي الوقت نفسه، تم التطور والانتقال إلى مجتمع صناعي ذي قدرة تكنولوجية عالية، وأنظمة متقدمة وفعالة في مجالات الصحة والتعليم والضمانات الاجتماعية. وتم ذلك كله بموازاة بناء جيش عصري وقوي وقادر على استعمال أحدث الأسلحة وتطويرها. وأمّا بشأن الإخفاقات على صعيد الاقتصاد الجزئي، فتجلت في ضعف كفاءة الإنتاج واضطراب التوزيع، إذ كانت أغلبية المنشآت الاقتصادية التي تملكها الدولة أو الهستدروت غير قادرة على مواصلة الإنتاج من دون الحصول على مساعدات مستمرة. كذلك كان هناك كثير من المنشآت الخاصة غير قادر على الإنتاج بلا دعم حكومي مباشر وحماية من المنافسة الأجنبية. لكن هذه الإخفاقات لم تؤثر في النجاحات الإسرائيلية على صعيد الاقتصاد الكلي بفضل ثلاثة عوامل مهمة هي:
أولاً: تمكّن إسرائيل من الحصول على موارد اقتصادية من الخارج باستمرار. فمواردها تأتي دوماً من مصدرين هما: الأول ما تستولي عليه من أملاك الفلسطينيين وثرواتهم؛ الثاني ما تحصل عليه من مساعدات خارجية من يهود العالم ومن الدول الغربية التي تؤيدها وتدعمها. وعلى الرغم من تفاوت حجم الموارد الخارجية عبر السنوات، فإنه كان يشكل دوماً أكثر من 8% من الناتج القومي الإجمالي لإسرائيل، ووصل في بعض السنوات إلى 25%.12
وتظهر أهمية المورد الخارجي في الجدول 4، إذ يتضح أن جزءاً كبيراً من تراكم رأس المال في إسرائيل كان يأتي من ذلك المورد. وفي بعض السنوات، في السبعينيات والثمانينيات، كان المورد الخارجي يقوم بتمويل استثمار رأس المال كله وجزء من الإنفاق الاستهلاكي.13
الجدول (4)
فجوة الموارد في الاقتصاد الإسرائيلي (1950–2017)
(نسبة مئوية من الناتج المحلي الإجمالي)
السنة |
1950 |
1960 |
1970 |
1980 |
1990 |
2000 |
2010 |
2017 |
الاستهلاك العام* |
92,2 |
89,4 |
97,5 |
97,6 |
92,0 |
85,5 |
79,5 |
77,4 |
الاستثمار العام** |
31,0 |
27,5 |
29,0 |
23,6 |
18,7 |
23,6 |
18 |
20,0 |
الفجوة |
23,2 |
16,9 |
26,5 |
21,2 |
10,7 |
9,1 |
(2,5)*** |
(2,6) |
* الاستهلاك العام يشمل الإنفاق الحكومي الاستهلاكي، إضافة إلى الاستهلاك الخاص.
** الاستثمار العام يشمل الإنفاق الحكومي الاستثماري، إضافة إلى استثمار القطاع الخاص.
*** الأرقام بين قوسين تعني أن الفجوة سالبة.
المصدر: تم حساب أرقام الجدول من الحسابات القومية في:
Israel Central Bureau of Statistics, Statistical Abstract of Israel, 1993;1998; 1999, 2006.
ثانياً: القيام بمشاريع ضخمة في المراحل الأولى من بناء الدولة مخصصة للبنية التحتية، وتشكل هذه المشاريع آلة نمو للاقتصاد من خلال إيجاد فرص للاستثمار في القطاعات الاقتصادية كافة، إذ تشمل بناء شبكات الطرق والبنية الرئيسية لمصادر الطاقة والاتصالات، ولا تحتاج، بطبيعتها، إلى ضوابط السوق لأنها تخص مرافق معروفة، والاستثمار فيها له عائدات مرتفعة.
ثالثاً: وجود بيروقراطية عقلانية وذات علاقة عضوية بالاقتصاد وتتمتع بالاستقلالية. فلقد تميزت فترة تأسيس الدولة بقيادات حكومية وعسكرية واقتصادية كانت تأتي جميعها من دائرة واحدة هي حلقة الأحزاب العمالية، ومن خلفية واحدة كرستها نشاطات الأحزاب العمالية في أثناء فترة الانتداب البريطاني، وكانت تقريباً ذات ثقافة واحدة وشعور مشترك بأنها تخدم هدفاً واحداً، الأمر الذي مكّنها من الاحتفاظ بالاستقلالية والقدرة على صوغ مشاريع وطنية بعيدة عن المصالح الشخصية أو الفئوية. وتجدر الملاحظة هنا أن تدفق الموارد من الخارج ووضعها في تصرف الدولة كان من أهم الأسلحة التي ساعدت البيروقراطية في الاحتفاظ باستقلاليتها؛ فبدلاً من أن تكون أجهزة الحكومة معتمدة على الضرائب التي تجنيها من رجال الأعمال، كانت على العكس تملك الثروة التي يطمع رجال الأعمال في الحصول على قسم منها بوسائل الدعم الحكومي المتعددة.
في أواسط السبعينيات، أخذ مفعول هذه العوامل الثلاثة (موارد خارجية، مشاريع ضخمة، بيروقراطية عقلانية مستقلة)، يضعف ويتراجع عما كان عليه في السابق. فبالنسبة إلى العامل الأول، وعلى الرغم من أن سيل الموارد الخارجية استمر في الازدياد، فإن دوره في دعم دور الدولة اقتصادياً تغير لغير مصلحتها. فقد أخذت المساعدات الخارجية تذهب في معظمها إلى الإنفاق العسكري بعد اشتداد وطأة المقاومة العربية ضد التوسع الصهيوني (حرب الاستنزاف، المقاومة الفلسطينية، حرب 1973)، الأمر الذي حرم الدولة موارد مهمة كانت تنفقها على النشاط الاقتصادي. ومن ناحية أُخرى، بدأت تتشكل في إسرائيل بعد حرب 1967 صناعة حربية متطورة على علاقة عضوية بصناعات التكنولوجيا العالية، وأصبحت تلك العلاقة تعرف باسم المجمع العسكري– الصناعي الذي أثبت قدرته على انتهاج سلوك مستقل عن الدولة، وعن هيمنة الأحزاب العمالية.
توقف معظم المشاريع الكبيرة في بداية السبعينيات، وتوقف تأثيرها في أن تكون المحرك الرئيسي للاستثمار، وبالتالي للنمو الاقتصادي. وبعد ذلك أخذت المخاطر والشكوك ترافق عمليات الاستثمار التي أصبحت في أمس الحاجة إلى ضوابط السوق كي يتم توزيع الادخارات على الاستثمارات وفق معايير الكفاءة الاقتصادية.
أمّا بالنسبة إلى العامل الثالث، المتعلق ببيروقراطية الحكومة التي كانت قادرة على التمتع بالاستقلالية، فقد طرأ تغيير كبير على بنيتها الداخلية، أدى بدوره إلى تغيير في سلوكيتها وفي تضامنها الداخلي، إذ نشأت قيادات جديدة للهستدروت في بيئة تحمل قيم الطبقة الوسطى وطموحاتها، وبعيدة عن الثقافة الاشتراكية التعاونية التي صبغت الجيل السابق من قيادات النقابات العمالية. وفي الوقت نفسه نشأت قيادات سياسية جديدة في إطار ما يعرف بالصهيونية التصحيحية (i(Zionist Revisionism والأحزاب اليمينية، وذات أفق سياسي مغاير جذرياً للأفق السياسي الذي صبغ البيروقراطية الإسرائيلية في العقدين الأولين من نشأة الدولة.
أدت انتخابات سنة 1977 إلى خسارة أحزاب العمال سيطرتها على الدولة، ونجح تآلف الليكود اليميني في تأليف الحكومة الإسرائيلية أول مرة. وأصبحت بيروقراطية الحكومة الإسرائيلية تعتمد إلى حد بعيد على سياسات الوزارات المتعددة، وفقدت تماسكها وتضامنها اللذين كانا يشكلان أهم دعامة لاستقلاليتها وقدرتها على توجيه النشاط الاقتصادي وفق الأولويات العامة. ولم يعد هناك وجود لـ «قيادة أيديولوجية» في الصهيونية السياسية، وفُتح الباب أمام أحزاب صغيرة متطرفة لتؤدي دوراً مهماً في الصراع بين أحزاب العمال وأحزاب اليمين. وقد أدى هذا كله إلى إضعاف دور «الدولة» في نظام الديمقراطية الاشتراكية وقدرتها على توجيه سلوك العمل ورأس المال والقيام بمهمة الوسيط بينهما، إلاّ إن هذا الدور توقف كلياً مع بداية الثمانينيات.
وهكذا، يمكن القول إنه في أواخر السبعينيات وبداية الثمانينيات أصبح نظام الديمقراطية الاشتراكية يعاني أزمة مستعصية نابعة من عدم إمكان استمراره في نهجه السابق، لأنه خسر أهم عامل ضروري لوجوده، وهو استقلالية الدولة. وانعكس ذلك على الوضع الاقتصادي، إذ أخذت إخفاقات النظام على الصعيد الجزئي تفرض نفسها على الصعيد الكلي، وخلال عشر سنوات (1975–1985) انقلب وضع الاقتصاد الكلي من نمو سريع وتطور مستمر صبغ ربع القرن الأول من عمر إسرائيل إلى وضع يسوده كساد وتضخم وعجز في ميزان المدفوعات التجاري، وإلى ارتفاع معدلات الدين الخارجي.
قادت الأزمة الاقتصادية، التي استمرت منذ أواسط السبعينيات حتى منتصف الثمانينيات، إلى تبنّي الحكومة ما عرف ببرنامج الإصلاح الاقتصادي، أو ببرنامج التثبيت(Stabilization Program) الذي عمل على تقليص حجم الإنفاق الحكومي، وكذلك الدعم الحكومي للمواد الاستهلاكية، وعلى خفض معدلات الأجور. ومثَّل هذا البرنامج الذي حقق نجاحات كبيرة طليعة تغيرات مهمة تناولت دور الدولة في الاقتصاد والعلاقة الاقتصادية مع العالم الخارجي، وسارت بالاقتصاد خطوات مهمة على طريق تدعيم الاتجاه الرأسمالي والاندماج في الأسواق العالمية. طبعاً، لم يبدأ التكيف وفق الأسلوب الرأسمالي في إسرائيل في الثمانينيات، فهناك تاريخ طويل لنشوء الأسلوب الرأسمالي اليهودي وترسخه يعودان إلى فترة الانتداب البريطاني، بفضل ما أحضره المهاجرون معهم من رأس مال، والدعم الذي قدمته حكومة الانتداب للاستثمار في رأس المال اليهودي وتراكمه.
ومع أن الدولة كانت تتبع أساليب الديمقراطية الاشتراكية في العقود الثلاثة الأولى منذ قيامها، إلاّ إنها، في الوقت نفسه، كانت تقدم دعماً كبيراً لرأس المال الخاص من ناحية المساعدات والدعم والحماية من المنافسة الأجنبية. وابتدأ نمو النفوذ السياسي لرأس المال في الضائقة الاقتصادية الأولى التي مرت بها إسرائيل في منتصف الستينيات. ففي أوائل العقد المذكور، هبط حجم المساعدات الخارجية نسبياً، كما تدنى تدفق المهاجرين عن معدلاته في الخمسينيات، الأمر الذي أدى إلى انكماش اقتصادي تجلى في أواسط الستينيات بارتفاع معدلات البطالة، وتباطؤ معدلات نمو الناتج القومي الإجمالي. وكانت الضحية الأولى لفترة الانكماش والكساد المؤسسات الاقتصادية الصغيرة التي أفلس كثير منها. وما إن انتهت تلك الفترة حتى برز دور ثلاث مؤسسات اقتصادية عملاقة (Conglomerates) تحتل مركزاً قيادياً في الاقتصاد الإسرائيلي هي: كور (Koor)، والاستثمارات المحسومة (Discount Investment)، وكلال (Clal). وكانت كل واحدة من هذه المؤسسات تشكل مجمعاً اقتصادياً يرتبط بواحد من المصارف الثلاثة الرئيسية، وهي: لئومي (Leumi)، وهبوعاليم (Hapoalim)، وديسكاونت (Discount). وأدى ذلك إلى تعاظم دور رأس المال بالنسبة إلى دور الدولة والهستدروت، وبرز دور اتحاد الصناعيين كمؤسسة متعاظمة النفوذ والقوة.
وجاءت بعد ذلك حرب 1967 التي أعطت الاقتصاد الإسرائيلي دفعة كبيرة، مكنته من إغراق أسواق الضفة والقطاع بالسلع الصناعية، كما مكّنته من تأمين أيدٍ عاملة رخيصة، وتوظيف ثلث اليد العاملة الفلسطينية، تقريباً، في الاقتصاد الإسرائيلي. وحظي دور رأس المال المتعاظم بتأييد الهستدروت والدولة، إذ أخذت قيادات الأولى تشجع الشركات التابعة لها على الدخول في شراكة مع رأس المال الخاص، كما أخذت الدولة تعمل على تشجيع الاستثمارات الأجنبية، وتتحدث عن مزايا الاقتصاد الحر ومعايير السوق، وقامت فعلاً ببيع بعض الشركات الحكومية للقطاع الخاص.
أحدثت الضائقة الاقتصادية في أواسط الستينيات، ثم حرب 1967، تطورات اقتصادية أطلق عليها بعض المعلقين ما عرف باسم وحدة رأس المال، أي تعاون رأس المال الخاص والعمالي والحكومي في اتجاه إعطاء رأس المال زمام القيادة في النظام الاقتصادي بالتدريج.14 ثم جاءت الأزمة الاقتصادية التي انتهت بتبنّي الحكومة برنامج الإصلاح لسنة 1985. ويمكن القول، بعد مرور أكثر من ثلاثة عقود على تبنّي ذلك البرنامج، إن ملامح النظام الجديد تتمثل في: (1) قيادة «رأس المال» للاقتصاد؛ (2) استعادة استقلالية الدولة عبر تقليص دورها المباشر في الإنتاج والتوزيع، وتعظيم دورها غير المباشر في دعم رأس المال وإيجاد المناخ الملائم للاستثمار والنمو؛ (3) تدني دور الهستدروت في مهمات المنظمات النقابية التقليدية. وتبيّن معنى الدور الجديد للدولة في التسعينيات في عملية استيعاب نحو مليون مهاجر جديد. فما عادت الدولة تشرف على عملية الاستيعاب مباشرة، مثلما فعلت في الخمسينيات والستينيات، وإنما قامت بإحضار القروض بضمانات أميركية، وتركت القطاع الخاص يتولى عملية الاستثمار والتوسع اللازمين للاستيعاب. ويجب التوقف هنا للإشارة إلى أنه لم يكن في إمكان الدولة الإشراف مباشرة على عملية استيعاب المهاجرين في التسعينيات، كما في العقود السابقة، إذ كانوا على درجة عالية من الثقافة والخبرة ولم يعد من الممكن إدماجهم في الاقتصاد عن طريق أعمال يشرف عليها القطاع العام مباشرة (زراعة وإنشاءات عامة) مثلما حدث في الماضي. فاستيعابهم كان بحاجة إلى المجالات المتنوعة في القطاع الخاص، وحتى المساعدة التي قدمتها الحكومة لهم لتأمين السكن، تمت عن طريق قيام القطاع الخاص ببناء المساكن والمرافق الضرورية.
وهكذا، يتضح أن تقييد دور القطاع العام، أو انتقال الاقتصاد من نظام «الديمقراطية الاشتراكية» إلى نظام «الرأسمالية» تم وفق تطور المشروع الصهيوني لا خارج ذلك التطور. بكلام آخر: إن الرأسمالية لن تضع حدوداً على التوسع الصهيوني، بل على العكس، إنها النظام الأكثر ملاءمة له في الوقت الراهن.
ثانياً: التطور التاريخي للاقتصاد الإسرائيلي (1948–2017)
مر على قيام دولة إسرائيل سبعة عقود، ويمكن القول إن السمات العامة لاقتصادها طوال هذه المدة هي: النمو والتطور والتقدم. إذ ازداد عدد السكان نحو ستة أضعاف، وبينما كان متوسط دخل الفرد اليهودي في فلسطين يساوي ضعفين ونصف ضعف دخل الفرد العربي في فلسطين سنة 1947، فإنه يبلغ الآن نحو خمسة عشر ضعفاً دخل الفرد الفلسطيني في الضفة الغربية وقطاع غزة. باختصار، في حين نشأت إسرائيل كدولة من الدول النامية في غرب آسيا، فقد أصبحت الآن، في العقد الثاني من القرن الحادي والعشرين، في مصاف الدول الصناعية الغنية التي يتمتع مواطنها بمستوى معيشة أفضل من بعض الدول الأوروبية الغربية كإسبانيا واليونان والبرتغال، وهي في طريقها إلى أن تصبح مماثلة لبريطانيا وإيطاليا. وهناك ملاحظة لا يستطيع المدقق في تطور الاقتصاد الإسرائيلي تجاهلها، وهي ارتباط النمو الاقتصادي بالهجرة؛ فمعدلات النمو العالية كانت دوماً ملازمة لمعدلات الهجرة العالية، ونظرة واحدة إلى الجدول 5 توضح هذه النقطة. فقد سُجلت أعلى معدلات نمو في الخمسينيات والستينيات عندما بلغ ازدياد السكان (الهجرة) معدلات عالية، بينما سُجلت أقل معدلات نمو في الثمانينيات مع أقل معدلات زيادة سكانية. ولم يستعد النمو زخمه القديم إلاّ في التسعينيات مع تدفق موجة الهجرة السوفياتية.
مر الاقتصاد الإسرائيلي خلال نصف القرن الماضي بمراحل وانعطافات تاريخية مهمة، وسنعمل على رصد هذه التطورات من خلال ست مراحل مهمة هي:
أ) مرحلة التقشف والتأسيس (1948–1954)
عند قيام دولة إسرائيل سنة 1948، ركزت الحكومة الإسرائيلية على ثلاث أولويات: تمثلت الأولى في تأسيس جيش قوي وعصري قادر على استعمال أحدث الأسلحة وعلى الحركة السريعة، وهذا ما قاد الحكومة إلى إعطاء الإنفاق العسكري أولوية مطلقة. أمّا الثانية فكانت استيعاب المهاجرين، فقد تدفق على إسرائيل 100,000 مهاجر سنة 1948، وتضاعف هذا العدد سنة 1949، كما تضاعف بعد ثلاثة أعوام ونصف العام من عمر الدولة (أواخر سنة 1951). وأمّا الثالثة، فكانت بناء مؤسسات الدولة الجديدة، مثل مؤسسات الخدمات المدنية، والمصرف المركزي، ومؤسسة الضمان الوطني، والإذاعة وغيرها. وقامت الحكومة أيضاً بتأمين النشاطات الاقتصادية ذات العلاقة بالموارد الطبيعية. أمّا من ناحية التنمية الاقتصادية، فقد انصب اهتمامها على التنمية في القطاع الزراعي وموارد المياه وبناء المستعمرات.
ب) مرحلة النمو السريع (1954–1972)
في هذه المرحلة بدأ تدفق رأس المال الأجنبي عن طريق التعويضات الألمانية15 فأحدث مع زيادة اليد العاملة بفعل الهجرة، نمواً سريعاً في النشاط الاقتصادي. فبينما كان معدل نمو الناتج القومي الإجمالي في الفترة الماضية أقل من 2%، قفز في هذه الفترة إلى 17%، وأدى ذلك إلى زيادة الاستهلاك الشخصي بمعدل 9%.16 وانتهى في هذه الفترة النمو الكبير للزراعة بحكم استغلال الأراضي المتاحة كافة. وبدأ النمو الاقتصادي يعتمد بصورة رئيسية على الصناعة، كما بدأ قطاع الخدمات ينمو بمعدلات عالية، وكذلك قطاع التشييد والبناء. وكان هذا النمو يتم بإشراف الحكومة التي أخذ دورها يتعاظم. ففي حين كانت حصة الإنفاق الحكومي من الناتج القومي الإجمالي لا تتجاوز 23% في سنة 1950، أصبحت 38% سنة 1960، ووصلت إلى 65% سنة 1970. ومن المهم أن نلاحظ هنا أن النمو الاقتصادي السريع الذي وصل إلى حدود نمو الناتج المحلي الإجمالي 10,2% في الخمسينيات، و8,4% في الستينيات، وهي معدلات عالية جداً، قد تحقق بفضل رأس المال الأجنبي الذي حصلت عليه إسرائيل كمنح، سواء من ألمانيا على شكل تعويضات، أو من يهود العالم على شكل تبرعات. فخلال فترة النمو هذه لم يعتمد تراكم رأس المال على الادخار المحلي، وذلك على أساس أن هذا الادخار كان سالباً طوال الفترة (الجدول 4).
ج) مرحلة الكساد والتضخم (1973–1985)
بدأت مرحلة الركود والتضخم في الاقتصاد الإسرائيلي بعد حرب تشرين الأول/أكتوبر 1973، إذ تراجع النمو بمعدلات عالية عن الفترة السابقة، حتى إنه بلغ صفراً في بعض السنوات، ولم يتجاوز طوال هذه الفترة 3% في السنة. وفي الوقت نفسه حدث تضخم مالي وارتفاع مستمر في الأسعار، وعجز كبير في ميزانية الحكومة، وميزان المدفوعات التجاري. ومن المتعارف عليه في كثير من الدراسات السياسية والتقارير الصحافية أن ضخامة تكاليف حرب 1973، وما أحدثته من ارتباك في النشاط الاقتصادي، والارتفاع المفاجئ في أسعار النفط هما السببان الرئيسيان في الكساد. ولا شك في أن ارتفاع حجم الإنفاق العسكري، الذي بات يقتطع من الناتج القومي الإجمالي أكثر من 30%، أثر في النشاط الاقتصادي، إضافة إلى تأثير ارتفاع تكلفة الطاقة بفعل الارتفاع الهائل في أسعار النفط. غير أن هذين العاملين، على أهميتهما، لا يشكلان سبب الأزمة الاقتصادية. فالأزمة في الواقع ابتدأت في أواسط الستينيات، لكنها لم تستفحل بحكم حرب 1967 وما قدمته للاقتصاد الإسرائيلي من أسواق جديدة، ويد عاملة رخيصة. لكن عندما انتهى مفعول ذلك، بدأ الاقتصاد يتجه نحو الكساد، حتى إن معدلات النمو في الاستثمار بدأت بالانحدار قبل حرب 1973، والسبب الرئيسي هو انتهاء مفعول العوامل الثلاثة المهمة، أي المساعدات الخارجية، ومشاريع البنى التحتية الضخمة، والبيروقراطية العقلانية المستقلة، والتي منعت التشوهات الجزئية في الاقتصاد من التأثير في الإنجازات الكلية.
د) مرحلة الإصلاح الاقتصادي (1985–1989)
استمر الكساد والتضخم من أواسط السبعينيات حتى أواسط الثمانينيات، وتفاقمت الأزمة بسبب وصول الليكود إلى الحكم واتباعه سياسة اقتصادية غير مسؤولة. وأخذ الاقتصاد يعاني جرّاء الارتفاع المستمر للأسعار، وفي حدود عالية جداً، وجرّاء عجز هائل في ميزان المدفوعات التجاري، حتى كاد الوضع يهدد بانهيار مالي كامل. غير أن ما ساعد في تجنب الكارثة وصول مساعدة أميركية طارئة بمقدار مليار ونصف مليار دولار،17 ثم تأليف حكومة وحدة وطنية (العمل – الليكود) تبنّت برنامج الإصلاح الاقتصادي في 1 أيلول/ سبتمبر 1985. واشتمل برنامج الإصلاح على ثلاث نقاط هي: خفض كبير في الإنفاق الحكومي؛ قبول الهستدروت تخفيض أجور العمال الحقيقية؛ قبول الشركات الرأسمالية خفض الأرباح. وبفضل ذلك تمكنت الحكومة من تقليص ميزانية دعم المواد الاستهلاكية، وكذلك دعم ميزانية كثير من المنشآت الاقتصادية، أكانت تابعة للحكومة أم للهستدروت أم للقطاع الخاص. وتوقف العمل ببرنامج رفع الأجور التلقائي وفق ارتفاع الأسعار، وفرضت ضرائب جديدة على الذين يعملون لحسابهم، كما تم إلغاء بعض المنافذ التي كانت تساعد أصحاب العمل على التهرب من دفع الضريبة.
حقق برنامج الإصلاح الاقتصادي نجاحاً كبيراً بالنسبة إلى مشكلة التضخم؛ فبينما كان معدل ارتفاع الأسعار سنوياً يبلغ 195% في الفترة 1981–1985، انخفض إلى 18% في السنوات 1986–1990. كما تراجع حجم العجز في ميزانية الحكومة إلى أقل من 2% من الناتج القومي الإجمالي، بعد أن وصل إلى 12% قبل تطبيق البرنامج. وشهدت الفترة 1987–1988 عودة النمو عبر فورة اقتصادية تحسنت فيها أوضاع الاقتصاد بصورة عامة. إلاّ إن هذه الفورة توقفت سنة 1989 بفعل سياسة الحكومة النقدية التي أدت إلى ارتفاع تكلفة الاستثمار، وأيضاً بسبب انتفاضة الشعب الفلسطيني وما أحدثته من ارتباك في الاقتصاد الإسرائيلي.
هـ) فترة نمو التسعينيات في أجواء العملية السلمية والعولمة وهجرة اليهود الروس
بعد مضي نحو خمسة أعوام على تطبيق برنامج الإصلاح الاقتصادي وما نجم عن ذلك من حل مشكلة التضخم، ثم السير في طريق الخصخصة وتقليص حجم القطاع العام، والانفتاح على الأسواق العالمية عن طريق خفض القيود على حرية حركة البضائع من إسرائيل وإليها، ابتدأت إسرائيل عقد التسعينيات مع عاملين مهمين أحدثا تأثيرات مهمة في مجمل النشاط الاقتصادي بشكل أعاد معدلات النمو العالية التي شهدها عقدا الخمسينيات والستينيات.
(1) موجة الهجرة إلى إسرائيل
تدفقت هجرة جماعية إلى إسرائيل لم تشهد مثيلاً لها منذ الخمسينيات. فبينما كان معدل الهجرة السنوي طوال الثمانينيات لا يتجاوز 13,000 مهاجر، وفد إلى إسرائيل سنة 1990 نحو 200,000 مهاجر، وفي سنة 1991 وصل 176,000 مهاجر، وبعد ذلك أصبح المعدل السنوي للهجرة طوال العقد يتراوح ما بين 60,000 و70,000 مهاجر، الأمر الذي أحدث ازدياداً ملحوظاً في عدد السكان. فبينما كان معدل زيادة السكان سنوياً طوال الثمانينيات لا يتعدى 1,7%، قفز في التسعينيات إلى 2,3%، كما أدت الهجرة إلى زيادة مهمة في تراكم رأس المال بشقيه المادي والبشري. فبالنسبة إلى الشق الأول، تمكنت إسرائيل من اقتراض 10 مليارات دولار بأسعار فائدة منخفضة (بسبب ضمانات أميركية)، وهو ما مكّنها من القيام بعملية استيعاب المهاجرين، وفتح أبواب العمل أمامهم. أمّا بالنسبة إلى الشق الثاني، فقد تميزت هذه الهجرة باختلافها نوعياً عن موجة الهجرة في الخمسينيات، إذ إنها ضمت مهاجرين ذوي ثقافة ومهارات فنية متقدمة، وهو ما أدى إلى زيادة حجم رأس المال البشري في إسرائيل زيادة مهمة.
(2) آثار العملية السلمية في الشرق الأوسط
أمّا العامل الثاني، فتمثل في العملية السلمية في الشرق الأوسط – انطلقت من مؤتمر مدريد سنة 1991، وتكرست بتوقيع اتفاق أوسلو بين منظمة التحرير الفلسطينية وإسرائيل سنة 1993، ثم اتفاقية وادي عربة بين الأردن وإسرائيل سنة 1994 – التي قدمت فرصة تاريخية لإسرائيل ساعدتها في قطع شوط كبير على طريق الاندماج في الأسواق العالمية في آفاق العولمة. فقد كان معروفاً طوال السبعينيات والثمانينيات أن هناك ثلاث عقبات أمام اندماج اقتصاد إسرائيل في الاقتصاد العالمي: الأولى، هي المقاطعة العربية التي كانت تمنع العديد من الشركات الأميركية والأوروبية من التعامل مع إسرائيل؛ الثانية، هي عدم وجود علاقات دبلوماسية بين إسرائيل وكثير من بلاد آسيا وأفريقيا؛ الثالثة هي أجواء عدم الاستقرار التي كرسها الصراع
العربي – الإسرائيلي في المنطقة بشكل جعل اقتصاد المنطقة (وضمنه الاقتصاد الإسرائيلي) مكاناً غير ملائم للاستثمار الأجنبي.
لقد قدمت العملية السلمية الفرصة التاريخية لإسرائيل لقطع مسافة كبيرة على طريق التخلص من هذه العقبات الثلاث. فعندما أعلن مجلس التعاون الخليجي في أيلول/سبتمبر 1994 أن دوله لم تعد معنية بالعمل وفق قيود المقاطعة الثانوية لإسرائيل (Secondary Boycott)، تم فتح الباب أمام كثير من الشركات متعددة الجنسية كي تتعامل مع إسرائيل من دون أن تتعرض لخسارة الأسواق العربية، وخلال عام واحد من توقيع اتفاق أوسلو، أقامت إسرائيل علاقات دبلوماسية مع عشرين دولة، وبعد ذلك استمرت في إقامة علاقات مع بلاد أُخرى في آسيا وأفريقيا. وكان من أهم ما حدث انفتاحها على أسواق الصين والهند. ومن ناحية أُخرى، عندما أخذت الدول العربية تعقد مع إسرائيل مؤتمرات قمم اقتصادية هدفها إقامة تعاون وتنسيق اقتصادي على الصعيد الإقليمي – الدار البيضاء (1994)، عمّان (1995)، القاهرة (1996)، الدوحة (1997) – شاع جو من التفاؤل بمستقبل العملية السلمية خفف كثيراً أجواء عدم الاستقرار بصورة شجعت الشركات العالمية على الإقدام على الاستثمار في إسرائيل. فبينما كان حجم الاستثمارات الأجنبية في إسرائيل في أي وقت قبل العملية السلمية يقل عن نصف مليار دولار، قفز بعدها حتى أصبح ما بين 3 و4 مليارات دولار في السنة.
مكّن تفاعل هذين العاملين (موجة الهجرة وآثار العملية السلمية) مع نتائج الإصلاح الاقتصادي، الاقتصاد الإسرائيلي من تحقيق معدلات نمو عالية في السنوات 1990–1996، تراجعت قليلاً في السنوات الثلاث التالية (1997–1999)، وبشكل جعل من حقبة التسعينيات فترة نمو وازدهار قادت الاقتصاد الإسرائيلي إلى أن يحتل مكانة مرموقة في الاقتصاد العالمي، فأخذت صادراته من السلع ذات التقنية العالية تكتسب سمعة عالمية، وأصبح مستوى معيشة الفرد فيه يضاهي معيشة الفرد الأوروبي.
و) الاقتصاد الإسرائيلي في العقدين الأولين من القرن الحادي والعشرين (2000–2017)
دخل الاقتصاد الإسرائيلي القرن الحادي والعشرين بعد نحو عشرة أعوام من النمو المستمر بمعدلات عالية. واعتمد هذا النمو على ازدياد متسارع في عملية تراكم رأس المال بشقيه المادي والبشري. وكان ذلك بفضل هجرة اليهود السوفيات، والعملية السلمية في الشرق الأوسط، واتباع الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة سياسات اقتصادية تهدف في الدرجة الأولى إلى توفير مناخ يشجع رأس المال المحلي والأجنبي على الاستثمار والإنتاج والتجارة. وشهد أول ثلاثة أرباع من سنة 2000 نمواً عالياً في جميع المجالات، لكن اندلاع انتفاضة الأقصى الفلسطينية في أواخر أيلول/سبتمبر 2000 أوقفه وحل محله تراجع وانكماش. وكان من مظاهر ذلك الانكماش تراجع حجم الاستثمارات الأجنبية، وتقلص النشاط السياحي وتدني معدل الاستثمار في معظم القطاعات الاقتصادية. وتشير تقارير صحافية إلى أن حجم هذه الاستثمارات سنة 2001 تقلص إلى نصف ما كان عليه سنة 2000، وفي النصف الأول من سنة 2002 بلغ مجموع الاستثمارات الأجنبية في إسرائيل 600 مليون دولار في مقابل 1,8 مليار دولار خلال المدة نفسها من سنة 2001، وكذلك ازداد حجم نزوح الأموال الإسرائيلية للاستثمار في الخارج. ففي النصف الأول من سنة 2002 ارتفع حجم الاستثمار الإسرائيلي في الخارج بمقدار 1,8 مليار دولار، مقارنة بـ 400 مليون دولار في النصف الأول من سنة 2001. كما أن أجواء عدم الاستقرار أثرت في السياحة، وأوردت تقارير صحافية أن عدد السياح الأجانب في إسرائيل تناقص إلى نصف عدده قبل الانتفاضة.
ويوضح الجدول 6 أنه بينما كان الناتج المحلي الإجمالي سنة 2000 ينمو بمعدل كبير غير اعتيادي (8,7)، تراجع في سنتي 2001 و2002 بمعدلات (0,6) و(0,9) على التوالي. وبينما كان متوسط نصيب الفرد من الدخل يساوي 19,200 دولار سنة 2000، تراجع إلى 18,400 دولار في سنة 2001، وإلى 16,600 دولار سنة 2002. وهناك دراسة أصدرها بنك إسرائيل المركزي تبين أن حجم خسائر الاقتصاد الإسرائيلي من بداية انتفاضة الأقصى حتى نهاية سنة 2001 (أي خلال 15 شهراً) بلغ 12 مليار شيكل، أي ما يعادل 2,7 مليار دولار، وتشير الدراسة إلى أن خسائر الاقتصاد الإسرائيلي في عام واحد من انتفاضة الأقصى يعادل ضعف خسائره في السنة الأولى للانتفاضة الأولى (1988–1989).
قام الجيش الإسرائيلي بإعادة احتلال الضفة الغربية في ربيع سنة 2002 وصيفها، ثم أخذ في بناء الجدار العازل مطوقاً بذلك المدن والقرى والمخيمات الفلسطينية في الضفة، وهو ما أدى إلى تقليص قدرة المقاومة الفلسطينية وشل حركتها، فاستعاد المجتمع الإسرائيلي جو الهدوء النسبي داخل إسرائيل، وكذلك استعاد الاقتصاد قدرته على النمو منذ نهاية سنة 2003، وسجل معدلات عالية في سنتي 2004 و2005. وفي سنة 2006، عاد متوسط دخل الفرد إلى المستوى الذي كان عليه قبل اندلاع الانتفاضة. وتميز النمو الذي بدأ في أواخر سنة 2003 بثلاث ميزات هي:
(1) اعتماده بشكل رئيسي على الازدياد المتسارع في حجم الصادرات الإسرائيلية، وخصوصاً صادرات منتوجات صناعة التكنولوجيا العالية.
(2) رافقه خفض في معدل البطالة. ففي سنة 2005 هبط المعدل إلى أقل من 10%، واستمر هذا الهبوط في الأعوام التالية. وبعد عشرة أعوام تخلص الاقتصاد الإسرائيلي من مشكلة البطالة نهائياً وأصبح يتمتع بتوظيف كامل لليد العاملة أول مرة في تاريخ إسرائيل.
(3) رافقه تحسن ملحوظ في مؤشرات الاقتصاد الكلي الرئيسية. فهناك تدني في عجز ميزانية الحكومة، وهبوط في حجم الدين العام، كما زاد لأول مرة في تاريخ إسرائيل حجم صادراتها سنة 2006 عن حجم الواردات، وسجل ميزان المدفوعات التجاري فائضاً بعد أن كان يعاني مشكلة العجز المزمن. وقد أدى هذا التحسن الهائل في الأداء الاقتصادي إلى تخلص إسرائيل من مشكلة التضخم المالي والوصول إلى وضع مستقر للأسعار.
الجدول (5)
معدل نمو دخل الفرد الإسرائيلي (1950–2017)
الفترة الزمنية |
معدل نمو الناتج المحلي الإجمالي |
معدل نمو عدد السكان |
معدل نمو دخل الفرد |
1950–1959 |
10,2 |
5,7 |
4,5 |
1960–1969 |
8,4 |
3,0 |
5,4 |
1970–1979 |
5,6 |
2,7 |
2,9 |
1980–1989 |
3,3 |
1,8 |
1,5 |
1990–1999 |
5,5 |
3,3 |
2,5 |
2000–2009 |
2,7 |
1,9 |
0,8 |
2010–2017 |
3,4 |
1,3 |
2,1 |
المصادر: النسب الخاصة بسنوات 1959–1999 تمت حسابتها من:
Israel Central Bureau of Statistics, op.cit., 2005; 2010.
الجدول (6)
الاقتصاد الإسرائيلي في العقدين الأولين
من القرن الحادي والعشرين (1999–2017)
السنة |
2000 |
2012 |
2017 |
عدد السكان (بالملايين) |
6,4 |
7,9 |
8,8 |
متوسط دخل الفرد (آلاف الدولارات)* |
19,2 |
32,5 |
40,3 |
نسبة البطالة (٪) |
8,8 |
6,9 |
4,2 |
نسبة التضخم (٪) |
0,0 |
1,7 |
0,2 |
* دولار أميركي بسعر الصرف.
المصدر:
Bank of Israel, Annual Report, 2018.
ثالثاً: حجم الاقتصاد الإسرائيلي وبنيته الهيكلية
سنتناول في هذا الجزء حجم الاقتصاد الإسرائيلي وبنيته الهيكلية في أواخر العقد الثاني من القرن الحادي والعشرين. وسنهتم في هذا المجال بمستوى معيشة الفرد الإسرائيلي ومقارنته بمستوى معيشة الفرد العربي في الدول العربية المجاورة، وبمستوى معيشة الفرد الأوروبي والأميركي. أمّا بالنسبة إلى بنية الاقتصاد، فسنهتم بدور الدولة فيه ودور القطاع الخاص، وكذلك بالتطورات التي يمر بها الاقتصاد، في سياق عمليات التأقلم التي يقوم بها لتحقيق الاندماج في الأسواق العالمية. فنتناول موضوعات الخصخصة، وتحرير التجارة الخارجية، والدور الذي يقوم به اقتصاد الشرق الأوسط في سياق ما عرف بالعملية السلمية. وسنفرد مقاطع خاصة بموضوعات لها أهمية كبيرة في الاقتصاد الإسرائيلي في الوقت الراهن، وهي اكتشافات الغاز الحديثة، وصناعة التكنولوجيا العالية، والصناعة الحربية، والتطور الجاري في موضوع توزيع الدخل القومي والفساد السياسي.
أ) حجم الاقتصاد الإسرائيلي ومستوى معيشة الفرد
وصل حجم الاقتصاد الإسرائيلي في سنة 2017 إلى مستوى عالٍ جداً، إذ أصبح حجم الإنتاج القومي، أو الدخل القومي نحو 350 مليار دولار، أي أن متوسط دخل الفرد زاد عن 40,000 دولار، وهو مستوى أعلى من مستوى معيشة الفرد في كل من إسبانيا واليونان والبرتغال.
ويشير الجدول 7 لسنة 2017 إلى تفاوت كبير بين حجم الاقتصاد الإسرائيلي واقتصاد الدول العربية المجاورة (مصر ولبنان والأردن). فمع أن عدد سكان إسرائيل هو أقل من 8% من سكان الدول العربية الثلاث (8,7 ملايين في مقابل 111,4 مليوناً)، فإن حجم الإنتاج الإسرائيلي يزيد على مجموع حجم إنتاج الدول العربية الثلاث (350,9 مليار دولار في مقابل 327,3 مليار دولار)، أمّا متوسط دخل الفرد الإسرائيلي فإنه يساوي تقريباً 14 ضعف المتوسط المرجح لدخل الفرد في البلاد العربية الثلاثة (40,3 ألف دولار في مقابل 2,9 ألف دولار).
إن ارتفاع مستوى معيشة الفرد الإسرائيلي تعكس نفسها على نواحي الحياة كافة. ولهذا نجد فرقاً كبيراً بين الفرد الإسرائيلي والفرد العربي في مجالات استخدام الطاقة والاتصالات والمعلومات، وتتضح هذه الفوارق في الجدولين 8 و9.
جدول (7)
حجم الاقتصاد الإسرائيلي قياساً بالبلاد العربية المجاورة* (2017)
إسرائيل |
مصر |
الأردن |
لبنان |
|
عدد السكان (بالملايين) |
8,7 |
97,6 |
9,7 |
6,1 |
الدخل القومي الإجمالي (بمليارات الدولارات) |
350,9 |
235,4 |
40,1 |
51,8 |
نصيب الفرد (بآلاف الدولارات) |
40,3 |
2,4 |
4,1 |
8,8 |
حجم الاستيراد (مليارات الدولارات) |
70,0 |
69,9 |
22,9 |
31,0 |
حجم الصادرات (مليارات الدولارات) |
102,2 |
43,3 |
14,3 |
19,0 |
ميزان المدفوعات (٪ الدخل القومي) |
1,6 |
(11,3) |
(20,1) |
(23,4) |
* سنوات الحرب على سورية غير مغطاة.
المصدر:
The World Bank, World Development Indicators, 2019.
الجدول (8)
المتوسط السنوي لاستهلاك الفرد من الطاقة
متوسط استهلاك الطاقة للفرد في السنة |
||
البلد |
1990 |
2014 |
مصر |
562 |
815 |
الأردن |
920 |
929 |
لبنان |
732 |
1337 |
إسرائيل |
2460 |
2763 |
الولايات المتحدة |
7672 |
6956 |
المصدر: Ibid.
الجدول (9)
مؤشرات التواصل مع العالم (2014)
إسرائيل |
مصر |
لبنان |
الأردن |
|
النسبة المئوية من السكان التي تستعمل الإنترنت |
81,6 |
45,0 |
76,1 |
62,3 |
الهاتف الأرضي (بين 1000 شخص) |
30,9 |
6,8 |
30,1 |
4,3 |
الهاتف المحمول (٪) |
126,7 |
105,5 |
81,4 |
103,8 |
صادرات خدمات تقنيات المعلوماتية (٪ من مجمل صادرات الخدمات) |
69,6 |
5,5 |
21,9 |
3,9 |
المصدر: Ibid.
ومن أخطر الدلائل التي يشير إليها الجدول 7 هو حجم صادرات إسرائيل الذي يزيد على حجم صادرات البلاد العربية الثلاثة (102,2 مليار دولار في مقابل 76,6 مليار دولار)، وذلك في الوقت الذي يبلغ حجم الواردات الإسرائيلية أقل من 60% من مجموع حجم واردات البلاد الثلاثة.
ب) البنية الهيكلية للاقتصاد الإسرائيلي
توضح الجداول أدناه التطور الكبير الذي حدث في البنية الهيكلية للاقتصاد الإسرائيلي في ربع القرن الماضي، والذي جرى على محورين هما:
أولاً: تضاؤل أهمية الزراعة: وهو التطور الذي يرافق عادة التقدم الصناعي. فمن الملاحَظ تراجع أهمية القطاع الزراعي، وازدياد أهمية الصناعة التحويلية في الناتج المحلي الإجمالي وفي العمالة وفي التصدير. فبينما كانت مساهمة الزراعة في الناتج المحلي الإجمالي 6,1%، وتستخدم من العمالة 5,7%، وتساهم في 9,1% من الصادرات لسنة 1980، أصبحت في سنة 2004 تساهم في مقدار 1,7% فقط من الناتج المحلي الإجمالي، وتستخدم النسبة نفسها فقط من العمالة، وتشارك في 4,3% من الصادرات. واستمر تضاؤل دورها النسبي في الناتج المحلي الإجمالي ليبلغ 1% فقط في سنة 2017.
ثانياً: ازدياد أهمية قطاع الخدمات: في أواخر الثمانينيات، ازدادت أهمية قطاع الخدمات على حساب القطاعات الأُخرى، وهذا التطور يرافق، عادة، مرحلة متأخرة من التقدم الاقتصادي. فبعد اكتمال التصنيع والانتقال إلى الصناعات ذات التكنولوجيا العالية، والاندماج في الأسواق العالمية وازدياد أهمية التصدير، تأخذ الخدمات المالية والتأمينية والمعلوماتية والتسويقية دوراً مهماً وضرورياً، وهو ما حدث في الاقتصاد الإسرائيلي، إذ أصبح قطاع الخدمات، في مطلع القرن الجديد، يساهم في أكثر من ثلاثة أرباع الناتج المحلي الإجمالي، ويستخدم النسبة ذاتها تقريباً من اليد العاملة.
أمّا بالنسبة إلى القطاع الصناعي، فقد شهد تطوراً مهماً في السنوات الماضية، إذ أخذت صناعات التكنولوجيا العالية تنمو. وإذا أخذنا بتصنيف منظمة التجارة الدولية (World Trade Organization)، فإن هذا القطاع يُصنف إلى ثلاث فئات هي: صناعة التكنولوجيا العالية؛ صناعات مختلطة؛ صناعات تقليدية.18 ويشير الجدول 14 إلى زيادة أهمية صناعات التكنولوجيا العالية، إذ في حين كانت نسبة مساهمتها في الإنتاج الصناعي تبلغ 38% سنة 1990، زادت على النصف في سنة 2012، بينما تراجعت مساهمة الصناعات التقليدية في الفترة نفسها من 38% إلى 13%.
الجدول (10)
حصص القطاعات الاقتصادية من الناتج المحلي الإجمالي (٪)
(1980–2017)*
القطاع |
1980 |
1990 |
2000 |
2010 |
2017 |
الزراعة |
6,1 |
2,3 |
1,5 |
2 |
1 |
الصناعة التحويلية |
16,8 |
21,9 |
17,6 |
14 |
12 |
خدمات |
66,5 |
67,1 |
74,0 |
67,3 |
69,8 |
* مجموع الحصص لا يساوي 100٪ على أساس أن هناك نشاطات، كالمياه والكهرباء، غير موجودة في الصناعة التحويلية.
الجدول (11)
نسبة العاملين من القطاعات الاقتصادية (٪)
الزراعة |
|||
الذكور |
الإناث |
||
2000 |
2017 |
2000 |
2017 |
3,1 |
1,5 |
0,8 |
0,6 |
الصناعة |
|||
الذكور |
الإناث |
||
2000 |
2017 |
2000 |
2017 |
33,8 |
25,7 |
11,9 |
7,8 |
الخدمات |
|||
الذكور |
الإناث |
||
2000 |
2017 |
2000 |
2017 |
63,1 |
72,8 |
87,3 |
91,6 |
المصدر:
The World Bank, op. cit., 2019.
الجدول (12)
التوزيع السلعي للصادرات الإسرائيلية (٪)
السنة |
2000 (58,4 مليار دولار) |
2017 (61,1 مليار دولار) |
الأطعمة |
3,0 |
3,3 |
مواد خام زراعية |
0,8 |
0,7 |
وقود |
0,9 |
1,5 |
معادن |
1,5 |
1,2 |
سلع صناعية |
93,2 |
91,9 |
المصدر:
The World Bank, op. cit., 2018.
الجدول (13)
التوزيع السلعي للواردات الإسرائيلية (٪)
2000 (61,2 مليار دولار) |
2017 (71,9 مليار دولار) |
|
الأطعمة |
7,3 |
8,7 |
مواد خام زراعية |
1,2 |
1,0 |
وقود |
17,7 |
10,9 |
معادن |
1,8 |
1,4 |
سلع صناعية |
71,4 |
77,0 |
المصدر: Ibid.
الجدول (14)
تطور بنية الصناعة الإسرائيلية (1990–2012)*
السنة |
1990 |
2000 |
2012***** |
صناعات تقنية عالية** |
38,0 |
42,0 |
63,0 |
صناعات مختلطة*** |
23,4 |
41,0 |
46,0 |
صناعات تقليدية**** |
35,8 |
17,0 |
13,0 |
* سنة 2012 هي آخر سنة لها أرقام.
** تشمل صناعات التقنية العالية: الكيماويات ومنتوجات النفط والأجهزة الإلكترونية والمحركات الكهربائية وأجهزة الاتصالات الإلكترونية ومعدات المواصلات.
*** تشمل الصناعات المختلطة: الجواهر والمناجم والمقالع والمنتوجات المعدنية ومنتوجات البلاستيك والمطاط.
**** تشمل الصناعات التقليدية: النسيج والثياب والطباعة والنشر والورق والطعام والشراب والدخان والأخشاب والجلود.
***** من الواضح أن أرقام هذه السنة فيها خطأ إذ إن مجموعها يساوي 122٪ بدلاً من 100٪، وهذا الخطأ موجود في الجدول الأصلي الذي أخذنا منه هذه الأرقام، وهو جدول 4,3 في:
(The World Bank, World Development Indicators, Structure of Manufacturing, 2019.)
المصدر:
World Trade Organization, Trade Policy Review: Israel, Report by the Secretariat, WTO/TPR/S/58, 13 August. 1999.
ج) تكيف الاقتصاد الإسرائيلي وفق إطار حركة العولمة والتقدم التكنولوجي في المعلوماتية والاتصالات
عكس التغيير الذي تم في هيكلة الاقتصاد الإسرائيلي، إلى جانب دينامية التطور والتقدم في الصناعة الإسرائيلية، جهود التكيف وفق مستجدات الاقتصاد العالمي. وتمثلت هذه المستجدات التي بدأت منذ مطلع تسعينيات القرن الماضي في محورين: الأول، ظاهرة العولمة، التي تعني ازدياد اندماج الأسواق فيما بينها عن طريق رفع القيود الجمركية عن حركة التجارة بين البلاد المتعددة، وتقليص القيود على حركة رأس المال. وترافق هذا مع اتجاه عالمي نحو تقليص دور الدولة في الاقتصاد، وإعطاء القطاع الخاص وحركة الاستثمارات الأجنبية مزيداً من الحرية. والثاني، في العملية السلمية في الشرق الأوسط التي شهدت جهوداً حثيثة من الولايات المتحدة الأميركية لتطبيع علاقات إسرائيل الاقتصادية مع العالم العربي. وسنتناول في هذا القسم جهود التكيف الإسرائيلية وفق هذه المستجدات عبر ثمانية عناوين هي: الخصخصة؛ تحرير التجارة الخارجية؛ العملية السلمية في الشرق الأوسط؛ الغاز والبترول؛ التقدم العلمي؛ صناعة التكنولوجيا العالية؛ الصناعة الحربية، توزيع الدخل القومي والفساد.
1) الخصخصة
في أواخر ستينيات القرن الماضي، بدأت الحكومة الإسرائيلية عملية الخصخصة (Privatization)، أي بيع بعض المنشآت الاقتصادية التي يملكها القطاع العام للقطاع الخاص، وذلك بعد أن أظهرت الضائقة الاقتصادية سنة 1966 الضعف الذي يعاني جرّاءه بعض مؤسسات القطاع العام، لكن ذلك كان على مستوى ضيق ومن دون أفق أيديولوجي. أمّا التزام الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة، أكانت يسارية أم يمينية، موضوع خصخصة القطاع العام بصورة واسعة، فقد بدأت منذ أواسط الثمانينيات، وذلك تمشياً مع أيديولوجيا تحرير الأسواق، والتزام برنامج الإصلاح الاقتصادي. وتشمل عملية الخصخصة في إسرائيل ثلاث مهمات متباينة وإن كانت مترابطة بعضها ببعض: تتمثل المهمة الأولى في بيع المنشآت الاقتصادية التي تملكها الحكومة، والتي كانت تشمل 12% من أكبر 100 شركة صناعية سنة 1985. وتتمثل المهمة الثانية في تحديث وخصخصة الشركات التي تملكها الهستدروت، والتي كانت تشكل 35% من أكبر 100 شركة صناعية في السنة نفسها. أمّا المهمة الثالثة، فتتمثل في خصخصة المصارف الخمسة الكبرى التي تهيمن على معظم النشاط المالي في إسرائيل، والتي أصبحت الحكومة تسيطر على نشاطاتها منذ سنة 1983.19
بالنسبة إلى المهمتين الأولى والثانية، فقد تمكنت الحكومة خلال عشر سنوات (1986–1996) من بيع 68 شركة. أمّا الشركات الكبرى فلم تتمكن من بيعها وذلك بسبب مجموعة عوامل، منها: كان الوزراء المسؤولون يعارضون أحياناً عملية البيع، كونها تفقدهم جزءاً مهماً من مصادر قوتهم؛ كانت اللجنة المالية في الكنيست، التي يجب أخذ موافقتها، تعارض عملية البيع أحياناً لأسباب استراتيجية وأحياناً أُخرى لأسباب أيديولوجية. وعلى صعيد آخر، جرى إنهاء احتكار القطاع العام، والسماح للقطاع الخاص بالعمل في مجالات كثيرة، كالطاقة والاتصالات والتعليم والصحة.
أمّا بالنسبة إلى المهمة الثالثة، والمتعلقة بخصخصة قطاع المصارف، فهي عملية معقدة، وتسير ببطء، وذلك لأهمية هذا القطاع في الاقتصاد الإسرائيلي. وتتألف السوق المالية في إسرائيل من 24 مصرفاً تجارياً، ومصرف استثماري وتسعة مصارف رهن عقاري (mortgage)، ومؤسسات متخصصة أُخرى. وتتصف السوق بهيمنة خمسة مصارف كبرى على 90% من النشاط المالي وهي: لئومي؛ هبوعاليم؛ إسرائيل ديسكاونت؛ همزراحي؛ فيرست إنترناشيونال. ويتركز ما بين ثلثي وثلاثة أرباع النشاط المالي في المصارف الثلاثة الأولى، وليس هناك اتفاق قومي على الصورة التي يجب أن يأخذها القطاع المصرفي في المستقبل. ففي أواسط التسعينيات، كان موقف البنك المركزي مغايراً لموقف وزارة المالية. كما أن بيع أسهم المصارف الإسرائيلية لا يبدو جذاباً بالنسبة إلى المستثمرين، وخصوصاً الأجانب، بسبب الوضع الخاص الذي تتصف به هذه المصارف، والذي يحول دون انتقال السيطرة على المصرف بمجرد انتقال ملكية أغلبية أسهمه.20 ومع ذلك، فإن عملية خصخصة المصارف تسير ببطء، وإن كانت قد تسارعت بعد سنة 1997، وخصوصاً بعد توقيع اتفاق السلام مع الفلسطينيين.
وتسارعت عملية الخصخصة في آخر سنوات القرن الأخير، ومطلع سنوات القرن الجديد، ويقدر أنه تمت بين سنة 1986 وأواسط سنة 2005 خصخصة 89 شركة حكومية. ومن أهم الشركات التي لم تعد الحكومة تملكها هي: شركة الطيران الإسرائيلية «إل –عال»، وشركة الملاحة الإسرائيلية «زيم» (Zim)، وشركة الاتصالات الإسرائيلية «بيزيك» (Bezeq)، وشركة الكهرباء الإسرائيلية (IEC) وغيرها. وفي سنتي 2005 و2006 سارت إجراءات خصخصة منشآت تكرير النفط في حيفا وأشدود وبنك لئومي، كما تم تنفيذ إصلاحات في قطاع العقارات والإنشاءات، بالإضافة إلى تأسيس سلطة للمياه والمجاري. وفي أواخر العقد الثاني من القرن الحادي والعشرين استمرت عمليات بيع أجزاء من مرافق مهمة جداً للقطاع الخاص، كدائرة البريد وشركة صناعة الطيران (Israeli Aerospace Industries)، وسوق تل أبيب للأوراق المالية.
2) تحرير التجارة الخارجية
تؤدي التجارة الخارجية دوراً محورياً في الاقتصاد الإسرائيلي. فالصناعة الإسرائيلية تعتمد، بصورة رئيسية، على استيراد المواد الخام والسلع الوسيطة من الخارج. لذا، فهي بحاجة إلى صادرات كبيرة تؤمن لها نقداً أجنبياً لتسديد نفقات الاستيراد.21 وقد تبنّت الدولة، منذ تأسيسها، سياسة دعم الصادرات بوسائل عديدة كانت تتماشى مع طبيعة المرحلة التي كان يمر بها الاقتصاد الإسرائيلي. ومن الممكن التمييز بين أربع مراحل متنوعة لسياسة إسرائيل التجارية كما يلي:
المرحلة الأولى: استمرت منذ تأسيس الدولة في سنة 1948 حتى مطلع الستينيات، وكان الهدف الأول منها تشجيع الصناعات التي تنتج سلعاً تحل محل السلع المستوردة، وقد اتبعت الدولة في هذه المرحلة كل أساليب حماية الصناعة الوطنية ودعم التصدير، وتحديد الاستيراد، وحتى منع استيراد كثير من السلع التي يمكن إنتاجها محلياً.
المرحلة الثانية: امتدت من مطلع الستينيات حتى سنة 1975، واتسمت بصفة التحرير الاسمي للتجارة، إذ أخذت الحكومة تسمح باستيراد العديد من السلع التي كان يُمنع استيرادها في الفترة السابقة، لكن بعد فرض تعرفة جمركية عالية عليها، أمّا دعم التصدير، فقد اتخذ الأسلوب المباشر بتقديم الدعم المادي لصناعات التصدير.
المرحلة الثالثة: امتدت منذ سنة 1975 حتى مطلع التسعينيات، وشهدت الانفتاح الحقيقي على الأسواق العالمية. وبدأت هذه المرحلة بتوقيع اتفاقية التجارة الحرة مع المجموعة الأوروبية سنة 1975. وبعد عشرة أعوام، وقّعت اتفاقية مماثلة مع الولايات المتحدة الأميركية22 كما شهدت هذه المرحلة بداية الاهتمام بصناعات التصدير كمحرك رئيسي للنمو الاقتصادي.
المرحلة الرابعة: دُشنت سنة 1991 عندما قُلصت التعرفة الجمركية على البضائع كلها بشكل تصبح بعد خمسة أعوام 8% من السعر فقط. وعلى الرغم من ذلك، فإن إسرائيل تقوم بحماية الصناعات المحلية من المنافسة الأجنبية عبر اتباع أساليب كثيرة تعرف بالعوائق غير الضريبية (Non Tariff Barriers)، وتشتمل على استعمال المقاييس والمعايير والمفاضلة في الضرائب وما يدعى مقاومة الإغراق (Antidumping).23 ويتضح من الجدولين 15 و16، أن تجارة إسرائيل الخارجية هي في الدرجة الأولى مع أوروبا الغربية وأميركا الشمالية، مع ازدياد مطرد في الأعوام الأخيرة مع دول شرق آسيا.
ويمكن القول إن إسرائيل نجحت في دمج اقتصادها في الاقتصاد العالمي. فحجم الصادرات الإسرائيلية في سنة 2004 بلغ 42,9% من الناتج المحلي الإجمالي، كما أن التركيب السلعي للتجارة الإسرائيلية يعكس طبيعة الاقتصاد الصناعية. ففي حين شكلت السلع الصناعية، ولا سيما سلع التكنولوجيا العالية معظم الصادرات، بلغت السلع الاستثمارية والمواد الخام أكثر من 80% من المستوردات سنة 2004. وقد استمرت الحكومة الإسرائيلية طوال سنوات العقد الثاني من القرن في تقليص معدل ضرائب الاستيراد، وتقليص حجم الدعم الحكومي للصادرات وفق تعاليم منظمة التجارة العالمية (WTO) التي قدرت في تقريرها الأخير عن إسرائيل أن معدل ضرائب الاستيراد قد انخفض من 7,8% في سنة 2012 إلى 5,2% في سنة 2018.24
الجدول (15)
التوزيع الجغرافي للصادرات الإسرائيلية (٪)
2012 (63,1 مليار دولار) |
2016 (60,6 مليار دولار) |
|
أوروبا* |
33,1 |
33,0 |
أميركا** |
31,6 |
30,8 |
آسيا |
25,3 |
26,1 |
أفريقيا |
1,5 |
2,4 |
الشرق الأوسط |
0,3 |
0,1 |
بلاد أُخرى |
4,5 |
6,7 |
* تشمل كل دول أوروبا الشرقية والغربية.
** تشمل الولايات المتحدة وكندا ودول أميركا الجنوبية.
المصدر: Ibid.
الجدول (16)
التوزيع الجغرافي للاستيراد الإسرائيلي (%)
السنة |
2012 (73,1 مليار دولار) |
2016 (65,8 مليار دولار) |
أوروبا |
43,0 |
52,4 |
أميركا |
14,7 |
14,3 |
آسيا |
20,5 |
26,1 |
أفريقيا |
0,5 |
0,4 |
الشرق الاوسط |
0,3 |
0,5 |
بلاد أُخرى |
19,5 |
4,7 |
المصدر:
World Trade Organization, Trade Policy Review: Israel (2018).
3) العملية السلمية في الشرق الأوسط وعلاقات إسرائيل الاقتصادية بالدول العربية
قادت الولايات المتحدة مسيرة السلام التي انطلقت من مؤتمر مدريد سنة 1991 على أنها عملية لها إطار ومضمون: الإطار هو مقايضة الأرض بالسلام، وإنهاء حالة الصراع بين إسرائيل والبلاد العربية وإقامة علاقات طبيعية بينهما. والمضمون هو إقامة تعاون وتنسيق إسرائيلي – عربي في مجال التنمية الاقتصادية على مستوى إقليمي يمهد لدمج اقتصاد منطقة الشرق الأوسط في الاقتصاد العالمي، ويعمل على رفع المستوى الاقتصادي لشعوب المنطقة كافة.
وقد برز بعد ذلك توافق وتناغم بين الولايات المتحدة وإسرائيل، على أنه من الضروري قطع خطوات مهمة وأساسية على طريق صنع المضمون كي يتم التوصل إلى الإطار النهائي للسلام. وكانت حجة الطرفين تنطلق من المقولة بأن تحقيق سلام بين إسرائيل وأي بلد عربي مجاور يبقى عرضة للانتكاس ما دامت الأوضاع الاقتصادية في ذلك البلد العربي تعاني أمراض التخلف الاقتصادي والفقر والبطالة، وهي أمور تشكل بيئة خصبة لنمو أفكار التطرف ومعاداة السلام. ومن ناحية أُخرى، أصر الطرفان على أن تذليل العقبات التي ما زالت تعترض عملية السلام لا يتم إلاّ عن طريق إيجاد ازدهار اقتصادي في المنطقة على أرضية التعاون العربي – الإسرائيلي، إذ إن السلام عندها يتوطد على الأرض الصلبة للمصالح المشتركة.
كان هذا التركيز على المضمون كطريق للوصول إلى الإطار وراء إصرار الولايات المتحدة وإسرائيل على تشكيل مسار متعدد الأطراف إلى جانب المسارات الثنائية بين إسرائيل وكل من سورية ولبنان والأردن وفلسطين. وأنيط بهذا المسار المتعدد البحث في خمسة موضوعات إقليمية تشكل الأمور الاقتصادية محور ثلاثة منها: التنمية الاقتصادية، والمياه، والبيئة. وبعد أسابيع من عقد اتفاق أوسلو بين منظمة التحرير وإسرائيل سنة 1993، عقدت الولايات المتحدة مؤتمراً دولياً ضم 42 دولة، أقر تقديم مساعدات مالية لإعادة إعمار اقتصاد الضفة الغربية وقطاع غزة، وإنشاء إطار مؤسساتي لإيصال تلك المساعدات والإشراف على صرفها.25
وبعد توقيع معاهدة وادي عربة للسلام بين الأردن وإسرائيل سنة 1994، شعرت الولايات المتحدة بأن السير في طريق إيجاد المضمون الاقتصادي لا يسير بالسرعة المطلوبة وفق أسلوب المسار المتعدد الأطراف، فعملت على تجاوزه واعتماد أسلوب آخر هو أسلوب القمم الاقتصادية للشرق الأوسط وشمال أفريقيا (الدار البيضاء/ 1994؛ عمّان/ 1995؛ القاهرة/ 1996؛ الدوحة/ 1997). وكانت تلك المؤتمرات تظاهرات عالمية لم يسبق لها مثيل، إذ كان يجتمع فيها ملوك ورؤساء ووزراء ورجال أعمال وأكاديميون من دول العالم الصناعي المتقدم وإسرائيل والبلاد العربية وبلاد أُخرى كثيرة. وكان هدف الجميع إيجاد مناخ تعاون إسرائيلي –
عربي يعمل على دمج أسواق الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في الأسواق العالمية. وأنشئ في تلك المؤتمرات إطار مؤسساتي للتعاون الاقتصادي الإقليمي على مستوى الحكومات والشعوب. فضم المستوى الأول لجنة مركزية تمثل الحكومات في المنطقة، وأمانة تنفيذية أنيطت بها مهمة تحديد مشاريع إقليمية قابلة للتنفيذ على مستوى المنطقة. أمّا المستوى الثاني فضم غرفة تجارية إقليمية، ومجلساً للأعمال التجارية، كما شُكل مجلس سياحة إقليمي، وجرى تبنّي فكرة تأسيس بنك للتعاون والتنمية في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.
في أثناء ذلك، قامت مؤسسات دولية وأكاديمية في الولايات المتحدة وأوروبا والبلاد العربية وإسرائيل بعقد المؤتمرات وإعداد الدراسات التي تفحص الواقع الاقتصادي للدول العربية وإسرائيل، وتقترح رؤى وخططاً ومشاريع تهدف إلى إحداث تغيير نوعي في اقتصاد المنطقة يعتمد حرية التبادل التجاري، وحرية تنقل رؤوس الأموال، والتعاون على تشييد البنى التحتية في مجالات الطاقة والمواصلات والاتصالات والبيئة، وإقامة المشاريع الصناعية المشتركة. وقام بتلخيص كل ذلك شمعون بيرس في كتابه المشهور «الشرق الأوسط الجديد» (The New Middle East).
ومنذ البداية، ظهر في الاهتمام الأميركي – الإسرائيلي بالمضمون الاقتصادي للعملية السلمية، تركيز خاص على ضرورة البدء بإقامة تكتل اقتصادي يُدمَج فيه اقتصاد كل من إسرائيل والأردن وفلسطين (في الضفة الغربية وقطاع غزة). ولقد بادرت مدرسة جون كنيدي في جامعة هارفرد إلى دعوة اقتصاديين أكاديميين من فلسطين والأردن وإسرائيل ليعملوا بإشراف اقتصاديين أميركيين على تحديد مستقبل التعاون الاقتصادي بين بلادهم. وعُقد هذا المؤتمر قبل توقيع اتفاق أوسلو، ثم اعتُمد بعد ذلك كثير من توصياته في الاتفاقية الاقتصادية بين إسرائيل ومنظمة التحرير التي وقّعت في باريس سنة 1994. 26
بعد اتفاق أوسلو ومعاهدة وادي عربة، أخذ الحديث عن التكتل الاقتصادي الثلاثي (الأردن، فلسطين، إسرائيل)، يأخذ طابعاً سياسياً، وبدأت الصحف الإسرائيلية تتحدث عن أنه سيشكل نواة «الشرق الأوسط الجديد»، وأن الفوائد الاقتصادية التي سيحققها ستشكل بؤرة جذب بالنسبة إلى البلاد العربية الأُخرى التي ما زالت مترددة في مواكبة مسيرة السلام والاندماج في النظام الاقتصادي الجديد. وفي مؤتمر قمة عمّان لسنة 1995، كثر الحديث عن فلسطين كسنغافورة جديدة، وعن عمّان كمركز للشرق الأوسط الجديد، وعن الشرق الأوسط الجديد كتكتل اقتصادي شبيه بالاتحاد الأوروبي.
ومع مرور الأيام، اتضح بشكل لا يقبل الشك فيه أن هناك شيئاً جوهرياً وأساسياً تفتقر إليه مقولة المضمون الاقتصادي للعملية السلمية، ومقولة الشرق الأوسط الجديد، والتكتل الثلاثي، وبؤرة الجذب، وهو أن المواطن الفلسطيني، أو الأردني لا يشعر بأي تحسن في وضعه الاقتصادي. وعلى العكس من ذلك، تراجع دخل المواطن الفلسطيني في الضفة والقطاع عما كان عليه قبل العملية السلمية، وازدادت معدلات البطالة وانتشار الفقر. فمعدل دخل الفرد الفلسطيني في الضفة والقطاع بالأسعار الحقيقية لسنة 1998 هو أقل مما كان عليه سنة 1994، وتراجع في سنة 1997 بمعدل 4%.27 كذلك، فإن الضائقة الاقتصادية التي مر بها الأردن في أواخر الثمانينيات وبعد حرب الخليج لم تتراجع بفعل فوائد السلام، وإنما على العكس، ازدادت إلى حدود كبيرة حتى وصلت في أواخر التسعينيات إلى بطالة تزيد على 20%، وتفاقم حجم الدين الخارجي لأكثر من 7 مليارات دولار. وفي المقابل، شهد الاقتصاد الإسرائيلي بعد مسيرة السلام نمواً هائلاً أعاد إلى الأذهان النمو الذي مر به عقب تأسيس الدولة في الخمسينيات. ففي التسعينيات، وخصوصاً بعد توقيع اتفاق أوسلو، أخذ الاقتصاد الإسرائيلي ينمو بمعدل 6% سنوياً، وبينما كان معدل دخل الفرد سنة 1992 نحو 12,000 دولار، أصبح سنة 1997 أكثر من 16,000 دولار ليصل في سنة 2017 إلى 40,000 دولار.
هذا التباين الهائل في نتائج اقتصاد السلام على الفلسطينيين والأردنيين من ناحية، وعلى إسرائيل من ناحية أُخرى، لم يكن هو الأمر المثير في الموضوع، لكن ما كان مثيراً في الواقع هو أن الفلسطينيين والأردنيين تصرفوا بعد اتفاق أوسلو ومعاهدة وادي عربة بروح الشرق الأوسط الجديد الذي دعت إليه إسرائيل، ووفق الاتفاقيات الاقتصادية التي أبرموها معها. أمّا إسرائيل فقد تصرفت بشكل مغاير تماماً.
كان من المتوقع وفق البروتوكول الاقتصادي بين إسرائيل ومنظمة التحرير سنة 1994، واتفاقية التجارة والتعاون الاقتصادي بين الأردن وإسرائيل سنة 1995، أن يتضاعف حجم التبادل التجاري بين إسرائيل وكل من فلسطين والأردن. لكن ما جرى هو العكس، فما زال حجم الاستيراد الفلسطيني من إسرائيل يزداد كما كان عليه الأمر في سنوات الاحتلال، أمّا التصدير الفلسطيني إلى إسرائيل فلم يطرأ عليه أي زيادة بعد سنوات السلام. ومن المفارقات الغريبة، أنه عندما كان شمعون بيرس يتحدث عن أهمية التبادل التجاري في الشرق الأوسط الجديد، كانت إسرائيل تقيم سداً عالياً على معبري بيت حانون وكرني بينها وبين غزة مجهزاً بالأجهزة الإلكترونية والكلاب البوليسية لوضع العراقيل أمام الصادرات الفلسطينية. وطبعاً، فوجئ الأردنيون وهم يرون إسرائيل ترفض فتح الأبواب أمام الصادرات الزراعية الأردنية بشكل معاكس للاتفاق الموقع بينهما. وتتذرع إسرائيل، طبعاً، بأن العراقيل التي تضعها أمام الصادرات الفلسطينية تعود إلى اعتبارات أمنية، وأن رفضها للصادرات الأردنية يعود إلى مقاييس صحية. لكن الواقع يشير إلى أن الذريعتين وهميتين، على أساس أن العراقيل التي تضعها أمام الصادرات الفلسطينية انتقائية، فهي تسمح لشاحنة فيها مواد يحتاج إليها المنتج الإسرائيلي بالمرور عبر المعبر بعد نصف ساعة من وصولها، أمّا الشاحنات التي تحوي بضائع منافسة للبضائع الإسرائيلية، فإنها تضطر إلى الانتظار ساعات طويلة (أحياناً بحجة تعطل الآلات الإلكترونية، وأحياناً أُخرى بحجة مرض الكلب البوليسي!). وفي صيف سنة 1998، قُدر أن أكثر من 50% من صادرات الجوافة الفلسطينية قد تعرض للتلف تحت أشعة الشمس بسبب الانتظار ساعات طويلة كي يقوم الموظفون الإسرائيليون بتفتيش الصناديق واحداً واحداً. أمّا المقاييس الصحية، فمن المعروف أن إسرائيل (باعتراف أكاديميين إسرائيليين) تستعملها لحماية المنتج الإسرائيلي، لا لحماية المستهلك الإسرائيلي.28
وهنا يبرز السؤال المحوري وهو: لماذا قادت الولايات المتحدة وإسرائيل كل تلك التظاهرات العالمية (مؤتمرات القمم الاقتصادية)، وعقدت كل تلك المؤتمرات الأكاديمية، وأسست معاهد اقتصاد السلام إذا كانت إسرائيل غير مهتمة بالمضمون الاقتصادي للعملية السلمية؟ وما هو الهدف الحقيقي من وراء كل تلك المظاهر؟ لقد اتضح أن الهدف الحقيقي كان ما وصفته الصحافة الأميركية بأنه «إعادة تأهيل إسرائيل عالمياً (The International Rehabilitating of Israel) ، وهو هدف يتطلب تحقيق أمرين: الأول، إنهاء المقاطعة العربية لإسرائيل؛ الثاني، إشاعة جو يطمئن الشركات العالمية إلى أن السلام في الشرق الأوسط أصبح حقيقة لا رجوع عنها كي تُقبل على الاستثمار في إسرائيل. وعندما أعلن مجلس التعاون الخليجي في أيلول/سبتمبر 1994 أن دوله لم تعد معنية بالعمل وفق قيود المقاطعة الثانوية لإسرائيل (Secondary Boycott)، جاءت بعد ذلك مؤتمرات القمة الاقتصادية وتم تحقيق الأمرين، وخلال ثلاث سنوات تقريباً تم تحقيق هدف إعادة تأهيل إسرائيل عالمياً على ثلاثة محاور:
المحور الأول: إقامة إسرائيل علاقات دبلوماسية مع دول لم تكن تقيم علاقات معها بسبب الصراع العربي – الإسرائيلي. فخلال عام واحد بعد توقيع اتفاق أوسلو، أقامت إسرائيل علاقات دبلوماسية مع 20 دولة، وواصلت بعد ذلك إقامة علاقات مع دول أُخرى. وكان واضحاً أن إسرائيل تولي دول جنوب شرق آسيا اهتماماً خاصاً. فبينما كان حجم الصادرات الإسرائيلية إلى تلك الدول لا يتجاوز 12% من مجموع حجم الصادرات الإسرائيلية لسنة 1980، أصبح في أواخر التسعينيات يقارب 17%.
المحور الثاني: فتح أسواق البلاد التي كانت تلتزم قوانين المقاطعة العربية لإسرائيل أمام البضائع الإسرائيلية. وقد أخذت هذه البلاد تقيم مع إسرائيل مشاريع مشتركة تتراوح ما بين صناعة الماكنات الزراعية وصناعة الأسلحة. كما أن الشركات الإسرائيلية أخذت تبيع أسهمها في أسواق الأسهم المحلية في تلك البلاد. وازداد حجم التبادل التجاري بين إسرائيل وكوريا الجنوبية نحو 50% في السنوات 1994 – 1996، كما أصبحت الصين مستورداً رئيسياً للسلاح والتكنولوجيا الإسرائيليين.
المحور الثالث: إقدام الشركات متعددة الجنسية (Multinationals) على الاستثمار في إسرائيل، الأمر الذي سيكون له أهمية كبيرة في الأمد البعيد. فمن المعروف أنه خلال السبعينيات والثمانينيات قامت إسرائيل بمحاولات كثيرة (عقد مؤتمرات في إسرائيل لرجال الأعمال اليهود) من أجل إغراء رأس المال الأميركي والأوروبي للاستثمار فيها، لكنها لم تحقق أي فائدة، وذلك بسبب المقاطعة العربية لها وأوضاع عدم الاستقرار في المنطقة. وبعد سنة 1994، تغير الوضع، حتى إن إحدى الصحف الأميركية ذكرت في سنة 1995 أن الشركات متعددة الجنسية «اكتشفت» إسرائيل. وعلى سبيل المثال لا الحصر، فإن الشركات التالية قامت ببناء مصانع أو مراكز لها في إسرائيل بعد سنة 1994: Intel; Mottorola; Westinghouse; General Motors; Daimler Benz; Cablet Wireless; Salmon Brothers; Siemens.
واعتبرت هذه الشركات أنها ترى في الاقتصاد الإسرائيلي شريكاً في التمويل والاستثمار والبحث العلمي، وهي لا تقيم مصانعها في إسرائيل من أجل السوق المحلية الإسرائيلية فحسب، بل لأنها تتخذ من هذه السوق أيضاً بوابة لأسواق الشرق الأقصى أولاً، ولأسواق الشرق الأوسط ثانياً.
وبينما كان حجم الاستثمارات الأجنبية في إسرائيل سنة 1991 لا يتعدى 400 مليون دولار، أصبح 2,9 مليار دولار و3,6 مليارات دولار في سنتي 1996 و1997. وهذا يعني أن حجم الاستثمار الأجنبي في إسرائيل بلغ نحو أربعة أضعاف حجمه في مصر سنة 1996.
وبعد أن كانت عملية خصخصة البنوك الإسرائيلية تسير ببطء شديد لعدم وجود مستثمرين أجانب، أخذت شركات أميركية تتنافس مع شركات أوروبية لشراء أسهم البنوك الإسرائيلية، وخصوصاً بنكي ديسكاونت (Discount) وهبوعاليم (Hapoalim). ومن ناحية أُخرى، أقدمت مؤسسة مالية أميركية على شراء 22% من أسهم شركة كور الإسرائيلية، وهي التي تضم مجموعة شركات اتحاد نقابات العمال (الهستدروت)، كذلك أقدمت مؤسسة أُخرى على شراء جزء كبير من شركة بيزيك (Bezeq)، وهي أهم شركة اتصالات في إسرائيل. وهناك شركات أوروبية وأميركية مهتمة بالمساهمة في عملية تحديث البنية التحتية في إسرائيل، وخصوصاً مشروع الطريق السريع عابر إسرائيل (Trans Israel Highway)، ومشروع نفق الكرمل.
ومن الواضح أن مسيرة السلام قدمت لإسرائيل فوائد هائلة على طريق دمج اقتصادها في الاقتصاد العالمي، الأمر الذي قاد إلى نمو سريع، جعل معدل دخل الفرد في إسرائيل الآن يتفوق على معدلات دخل الفرد في دول أوروبية كإسبانيا واليونان، وبلاد آسيوية، ككوريا الجنوبية وتايوان، بينما لم تقدم مسيرة السلام أي فوائد تُذكر لاقتصاد الدول العربية، وكما قالت الاقتصادية الإنكليزية إيما مورفي (Emma Murphy)، «بينما فهم السياسيون العرب اقتصاد السلام في إطار التعاون الإقليمي بينهم وبين إسرائيل، كرّس الإسرائيليون اقتصاد السلام ليمكنهم من التقدم في طريق العولمة.»29
طبعاً، إن ما حققته إسرائيل حتى الآن من المسيرة السلمية كان متناسقاً ومتناغماً مع الهدف الأميركي الحقيقي من عملية السلام. فالسياسة الأميركية عملت، منذ أيام الرئيس جورج بوش الأب، على توطيد ما دعاه النظام العالمي الجديد، الذي يعتمد في الدرجة الأولى على عولمة الاقتصاد، وفتح الأسواق أمام الرأسمالية الأميركية، والذي يتطلب، بدوره، حل المشكلات الإقليمية كلها وإقامة أنظمة أمنية إقليمية تخضع للهيمنة الأميركية، وهو المعنى الحقيقي للمضمون الاقتصادي للعملية السلمية، أي تأهيل إسرائيل عالمياً كي تصبح المركز الرئيسي لاقتصاد العولمة في الشرق الأوسط. أمّا موضوع التكامل والاندماج الاقتصادي للمنطقة، فقد كان عملية تضليل.
حدث تغير كبير في الوضع بعد تعثر التسوية السلمية نتيجة عدم التزام الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة (1996–2000) تنفيذ ما وقّعته من اتفاقات مع الفلسطينيين، وخصوصاً في موضوعي الانسحاب من الأراضي الفلسطينية وإطلاق المعتقلين. والأهم من كل ذلك، هو استمرار إسرائيل في مصادرة الأراضي الفلسطينية، وبناء المستعمرات اليهودية، وشق الطرق الالتفافية التي توصل تلك المستعمرات بعضها ببعض، وتمزق أوصال التواصل الجغرافي للضفة الغربية، ثم بناء الجدار العنصري العازل في الضفة. ونتيجة ذلك توقف العمل على الأطر التي انبثقت جميعها من مؤتمرات القمم الاقتصادية في مجال التعاون الاقتصادي بين إسرائيل والبلاد العربية. وبالتالي، جاءت انتفاضة الأقصى في أواخر أيلول/سبتمبر 2000، فاستعملت إسرائيل كل أساليب القمع لديها، وارتكبت مجازر ومذابح، واستعملت الطائرات الحربية الأميركية من طراز F–16 لقصف بيوت المدنيين، والجرافات لهدم البيوت على أهلها، واحتلت بدبابات المركافا شوارع المدن والقرى والمخيمات، وفرضت منع التجول لأيام وأسابيع مانعة الغذاء والدواء، حتى إن النشاط الاقتصادي في الضفة الغربية وغزة توقف كلياً فترات طويلة، وهو ما دعا المؤسسات الدولية إلى التحذير من خطر انتشار الأمراض والأوبئة. وفي آخر نيسان/أبريل 2000، أكدت مؤسسة أميركية أن نصف السكان في الضفة والقطاع أصبحوا يعيشون تحت خط الفقر، أي دولارين للفرد في اليوم. لكن مؤسسة أُخرى أكدت في بداية آب/أغسطس من السنة نفسها، أن النسبة ارتفعت إلى 70% من السكان، وقدرت هذه المؤسسة أنه في تموز/يوليو 2000، كان نحو 30% من الأطفال الفلسطينيين ينامون جوعى.30
من ناحية أُخرى، لم تتضرر العلاقات الاقتصادية بين الأردن وإسرائيل، بل على العكس، هناك دلائل على أنها ازدادت. ففي 14 آب/أغسطس 2002، أصدرت السفارة الإسرائيلية في عمّان بياناً أكدت فيه أن حجم التبادل التجاري بين البلدين في النصف الأول من سنة 2002، ازداد 30% عمّا كان عليه في الفترة نفسها من السنة السابقة.31 ومن المعروف أن مشاريع مشتركة أُقيمت بين الأردن وإسرائيل، وخصوصاً في قطاع صناعة النسيج والثياب.32 وقد بدأ ذلك سنة 1998 برعاية أميركية، إذ تم تشييد منطقة بني حسن الصناعية في شمال الأردن، وهي نوع خاص من مناطق التصدير الصناعية الحرة التي تعرف باسم المناطق الصناعية المؤهلة (Qualifying Industrial Zones)، على أساس أنها تحصل على ترخيص من الملحق التجاري الأميركي في الأردن من أجل تصدير إنتاجها إلى الولايات المتحدة. وللحصول على الترخيص، تشترط الولايات المتحدة أن يكون 35% من قيمة البضاعة مصنعة على الشكل التالي: 11,7% من الأردن، 7–8% من إسرائيل، والبقية 15,7% يُسمح لها بأن تكون من الولايات المتحدة وإسرائيل والضفة الغربية وقطاع غزة. ونتيجة هذه الاتفاقية ازداد حجم التبادل التجاري بين إسرائيل والأردن من 35 مليون دولار سنة 1998 إلى نحو 200 مليون دولار سنة 2004.
ووقَّعت مصر اتفاقية تجارية مماثلة مع إسرائيل في 14 كانون الأول/ ديسمبر 2004 دخلت في حيز التنفيذ في شباط/فبراير 2005. وبموجب هذه الاتفاقية أُقيمت مناطق صناعية مؤهلة تحت مظلة الاتفاقية الأميركية–الإسرائيلية. ومن المتوقع أن تعمل هذه الاتفاقية على زيادة التبادل التجاري بين مصر وإسرائيل. وتشير التقارير الأولية إلى أن التبادل التجاري بين البلدين ازداد بمقدار أربعة أضعاف في الأشهر التسعة الأولى من تطبيق الاتفاقية مقارنة بالفترة المماثلة من سنة 2004.33
هذا النوع من العلاقات الاقتصادية بين إسرائيل والدول العربية كان سائداً في تسعينيات القرن الماضي وسنوات العشرية الأولى من القرن الحالي، أمّا في سنوات العشرية الثانية فقد بدأ نوع جديد من العلاقات، وخصوصاً بين إسرائيل ودول الخليج شكل امتداداً لتنامي العلاقات العسكرية والأمنية والسياسية بين الطرفين، وقد تم إعلان هذه العلاقات رسمياً، كما أصبح مألوفاً، من توماس فريدمان34 في 17 تشرين الثاني/نوفمبر 2013، إذ كتب في عموده بجريدة «نيويورك تايمز»، كاشفاً النقاب عن مؤتمرٍ للبحث في القضايا الأمنية عُقد في إحدى الدول العربية، وحضره وزراء خارجية 29 دولة عربية وإسلامية، وافتُتح بخطابٍ لشمعون بيرس، رئيس دولة إسرائيل الذي خاطب الحضور من إسرائيل عبر الأقمار الصناعية. وقد رفضت المتحدثة الرسمية باسم بيرس التعليق على الخبر مكتفية بالقول إن الإعداد لخطابه تم بسرية مطلقة. أمّا في العالم العربي فقد أثار الخبر ضجة كبيرة لأن بعض وسائل الإعلام اعتبر الموضوع بمثابة إقدام الدول العربية المشاركة في المؤتمر على نشاطٍ تطبيعي مع إسرائيل، مخالفة بذلك قرارات القمم العربية التي ربطت موضوع تطبيع العلاقات مع إسرائيل بحلٍ شامل وعادل للقضية الفلسطينية. وكانت هذه الضجة، في واقع الأمر، في المكان الخطأ، فدعوة بيرس إلى الحديث في ذلك المؤتمر الأمني لم تكن، في الدرجة الأولى، بهدف التطبيع مع إسرائيل، إذ إن جوهر العملية التطبيعية هو النشاط العلني وليس التآمر السري. لقد كان الهدف من دعوة بيرس الإقرار بأن منظمي المؤتمر يؤمنون بأنه لا يمكن صوغ ترتيبات أمنية في المنطقة العربية من دون مباركة إسرائيل ورعايتها وإشرافها ، فهي إلى جانب قوتها العسكرية الكبيرة، تشكل أيضاً عاصمة صناعة «الأمن الوطني والمراقبة» في العالم. كذلك كانت دعوته تهدف إلى شكر إسرائيل على الخدمات الأمنية السرية التي قدمتها إلى أنظمة دول المؤتمر عبر السنوات، وتمنياً أن تستمر إسرائيل في تقديم هذه الخدمات. وأكدت تقارير صحافية كثيرة وذات صدقية أن التعاون السري بين بعض الدول العربية وإسرائيل تُوج في سنة 2013 في إقامة «سفارة إسرائيلية سرية» أو «سفارة فعلية» (Virtual Embassy) لدى مجلس التعاون الخليجي للإشراف على تنسيق التعاون بين الطرفين35 الذي يشمل المجالات التالية:
• تعاون استخباراتي بين بعض أجهزة استخبارات دول الخليج وجهاز الموساد الإسرائيلي. وعلى سبيل المثال، فقد صرح ملك البحرين في سنة 2005 بأن أجهزة الأمن في البحرين على علاقة تنسيق وتعاون بجهاز الموساد الإسرائيلي.36
• قيام أجهزة الأمن في بعض دول مجلس التعاون الخليجي بشراء أجهزة تنصت ومراقبة إسرائيلية ذات تقنية حديثة. وعلى سبيل المثال، ذكرت تقارير صحافية أن إحدى الشركات الحربية الإسرائيلية حصلت على عقد لبيع دولة الإمارات العربية المتحدة مجموعة طائرات بلا طيار (UAV)، وأن شركة (Image Set) التابعة لشركة (Israel Aerospace Industries) تقوم بتزويد حكومة أبو ظبي بصور من الأقمار الصناعية، وأن الكاميرات التي صورت فريق الموساد الذي قام باغتيال ناشط «حماس» محمد مبحوح في دبي في سنة 2010، كانت مستوردة من إسرائيل.37
• في سياق حركة العولمة توجد صناديق استثمارية يديرها إسرائيليون ومركزها تل أبيب وفيها أموال عربية إلى جانب أموال أُخرى من العديد من دول العالم. وفي الآونة الأخيرة جرت محاولات إسرائيلية، مرحباً بها في بعض الأوساط الخليجية لجذب الأموال الخليجية إلى الاستثمار المباشر في الصناعات الإسرائيلية.
أخذت العلاقات الإسرائيلية – الخليجية تتدعم بصورة متسارعة منذ أواسط العشرية الثانية من القرن الحالي، وخصوصاً بعد أن أصبح سلمان بن عبد العزيز ملك السعودية، وابنه محمد بن سلمان الحاكم الفعلي للمملكة*، وتشير دراسة حديثة لمعهد بروكلين الأميركي أن وراء تعاظم التقارب بين إسرائيل والسعودية ودولة الإمارات ثلاثة أسباب رئيسية هي:38
(أ) الاعتقاد أن الجمهورية الإسلامية في إيران خطر وجودي على الطرفين، وأن من الضروري العمل المشترك ضد هذا الخطر. وهنا لا بد من التأكيد أن واقع الأمر يظهر بوضوح أن إيران لا تشكل أي خطر على الشعبين السعودي والإماراتي والأسر الحاكمة في البلدين.
(ب) بعد فشل الولايات المتحدة في حروبها في أفغانستان والعراق وتقلص دورها في المنطقة، تجد السعودية والإمارات في إسرائيل بديلاً من الولايات المتحدة كحليف استراتيجي يمكن الاعتماد عليه.
(ج) يحتاج بعض الدول الخليجية إلى قدرة إسرائيل الكبيرة في موضوعات التجسس والمراقبة الإلكترونية، لملاحقة مواطنيها المعارضين في الخارج. وقد أظهرت عدة تقارير صحافية ذات صدقية تعاقد السعودية والإمارات مع شركات إسرائيلية تعمل في مجال «صناعة الأمن الوطني والمراقبة»، كما أظهرت تقارير أُخرى قيام شركة إسرائيلية بمراقبة جمال خاشقجي خلال الأشهر والأسابيع التي سبقت اغتياله في القنصلية السعودية في إستانبول في 2 تشرين الأول/ أكتوبر 2018.
4) الغاز والبترول
لم تتمكن الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة منذ قيام إسرائيل حتى نهاية القرن العشرين من جذب الاستثمارات اللازمة للتنقيب عن النفط. وهناك بعض الأسباب الثانوية لهذا الإخفاق، أمّا السبب الرئيسي فكان إحجام شركات النفط العالمية العملاقة عن الاستثمار في إسرائيل بسبب قوانين المقاطعة العربية. وطبعاً، فقد تغير الوضع كلياً بعد كارثة أوسلو، وانهيار نظام المقاطعة العربية، إذ أخذ رأس المال الأجنبي يتدفق على إسرائيل. وأخذت شركات النفط العالمية تتنافس في الحصول على امتيازات التنقيب عن النفط والغاز، وخصوصاً بعد اكتشاف الغاز الطبيعي في البحر شمالي الإسكندرية وفي بحر غزة. وقد تركزت أعمال التنقيب في الأعوام الأولى من القرن الحادي والعشرين على هذه المنطقة، حيث تم اكتشاف بعض حقول الغاز الصغيرة مثل حقل ماري – ب الذي بلغ إنتاجه 600 مليون قدم مكعب في سنة 2004.
وبعد أن تبين الحجم الضئيل للاحتياطي المكتشف في المنطقة الجنوبية، تحول اهتمام إسرائيل إلى الشمال وبدأت بأعمال التنقيب في البحر في مقابل حيفا، وتعاظم هذا الاهتمام في المنطقة الشمالية بعد صدور تقرير إدارة المسح الجيولوجي الأميركية الذي أكد وجود احتياطي نفطي وغازي كبير جداً في حوض بلاد الشام ليفانت (Levant)، الذي يشمل معظم المناطق البحرية لفلسطين وقبرص وسورية ولبنان، ويقدر حجم هذا الاحتياطي بـ 39 مليار قدم مكعب تقريباً. وقد تمكنت إسرائيل من استخراج الغاز من حقل تامار منذ سنة 2013، وسيبدأ استخراجه من حقل لفيتان في نهاية سنة 2019.39
وفي هذا المجال نلفت نظر القارئ إلى النقاط التالية:
- تمكنت إسرائيل حتى الآن من الاستغناء عن استعمال النفط والفحم في المولدات الكهربائية، وأصبحت تستعمل الغاز وهو ما خفف من درجة تلوث البيئة.
- تراجع حجم استيراد المحروقات في إسرائيل بنحو 60%، وهو ما رفع الدخل القومي الإجمالي بنحو 1,1%.
- وقَّعت إسرائيل اتفاقيتين مع مصر والأردن لتصدير الغاز إلى كلا البلدين، ومن المتوقع أن يبدأ ذلك في نهاية سنة 2019. وهناك معارضة شعبية واسعة لهذه الاتفاقية في الأردن.
- تدور حالياً مفاوضات بين إسرائيل وتركيا والاتحاد الأوروبي بشأن مسائل تتعلق بتصدير الغاز.
- تحوّل إسرائيل من دولة مستوردة للغاز إلى دولة مصدرة سيكون له انعكاسات مهمة على صعيد مركزها الجيوسياسي، ولا سيما بالنسبة إلى تمتين علاقاتها بدول الخليج، وخصوصاً السعودية والإمارات.
- أطماع إسرائيل في حصة لبنان من حقل لفيتان مدعومة من الولايات المتحدة سيكون لها في المستقبل القريب تأثير في مجمل أوضاع الصراع العربي– الإسرائيلي.
5) التقدم العلمي في إسرائيل
حققت إسرائيل في نصف القرن الماضي إنجازات هائلة في مجالات التقدم العلمي والصناعي بشكل جعل منها مركزاً لتصدير بعض المنتوجات الصناعية ذات التكنولوجيا العالية، كما جعل من جامعاتها ومؤسسات البحث العلمي فيها مركزاً يتمتع بسمعة عالمية، وعلى اتصال دائم بأهم مراكز البحث العلمي في العالم. ويرجع الفضل في تحقيق هذه الإنجازات إلى أربعة عوامل مهمة مترابطة هي:
العامل الأول: هو النظام السياسي المبني على وجود سلطات ثلاث (تشريعية وتنفيذية وقضائية)، ولكل منها استقلالها التام وحرية ممارسة دورها بشكل كامل وفعال، وعلى وجود صحافة حرة ونقابات عمال مستقلة. فعمل ذلك كله على إيجاد جو من الحرية الكاملة لنشوء مؤسسات أكاديمية وعلمية تنبض بالحياة والنشاط وتحفز الإبداع والبحث والتطور.
العامل الثاني: هو وجود إجماع قومي على فرض أولويات الاهتمام برعاية رأس المال البشري وتطويره. فمنذ أن قامت إسرائيل والحكومات المتعاقبة تلتزم أولويات الاستثمار في رأس المال البشري في مجالات الصحة والتعليم والرعاية الاجتماعية. كما أن الحكومات المتعاقبة استمرت في إعطاء البحث العلمي أولوية مطلقة في مجالاته النظرية والتطبيقية كافة. ونتج من كل ذلك تقدم مستمر لليد العاملة في مجال اكتساب الخبرات وإتقان استعمال أساليب التكنولوجيا الحديثة. ويبيّن الجدول 17 أن نسبة إنفاق إسرائيل على البحث العلمي من الناتج القومي الإجمالي هي أعلى نسبة في العالم. كما يبين الجدول 18 التقدم المتسارع الذي حققته اليد العاملة بالنسبة إلى التأهيل العلمي، إذ يكفي أن نلاحظ أنه في سنة 1987 كان عدد الذين أنهوا أكثر من 13 عاماً دراسياً هو أقل من ثلث عدد اليد العاملة، وأن عددهم أصبح أكثر من النصف سنة 2005. 40
العامل الثالث: هو استمرار تدفق المهاجرين، وخصوصاً ما جرى في تسعينيات القرن الماضي، فقد تم استيعاب مليون مهاجر من روسيا ذوي مستوى ثقافي أعلى من متوسط المستوى الثقافي في إسرائيل.
العامل الرابع: هو العلاقة الخاصة التي تربط إسرائيل بالولايات المتحدة الأميركية، وما ينتج منها من نقل أساليب التكنولوجيا الأميركية الحديثة إلى إسرائيل قبل أن تنتقل إلى أي بلد آخر. وكذلك قدرة الصناعات الإسرائيلية الحديثة على استعمال أساليب تكنولوجية تضمن وفورات من الحجم الكبير، وذلك لقدرتها على النفاذ إلى السوق الأميركية الكبيرة.
تضافرت هذه العوامل بشكل جعل من إسرائيل بلداً متقدماً جداً في مجالات العلوم التطبيقية. وكما يدل الجدول (18)، فإن اليد العاملة الإسرائيلية ذات مهارة عالية وعلى المستوى العالمي. وأمّا التقدم التكنولوجي الذي حققته إسرائيل والذي، كما سنرى لاحقاً، جعل منها مركزاً ريادياً في بعض المنتوجات الصناعية الحديثة، فيعود إلى رعاية الدولة للبحث العلمي بما تقدمه من دعم للشركات التي تخصص جزءاً من نفقاتها للبحث والتطوير، بالإضافة إلى رعايتها البحث العلمي في الجامعات، والمساعدات الهائلة التي تصلها من الولايات المتحدة.
الجدول (17)
نسبة الإنفاق على البحث العلمي من الناتج
المحلي الإجمالي (2016)
البلد |
النسبة المئوية من الناتج المحلي الإجمالي |
إسرائيل |
4,25 |
كوريا الجنوبية |
4,24 |
اليابان |
3,15 |
الولايات المتحدة |
2,74 |
الصين |
2,11 |
مصر |
0,71 |
الأردن |
0,33 |
المصدر:
The World Bank, op. cit., 2018.
الجدول (18)
عدد الأعوام الدراسية لليد العاملة الإسرائيلية (1987–2005) (%)
الأعوام الدراسية |
1987 |
1995 |
2005 |
16 + |
15,9 |
19,4 |
27,5 |
13 – 15 |
16,9 |
22,1 |
26,1 |
11 – 12 |
35,9 |
37,0 |
34,1 |
0 – 10 |
31,3 |
21,2 |
12,3 |
المصدر:
Bank of Israel, op. cit., 2007.
6) صناعات التكنولوجيا العالية
بالإضافة إلى البيئة الملائمة التي تتمتع بوجود يد عاملة ذات ثقافة عالية ومراكز بحث متقدمة، فإن نمو صناعة التكنولوجيا العالية في إسرائيل يعود إلى عاملين مهمين: يتمثل الأول في احتضان المؤسسة العسكرية هذه الصناعة. فتاريخياً، نشأت أكثرية شركات التكنولوجيا العالية كشركات قطاع عام بإشراف وزارة الدفاع من أجل إنتاج أنظمة متطورة للسلاح. وفي السبعينيات والثمانينيات، تطورت الصناعة في أجواء ارتباطها بالمؤسسة العسكرية فيما عرف بالمجمع العسكري – الصناعي. ومن مميزات هذا المجمع أنه يشكل مجموعة ضغط قوية (Lobby) تعمل دائماً على تكييف سياسات الدولة الاقتصادية وفق مصالحها، كما تعمل على إيجاد أسواق جديدة لتصدير منتوجاتها. أمّا العامل الثاني، فيتمثل في الدعم الحكومي الذي رعى صناعات التكنولوجيا العالية عن طريق الدعم المباشر. وكمؤشر إلى ذلك، تم في أواخر الثمانينيات إنشاء وزارة العلوم والتكنولوجيا، واستحداث دائرة «العالِم الرئيسي» (Chief Scientist) في وزارة الصناعة والتجارة. ومن أهم فروع الصناعة العالية، فرع صناعة المعدات الإلكترونية والكهربائية التي وصل إنتاجها في أواخر التسعينيات إلى نحو خمس إنتاج القطاع الصناعي (19%)، وأهم منتوجات هذه الصناعة:
– Fiber optics
– Electro Optic inspection system for printed circuit boards
– Thermal managing, night automated manufacturing system
وأصبح لإسرائيل مركز عالمي مرموق في هذه المجالات، حتى إنها باتت أهم مصدر عالمي لبعض تلك المنتوجات. وكذلك أحرزت صناعة «البرمجيات» تقدماً كبيراً في إسرائيل مكّنها من أن تتبوأ مكانة قيادية في الأسواق العالمية وخصوصاً بالنسبة إلى المنتوجات التالية:
– Data management software
– Educational software
– Computer security systems
وتأتي في الدرجة الثانية صناعات الكيماويات ومنتوجات الزيت، إذ بلغ حجم إنتاجها سنة 1998 13% من حجم إنتاج القطاع الصناعي، كما بلغت صادراتها 20% من مجموع الصادرات الصناعية.41 وفي سنة 2016 بلغ حجم نشاط صناعة الاتصالات والمعلومات 10,8% من حجم الناتج المحلي الإجمالي، بينما بلغ حجم نشاط الخدمات المهنية العلمية 10,6%.42 وأصبحت صناعة الإلكترونيات أهم فرع في القطاع الصناعي.
وأهم فروع صناعة الإلكترونيات:
- Electronic components
- Equipment for the semiconductor industry
- Industrial equipment
- General electronic equipment
- Electronic assembly services
وفي السنوات الأخيرة أصبحت إسرائيل عاصمة ما يعرف بصناعة «الأمن الوطني والمراقبة»؛ فبعد أحداث الحادي عشر من أيلول/ سبتمبر لسنة 2001 في مدينة نيويورك، طرحت إسرائيل نفسها على أنها تملك أهم خبرة بمكافحة الإرهاب، وأنها قادرة على مساعدة أي دولة أُخرى في اكتساب الخبرة اللازمة بمقاومة الإرهاب وذلك عن طريق بيعها أحدث الأدوات الإلكترونية في الرصد والمراقبة وتدريب رجال أمنها على كل الأساليب الناجعة في مجالات مكافحة الإرهاب. وفي هذا السياق يوجد برنامج «تبادل حماة القانون الإسرائيلي–الأميركي» (United States–Israel Law Enforcement Exchange Program/LEEP) الذي ينظم دورات تدريبية في إسرائيل لرجال البوليس الأميركي لتعليمهم «كيف يحمون، بصورة أفضل، مجتمعاتهم من الهجمات الإرهابية.» وتستمر الدورة أسبوعين، يتم خلالها التدريب على استعمال الاستراتيجيات والتقنيات التي أتقنها رجال الأمن الاسرائيليون في مكافحة الإرهاب. كما أن معهد القانون الإسرائيلي (Shurat Hadin) يقدم ما يسميه «مغامرة العمر في إسرائيل»، إذ يقوم، لقاء مبلغ من المال، بتنظيم رحلة إلى إسرائيل مدة أسبوع يقيم خلالها المشترك بفندق خمس نجوم ويشارك في الفعاليات
التالية:
- مقابلة ضباط من الموساد ومن شين بيت.
- جولة في الخطوط الأمامية على الحدود مع سورية ولبنان ونقاط التفتيش مع قطاع غزة.
- حضور محاكمة «إرهابي من حركة ‹حماس›».
- مقابلة عملاء عرب يعملون لحساب الاستخبارات الإسرائيلية في التجسس على «المجموعات الإرهابية».
- جولة على «عربة كل التضاريس» (All-Terrain Vehicle) في مرتفعات الجولان.
- رحلة في قارب على ضوء القمر في بحيرة طبرية.
- الاستماع إلى أحاديث «أبطال من محاربي الجيش الإسرائيلي».
- جولة على جدار الفصل العازل، وفي معسكرات الجيش الإسرائيلي.
- مقابلة مع وزراء وموظفي حكومة مهمين.
ويصف الموقع الإلكتروني للمعهد هذه المغامرة بأنها «تجربة دينامية، وعسكرية، وإنسانية، وتاريخية، وقانونية، ودينية، وفي السياسة الواقعية.»43 بينما يصفها أحد الكتّاب الأميركيين بأنها «زيارة لديزني لاند (Disney Land)،44 لكن مع بنادق حقيقية وبرصاص حي مصوبة على الفلسطينيين.»45
7) الصناعة الحربية
يمكن القول إن الصناعة الحربية تطورت عبر ثلاث مراحل هي:
المرحلة الأولى: بدأت قبل إقامة الدولة، في عهد الانتداب البريطاني على فلسطين. فبعد تأسيس الهاغاناه كمنظمة عسكرية يهودية في العشرينيات، أنشئ ما كان يُعرف باسم مجمع الصناعات العسكرية الإسرائيلية (تاعس/ (TA’AS)، أي شركة مسؤولة عن صناعة السلاح. كما كانت دائرة المشتريات في الهاغاناه مسؤولة عن عملية الحصول على السلاح، سواء من فلسطين أو من الخارج.46 وكل ما قامت به تاعس في تلك الفترة هو تصنيع الأسلحة الخفيفة وفحص بعض الأجهزة الحربية البسيطة وتعديله. وبعد تأسيس الدولة، احتلت صناعة الأسلحة أولوية قومية عالية، وخصوصاً أنه كان هناك حاجة إلى إدخال تعديلات على الطائرات والدبابات المستوردة من الخارج لتكييفها وفق الحاجات المحلية المناخية والطوبوغرافية، وأيضاً وفق الدروس التي اكتسبها الجيش الإسرائيلي من الممارسة الفعلية.
المرحلة الثانية: تلت هذه المرحلة حرب 1967. فبعد أن أوقفت فرنسا توريد الأسلحة إلى إسرائيل معاقبة لها على بدء العدوان على مصر، اتخذت الحكومة الإسرائيلية قراراً استراتيجياً بتوسيع صناعة الأسلحة في اتجاه تقليص حجم الاعتماد على مصادر خارجية، وذلك في ظل العلاقة الأميركية – الإسرائيلية الخاصة التي تطورت بصورة كبيرة بعد الحرب، وأصبحت فيها الولايات المتحدة المورد الرئيسي للأسلحة إلى إسرائيل. وكان من أهم نتائج هذا القرار الاستراتيجي إحداث تغييرات مهمة في أولويات التعليم والبحث العلمي والتخصصات التقنية الدقيقة، من أجل إيجاد المناخ الملائم لتطوير صناعة الأسلحة الحديثة. وفي تلك الفترة تم تدشين العمل لصنع الطائرة المقاتلة – قاذفة القنابل المعروفة باسم كفير، وكذلك صنع الدبابة مركافا. وشهد عقد السبعينيات توسعاً كبيراً في الصناعة الحربية، فبينما كان حجم مبيعات شركة الصناعات الجوية الإسرائيلية يبلغ 40 مليون دولار سنة 1968 أصبح 190 مليون دولار سنة 1973.
المرحلة الثالثة: تلت هذه المرحلة حرب 1973، إذ جرى تغير نوعي في صناعة الأسلحة. فبعد أن كانت صناعة تهتم بشكل رئيسي بتوفير الأسلحة للجيش الإسرائيلي، أصبحت بعد الحرب صناعة رئيسية تساهم مساهمة أساسية في حجم الصادرات الإسرائيلية. وتمكنت الصناعة الحربية الإسرائيلية من تحقيق هذه القفزة النوعية بواسطة المساعدات الأميركية الهائلة التي مكنتها من تخصيص موارد اقتصادية كبيرة للإنتاج الحربي، ومن الحصول على آخر تطورات التكنولوجيا الأميركية. كما أن سماح الولايات المتحدة لإسرائيل ببيع السلاح للجيش الأميركي، فتح أمامها أبواب التصدير إلى السوق الأميركية في البداية، وإلى أسواق دول حلف الناتو بعد ذلك.
وفي أواخر التسعينيات، احتلت صناعة الأسلحة مركزاً رئيسياً في تركيبة الاقتصاد الإسرائيلي، وأدت دوراً محورياً في رسم السياسات الإسرائيلية، سواء على صعيد التوجهات الاستراتيجية العسكرية، أو التوجهات الاقتصادية والعلاقات الدولية. ودعمت هذه الصناعة ترسانة عسكرية هائلة قُدّر أنها تحوي ما بين 100 و200 رأس نووي، والطائرات المقاتلة أف 15 وأف 16 وأف 35 المؤهلة لحمل رؤوس نووية استراتيجية صغيرة قادرة على ضرب أي منطقة في الشرق الأوسط. كما أنها صنّعت طائرات كفير المقاتلة، وأدخلت تعديلات مهمة على طائرات أف 16، وكذلك كل أنواع الصواريخ الحربية، أي صواريخ أرض – أرض، وأرض – جو، وجو – جو، وبحر – جو، وتمكنت من تصنيع صاروخ حيتز (سهم) الذي يعترض الصواريخ المهاجمة ويحطمها.
وتصنّع إسرائيل أيضاً كل أنواع الأجهزة الإلكترونية العسكرية، وأجهزة التشويش، وأنظمة توجيه الصواريخ، وأجهزة الرؤية الليلية، وأجهزة تكنولوجيا الليزر، وأجهزة سلامة النيران في الدبابات والطائرات. ومن أهم إنجازات صناعة الأسلحة الإسرائيلية، دبابة مركافا التي اكتسبت شهرة كبيرة.47 وبالإضافة إلى ما تقدم، فإن إسرائيل أيضاً تصنّع قوارب بحرية حربية سريعة تسمى رِشِف (Reshef) تحمل صواريخ غبريئيل (بحر – بحر) في مقدمها، أو صواريخ هاربون (Harpoon) في وسطها. كما تقوم بصنع أجهزة لاكتشاف الغواصات البحرية.
لا توجد أرقام موثوق بها عن حجم الصادرات الحربية الإسرائيلية. فهناك إجماع بين المراقبين والمعلقين على أن الأرقام الرسمية الإسرائيلية غير صحيحة، وهناك اعتقاد أنها أقل من الأرقام الحقيقية بنحو 25%.48 ويشير أكثر التقديرات إلى أن حجم الصادرات الحربية كان في نهاية الستينيات لا يزيد على 15–30 مليون دولار سنوياً، وأنه ارتفع بعد ذلك بمعدل 25% تقريباً في السنة ليصل إلى أكثر من مليار دولار في أواسط عقد الثمانينيات، وإلى نحو 2 مليار دولار في أواخره، ثم وصل في التسعينيات إلى ما يقارب 3 مليارات دولار، وأصبح يشكل نحو 20% من مجموع الصادرات الإسرائيلية (ماعدا الألماس). وتقوم إسرائيل بتصدير الأسلحة بشكل رئيسي إلى الولايات المتحدة الأميركية ودول أوروبا الغربية، كسويسرا وألمانيا وبلجيكا وهولندا، وإلى كثير من البلاد الأفريقية. وفي أواخر التسعينيات، أصبحت الصين من الأسواق المهمة التي تستورد الأسلحة من إسرائيل. كذلك تشكل تركيا سوقاً مهمة، وخصوصاً بعد أن تم توقيع اتفاق التعاون العسكري بين البلدين في شباط/فبراير 1996، وبعد أن بدأت إسرائيل تقوم بعمليات تحديث دبابات أم 60 الأميركية التي يستعملها الجيش التركي. وفي أواخر القرن العشرين أخذت الهند تستورد من إسرائيل بعض أنظمة السلاح المتطورة، وقد تضاعف حجم استيرادها من الأسلحة الإسرائيلية بشكل متسارع حتى أصبحت في نهاية العقد الثاني من القرن الحادي والعشرين أكبر مستورد لها. وبلغ حجم استيرادها في سنة 2018 نصف صادرات إسرائيل تقريباً من الأسلحة (49%). وفي السنة نفسها احتلت إسرائيل المرتبة السابعة في العالم كمصدر للأسلحة.49
8) توزيع الدخل القومي والفساد
من الطبيعي أن يرافق التغيير الكبير الذي حدث في الاقتصاد السياسي للمجتمع الإسرائيلي – الانتقال من نظام الديمقراطية الاشتراكية إلى النظام الرأسمالي – تغير مهم في توزيع الدخل القومي لمصلحة رأس المال. وكان هذا التغيير في إسرائيل كبيراً وشاملاً بحكم أنه جرى في مناخ حركة العولمة المنحازة أصلاً إلى مصلحة رأس المال. وتدل المؤشرات كلها على أن الفئات الغنية في المجتمع الإسرائيلي حققت نمواً متسارعاً في دخلها على حساب الفئات الفقيرة. ويمكن رصد ثلاثة تطورات عملت على إحداث هذا التغيير في توزيع الدخل القومي:
أولاً: التغيير في السياسة الضرائبية الذي عمل على خفض نسبة الضرائب على أرباح الشركات. ففي سنة 1986 كانت هذه النسبة تساوي 61% وأصبحت بعد الإصلاح الاقتصادي تساوي 32% فقط.
ثانياً: الانحسار الكبير الذي حدث لنفوذ الهستدروت الاقتصادي والسياسي، والذي أثر سلباً في قدرتها على التفاوض مع أرباب العمل من أجل رفع أجور العمال. ومن ناحية أُخرى، وضعت الدولة حداً للحماية الآلية من ارتفاع الأسعار، والتي كانت يتمتع بها العمال وذوو الدخل المحدود.
ثالثاً: التقليص الكبير فيما يتعلق بمصاريف الحماية الاجتماعية، وخصوصاً المساعدات المقدمة لكبار السن والأطفال والعاطلين عن العمل والنساء المسؤولات عن عائلاتهن.
نتيجة هذه التغييرات، انخفض الوزن النسبي لدخل الفئات الفقيرة وارتفع وزن دخل الفئات الغنية. ففي سنة 1990 كان دخل أغنى 10% من السكان يساوي 25% من الدخل القومي، وارتفع في سنة 2002 فأصبح 30%. ومن ناحية أُخرى، بينما كان معامل جيني بالنسبة إلى إسرائيل يساوي 36,7% في سنة 1965، أصبح 43,4% في سنة 2015.50
وعلى مستوى آخر، فإن استمرار إسرائيل في القمع الإنساني والاستغلال الاقتصادي للشعب الفلسطيني في مناخ التخلي عن نظام الديمقراطية الاشتراكية، وما رافقه من انحسار مفاهيم التضامن والتعاون المجتمعي، وسيادة مفاهيم الرأسمالية في التنافس، وأولوية المصلحة الفردية، والانفتاح على الأسواق العالمية، وثقافة الشركات متعددة الجنسية، أمور كلها أشاعت جواً من الفساد في مؤسسات القطاع العام، وفي ممارسات رجال الأعمال في القطاع الخاص. فبينما كان الشعور العام في العقود الثلاثة الأولى من عمر الدولة بأن الفساد في إسرائيل، كدولة ومجتمع، هو حالات فردية استثنائية نادرة، وبأن تصرفات الأغلبية من موظفي الدولة ومن رجال الأعمال هي تصرفات نظيفة وشفافة تصدر عن ثقافة الرواد المثالية، نجد أن الشعور العام في العقدين الماضيين انقلب كلياً وأصبح يشك في تصرفات كل مَنْ في يده قوة، سواء في الحكومة، أو في الشركات الكبيرة. ويعكس هذا الشعور واقعاً موضوعياً، إذ إن أخبار فضائح استغلال السلطة أصبحت أخباراً عادية تغطي صفحات الجرائد يومياً.
فعلى سبيل المثال لا الحصر، حقق المدعي العام مع رئيس الدولة، ورئيس الحكومة، ووزير العدل، في سنة 2006، في تهم فضائح جنسية ومالية. ويشير الجدول 19 إلى أن إسرائيل تحتل المركز الرابع والثلاثين بين 180 دولة في مقياس تفشي الفساد الذي تعده مؤسسة الشفافية العالمية. ويعني هذا أن ترتيب إسرائيل يأتي بعد الدول الصناعية الغنية وبعد بعض دول العالم الثالث. وفي هذا المجال تجدر الإشارة إلى أن النظام السياسي في إسرائيل يتمتع بفصل حقيقي للسلطات، إذ يتمتع القضاء باستقلال كامل يسمح بملاحقة الفاسدين ومحاكمتهم حتى لو كانوا في مراكز حكومية رفيعة المستوى.
الجدول (19)
قياس نظرة المواطنين إلى ظاهرة انتشار الفساد
في القطاع العام (بين 180 دولة)
البلد |
النقاط* |
الترتيب** |
|
2015 |
2018 |
||
الدانمارك |
91 |
88 |
1 |
بريطانيا |
81 |
80 |
11 |
اليابان |
75 |
73 |
18 |
الولايات المتحدة |
76 |
71 |
22 |
إسرائيل |
61 |
61 |
34 |
الأردن |
53 |
51 |
58 |
مصر |
32 |
35 |
106 |
* يتراوح المقياس بين مئة وصفر، ويشير الصفر إلى أعلى درجة من الفساد، والمئة إلى عدم وجود فساد.
** الترتيب هو لسنة 2018.
المصدر:
Corruption Perception Index, Transparency International, Annual Report, 2019.
الجدول (20)
تعاظم درجة سوء توزيع الدخل القومي في إسرائيل
(1965–2015)
السنة |
مؤشر جيني* |
1965 |
36,7 |
1975 |
37,9 |
1985 |
41,7 |
1995 |
42,3 |
2005 |
44,3 |
2015 |
43,4 |
* مؤشر جيني (Gini) يتراوح بين صفر وواحد، ويشير الصفر إلى المساواة التامة، بمعنى عدم وجود فرق في الدخل الفردي. ويشير الواحد إلى عدم المساواة التامة، أي أن فرداً واحداً يحوز الدخل القومي كله.
المصدر:
University of Texas Inequality Project (2019).
الجدول (21)
حصة أفقر 20٪
من السكان من الدخل القومي (2005–2016)
البلد |
الحصة |
الدانمارك |
9,4 |
السويد |
8,2 |
اليابان |
7,4 |
بريطانيا |
7,5 |
الولايات المتحدة |
5,0 |
إسرائيل |
4,7 |
المصدر:
World Bank, op. cit., 2018.
أولاً: باللغة العربية
الخالدي، وليد. «بناء الدولة اليهودية، 1897–1948: الأداة العسكرية»، «مجلة الدراسات الفلسطينية»، العدد 39 (صيف 1999).
خدوري، وليد (محرر). «بترول شرق المتوسط: الأبعاد الجيوسياسية». بيروت: مؤسسة الدراسات الفلسطينية، 2015.
_________. «آفاق بترول شرق المتوسط». بيروت: مؤسسة الدراسات الفلسطينية، 2017.
صايغ، يوسف عبد الله. «الاقتصاد الإسرائيلي». بيروت: مركز الأبحاث، منظمة التحرير الفلسطينية، 1966.
قبرصي، عاطف. «الآثار الاقتصادية لكامب ديفيد». بيروت: مؤسسة الدراسات الفلسطينية، 1982.
النقيب، فضل ومفيد قسوم. «الاقتصاد السياسي لصناعة التقنية العالية في إسرائيل». بيروت: مؤسسة الدراسات الفلسطينية، 2015.
هيكل، محمد حسنين. «العروش والجيوش (1): كذلك انفجر الصراع في فلسطين (1948–1998)، قراءة في يوميات الحرب». القاهرة: دار الشروق، 1999.
_______. «العروش والجيوش (2): أزمة العروش وصدمة الجيوش، قراءة متصلة في يوميات الحرب (فلسطين 1948)». القاهرة: دار الشروق، 2000.
ثانياً: باللغة الإنكليزية
Aharoni, Yair. The Israeli Economy: Dreams and Realities. London: Routledge, 1991.
Bank of Israel. Annual Report, 2018.
Charif, Hasan. «The Impact of the Peace Process on the Electronic Industries in the Region.» In Proceedings of the Expert Group Meeting on the Impact of the Peace Process on Selected Sectors. E/Escwa/ID/1998/1.
Corruption Perception Index. Transparency International, Annual Report, 2019.
Farsoun, Samih with Christina E. Zacharia. Palestine and the Palestinians. New York: West View Press, 1997.
Fischer, Stanley et al, eds. Securing Peace in the Middle East: Project on Economic Transition. Cambridge, Massachusetts: MIT Press,1994.
Gatt. Trade Policy Review – Israel 1994. General Agreement on Tariffs and Trade. Geneva, February 1995.
Hadawi, Sami. Bitter Harvest: Palestine between 1914–1979. New York: The Caravan Books, 1979.
–––––––––and Atif Kubursi. Palestinians Rights and Losses in 1948: A Comprehensive Study. London: Saqi Books, 1988.
Halvi, N. «International Trade.» A Paper Presented to the Conference on Sustaining Middle East Peace Through Regional Cooperation, 1994.
Hamed, O. and R. Shaban. «One-Sided Customs and Monetary Union: The Case of the West Bank and Gaza Strip under Israeli Occupation.» In The Economics of Middle East Peace. Edited by Stanley Fischer, D. Rodrik and E. Tuma. Cambridge, Massachusetts: MIT Press, 1993.
Israel Central Bureau of Statistics (ICBS). Statistical Abstract of Israel. 1997; 1998; 1999; 2006.
Kanaan, Taher. «The Aqaba Special Economic Zone: Economic Rationale and Conditions for Success.» Arab Bank Review, vol. 2, no. 2 (October 2000).
Khouri, Rami. «Free Zone (QIZs) in Jordan.» Arab Bank Review, vol. 2, no. 2 (October 2000).
Kimmerling, Baruch. Zionism and Economy. Cambridge, Massachusetts: Schenkman Publishing Company, 1983a.
– ––––––––. Zionism and Territory: The Socio – Territorial Dimensions of Zionist Politics. Berkeley: Institute of International Studies, University of California, Research Series no. 51, 1983b.
Lewis, Frank. «Agriculture Property and the 1948 Palestinian Refugees: Assessing the Losses.» Explorations in Economic History, vol. 33 (1996).
Metzer, Jacob. The Divided Economy of Mandatory Palestine. Cambridge: Cambridge University Press, 1998.
Murphy, Emma. «The Arab–Israeli Peace Process: Can the Region Benefit from the Economics of Globalization?» In Economic and Political Impediments to Middle East Peace. Edited by J. W. Wright and Laura Drake. New York: ST. Martin’s Press, Inc., 2000.
Naqib, Fadle «The Political Economy of Liberalization and Privatization in the Israeli Economy.» In Proceedings of the Expert Group Meeting on the Impact of the Peace Process on Selected Sectors. E/ESCWA/ID/1998/1.
Peled, Yoav. «Profits or Glory.» New Left Review, no. 29 (September/October 2004).
Rahman, Omar. «What’s Behind the Relationship between Israel and the Arab Gulf States» Brookings Institute, January 28, 2019.
Reiser, Stewart. The Israeli Arms Industry: Foreign Policy, Arms, Transfers, and Military Doctrine of a Small State. New York: Holmes & Meier, 1989.
Sachar, Howard. A History of Israel: From the Rise of Zionism to Our Time. New York: Alfred A. Knopf, 1982.
Shafir, Gershon. Land, Labor and the Origins of the Israeli–Palestinian Conflict, 1882–1914. Cambridge: Cambridge University Press, 1989.
Sharkansky, Ira. The Political Economy of Israel. New Brunswick, New Jersey: Transaction Books, 1987.
Shalev, Michael. Labor and the Political Economy of Israel. Oxford: Oxford University Press, 1992.
United Nations. UN Document A/AC.25/W.81/Rev.2, Annex 5, dated 2 October 1961.
Village Statistics, 1945: A Classification of Land and Area Ownership in Palestine. With Explanatory Notes by Sami Hadawi. Beirut: Research Center, Palestine Liberation Organization, 1970.
The World Bank, World Development Indicators, 2018; 2019.
World Trade Organization. Trade Policy Review – Israel, WTO/TPR/58, 1999; WTO/TPR/S/157/Rev.1, 2006.
Zureik, Elia. The Palestinians is Israel: A Study in Internal Colonialism. London: Routledge & Kegan Paul, 1979.
1 انظر: OECD, Israel (2018)
2 Baruch Kimmerling, Zionism and Economy (Cambridge, Massachusetts: Schenkman Publishing Company, 1983a), p.11.
3 كان دافيد بن – غوريون، أول رئيس حكومة لإسرائيل، في عداد موجة الهجرة الثانية إلى فلسطين، وقد كتب في يومياته فيما بعد: «إن نصف المهاجرين ألقى نظرة واحدة على الوضع، ثم عاد إلى أوروبا بالسفينة نفسها.» ويعلق مؤرخ يهودي على ذلك بقوله: «إن 80٪ وليس 50٪ من المهاجرين الذين قدموا في تلك الموجة (الثانية) غادروا فلسطين بعد فترة قصيرة من وصولهم إليها.» انظر:
Howard Sachar, A History of Israel: From the Rise of Zionism to Our Time (New York: Alfred A. Knopf, 1982), p. 73.
4 Gershon Shafir, Land, Labor and the Origins of the Israeli–Palestinian Conflict, 1882– 1914 (Cambridge: Cambridge University Press, 1989).
5 Elia Zureik, The Palestinians in Israel: A Study in Internal Colonialism (London: Routledge & Kegan Paul, 1979).
6 Samih Farsoun with Christina E. Zacharia, Palestine and the Palestinians (New York: West View Press, 1997), p.3.
في فترة الانتداب البريطاني ارتفعت أصوات بعض الساسة البريطانيين المحافظين منددة بالسياسة الاقتصادية للحكومة البريطانية المحابية للاقتصاد اليهودي على حساب مصالح بريطانيا الاستعمارية.
7 لمزيد من التفصيلات عن موضوع الأرض خلال فترة الانتداب البريطاني، انظر:
Sami Hadawi, Bitter Harvest: Palestine between 1914–1979 (New York: The Caravan Books, 1979), chap. 3; Zureik, op. cit., chap. 3.
8 انظر:
Farsoun with Zacharia, op. cit., chap. 3.
9 انظر:
Ibid., chap.3.
10 للاطلاع على أوضاع الجيوش العربية التي حاربت في فلسطين سنة 1948، انظر: محمد حسنين هيكل، «العروش والجيوش: كذلك انفجر الصراع في فلسطين (1948 – 1998)، قراءة في يوميات الحرب» (القاهرة: دار الشروق، 1999)، الجزء الأول.
11 عند نهاية الانتداب البريطاني سنة 1947، كان اليهود يشكلون 31٪ من سكان فلسطين ويتملكون 6.6٪ من أرضها. وفي 29 تشرين الثاني/ نوفمبر 1947 صوتت الأمم المتحدة على قرار التقسيم والذي بموجبه تُقسم فلسطين إلى دولتين، واحدة يهودية على مساحة 55٪ من أرض فلسطين، وأُخرى عربية على مساحة 45٪ من أرض فلسطين، أي أن ثلث السكان مُنحوا أغلبية الأرض. انظر:
Farsoun with Zacharia, op. cit., chap. 4.
12 انظر:
Ira Sharkansky, The Political Economy of Israel (New Brunswick, New Jersey: Transaction Books, 1987), chap. 3.
إن تقدير المساعدات بنسبة تتراوح بين 8٪ و25٪ لا يشمل ما استولت عليه إسرائيل من أملاك العرب وأراضيهم سنة 1948، ولا يشمل كذلك الموارد الاقتصادية التي حصلت عليها منذ حرب 1967 نتيجة احتلال الضفة الغربية وقطاع غزة. وليس هناك تقدير دقيق لمجمل خسائر عرب فلسطين سنة 1948، لكن ثمة تقديرات جزئية، منها تقديرات الأمم المتحدة لسنة 1951.
United Nations. UN Document A/AC.25/W.81/Rev.2, Annex 5, dated 2 October 1961;
يوسف عبدالله صايغ، «الاقتصاد الإسرائيلي» (بيروت: مركز الأبحاث، منظمة التحرير الفلسطينية، 1966)، الفصل الثالث؛ عاطف قبرصي، «الآثار الاقتصادية لكامب ديفيد» (بيروت: مؤسسة الدراسات الفلسطينية، 1982)؛
Village Statistics, 1945: A Classification of Land and Area Ownership in Palestine, With Explanatory Notes by Sami Hadawi (Beirut: Research Center, Palestine Liberation Organization, 1970);
وتقديرات لعاطف قبرصي (قبرصي 1982)، وتقديرات سامي هداوي (1970).
وفي سنة 1996 أجرى الاقتصادي الكندي فرانك لويس من جامعة كوينز تقديراً عن خسائر عرب فلسطين سنة 1948 بالنسبة إلى الأراضي الزراعية فقط، جاء فيه أن الخسائر تتراوح ما بين 2,2 إلى 2,6 مليار دولار بأسعار سنة 1930.
Frank Lewis, «Agriculture Property and the 1948 Palestinian Refugees: Assessing the Losses,» Explorations in Economic History, vol. 33 (1996).
أمّا بالنسبة إلى تقدير الموارد الاقتصادية التي حصلت عليها إسرائيل نتيجة احتلالها الضفة الغربية وقطاع غزة، فإنها تقدر بما بين نصف وثلاثة أرباع مليار دولار سنوياً في بداية التسعينيات.
O. Hamed and R. Shaban, «One-Sided Customs and Monetary Union: The Case of the West Bank and Gaza Strip under Israeli Occupation,» in The Economics of Middle East Peace, edited by Stanley Fischer, D. Rodrik and E. Tuma (Cambridge, Massachusetts: MIT Press, 1993).
13 تعمل الموارد الخارجية على سد الفجوة ما بين حجم الإنفاق الكلي والناتج الكلي (استهلاك خاص وعام + استثمار خاص وعام – الناتج المحلي الإجمالي)، ولقد حسبت هذه الفجوة في الجدول 4 كنسبة من الناتج المحلي الإجمالي.
14 Michael Shalev, Labor and the Political Economy of Israel (Oxford: Oxford University Press, 1992), p. 295.
15 في 10 أيلول/سبتمبر 1952 وقّعت حكومة إسرائيل مع حكومة ألمانيا الغربية اتفاقية تقوم الأخيرة بموجبها بدفع تعويضات عن جرائم الحرب التي ارتكبتها ألمانيا النازية ضد اليهود. قسم من هذه التعويضات تدفعها ألمانيا للحكومة الإسرائيلية (وصل في الفترة 1953 – 1964 مبلغ 850 مليون دولار)، والقسم الثاني منها شخصي تدفعه ألمانيا لأشخاص كانوا يقيمون بها، ثم هاجروا إلى إسرائيل ( ما زالت تدفع سنوياً لهؤلاء الأشخاص وذويهم حتى الآن. وعلى سبيل المثال، بلغت قيمة التعويضات في السنوات 1983 – 1989 مليارين و847 مليون دولار). انظر:
Yair Aharoni, The Israeli Economy: Dreams and Realities (London: Routledge, 1991), p. 279.
16 Ibid.
17 عندما استفحلت الأزمة الاقتصادية وباتت تهدد النظام المالي الإسرائيلي بالانهيار، عمد وزير الخارجية الأميركي، جورج شولتس، إلى تأليف لجنة من الخبراء الاقتصاديين لمتابعة تطورات الأزمة وتقديم التقارير له، وسُميت اللجنة باسم مجموعة التنمية الاقتصادية المشتركة (Joint Economic Development Group /JEDG)، وعهد برئاستها إلى أستاذ الاقتصاد المعروف في جامعة معهد ماستشوستس للتكنولوجيا ستانلي فيشر. ومن الجدير بالذكر أن فيشر هو الذي عُهد إليه فيما بعد برئاسة اجتماعات الاقتصاديين الإسرائيليين والفلسطينيين والأردنيين التي عُقدت في جامعة هارفرد من أجل وضع تصور للتعاون الاقتصادي بين الأطراف الثلاثة، وأصدرت بعد ذلك تقريراً أصبح يعرف باسم تقرير هارفرد. انظر:
Stanley Fischer et al, eds., Securing Peace in the Middle East: Project on Economic Transition (Cambridge, Massachusetts: MIT Press,1994).
18 تستخدم الأولى التكنولوجيا بشكل مكثف، والثانية بشكل متوسط، أمّا الأخيرة، فتستخدمها بشكل محدود.
19 شهدت سنة 1983 أزمة في القطاع المصرفي الإسرائيلي تدخلت في إثرها الحكومة ودفعت مليارات الدولارات لإنقاذ المصارف، وأخذت توجه نشاطها بعد ذلك.
20 لا تعطي قوانين المصارف الإسرائيلية حامل الأسهم قوة تصويت متلائمة مع عدد أسهمه. فمن يملك أغلبية الأسهم لا يملك معظم الأصوات عند اتخاذ قرارات تحتاج إلى تصويت، إذ إن معظم الأصوات يحتفظ بها القانون لحاملي الأسهم المؤسسة (Founding Shares). فعلى سبيل المثال، إن صندوق الائتمان اليهودي للاستعمارi(Jewish Colonial Trust) هو مؤسس بنك لئومي، ومع أنه كان لا يملك في أواسط التسعينيات، أكثر من 2٪ من الأسهم، إلاّ إن له الحق في 75٪ من أسهم التصويت.
21 من المعتاد أن يبلغ مجموع الاستيراد والتصدير نحو 75٪ من الناتج المحلي الإجمالي.
22 من الجدير بالذكر أن تلك الاتفاقية التي وُقِّعت سنة 1985 كانت الأولى من نوعها بالنسبة إلى الولايات المتحدة، وسبقت عقد اتفاقية مماثلة بين الولايات المتحدة وجارتها كندا.
23 وهو حق الدولة في منع بيع سلع أجنبية في أسواقها إذا كانت تباع بأسعار أقل من تكلفتها.
24 انظر:
World Trade Organization, Trade Policy Review: Israel (2018).
25 كُلف البنك الدولي القيام بتلك المهمة.
26 انظر:
Fischer et al, op. cit.
27 تقرير مكتب المنسق الخاص للأمم المتحدة في الأراضي المحتلة في غزة، 25 تشرين الأول/ أكتوبر 1999.
28 N. Halvi, «International Trade,» A Paper Presented to the Conference on Sustaining Middle East Peace Through Regional Cooperation, 1994.
29 انظر:
Emma Murphy, «The Arab–Israeli Peace Process: Can the Region Benefit from the Economics of Globalization?» in Economic and Political Impediments to Middle East Peace: Critical Questions and Alternative Scenarios, edited by J. W. Wright and laura Drake (New York: ST. Martin’s Press Inc., 2000).
30 المؤسسة هي مؤسسة الولايات المتحدة للمساعدة (USAID).
31 «يديعوت أحرونوت»، 14 آب/أغسطس 2002.
32 إن اهتمام إسرائيل بإقامة مشاريع مشتركة في قطاع صناعة الثياب مع الأردن يعود إلى ما أوردناه في بداية هذا الفصل عن تطور الصناعة الإسرائيلية في اتجاه الصناعات ذات التكنولوجيا العالية، فلقد قاد هذا التطور إلى عزوف العامل الإسرائيلي عن العمل في الصناعات التقليدية كصناعة الثياب، وإن عمل فيها، فإنه يطلب أجراً عالياً يؤدي إلى زيادة تكلفة الإنتاج وخسارة إسرائيل المنافسة في الأسواق العالمية. ولهذا، فهي بحاجة إلى اليد العاملة الأردنية الرخيصة كي تستعيد قدرتها على المنافسة في صناعة الثياب.
33 انظر: المصدر نفسه.
34 هو الذي أعلن مبادرة السعودية إلى السلام، التي أصبحت المبادرة العربية للسلام بعد أن تبنّتها جامعة الدول العربية في قمة بيروت لسنة 2002.
35 انظر:
Becca Wasser, «Israel and the Gulf States,» The International Institute for Strategic Studies/IISS, 22 August 2013.
36 ورد في إحدى البرقيات التي كشفتها ويكيليكس، أن السفير الأميركي في البحرين وليم مونرو أرسل إلى وزارة الخارجية الأميركية برقية في 15 شباط/فبراير 2005 يقول فيها إن ملك البحرين حمد بن عيسى آل خليفة أعلمه بأن جهاز الاستخبارات في البحرين ينسق مع جهاز الموساد الإسرائيلي، وبأن الملك أعطى تعليماته لوزير الإعلام في البحرين بمنع استعمال تعبيري «العدو الإسرائيلي» و«الكيان الصهيوني». انظر:
Haaretz, 8 April 2011.
37 انظر:
Yoel Guzansky, «Israel’s Relations with the Gulf States: Between Iran and the Arab Spring,» Originally Published in French in politique étrangère, vol. 77, no. 4 (Winter 2012). Quoted here from its English translation.
38 وصلت هذه العلاقات مؤخراً إلى إعلان التطبيع الشامل وتبادل السفارات بين إسرائيل ودولة الإمارات العربية المتحدة. ويتم الحديث عن خطوات مشابهة مع دول خليجية أُخرى برعاية أميركية مباشرة ضمن ما يسمى صفقة القرن. لقد أُعد هذا الفصل قبل التطورات الأخيرة، لكن التحليل الوارد فيه لنمط العلاقات الإسرائيلية – الخليجية يستشرف ذلك [المحرر].
Omar Rahman, «What’s Behind the Relationship between Israel and Arab Gulf States?» Brookings Institute, January, 28, 2019.
39 لمزيد من المعلومات، راجع: وليد خدوري (محرر)، «بترول شرق المتوسط: الأبعاد الجيوسياسية» (بيروت: مؤسسة الدراسات الفلسطينية، 2015)؛ وليد خدوري (محرر)، «آفاق بترول شرق المتوسط» (بيروت: مؤسسة الدراسات الفلسطينية، 2017).
40 في سنة 1997 كان متوسط ما تنفقه البلاد الفقيرة على التعليم والصحة هو 3,3٪ و3,1٪ من الناتج المحلي الإجمالي، ومتوسط ما تنفقه البلاد المتوسطة 8,4٪ و1,3٪، والبلاد الغنية 4,5٪ و2,6٪. وفي السنة نفسها كانت إسرائيل تنفق: 6,7٪ و7٪، أي أن التزام إسرائيل أولوية الصحة والتعليم لا يزيد على التزام حكومات البلاد النامية فقط، لكنه أيضاً في مقدمة البلاد الصناعية المتقدمة، ومن المعروف أن معدل نمو الإنفاق على التعليم والصحة في إسرائيل كان دوماً يزيد على معدل نمو الدخل القومي.
41 لمزيد من المعلومات عن صناعة التقنية العالية في إسرائيل، انظر:
فضل النقيب ومفيد قسوم، «الاقتصاد السياسي لصناعة التقنية العالية في إسرائيل» (بيروت: مؤسسة الدراسات الفلسطينية، 2015).
42 انظر:
World Trade Organization, Trade Policy Review: Israel, Table 1,1, 2018.
43 انظر:
44 مدينة الألعاب والترفيه الأميركية المشهورة.
45 Philip Giraldi, «Homeland Security Made in Israel,» Global Research, 24 August 2013.
46 للاطلاع على نشأة المؤسسة العسكرية اليهودية في فلسطين، انظر: وليد الخالدي، «بناء الدولة اليهودية، 1897–1948: الأداة العسكرية، «مجلة الدراسات الفلسطينية»، العدد 39 (صيف 1999)، ص 65–103.
47 تستعمل إسرائيل الآن الجيل الثالث من دبابة مركافا، وهي متطورة جداً. وكانت إسرائيل تدعي أن هذه الدبابة لا تحطّم، إلاّ إن المقاومة الفلسطينية، في السنة الثانية لانتفاضة الأقصى (شتاء 2002)، تمكنت مرتين من تحطيم الدبابة وقتل الجنود فيها عن طريق زرع لغم أرضي. وفي حرب صيف سنة 2006 على لبنان، تمكنت المقاومة اللبنانية بقيادة حزب الله من تدمير أكثر من 50 دبابة من مجموع 400 مركافا شاركت في الهجوم الإسرائيلي. وتحدثت تقارير صحافية بعد ذلك عن قيام بعض الدول بإلغاء عقودها الموقعة مع إسرائيل لشراء الدبابة. وبعد ذلك أعلنت إسرائيل أن إنتاج الدبابة سيتوقف خلال أربعة أعوام.
48 Stewart Reiser, The Israeli Arms Industry: Foreign Policy, Arms Transfers, and Military Doctrine of a Small State (New York: Holmes & Meier, 1989).
49 انظر: «يديعوت أحرونوت»، 3 آذار/ مارس 2018.
50 مؤشر جيني (Gini) يُستعمل لقياس درجة عدالة توزيع الدخل القومي، وهو يتراوح بين الصفر والواحد. الصفر يشير إلى المساواة التامة في توزيع الدخل، والواحد يشير إلى عدم المساواة المطلقة، أي أن مواطناً واحداً يملك كل الدخل القومي.