يُعد مخيم مار الياس من أصغر المخيمات الفلسطينية في لبنان حيث تبلغ مساحته 500 متر مربع، ويتميز بموقعه الجغرافي داخل العاصمة بيروت، بالقرب من المنطقة التي تعرف باسم "اليونيسكو"، حيث مبنى وزارة التربية والتعليم العالي اللبنانية.
تم إنشاء المخيم سنة 1952 بعد 4 أعوام على النكبة الفلسطينية، على أرض تعود ملكيتها إلى أوقاف كنيسة مار الياس الأورثوذكسية التي قدمتها للاجئين الفلسطينيين في حينه.
تميز موقع المخيم عند إنشائه بأشجار الصنوبر التي كانت مزروعة على أرضه قبل نصب الخيم من قبل اللاجئين، أمّا العائلات التي لجأت إليه فكانت من المسيحيين، وبلغ عددها نحو 85 عائلة، بحسب ما ذكرته أم إيلي، اللاجئة الفلسطينية من حيفا. وقد شكلت هذه العائلات الكتلة الرئيسية التي أسست المخيم، ومن أبرز العائلات التي سكنت المخيم في بداية إنشائه: عائلة الشامي وعائلة قزي. ويذكر أن الحكومة اللبنانية وزعت اللاجئين المسيحيين بحسب طوائفهم، فكان نصيب اللاجئين الأورثوذكس السكن في مخيم مار الياس والكاثوليك السكن في مخيمي الضبية وجسر الباشا.
لم تسبب الحروب الداخلية والخارجية التي شهدها لبنان الويلات للبنانيين فقط، بل عانى من ويلاتها كذلك الوجود الفلسطيني، الأمر الذي ترك أثره على ديموغرافيا المخيم، إذ فقد المخيم، جراء حركة النزوح الكثيفة التي عرفها، وجهه المسيحي لتبقى فيه عائلتان فقط من اللاجئين المسيحيين في الفترة التي تلت الاجتياح الإسرائيلي للبنان سنة 1982، ثم عشية وخلال حرب المخيمات سنة 1985. وحلّ محل العائلات التي نزحت من مار الياس نازحون من مخيمات أخرى جرى تدميرها، مثل مخيم النبطية الذي دمرته إسرائيل سنة 1973، ومخيم تل الزعتر الذي دمر سنة 1976. وكان هؤلاء النازحون الجدد قد سكنوا أولاً في أماكن متفرقة، قبل انتقالهم إلى مخيم مار الياس.
وفضلاً عمّا سبق، لعب تمركز العمل المؤسساتي المدني لمختلف الهيئات والمنظمات السياسية الفلسطينية في المخيم دوراً مهماً في تغيير دوره من موقع سكني إلى مستقر لمكاتب مركزية للمؤسسات والفصائل الفلسطينية، فصار حلقة وسيطة مركزية وقيادية بالمعنى السياسي والجغرافي لسائر المخيمات على مساحة لبنان. كما أصبح المخيم مأوى لليد العاملة العربية والأجنبية، التي ترى في المخيمات الفلسطينية ملجأ لها لرخص إيجارات المنازل، حتى بات مار الياس مخيماً متعدد الجنسيات.
وبحسب التعداد العام للسكان والمساكن في المخيمات والتجمعات السكانية الذي أنجزته دائرتا الإحصاء الرسميتان الفلسطينية واللبنانية، بإشراف لجنة الحوار اللبناني الفلسطيني التابعة لرئاسة مجلس الوزراء اللبناني، بلغ عدد سكان المخيم، حتى نهاية سنة 2017، 1767 ساكناً. واللافت في نتائج هذا التعداد، أن تغيراً ديموغرافياً آخر شهده المخيم، أسوة بمخيمات أخرى مثل شاتيلا والبداوي وغيرهما من المخيمات، بسبب الحرب في سورية على وجه الخصوص، مع توالي موجات اللجوء من ذاك البلد إلى لبنان. فقد أظهر نتائج التعداد أن عدد اللاجئين الفلسطينيين المسجلين لدى الدوائر الرسمية اللبنانية، بلغ 748 لاجئاً فقط، أي ما نسبته 42% من مجمل عدد ساكني المخيم، والبقية يتشكّلون من 55 فرداً من اللاجئين الفلسطينيين من سورية، و161 مواطناً لبنانياً، و690 من السوريين، و113 من جنسيات عربية وأجنبية مختلفة.
ومع أن مخيم مار الياس يمتاز بوجود فئة من الشباب المتعلم، ومن حملة الشهادات العليا، إلا أنه يشكو، مثل غيره من المخيمات، من ظاهرة البطالة المستفحلة، الناجمة عن بعض القوانين التي تحول دون عمل الفلسطينيين في مهن عديدة، ولا تترك للكثيرين منهم سوى خيار الهجرة الصعب إلى الخارج. ويوجد في المخيم مستوصف ومدرسة هي مدرسة الكابري الابتدائية، وهما يتبعان لوكالة الأونروا، وفيه لجنة شعبية واحدة تضم الفصائل الفلسطينية المتمركزة في المخيم. وقبل حرب المخيمات سنة 1985، كان هناك مستوصف ومستشفى طوارئ للهلال الأحمر الفلسطيني، لكنهما توقفا عن العمل وأغلقت أبوابهما، مثل الكثير من المؤسسات التابعة لمنظمة التحرير الفلسطينية، التي باشرت تقليص مؤسساتها خصوصاً بعد اتفاق أوسلو.
ويعاني المخيم من ضيق شوارعه وبيوته الصغيرة والمتعانقة التي لم ترمم منذ أمد بعيد. والسؤال هنا: ماذا لو سقطت الأسقف على ساكنيها؟ يشير كمال فياض، أحد سكان المخيم الحاليين، إلى صعوبة إدخال المواد لإعادة ترميم خزان المياه داخل المخيم، فيما لم تستطع الأونروا أن تفعل شيئاً، وهناك صعوبة في إيجاد حل لهذه المشكلة. كما يعاني من فوضى شبكات الكهرباء بسبب ضعف التمويل، بحسب ما ذكر الناشط من المخيم وليد الأحمد، أما المياه فهي مالحة وغير صالحة للاستخدام. ولحل هذه المشكلة، تم إنجاز مشروع مموّل من قبل الحكومة السويسرية لتحلية المياه للشرب، يستفيد منه 250 منزلاً في مقابل 20 ألف ليرة شهرياً عن كل منزل.
يتابع الأحمد، شارحاً، أن النفايات في المخيم متراكمة ويجب على الأونروا إيجاد حل لهذه المشكلة أيضاً، داعياً إلى توعية الناس والأهالي لعدم رمي النفايات وخصوصاً في أيام العطل. ويعاني أهل المخيم من تفشي الأمراض ومن الفقر والبؤس. يذكر أحد اللاجئين في المخيم أن زوجته تعاني من مرض السكري والضغط ولا يجد أي جهة معنية بمساعدته، كما أن هناك حالات كثيرة مصابة بمرض السرطان. وأخيراً، يعاني أهل مخيم مار الياس، مثل باقي اللاجئين في المخيمات الأخرى، من المشاكل الناجمة من تقليص وكالة الأونروا خدماتها في مجالَي الصحة والتعليم، وسط أسئلة مقلقة يطرحها اللاجئ: هل ستغلق الأونروا مدارسها، ومن سيعالج المريض الفلسطيني في حال غياب وكالة الأونروا عن تحمل مسؤوليته؟ وهل ستتكفل الحكومة اللبنانية برعاية اللاجئين الفلسطينيين؟
كلها أسئلة تترك وراءها ألف علامة استفهام، ومستقبلاً مجهولاً؟