لطالما كان مخيم البداوي الواقع شمالي لبنان ساحة لتفاعل الأحداث التي شهدتها الساحتان اللبنانية والفلسطينية، وموقعاً لاستقطاب الحركة السياسية والشعبية للاجئين الفلسطينيين، ومركزاً لأغلبية قيادات الفصائل والتنظيمات الفلسطينية في الشمال.
يعود اسم المخيم إلى "قرية البداوي" التابعة لقضاء طرابلس، ووضع أول حجر أساس له، في سنة 1957، على هضبة قريبة من مدينة طرابلس. وكانت ملكية الأرض التي أقيم عليها تعود إلى القطاع الخاص اللبناني، وقد استأجرتها من مالكيه وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين في الشرق الأدنى (الأونروا)، التي أشرفت على إنشائه، وبلغت مساحته عند إنشائه قرابة كيلومتر واحد. وهو يُعد من المخيمات المنظمة بين المخيمات الفلسطينية في لبنان، إذ يمتاز بنظام طرق وبنى تحتية وخدمات أفضل من غيره.
بيد أن التطور الديموغرافي الذي شهده أدى إلى تغيير معالم هذا المخيم الشديد التنظيم، إذ توسع العمران أفقياً وعمودياً وسادت فوضى البناء كثيراً. ومع ذلك، ظلت شوارعه الداخلية واسعة مقارنة بشوارع وأزقة مخيمات أخرى للاجئين الفلسطينيين. وبحسب التعداد العام للسكان والمساكن في المخيمات والتجمعات الفلسطينية في لبنان، الذي أشرفت عليه لجنة الحوار اللبناني- الفلسطيني سنة 2017، بلغ عدد سكان المخيم 9740 لاجئاً فلسطينياً من الكتلة التأسيسية للمخيم، في مقابل 1367 من اللاجئين الفلسطينيين من سوريا، و6193 سورياً جاؤوا إلى المخيم هرباً من الحرب التي اندلعت في سوريا بعد سنة 2011، و630 لبنانياً و65 من جنسيات مختلفة، فضلاً عن عائلات نزحت من مخيم نهر البارد بعد أحداث سنة 2007 التي أدت الى تدمير كامل لذلك المخيم ولجوء أغلبية سكانه إلى مخيم البداوي، قبل أن يعود قسم منهم إلى مخيمهم بعد إنجاز عملية بناء تدريجي وجزئي للمخيم.
التوزع السكاني
يذكر الصحافي عمر إبراهيم في تقرير بعنوان "البداوي: سجن كبير للبطالة... وحيوية سياسية لافتة" "المخيمات الفلسطينية...حالة إنسانية أم عسكرية؟"، (المركز العربي للمعلومات، بيروت، آذار/مارس 2007)، أن سكان المخيم لجأوا إليه من قرى الجليل، مثل صفورية وسعسع، ومن مدينتَي عكا، ويافا، ومعظمهم من لاجئي سنة 1948، مع وجود عدد ضئيل من لاجئي سنة 1950، ومن الفلسطينيين الذين اضطروا بعد اندلاع الحرب الأهلية اللبنانية في سنة 1975، والاجتياح الاسرائيلي في سنة 1982، إلى ترك مخيماتهم في بيروت والجنوب، والنزوح في اتجاه الشمال الأكثر أمناً واستقراراً ولو بشكل نسبي، الأمر الذي زاد الازدحام في مساحة المخيم المتواضعة، وأضاف الى واقع المخيم أعباء اقتصادية واجتماعية كبيرة لاستيعاب الوافدين إليه.
وكانت بعض العائلات الفلسطينية التي لجأت من فلسطين إلى لبنان بعد نكبة 1948، قد أقامت بصورة مؤقتة، قبل تأسيس المخيم، في مدينة الميناء في طرابلس المجاورة للموقع الذي أقيم عليه المخيم، ثم نُقلت إلى المخيم عند إنشائه، ومن بين تلك العائلات: عائلة أبو وائل عبد الوهاب الذي يشير إلى أنه جرى ترحيلهم من مدينة الميناء إلى المخيم في سنة 1958، ويضيف أن من العائلات الأولى التي سكنت المخيم عائلات: سويدان، وقشقوش، وفضة.
تقسيمات المخيم وحاراته
ينقسم مخيم البداوي إلى قطاعات أ، ب، ج، وما يعرف بالمخيم القديم والمخيم الجديد، وحاراته هي: شفاعمرو، وحي السوق، وشارع أبو الفوز، تل الزعتر.
أما حي تل الزعتر الذي يسمى بحي " المهجرين" فيسكنه نازحون من مخيم تل الزعتر، الذي تم تدميره وارتكاب مجزرة فيه خلال الحرب الأهلية اللبنانية في تموز/يوليو 1976، ومن عدة مخيمات ومدن لبنانية لجأوا إلى المخيم أثناء الحروب والأحداث الأمنية التي شهدها لبنان بين سنوات 1975 و1982. وأقد أُنشئ هذا الحي بعد قيام منظمة التحرير الفلسطينية بشراء قطعة أرض بجوار المخيم القديم، بنت عليها وحدات سكنية لإسكان مهجري تل الزعتر، وأصبحت هذه البقعة تُعرف منذ حينه بـ "حي تل الزعتر".
حي تل الزعتر في مخيم البداوي
البنية السياسية
تتواجد مكاتب معظم الفصائل الفلسطينية في المخيم، وفيه لجنة شعبية واحدة، بخلاف باقي المخيمات المنقسمة بين لجنتين: واحدة تابعة لمنظمة التحرير الفلسطينية، وأخرى لتحالف الفصائل المقربة من سورياـ وقد استطاعت اللجنة الشعبية في المخيم المحافظة، إلى حد كبير، على دورها الخدماتي بعيداً عن التجاذبات السياسية والخلافات الفصائلية، كما تم تشكيل قوة أمنية مشتركة في سنة 2017، تعمل على حل النزاعات وتنفيذ ما يخدم المصلحة العامة من انضباط وتنظيم، وتسهر على حماية أمن المخيم من النزاعات.
أوضاع المخيم:
يعاني المخيم نقصاً في البنى التحتية ومشاكل عديدة مثل غيره من المخيمات؛ وتدير وكالة "الأونروا" جميع الآبار وخزانات المياه الموجودة فيه، وقد أُنشئت فيه شبكة واحدة للمياه. وشهد المخيم مستجداً عمرانياً بعد ازدياد سكانه وسكان المناطق المحاذية له وبعد أحداث مخيم نهر البارد، حيث نشطت فيه تجارة العقارات، ومنحت بلدية البداوي اللبنانية عدداً من رخص الترميم والبناء، وذلك من أجل الاستجابة للاحتياجات السكانية المتزايدة.
وتشرف مؤسسة قاديشا اللبنانية على تزويد المخيم بالكهرباء، ويسدد أهل المخيم الرسوم المطلوبة، وتقوم اللجان الشعبية مع المؤسسة بعملية الجباية وتسديد رسوم الاستهلاك وخفض تكلفة التركيب. وتنشط في المخيم، في ظل أزمة الكهرباء العامة في لبنان، مولدات كهربائية لسد النقص في إمدادات الكهرباء.
ويمتاز المخيم من الناحية الصحية بوجود مستشفى "صفد" التابع لجمعية الهلال الأحمر الفلسطيني وفيه غرفة طوارئ، كما يضم المخيم مستوصفين فيهما عيادات طبية وأسنان وهما "الشفاء"، و"العناية".
وعلى الصعيدين التربوي والرياضي، يضم المخيم 7 مدارس تابعة للأونروا، وملعب "فلسطين" التابع لمنظمة التحرير الفلسطينية. ويشتهر المخيم بوجود أندية رياضية للعبة كرة القدم تحتل مواقع متقدمة في المنافسات الرياضية التي تجري في منطقة الشمال، كفرق "الشبيبة" و"القدس" و"الهلال". وقد حظي عدد من اللاعبين من المخيم بشهرة في مباريات على مستوى مدينة طرابلس وفرقها وعلى مستوى محافظة الشمال ولبنان عموماً.
بيد أن المخيم يعاني نسبة بطالة مرتفعة بين صفوف فئة الشباب، الأمر الذي أدى إلى توسع ظاهرة الهجرة منه، والتي باتت اليوم الهدف الذي يطمح إليه عدد كبير من شباب المخيم، بحيث سجّل مخيم البداوي رقماً مرتفعاً في هجرة شبابه بين المخيمات الفلسطينية الأخرى في لبنان.