صراع يومي للنجاة.. آلاف السكان في مرمى نيران الاحتلال في مقابل نيتساريم
Date:
3 décembre 2024
Thématique: 

"قبيل خلود أطفالي إلى النوم، بدأ الاحتلال إطلاق نيران أسلحته الرشاشة تجاه المنطقة التي ننزح فيها في غرب مخيم النصيرات، في مطلع تشرين الأول/أكتوبر الماضي، وكان الرصاص موجهاً تحديداً إلى خيام النازحين، وينصبّ علينا من الدبابات والزوارق الحربية وطائرات الهيليكوبتر ومسيّرات الكواد كابتر، وصاحبَه قصف مدفعي وحربي. وعندما وصل الرصاص إلى خيمتي، هممتُ بالهروب مع عائلتي، وما إن خرجنا حتى رأيت المشهد المفجع؛ إذ رأيت شهداء ومصابين بأعداد كبيرة، وبعد عدة خطوات، تمكن الخوف من ابني ذي الـ 5 أعوام حتى عجز عن الحركة، فحملتُه وأكملتُ الطريق. كنا نسير من بين الخيام وبعضها يحترق، ونعبر من فوق الجثث، والرصاص يتطاير حولنا، إلى أن وصلنا إلى مشارف قرية الزوايدة جنوباً، وكانت هذه إحدى رحلات الموت التي عايشناها في هذه الحرب."

هذا ما يتذكره النازح صهيب أبو عزيزة (43 عاماً) من إحدى عشرات المجازر التي ارتكبها جيش الاحتلال في منطقة تبة النويري شمال غربي مخيم النصيرات، المكتظة بآلاف العائلات النازحة. وفي إثر المجزرة التي روى النازح جزءاً من تفاصيلها، وصل إلى مستشفى العودة في النصيرات والأقصى في مدينة دير البلح خلال 1 و2 تشرين الأول/أكتوبر 2024 قرابة 30 شهيداً، وأصيب أكثر من 120 شخصاً، بينما فُقد عدد كبير من النازحين، وتُقدر أعدادهم بالعشرات، ويرجح شهود العيان أنهم ارتقوا شهداء في الجانب الشمالي لتبة النويري، وتعجز الطواقم الطبية عن الاقتراب خشية استهداف الاحتلال.

وتُعتبر منطقة تبة النويري إحدى مناطق الحدود الجديدة، بحسب ما بات يعرّفها الاحتلال، إذ تبعد أكثر من كيلومترَين عن محور نيتساريم، والذي يقسم قطاع غزة إلى شقين؛ شمالي وجنوبي. وحتى شرقاً، باتت هناك حدود جديدة بعمق يتجاوز الكيلومترَين داخل القطاع، ضمن ما أطلق عليه الاحتلال "المنطقة العازلة"، حيث يقصف مَن يتحرك داخلها.

وقد نزحت العائلات كلها التي تسكن تلك المناطق المطلة على محور نيتساريم شمالي مخيم النصيرات والبريج وسط القطاع، والمناطق السكنية شرق قطاع غزة. لكن مع ويلات النزوح، عاد العدد الأكبر من السكان الذين وجدوا منازلهم صالحة للسكن في مناطقهم.

ويعيش سكان هذه المناطق المطلة على محور نيتساريم جحيماً حقيقياً، وصراعاً يومياً من أجل النجاة من رصاص الاحتلال وقصفه، إذ يرتكب باستمرار جرائم دموية بحق العائلات التي عادت إلى منازلها.

 

تصوير محمد النعامي

 

ولقد زرتُ المناطق شمال مخيم النصيرات والبريج وشرق مخيم المغازي وسط القطاع، وسجلتُ شهادات عدد من العائلات التي تتعرض بصورة شبه يومية للاستهداف المباشر من الاحتلال.

وخلال تواجدنا في منطقة تبة النويري، أطلقت طائرة كواد كابتر مسيّرة النار لمدة 20 دقيقة تقريباً تجاه النازحين في المنطقة، وهو ما أدى إلى ارتقاء شهيدَين، بينهم طفل، وإصابة عدد آخر.

وعلى الرغم من الاستهداف اليومي والأوضاع الصعبة، فإنه لا تزال المنطقة مليئة بالنازحين. وعند سؤالهم عن سبب عدم مغادرة هذه المنطقة الخطِرة، قالوا إنه لا بديل آخر، فالجنوب كله مزدحم إلى آخره بالنازحين، بحسب وصفهم.

ويُعتبر المخيم الجديد شمالي مخيم النصيرات إحدى المناطق التي تتعرض للاستهداف المستمر بواسطة الاحتلال، ولا يزال المخيم الذي دُمرت مبانٍ عديدة منه يؤوي آلاف السكان والنازحين.

وقد روى أحد السكان المتواجدين في المخيم الجديد، واسمه محمد الرخا (26 عاماً)، لنا تفاصيل ما يعيشه السكان في تلك المنطقة قائلاً: "أن تكون أحد سكان المخيم يعني أن عليك أن تتوقع أن يأتيك الرصاص أو القذائف من أي مكان؛ فالاحتلال يستهدفنا من مناطق تواجده في محور نيتساريم شمالاً، وكذلك زوارقه الحربية من البحر غرباً، وأيضاً تستهدفنا مدفعيته من الحدود الشرقية."

وأضاف: "في كل مكان من الشارع الرئيسي للمخيم الجديد وقعت مجزرة، وعلى مدار أكثر من عام، أتذكر العديد من الأصدقاء والأقارب الذين ارتقوا في الحي، وبعضهم مرت أيام قبل أن نتمكن من انتشاله ودفنه، وبصورة يومية هناك شهداء واستهدافات. وغاية الاحتلال هي تهجيرنا ومنع استمرار الحياة في هذه المنطقة."

وشدد الشاب على أن الاحتلال استهدف كل المدارس التي تؤوي نازحين في منطقة المخيم الجديد شمالي النصيرات، وارتكب فيها مجازر دموية، وحتى قبل قصف المدارس، فقد كان يستهدف صفوفها بالرصاص باستمرار، ويُسقط شهداءً ومصابين ضِمن مخططه لتهجير المناطق الشمالية لمخيم النصيرات.

ولا يختلف شمال مخيم البريج وسط القطاع كثيراً عن النصيرات، إذ يعيش آلاف السكان الأوضاع الصعبة نفسها، ويتم استهداف منازلهم باستمرار.

وفي هذا الصدد، فَقَدَ المواطن عبد الله فياض، وهو أحد المواطنين الذين لا يزالون مقيمين بمنازلهم في المناطق المطلة على محور نيتساريم في مخيم البريج، أربعة من أفراد عائلته (هُم شقيقه، وزوجة شقيقه، وطفلاهما) نتيجة استهدافات الاحتلال للمقيمين بمنازلهم في الجانب الشمالي للمخيم.

وقال عبد الله فياض إن الموت يحيط بكل ما يتحرك في منطقته، وشتى الأسلحة توجَه إلى هذه المنطقة من دون سبب، وعلى الرغم من مسح الاحتلال الأحياء الشمالية لمخيم البريج خلال عدة توغلات برّية، وعبر القصف الجوي، فإنه يعتبر المناطق التي تليها جنوباً مناطق مستهدفة أيضاً، على الرغم من المسافة الكبيرة التي تفصلها عن محور نيتساريم.

وأضاف: "الرصاص يخترق جدران منزلي بصورة شبه يومية، وأطفالي عرضة للموت في كل وقت، وكما تشاهد، فأنا أسكن في غرفة واحدة من المنزل، وهدمتُ جزءاً من الحائط الجنوبي المطل على المخيم، وجعلتُه كالباب لأتحرك منه خشية رصاص الاحتلال. وتُحظر الحركة في باقي أرجاء المنزل، وخصوصاً الغرف الشمالية والشرقية. أفضّل هذا النمط من الحياة الخطِرة، وأن أكون عرضة للموت برصاص الاحتلال على الموت البطيء المذل في خيام النزوح."

وكشف عبد الله أن الاحتلال يُسقط البالونات الحرارية الحارقة من الجو على مناطقهم، وهو ما ينتج منه إشعال النيران في المنازل والأملاك، كما يرسل آليات عسكرية غير مأهولة تتحرك بين المنازل بهدف ترهيب السكان.

وتابع: "طائرات الكواد كابتر تلازم المنطقة، منها مسيّرات مزودة برشاش، أو تطلق القنابل، وتحلق على ارتفاعات منخفضة جداً، وتدخل المنازل. وفي إحدى الليالي، دخلت طائرة مسيّرة صغيرة منزلي، وعندما شاهدها أطفالي، بدأوا يبكون بشدة، وعندما لاحظ من يتحكم بها رعبهم، بدأ يقربها أكثر منهم، حينها وقفتُ عاجزاً. ماذا سأفعل؟ لو حاولت الوقوف في وجهها فستنفجر، وربما يستهدف الاحتلال المنزل. وبقي الوضع على ما هو عليه حتى أنهت جولتها وانسحبت، واحتضنتُ أطفالي محاولاً التخفيف عنهم."

 

تصوير محمد النعامي

 

وأوضح فياض أن طائرات الكواد كابتر تقوم بإصدار أصوات طفل يبكي، وعندما يظن السكان أن هناك طفلاً يبكي فعلاً في الشارع، ويهبون إلى مساعدته، تقوم المسيّرة بإطلاق النار عليهم. وقد تكررت هذه الجريمة كثيراً، وارتقى جرّائها أعداد من الشهداء.

ويعيش سكان المناطق المقابلة للحدود الشرقية لقطاع غزة منذ 7 تشرين الأول/أكتوبر 2023 في ساحة حرب لا تختلف كثيراً عن المناطق المطلة على محور نيتساريم، إذ دمرت قوات الاحتلال كل المنازل التي تبعد عن الحدود ضِمن نطاق كيلومترَين، على الرغم من إعلان الاحتلال أن المنطقة العازلة تمتد إلى كيلومتر واحد، لكن على أرض الواقع، فإن تلك المنطقة تزيد على كيلومترَين، فضلاً عن تدمير جزء كبير من المنازل التي تتعدى هذه المسافة. كما يمارس الاحتلال سياسة نارية دموية بحق السكان المتبقين في منازلهم في التجمعات السكنية شرق القطاع.

ويقول الشاب مصطفى رواجدة من مخيم المغازي وسط القطاع إن التجمعات السكنية في المناطق الشرقية تتقلص باستمرار، والتغطية النارية القاتلة تزحف باستمرار، وتحصد أرواح المواطنين، بحيث كانت المنطقة المحظور دخولها على الناس كيلومتراً واحداً غرب الحدود، ثم امتدت إلى كيلومتر ونصف الكيلومتر، ثم إلى كيلومترَين. وقام الاحتلال ببرمجة المدفعية لتطلق قذائفها تلقائياً على أي شخص يدخل مسافة الكيلومترَين. وخلال هذه الفترة، حتى من هم ضمن مسافة كيلومترَين ونصف الكيلومتر يتعرضون للقصف المدفعي.

وأضاف الشاب: "فقدتُ ابني و3 من أبناء عمومتي، وبُترت قدمي جرّاء القصف العشوائي في المناطق الشرقية. حتى الأغنام أعتاش منها، أسقطت طائرة الكواد كابتر عليها قنبلة وقتلتها جميعاً، وهذا الحال يستمر يومياً، وبصورة مستمرة تتزايد المسافة التي تصل إليها النيران العشوائية."

وأوضح رواجدة أن هناك أعداداً كبيرة من النازحين استشهدوا في أثناء بحثهم عن الحطب في المناطق المجرفة شرقي مخيم المغازي، إذ استهدفهم الاحتلال، وجلّهم من النساء والأطفال، ومعظم جثثهم لم تُنتشل حتى اللحظة.

"أطفال غزيين داخل مركز لإيواء النازحين في احدى مدارس قطاع غزة، 11 أبريل/ نيسان 2024، قطاع غزة/ فلسطين" تصوير " apaimages ،Omar Ashtawy"
Razan al-Haj
فلسطينيون يسيرون أمام أنقاض المباني السكنية التي دمرتها الغارات الإسرائيلية خلال حرب الإبادة، قطاع غزة/ فلسطين، 24 أبريل/نيسان 2024. (تصوير خالد داوود، apaimages)
Sama Hassan
Yasser Manna
نجوم منتخب كرة الطائرة إبراهيم قصيعة (يمين) وحسن زعيتر (مواقع التواصل) استشهدا بقصف إسزائيلي على مخيم جباليا.
Ayham al-Sahli
Maher Charif
Uday al-Barghouthi