إلى أين ستفضي الصراعات الداخلية في إسرائيل؟
Date:
28 avril 2025
Auteur: 

تتفاقم يوماً بعد يوم حدة الصراعات الداخلية في إسرائيل، التي من المرجح أن تتخذ أبعاداً أكثر خطورة بعد توقف حرب الإبادة التي تشنها حكومة بنيامين نتنياهو على قطاع غزة. وتدور هذه الصراعات حول مستقبل "الديمقراطية"، التي أطلق عليها بعض علماء الاجتماع الإسرائيليين اسم "الديمقراطية الأثنية"، وحول الفصل بين السلطات، وحول العلاقة بين السلطة السياسية وأجهزة الأمن. وبينما تتواصل التظاهرات التي يشارك فيها عشرات الآلاف من الإسرائيليين مساء كل يوم سبت ضد الحكومة الإسرائيلية، ومن أجل المطالبة بإعادة المحتجزين في قطاع غزة، يدور الحديث، ربما لأول مرة في تاريخ الدولة، عن أن إسرائيل تشهد "حرباً أهلية كامنة" أو تقف على أعتاب "حرب أهلية".

الهجوم على شبح "الدولة العميقة"

يُعتبر تعبير "الدولة العميقة" من تعابير دونالد ترامب المفضلة، وهو وصف به، في ولايته الرئاسية الأولى، "مجموعة غامضة من البيروقراطيين غير المنتخبين داخل الإدارة الذين يُزعم أنهم يتحكمون سراً في عمل الحكومة ويعملون في الظل ضد قرارات الرئيس الأميركي والشعب الذي انتخبه". وقد تبنى بنيامين نتنياهو، المتورط في سلسلة من الفضائح والملاحق قضائياً، هذا التعبير وقدم نفسه على أنه "ضحية" مؤامرة يحيكها القضاء وأجهزة الأمن ووسائل الإعلام، في وقت تتراجع فيه شعبيته، وتدل استطلاعات الرأي على أنه لن يكسب الانتخابات التشريعية في حال أُجريت في هذا الوقت.

في نطاق الهجوم على ما سُمي بـ "الدولة العميقة" تم استهداف السلطة القضائية في المقام الأول، إذ بعد أن استأنفت حكومة بنيامين نتنياهو حربها على قطاع غزة، في 18 آذار/مارس الفائت، تمت المصادقة في اليوم التالي على عودة إيتمار بن غفير، وزير "الأمن القومي"، وممثلي حزبه "قوة يهودية" إلى الحكومة، لكن المستشارة القضائية للحكومة غالي بهاراف-ميارا اعترضت على هذه العودة، مستندة إلى رأي نشرته في نهاية العام الماضي يشير إلى تدخلات غير مشروعة  لبن غفير في عمل الشرطة. وقد خاطب وزير العدل ياريف ليفين المستشارة القضائية بقوله: "هل أنت الكنيست؟ هل أنت ممثلة الشعب؟ أنت والمحكمة العليا تتجاوزان سلطاتكما"[1].

في 20 آذار/مارس الفائت، أوضح رئيس الوزراء الإسرائيلي لـ "الشباب" على تطبيق "تيك توك" ما هي "الدولة العميقة" برأيه، فندد بـ "الإدارة الدائمة" التي "تميل دائماً إلى اليسار"، والتي هي "متجذرة بعمق في الحكومة الإسرائيلية والتي تقرر أنها تعرف أفضل من الناخبين ما هو جيد لهم"، وبالمعبرين عنها الذين "يريدون مني ومن الحكومة أن نكون نباتات، لكننا لن نسمح لهم بذلك"، مشيراً على وجه الخصوص إلى إصلاح النظام القضائي، الذي يهدف، من بين أمور أخرى، إلى الحد من صلاحيات المحكمة العليا، وهو ما أثار مظاهرات ضخمة في سنة 2023 وقسّم البلاد بعمق. وذكر أيضاً رئيس جهاز الأمن الداخلي ”الشاباك“ الذي قرر إقالته، وكذلك غالي بهاراف-ميارا، التي تتعرض هي الأخرى لتهديد الإقالة من قبل الحكومة[2].

وأعلن بنيامين نتنياهو في 26 آذار/مارس الفائت، وهو يضرب بقبضته على المنصة أمام نواب المعارضة خلال نقاش برلماني أن إسرائيل "كانت وستبقى دائماً ديمقراطية"، وانتقد ما أسماه "الترهيب" و"التحريض على الكراهية"، و"العنف ضد النواب المنتخبين"، وأضاف: "الديمقراطية ليست في خطر، بل سلطة البيروقراطيين هي التي في خطر؛ إن الدولة العميقة هي التي في خطر"، وأصرّ على أن "الشعب في الديمقراطية هو صاحب السيادة"، وأن خياراته "يجب أن تنعكس في سياسات الحكومة وتعييناتها وتوجهاتها"، مستنكراً ما وصفه بـ "الفوضى في الشوارع"، وداعياً المعارضة إلى "أن تحاول ولو لمرة واحدة احترام إرادة الشعب"،

وقال: "نحن نرى قطعكم للطرق، وحرائقكم، واعتداءاتكم على قوات حفظ النظام والقانون... ناهيك عن التهديدات الصريحة بالقتل التي تستهدف رئيس الوزراء وعائلته وغيره من النواب المنتخبين"[3].

الثأر من رئيس "الشاباك" أحد "رموز الدولة العميقة"

كان بنيامين نتنياهو قد أعلن في 16 آذار/مارس الفائت أنه ينوي إقالة رونين بار، رئيس جهاز الأمن العام الإسرائيلي (الشاباك)، من المنصب الذي يشغله منذ سنة 2021، وذلك في الوقت الذي يجري فيه الجهاز تحقيقات قد تورط رئيس الحكومة الإسرائيلية المتهم "بتقويض أسس الديمقراطية في البلاد وأمنها على حد سواء". وقال رئيس الوزراء "إنه "فقد الثقة" في رونين بار بسبب فشل الشاباك في توقع هجمات حركة حماس". وفي هذا السياق، تساءل كلايف جونز، مدير معهد الدراسات الإسلامية والشرق أوسطية في جامعة دورهام في بريطانيا: "إذا كان رئيس الوزراء مستاءً جداً من أداء الشاباك، فلماذا انتظر أكثر من عام قبل أن يقرر إقالة رئيسه؟"، علماً أن رونين بار "تحمّل نصيبه من المسؤولية عن إخفاقات المخابرات الإسرائيلية وقت هجمات حماس"، وتعهد بالفعل بتقديم استقالته، بعد "إطلاق سراح جميع الرهائن وفتح تحقيق علني كبير حول المسؤول عن الكارثة الأمنية التي وقعت في 7 أكتوبر 2023"، وهو ما يرفضه بنيامين نتنياهو "بحجة أن فتح مثل هذا الإجراء، بينما إسرائيل في حالة حرب، يمكن أن يكون تشتيتاً للجهود"[4]. ويتهم رونين بار رئيس الوزراء بأنه يريد أن يكون رئيس جهاز "الشاباك" موالياً له شخصياً وليس للدولة، وأنه طلب منه "التوقيع على نص يبرر عدم قدرته على الظهور لأسباب أمنية أثناء محاكمته بتهم الفساد - وهي مناورة للتهرب من العدالة"، و"استخدام موارد جهاز الشاباك للتحقيق مع معارضي الحكومة، وخصوصاً أولئك الذين يتحدون خططها لإصلاح النظام القضائي، وهو الطلب الذي يقع خارج أي إطار قانوني"، كما طالبه "بالالتزام بطاعة رئيس الوزراء وليس المحكمة العليا في حالة حدوث أزمة دستورية - وهو هجوم واضح على فصل السلطات"[5].

في 8 نيسان/أبريل الجاري، ناقشت محكمة العدل العليا قرار إقالة رئيس "الشاباك"، ونشرت صحيفة "هآرتس"، في اليوم التالي، افتتاحية بعنوان "تسلُّل ثمار التحريض إلى محكمة العدل العليا"، نقلتها نشرة "مختارات من الصحف العبرية"، الصادرة عن مؤسسة الدراسات الفلسطينية، وتناولت فيها الضجة التي أثارها في قاعة المحكمة نائبان في الكنيست، هما تالي غوتليف من حزب "الليكود"، التي "تدخلت في الجلسة من دون توقّف، ولم تسمح باستمرار النقاش بصورة طبيعية"، وذلك قبل أن يخرجها حراس المحكمة بالقوة، وهو ما علّق عليه رئيس المحكمة يتسحاق عميت بالقول "إن ما جرى فضيحة لأن السلطة التشريعية لا تسمح للسلطة القضائية بالقيام بعملها"، وألموغ كوهين، من حزب "قوة يهودية"، الذي سُمح له بدخول القاعة "بشرط عدم التشويش على مسار الجلسة، لكن كما يليق بمستوى الصدقية التي يتمتع بها حزبه، هاجم كوهين القضاة على الفور، وقال إنه يحتقرهم بسبب معاملتهم لأهالي الجنود القتلى، وبعد أن رفع شارة النصر، خرج من القاعة". وأضافت الصحيفة أنه كان يوجد إلى جانب النائبين "جمهور من اليمين أثار الرعب لدى كلّ مَن شارك في النقاش، ولا ينتمي إلى معسكر نتنياهو، من قضاة ومحامين، وحتى رئيس الشاباك السابق يورام كوهين، الذي تجرأ وقدم إفادةً، عرض فيها بالتفصيل الطلبات غير القانونية التي طلبها منه نتنياهو قبل أكثر من عشرة أعوام، واضطر كوهين إلى الخروج من هناك برفقة الحراس وسط الاتهامات والصراخ". ولقي المحتجون دعماً من وزير العدل ياريف ليفين، الذي قال: "إن الصرخات التي سُمعت اليوم في المحكمة العليا تعكس صدى صرخات الملايين الذين تُداس حقوقهم، والذين انتُزعت منهم حقوقهم، وقرارهم الديمقراطي الذي عبّروا عنه في صناديق الاقتراع، من طرف حفنة من القضاة المتغطرسين والمنفصلين عن الواقع"[6].

الإصرار على تنفيذ الإصلاح القضائي

أقرّ الكنيست الإسرائيلي في 27 مارس/آذار الفائت قانوناً يعزز نفوذ السلطة السياسية في تعيين القضاة، تمّ إقراره بأغلبية 67 صوتاً مقابل صوت واحد، وذلك بعد أن قاطعت أحزاب المعارضة التصويت. ويدل هذا القانون على إصرار حكومة بنيامين نتنياهو على المضي قدماً في مشروع الإصلاح القضائي، الذي أثار أحد أكبر الاحتجاجات الشعبية في تاريخ إسرائيل، وتم تعليقه من قبل السلطة التنفيذية بعد فترة وجيزة من بدء الحرب في 7 تشرين الأول/أكتوبر 2023، وعاد إلى الطاولة من جديد في وقت تخوض فيه الحكومة صراعاً في أعلى هرم الدولة مع المحكمة العليا، بعد إعلانها إقالة رئيس جهاز "الشاباك" وبدء إجراءات عزل المستشارة القضائية للحكومة. وقد أعلن يائير لبيد، زعيم حزب "يوجد مستقبل" على شبكة التواصل الاجتماعي "إكس" أنه سيقدم استئنافاً إلى المحكمة العليا ضد القانون نيابة عن العديد من أحزاب المعارضة. كما أعلنت "الحركة من أجل جودة الحكم"، وهي منظمة غير حكومية في طليعة النضال ضد الإصلاح القضائي، أنها قدمت استئنافاً إلى المحكمة العليا، وكذلك فعلت جمعية "حقوق المواطن في إسرائيل". وبينما كانت تقوم بتعيين القضاة لجنة مكوّنة من تسعة أعضاء، تضم قضاة ونواب ومحامين من نقابة المحامين، تحت إشراف وزير العدل، يقضي القانون الجديد بأن تتشكّل هذه اللجنة من ثلاثة قضاة من المحكمة العليا، ووزير العدل ووزير آخر، ونائب واحد من الأغلبية وواحد من المعارضة، وممثلَين عن الجمهور، أحدهما ترشحه الأغلبية والآخر من المعارضة، على أن يتطلب أي تعيين موافقة أغلبية خمسة أعضاء. وفي ملاحظاته أمام النواب قبل التصويت، أطلق ياريف ليفين تهمة جديدة ضد المحكمة العليا التي اتهمها بتجاوز مهامها "من خلال تقليص دور الكنيست إلى الصفر"، معلناً أن هذه المحكمة "انتزعت لنفسها سلطة إلغاء القوانين، حتى القوانين الأساسية" (النصوص التي تعتبر بمثابة الدستور في إسرائيل)، ومتهماً إياها "باغتصاب صوت الشعب من خلال عرقلة عمل الحكومة بصورة منهجية"، فيما وصفه بأنه "انجراف لم يسبق له مثيل في أي ديمقراطية في العالم"[7].

المواجهة بين المستوى السياسي والمستوى العسكري

منذ قيام حكومة بنيامين نتنياهو بشن حرب الإبادة على قطاع غزة، برزت سلسلة من الخلافات بين المستوى السياسي والمستوى العسكري حول طرائق إدارة هذه الحرب، الأمر الذي تسبب في إقالة يوآف غالانت من وزارة الحرب، وتعيين يسرائيل كاتس بدلاً منه، وهو سياسي لا يتمتع بأي خبرة عسكرية وينفذ كل ما يطلبه منه بنيامين نتنياهو، كما تسبب في قيام رئيس هيئة الأركان السابق هرتسي هاليفي، مع عدد من الضباط الكبار، بتقديم استقالاتهم. وكانت الحلقة الأخيرة في هذه السلسلة الخلاف الذي نشب بين هذين المستويين حول مبدأ توزيع المساعدات الإنسانية في قطاع غزة. فبينما تستمر حكومة الحرب الإسرائيلية، منذ الثاني من آذار/مارس الفائت، في استخدام سلاح تجويع الغزيين والغزيات على نطاق واسع، شهد المجلس السياسي والأمني المصغّر (الكابينيت) خلافاً شديداً بشأن آلية إدخال المساعدات الإنسانية وتوزيعها، وخطط توسيع العمليات العسكرية في القطاع المنكوب، كان قطباه وزير المال بتسلئيل سموتريتش ورئيس هيئة الأركان العامة الجنرال إيال زامير، إذ رفض هذا الأخير أن يتحمل جيش الاحتلال مسؤولية تسلم المساعدات وتوزيعها، مؤكداً أن "الجيش لن يتحوّل إلى حاكم عسكري"، فهدد سموتريتش بالاستقالة من الحكومة إذا لم ينفذ الجيش هذه المهمة، معلناً أن "أولئك الذين لا يستطيعون أداء مهمتهم يمكنهم العودة إلى ديارهم"، ووجّه انتقاداته إلى رئيس الوزراء لأنه "لا يفرض على الجيش الخط السياسي الذي تقرره الحكومة"، وقال: "حان الوقت لشن حملة حقيقية لهزيمة حماس، واحتلال غزة، وتشكيل حكومة عسكرية مؤقتة، وتحرير الرهائن، وتطبيق خطة ترامب؛ وبدون ذلك، لا مبرر لوجود هذه الحكومة"[8].

تصاعد احتجاجات جنود الاحتياط وتوسعها

من ناحية أخرى، تواجه قيادة جيش الاحتلال مشكلة خطيرة تتمثل في مطالبة عدد متزايد من جنود الاحتياط بإنهاء الحرب والتوصل إلى اتفاق سياسي، يضمن تحرير المحتجزين لدى حركة "حماس"، علماً أن الجيش الإسرائيلي يعتمد بصورة كبيرة على قوات الاحتياط التي يبلغ عددها نحو 350 ألف جندي. وقد انطلقت حركة الاحتجاج هذه برسالة نشرتها الصحف الإسرائيلية في التاسع من شهر نيسان/أبريل الجاري، وقّع عليها  حوالي 1000 جندي احتياط في الخدمة الفعلية ومتقاعدين في سلاح الجو الإسرائيلي، حثوا فيها الحكومة "على إعطاء الأولوية لإطلاق سراح الرهائن على حساب استمرار الحرب في غزة، التي تخدم الآن المصالح السياسية والشخصية". وكان من بين الموقعين على الرسالة رئيس الأركان وقائد سلاح الجو السابق، دان حالوتس، ونمرود شيفر، الرئيس السابق لمديرية التخطيط في الجيش الإسرائيلي[9]. وعلى الرغم من قرار قيادة الجيش تسريح جميع جنود الاحتياط في الخدمة الفعلية الذين وقعوا على الرسالة، استمرت الاحتجاجات التي شملت نحو 250 من جنود الاحتياط في وحدة الاستخبارات 8200، ومئات المتقاعدين في أجهزة "الموساد"، و"الشاباك" و "أمان" (الاستخبارات العسكرية)، ونحو 1500 من جنود الاحتياط والمتقاعدين من سلاح الدبابات، وأكثر من 1600 جندي من جنود الاحتياط في وحدة المظليين، وعدد من خريجي برنامج تلبيوت - وهو برنامج نخبوي مخصص لتجنيد الخريجين الشباب، وضباط احتياط في سلاح البحر الذين وجهوا رسائل إلى رئيس الوزراء وأعضاء الكنيست وقيادة الجيش والجمهور الإسرائيلي يقولون فيها: "لم تتحقق أهداف الحرب - إعادة الرهائن واستعادة الأمن- نطالب بإنهاء الحرب؛ نحن نتحمل العبء، والمسؤولية تقع على عاتقكم". كما انتشرت الاحتجاجات خارج صفوف العسكريين، إذ وقّع نحو ألفي أستاذ جامعي على عريضة تدعم تصرفات الطيارين المتمردين، ورد فيها: "في الوقت الحاضر، تخدم الحرب في المقام الأول المصالح السياسية والشخصية، وليس المصالح الأمنية"[10]. وبحسب الصحافي والكاتب الإسرائيلي ميرون رابوبورت فإن "أغلبية من يتحدون أوامر التجنيد هم من الأشخاص الذين ليس لديهم اعتراض إيديولوجي حقيقي على الحرب، ولكنهم محبطون أو متعبون أو ضجرون من استمرارها لفترة طويلة، وإلى جانبهم هناك أقلية صغيرة ولكن متزايدة من جنود الاحتياط الذين يرفضون التجنيد لأسباب أخلاقية"، ومن هؤلاء الأخيرين يوفال غرين الذي "رفض مواصلة خدمته في غزة بعد عصيانه أمراً بإشعال النار في منزل فلسطيني، والذي يقود اليوم حركة مناهضة للحرب تسمى جنود من أجل الرهائن"[11]. أما الصحافي يسرائيل زيف، فقد أشار إلى أنه "لا توجد في عريضة جنود الاحتياط أي دعوة إلى رفض الخدمة العسكرية"، بل "يوجد فيها تعبير واضح عن فقدان الثقة الكلي في رئيس الحكومة والحرب السياسيّة التي يُديرها في غزة"، مقدّراً أن الهدف الحقيقي لهذه الحرب هو "احتلال قطاع غزة كخطوة للمحافظة على الائتلاف [الحكومي]، وبالتالي، فإنها ليست حرباً شرعية، إنما هي حرب بلا إجماع، وعاجلاً أم آجلاً ستفقد بقايا الدعم في الجمهور الإسرائيلي"، ليخلص إلى أن "من واجب الشعب أن يقول كلمته بكُل الطرق القانونية، ويجب القيام بكُل ما هو ممكن لإجراء الانتخابات الآن"[12].

هل هي حرب أهلية كامنة؟

في عدد مجلة "إيتود" (Études) الشهرية الفرنسية، الصادر في كانون الأول/ديسمبر 2023، تساءل المؤرخ والسفير الإسرائيلي السابق في فرنسا إيلي برنافي عما "يخبئ المستقبل لإسرائيل؟"، مقدراً أن إسرائيل كانت تشهد "صراعاً داخلياً مريراً"، هو شكل من أشكال "الحرب الأهلية الكامنة"، وذلك قبل أن يطرأ هجوم السابع من تشرين الأول/أكتوبر 2023، الذي تتحمّل الحكومة "الجزء الأكبر من المسؤولية عنه"، إذ "منذ تشكيلها في كانون الأول/ ديسمبر 2022، "أهملت ببساطة أمن البلاد، وركزت بدلاً من ذلك على الاستيلاء الأيديولوجي والقضائي على المجتمع الإسرائيلي"، وذلك بعدما "أطلق وزير العدل ”إصلاحه القضائي“، وهو في الواقع انقلاب تشريعي يهدف إلى تحويل الديمقراطية الإسرائيلية إلى نظام غير ليبرالي، نظام استبدادي انتخابي على النموذج الهنغاري أو التركي"، وهو ما جعل إسرائيل "تعيش لمدة عشرة أشهر تقريباً في حالة شبه حرب أهلية كامنة، تأثرت بها جميع قطاعات النشاط، وعلى رأسها الجيش الإسرائيلي، إذ أعلن الآلاف من جنود الاحتياط في وحدات النخبة أنه في حال استمرار الانقلاب القضائي، فإنهم سيتوقفون عن تلبية النداء بمجرد فسخ عقدهم مع الدولة الديمقراطية"[13].

وفي الاتجاه نفسه، نشر رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق إيهود أولمرت في 9 نيسان/أبريل الجاري في صحيفة "هآرتس" مقالاً بعنوان: "نحن نقترب من الحرب الأهلية أكثر من أيّ وقت مضى"، نقلته نشرة "مختارات من الصحف العبرية"، علّق فيه على ما أسماه بـ "هجوم عصابة البلطجية على محكمة العدل العليا [خلال نقاش مسألة إقالة رئيس "الشاباك"]، والتي يرعاها ويغطيها وينظّمها، إلى حد بعيد، رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو"، بصفته "مرحلة جديدة من العملية التي تهدف إلى تقويض جوهر وجود المؤسسات في الدولة؛ فالحرب ضد مؤسسات الدولة (التي تُسمى الدولة العميقة) هي مرحلة حاسمة من المحاولات التي يخطط لها اليمين جيداً من أجل تدمير الأساس الديمقراطي لإسرائيل"، وأضاف: "ما حدث في الأمس هو عمل علني للقيام بانقلاب"، تقوم به "عصابة من البلطجية ضيقة الأفق وعديمة التفكير، موجودة اليوم في الكنيست والحكومة"، مقدراً أنه بعد أن يستولي هؤلاء "البلطجية" على وسائل الإعلام، ستأتي المرحلة الأخيرة التي يقرر فيها "الزعران"، الذين "زودتهم جهة مخولة في السلطة بالسلاح، اقتحام الكنيست، ولا يكون هناك مَن يمنعهم"، مستشهداً، في هذا السياق، بتحذير الرئيس السابق للمحكمة العليا أهارون باراك الذي عبّر عن تخوفه "من أن يؤدي الخلاف الحاد بين الحكومة ومعارضيها، والمسّ بسلطة القانون، والتحريض ضد المستشارة القانونية للحكومة، إلى حرب أهلية"، ليخلص إلى أن الحؤول دون ذلك يتطلب "خروج مليون متظاهر إلى شوارع المدن والساحات في تل أبيب والقدس" للوقوف في وجه الحكومة الحالية وإفشال سياساتها[14].

 

[1] https://allisrael.com/fr/le-premier-ministre-netanyahou-denonce-l-etat-profond-apres-que-le-cabinet-a-confirme-le-retour-de-ben-gvir-malgre-les-objections-de-l-avocat-general

[2] https://www.lefigaro.fr/netanyahou-s-exprime-aux-jeunes-sur-tiktok-et-denonce-l-administration-permanente-qui-penche-toujours-a-gauche-20250320

[3] https://fr.timesofisrael.com/netanyahu-la-democratie-nest-pas-en-danger-letat-profond-lest-lopposition-lui-repond

[4] https://www.france24.com/fr/moyen-orient/20250317-guerre-hamas-survie-politique-vendetta-ronen-bar-netanyahu-chef-shin-beth-qatargate-renseignement

[5] https://www.lemonde.fr/international/live/2025/04/26/en-direct-guerre-a-gaza-une-delegation-du-hamas-doit-rencontrer-les-mediateurs-egyptiens-samedi_6597607_3210.html

[6] https://mukhtaraat.palestine-studies.org/ar/node/36662 

[7] https://www.france24.com/fr/moyen-orient/20250327-israel-reforme-justice-benjamin-netanyahu-nomination-juges-opposition-cour-supreme

[8] https://www.i24news.tv/fr/actu/israel/politique/artc-betsalel-smotrich-quitte-une-reunion-du-cabinet-au-moment-ou-le-chef-du-shin-bet-prend-la-parole

[9] https://fr.timesofisrael.com/dans-une-lettre-danciens-pilotes-et-reservistes-appellent-a-donner-la-priorite-aux-otages

[10] https://www.humanite.fr/monde/benyamin-netanyahou/guerre-a-gaza-vers-un-retournement-de-la-societe-israelienne-contre-benyamin-netanyahou

[11] https://agencemediapalestine.fr/blog/2025/04/14/larmee-israelienne-est-confrontee-a-sa-plus-grande-crise-de-refus-depuis-des-decennies

[12] https://mukhtaraat.palestine-studies.org/ar/node/36703

[13] https://www.revue-etudes.com/article/et-maintenant-quel-avenir-pour-israel/26525

[14] https://mukhtaraat.palestine-studies.org/ar/node/36669