الزحف الاستيطاني في محيط الحرم الإبراهيمي: تداعيات الحرب وتحديات الصمود
Année de publication: 
Langue: 
Arabe
Nombre de pages: 
13

مقدمة

إن مدينة الخليل ليست كغيرها من مدن الضفة الغربية فيما يتعلق بملف الاستيطان، بل ربما تشبه مدينة القدس إلى حد كبير من حيث خصوصية وجود الاستيطان داخل المدينة نفسها، وليس فقط في محيطها. فعلى الرغم من وجود 28 مستوطنة تحاصر مدينة الخليل وتخنقها، توجد خمس بؤر استيطانية داخل المدينة تلتهم أجزاء من أزقتها القديمة التاريخية. هذه البؤر الاستيطانية المتشابكة والواقعة في مناطق جغرافية متقاربة، تهدف منذ تأسيسها إلى التمدد ضمن مناطق تُعتبر تاريخية وأثرية، وتكتسب أهمية دينية لدى الفلسطينيين، مثل المناطق المحيطة بالحرم الإبراهيمي، وبركة السلطان، وتل الرميدة. وتعاني الخليل من هذه الحالة الاستيطانية منذ نهاية السبعينيات، لكنها شهدت تدهوراً إضافياً بعد توقيع بروتوكول الخليل في 15 كانون الثاني/ يناير 1997، الذي جاء امتداداً لاتفاقية أوسلو بصيغة خاصة بمدينة الخليل. وقسّم هذا البروتوكول قلب المدينة إلى منطقتين H1 و H2،* وجعل الإشراف الأمني على المناطق التاريخية القديمة والمهمة تحت سيطرة الاحتلال الإسرائيلي، وليس السلطة الفلسطينية، وشرعن بدرجة كبيرة الوجود الاستيطاني فيها.

وعلى الرغم من مرور سنوات على توقيع بروتوكول الخليل، لم يتوقف التوسع الاستيطاني، بل ازداد شراسة وتوسعاً. حالياً، يوجد حوالي 700 مستوطن إسرائيلي في الخليل، تحت حماية أكثر من ألفي جندي إسرائيلي يسيطرون على أهم المناطق التاريخية والاستراتيجية في قلب المدينة القديمة (بلدية الخليل، 2019). وتتعاقب التواريخ والسنوات التي يتم فيها تسجيل اعتداءات متكررة على مناطق إضافية يسعى الاحتلال لوضع يده عليها، تارة مستخدماً المستوطنين أنفسهم كغطاء لهذه الفوضى في الاعتداء، وتارة أُخرى من خلال محاولة تشريعها قانونياً. منذ عام 2018-2019 ازدادت وتيرة هذه الاعتداءات وأصبحت تسجل سنوياً خطوات احتلالية كبيرة في هذا الاتجاه. أمّا بعد الحرب الأخيرة على غزة وابتداء من تشرين الأول/ أكتوبر 2023 بات التحدي الذي تتعرض له مدينة الخليل أكثر صعوبة وتعقيداً، في ظل الهجمة الدموية على قطاع غزة والإبادة الجماعية فيها، واستغلالها لفرض حالة سياسية في الضفة الغربية، وتحديداً في مدينة الخليل فيما يتعلق بملف الاستيطان.

تهدف هذه الورقة إلى مناقشة مستوى التوسع الاستيطاني داخل مدينة الخليل وفي محيط الحرم الإبراهيمي بعد حرب الإبادة في غزة والتي بدأت في تشرين الأول/ أكتوبر 2023 وما زالت مستمرة حتى الآن، وإجراءات المؤسسات الفلسطينية التي اتخذت لرد هذا التوسع والسعي لإيقافه، من خلال تتبع كل الإخطارات والتهديدات والوثائق التي رصدتها بلدية الخليل في هذه الفترة مع دراسة مستوى تعاقب وكثافة هذه الإجراءات الاحتلالية بعد الحرب.

ونناقش في القسم الأول من الورقة الزحف الاستيطاني في محيط الحرم الإبراهيمي، وفي القسم الثاني كثافة العمل على المشروع الاستيطاني بعد بدء حرب غزة في تلك المناطق، ونناقش في القسم الأخير جهود المؤسسات الفلسطينية لمواجهة الاستيطان.

الزحف الاستيطاني في محيط الحرم الإبراهيمي

بين الأعوام 1978-1987، أسّس الاحتلال الإسرائيلي بؤراً استيطانية في قلب البلدة القديمة في الخليل، ومن أبرز هذه البؤر: البؤرة الاستيطانية التي أُقيمت على مبنى "الدبويا" في الخليل القديمة عام 1979، وتُعرف باسم "بيت هداسا"، بالإضافة إلى البؤرة المقامة في مدرسة أسامة بن منقذ ومحطة الحافلات خلفها منذ عام 1983، تُسمى "بيت رومانو"، وتحتوي على مدرسة تلمودية ولا تبعد كثيراً عن "الدبويا". كما تشمل هذه البؤر الاستيطانية البؤرة المقامة قرب سوق الخضار القديم، التي تُعتبر أكبر البؤر الاستيطانية وتُسمى "أبراهام أفينو"، التي بدأ تأسيسها عام 1980 من خلال السيطرة على عدة منازل وأجزاء من سوق الخضار، ويطلق عليها الفلسطينيون "الحي اليهودي"، بالإضافة إلى مستوطنة "تل الرميدة" أو "رمات يشاي" الاستيطانية، التي أُقيمت على مساحة دونم واحد وسط الأحياء الفلسطينية في أراضي حي تل الرميدة الذي يضم الكثير من المناطق الأثرية عام 1984. ناهيك بالسيطرة على منازل منفردة قرب البؤر الاستيطانية مثل عمارة الرجبي قرب الحرم الإبراهيمي، ومنزل البكري في تل الرميدة، ومنزل الزعتري في شارع السهلة، ومنزل أبو رجب قرب المدرسة الإبراهيمية.

وتتمتع هذه البؤر بمواقع استراتيجية تطل على البلدة القديمة وبعض أحياء مدينة الخليل، وهناك محاولات إسرائيلية لجعلها متصلة ببعضها البعض لتكون متصلة مع بقية المستوطنات على حدود الخليل، مثل مستوطنة "كريات أربع"، عبر طرق معبدة لتسهيل التنقل بينها والوصول إلى الحرم الإبراهيمي.

ينتهج الاحتلال عادة سياسة الزحف البطيء للتوسع في هذه البؤر وزيادة مساحاتها من خلال عدة ممارسات، أبرزها: محاولة الاحتلال التلاعب بالواقع من خلال فرض أوامر عسكرية تحت ذريعة الأمن بهدف شل حركة الفلسطينيين وإضعافها في تلك المناطق، إذ يتم تقييد حركة الفلسطينيين وإرهابهم بشكل منهجي، فتتعذر حرية الحركة كما يحدث في شارع الشهداء، وفي منطقة سوق الخضار. بالإضافة إلى خطورة تعرض المواطنين للاعتداءات أو تضييق القدرة على دخول منازلهم والعودة من العمل، مع فرض التفتيش اليومي لبطاقاتهم الشخصية لأسباب أمنية كما يحدث في تل الرميدة، وحارة جابر، ووادي الحصين، وحارة السلايمة. وقد عززت قوات الاحتلال وجودها العسكري في البلدة القديمة مؤخراً، ما أدى إلى زيادة عدد نقاط التفتيش والحواجز وتقييد حركة الفلسطينيين بشكل كبير.

هذه التعقيدات اليومية تجعل حياة سكان المناطق المغلقة** في مدينة الخليل أمراً شاقاً وتفرض عليهم حالة من العزلة الاجتماعية. وقد أشارت إحدى القاطنات في تل الرميدة*** إلى أنه بعد الحرب وأثناء أيام العيد لا يتمكن أحد من أقاربها من الدخول أو زيارتهم، كما لم يتمكنوا هم من الخروج، فأصبح يوماً ليس فيه أي خصوصية. بالإضافة إلى الممارسات المتشددة بعد الحرب الأخيرة، التي جعلت احتمالية إغلاق الحاجز في وسط النهار كبيرة، ما أرغم الناس على البقاء أياماً في بيوتهم وعدم التوجه إلى العمل لعدم قدرتهم على ضمان عودتهم مساء إلى منازلهم.

وفي المناطق المغلقة، يصبح من الصعب تقديم خدمات عامة من قبل بلدية الخليل أيضاً، فعملية تقديم خدمات بنى تحتية، مثلاً، تحتاج إلى ترتيبات مسبقة كثيرة كي لا يتعرض الموظفون في أثناء عملهم لأي نوع من الاعتداء أو تعريض حياتهم للخطر. وكذلك الحال فيما يتعلق بفحص شبكات المياه، أو توفير خزانات مياه، أو إرسال بعض صهاريج المياه إليها في حال قطع المياه من الشبكة لأي سبب فني. وهي مسألة تزيد من صعوبة الحياة في هذه المنطقة وتجعل في كل منطقة محاذية لبؤرة استيطانية هامشاً من الصعوبات تختلف عن غيرها. كما حاول الاحتلال فرض واقع جديد من خلال السماح للمستوطنين بالاعتداء والهدم في بعض المناطق، مع ادعاء الإدارة المدنية الإسرائيلية أن هذه الممارسات تمت من دون علمهم أو من دون غطاء رسمي. ولاحقاً، تتبنى المؤسسات الإسرائيلية هذه الممارسات وتقوم بتشريعها قانونياً، كما حدث في الاعتداءات على سوق العتق في سوق الخضار عام 2022، والذي أصبح بعدها بأقل من عام جزءاً من مخطط التوسع الاستيطاني.

كثافة العمل على المشروع الاستيطاني بعد بدء حرب غزة

بعد الحرب، أصبحت توجهات الاحتلال تجاه مستوطنات الخليل أكثر وضوحاً وشراسة في التوسع داخل المدينة. وسأستعرض هنا أهم الاعتداءات التي تمت بعد الحرب الأخيرة، وكيفية التوسع فيها، وكذلك الخطاب الاحتلالي الموجه إلى بلدية الخليل كإعلان عن هذه التحركات.

أولاً: سوق الخضار القديم "الحسبة"

يُعد سوق الخضار القديم، المعروف أيضاً بـ "الحسبة" و"سوق الجملة"، أحد أهم الأسواق في البلدة القديمة بمدينة الخليل. لقد كان السوق عامراً بالحياة ومركزاً تجارياً واجتماعياً مهماً للمدينة، إذ تخصص ببيع الخضار والفواكه، وهو يقع بالقرب من المسجد الإبراهيمي، ويمتد على طول شارع الشلالة الفوقا وشارع السهلة، ويتقاطع مع عدة أزقة وممرات صغيرة تؤدي إلى أسواق فرعية ومنازل قديمة.

في عام 1994، عقب المجزرة التي ارتكبها المستوطن الإسرائيلي باروخ غولدشتاين في الحرم الإبراهيمي، فرضت السلطات الإسرائيلية سلسلة من الإجراءات العسكرية في البلدة القديمة، شملت إغلاق العديد من الشوارع والأسواق، بما في ذلك سوق الحسبة. منذ ذلك الوقت وحتى نهاية الانتفاضة الثانية، تم منع الفلسطينيين من الدخول إلى السوق، وتحولت المنطقة إلى منطقة عسكرية مغلقة في العديد من الأحيان. وبالتدريج، أصبح السوق منطقة يُسمح للمستوطنين الإسرائيليين فقط بالدخول إليها. وأدت هذه الإجراءات إلى تهجير العديد من التجار الفلسطينيين، تدريجياً، وإغلاق محالهم التجاري وجعلها خالية من الحركة والحياة على مدار السنوات العشر التي تبعت مجزرة الحرم الابراهيمي.

منذ عام 2019، شهد سوق الخضار القديم (الحسبة) تصعيداً في الخطوات الاستيطانية الإسرائيلية التي تهدف إلى تغيير الطابع الديموغرافي للمنطقة والسيطرة عليها. وأعلن وزير الدفاع الإسرائيلي آنذاك، نفتالي بينيت، خططاً لإقامة حي استيطاني جديد في الموقع. وجاء هذا الإعلان بعد تسريبات حول جمع تبرعات ونشر بيانات على صفحات استيطانية تشير إلى وجود بؤرة استيطانية في السوق، كما صرحت بذلك لجنة الإعمار (منظمة التحرير الفلسطينية، 2019). وقد جاءت هذه الخطط استجابة لعريضة قدمها آلاف المستوطنين في آب/ أغسطس 2018، تطالب حكومتهم بالموافقة على بناء مستوطنة جديدة في موقع السوق، وفقاً لما نشرته القناة "13" العبرية (المناصرة، 2019) ( لجنة إعمار الخليل، 29 تشرين الأول/ أكتوبر 2018). والهدف من عمليات الهدم التي نفذها الاحتلال هو توسعة البؤرة الاستيطانية المسماة "أبراهام أفينو"، المقامة في سوق الحسبة القديمة، والتي يحاول الاحتلال ربطها بالبؤر الاستيطانية الأُخرى في وسط المدينة لخلق تواصل جغرافي بينها، مثل "رمات يشاي" في حي تل الرميدة، و"بيت هداسا/ الدبويا" في شارع الشهداء، و"بيت رومانو"، وصولاً إلى الحرم الإبراهيمي الشريف. وذكرت وسائل الإعلام الإسرائيلية آنذاك أنه سيتم هدم مباني السوق المملوكة للفلسطينيين، التي تضم نحو 50 متجراً، مع بناء متاجر جديدة مكانها. وتحدثت التقارير عن الحفاظ على الحقوق الفلسطينية في الطوابق الأرضية، من دون تقديم تفاصيل واضحة (المناصرة، 2019). أمّا في تموز/ يوليو 2022، فقد بدأت قوات الاحتلال عمليات هدم في محيط سوق الخضار المركزي القديم "الحسبة"، وتحديداً في منطقة "حاكورة الكيال"، تنفيذاً لهذه التهديدات.

ومن اللافت للنظر أن الاحتلال كان يقوم بعملية تمهيد إعلامي وسياسي قبل البدء الفعلي بتنفيذ هذه الخطط، إذ أعلن نيته إقامة المستوطنة في عام 2018، مع بعض المحاولات التي حدثت في عام 2022. أمّا بعد الحرب، فقد اتخذت وتيرة العمل في هذا الملف منحى أكثر خطورة وجدية، إذ قامت قوات الاحتلال بإبلاغ بلدية الخليل، عبر محاميها المسؤول عن متابعة القضايا في المحاكم الإسرائيلية، بأنها تنوي تفعيل ملف "الحسبة" وتعتزم إعادة البناء في هذه المنطقة، بما في ذلك إعادة استخدام المباني المملوكة للبلدية والمواطنين الفلسطينيين، وبناء طوابق إضافية فوق المباني القائمة. كما أعلن الاحتلال نيته إلغاء أي حقوق تتعلق بالبلدية إذا تقدمت بالاعتراض على المشروع. وقد أُعطيت البلدية مهلة قصيرة جداً، لا تتجاوز 30 يوماً، للاعتراض. وقد أُرسل إلى بلدية الخليل النص التالي:

على الرغم مما سبق، وبشكل استثنائي، سأبدي استعدادي للحفاظ على وضعك القانوني كمستأجر محمي في الوقت الحالي، بشرط عدم الاعتراض على القيام بأعمال البناء في المبنى بهدف إضافة طوابق جديدة على السطح، مع تعزيز الأساسات في درجَي المبنى الحاليين. في حال الاعتراض على تنفيذ هذه الأعمال، يُرجى اعتبار هذا الإشعار بمثابة إخطار بنية المالك البدء بإجراءات التنظيم وترخيص البناء اللازمة. بعد استكمال التراخيص، سيتم اتخاذ الإجراءات القانونية لإخلائكم من العقار، على أن يتم إخطاركم بذلك لإخلاء المأجور وإنهاء الحماية القانونية خلال ستة أشهر من تاريخ إرسال هذا الإشعار، وذلك وفقاً لقانون المالكين والمستأجرين. نرجو الرد على هذا الإشعار خلال 30 يوماً من تاريخه. وفي حال رفضكم تنفيذ الأعمال المشار إليها، أود إعلامكم بنيتي اتخاذ الخطوات اللازمة للمضي قدماً في إجراءات التخطيط والترخيص، يليها إنهاء الحماية القانونية للإيجار. (المسؤول عن الأملاك المتروكة في الإدارة المدنية، 13 حزيران/ يونيو 2024)

 

صورة جوية صادرة عن قسم المساحة

المصدر: بلدية الخليل

 

ويحمل هذا الكتاب أبعاداً استثنائية، أولها التهديد العلني الذي تتعرض له المؤسسات الفلسطينية، وعلى رأسها بلدية الخليل، في فقدان حقها في هذه المباني، سواء كمالك لبعضها أو كمستأجر محمي للبقية، في حال قدمت اعتراضاً في المحكمة على إعادة الاحتلال استخدام هذه المباني والعقارات. بالإضافة إلى خطورة تكثيف الخطوات الاستيطانية من قبل الاحتلال خلال فترة الحرب، مستغلاً انشغال الرأي العام العالمي بما يحدث في غزة، وتجاهل ما يجري في الضفة من أعمال احتلالية متكررة.

هذه السياسة ليست الوحيدة التي انتهجها الاحتلال، بل كانت جزءاً من سلسلة إخطارات وصلت إلى البلدية بالتزامن، تخبرها عن حالات أُخرى يسعى الاحتلال إلى توسيعها، كما حدث في مدرسة أسامة بن منقذ.

ثانياً: مدرسة أسامة بن منقذ:

في عام 1983، سيطر المستوطنون على مدرسة أسامة بن منقذ وعلى محطة الحافلات وسط الخليل القديمة، وأقاموا مستوطنة "بيت رومانو"، وأصبحت هذه المستوطنة بؤرة استيطانية تقع على مدخل سوق البلدة القديمة. وكان المبنى سابقاً مدرسة فلسطينية، وبعد احتلاله تم بناء عدة طوابق إضافية وتحويله إلى مستوطنة، مع السيطرة على الطرق والمباني المحيطة به. والعديد من هذه المباني يمتلكها المواطنون الفلسطينيون، وتمتلك البلدية جزءاً منها، ولديها أيضاً الحق القانوني في استئجارها كمستأجر محمي. وقد تعرضت هذه المباني لسلسلة من الاعتداءات، أبرزها ما حدث في عام 2016 (لجنة إعمار الخليل، 11 آب/ أغسطس 2016)، وتبعته اعتداءات أُخرى في عام 2019، وصولاً إلى تهديد صريح في وثيقة أرسلت إلى بلدية الخليل من الإدارة المدنية بعد حرب غزة الأخيرة، تضمنت تهديداً بفقد حقوق البلدية في هذه الممتلكات (المسؤول عن الأملاك المتروكة في الإدارة المدنية، 13 حزيران/ يونيو 2024، وجاء فيها:

يمكن لبلدية الخليل الاحتفاظ بحقها كمستأجر محمي في العقارات المذكورة، بشرط إزالة اعتراضها على أعمال الترميم في هذه العقارات بصيغة "إخلاء وإعادة بناء"، وبعد ذلك سيتم إضافة طوابق جديدة على البناء. للتوضيح مرة أُخرى، ما سبق ذكره لا يؤثر في صلاحيات الحاكم العسكري في الضفة الغربية أو من ينوب عنه وفقاً لأحكام أي قانون أو نظام عسكري يتعلق بالأرض والمبنى. كما أن هذا الإجراء لا يغير التعليمات الأمنية المتعلقة بالدخول إلى المنطقة. وفي حال عدم تلقي موافقتكم على المسار المذكور خلال 14 يوماً، سنتوجه إلى المحاكم المختصة لإلغاء الحماية القانونية للإيجار بشكل دائم.

هذه الرسالة واردة من المسؤول عن الأملاك المتروكة التابع للإدارة المدنية في منطقة يهودا والسامرة.

ولم تقتصر هذه الإجراءات على مدرسة أسامة وساحة الكراج فحسب، بل امتدت أيضاً إلى مبنى البلدية القديم، الذي يقع على مدخل سوق البلدة القديمة، في مقابل مدرسة أسامة في منطقة عين عسكر. وكان هذا المبنى هو المركز الرئيسي الذي تعتمد عليه البلدية في تقديم الخدمات للمواطنين. ومع مرور الوقت، تعرض المبنى لسياسات مشابهة من حيث التدرج في الاستيلاء عليه وإغلاقه بالقوة.

ثالثاً: منطقة بيت عينون والبويرة

منذ نيسان/ أبريل وحتى تموز/ يوليو 2024، ظهرت معلومات تتعلق بهجمة استيطانية تستهدف عدداً كبيراً من الأراضي في منطقتي بيت عينون والبويرة، وهما منطقتان زراعيتان تقعان على مدخل مدينة الخليل. وهو المدخل الأكثر سرعة في الوصول إلى البلدة القديمة ومحيط الحرم الإبراهيمي، إذ علق الاحتلال لوحة ضخمة على مدخل المنطقة يعلن فيها خطته للاستيلاء على 64 دونماً من الأراضي فيها. أمّا بعد اندلاع الحرب، تم الإعلان عن مصادرة ما يقارب 4000 دونم من أراضي بيت عينون والبويرة بالقرب من شارع 60، مع نية إقامة 1200 وحدة سكنية استيطانية. وقد تمت دعوة عشرات المواطنين المتضررين من هذا الإعلان، وتم تقديم ما يزيد على 36 شكوى بالتعاون مع هيئة مقاومة الجدار والاستيطان، للمطالبة بحقوق المتضررين من المواطنين والمؤسسات التي ستخسر جزءاً من أراضيها.

 

صورة لاجتماع مع المواطنين القاطنين في منطقة البويرة في بلدية الخليل في 16 نيسان/ أبريل 2024 

المصدر: صفحة بلدية الخليل

 

الخاتمة

يتطلب الزحف الاستيطاني في مدينة الخليل جهوداً مضنية ومكثفة من جميع الأطراف الفلسطينية لضمان الدفاع عن مدينة الخليل أمام مواجهة العدوان الإسرائيلي. ويجب أن يشمل ذلك اهتماماً كبيراً من بلدية الخليل في المقام الأول، بالإضافة إلى دور لجنة إعمار الخليل، وهي مؤسسة مختصة بإعادة ترميم المباني في البلدة القديمة في مدينة الخليل. كما يتطلب جهوداً مضاعفة من هيئة مقاومة الجدار والاستيطان، وهي الجهة الرسمية الممثلة للحكومة الفلسطينية والمختصة بهذا الشأن. إلى جانب ذلك، من الضروري أن تساهم بقية المؤسسات في تقديم الدعم الثقافي واللوجستي للمناطق القريبة من الحرم الإبراهيمي والمحاذية للمستوطنات، بما يعزز من صمود المواطنين والسكان في تلك المناطق.

غير أن الواقع يشير إلى مستوى ضعيف من الجهد المبذول على مستوى المؤسسات الفلسطينية للدفاع عن مدينة الخليل والبلدية القديمة فيها. وتخوض بلدية الخليل معارك قضائية تحاول من خلالها تعطيل المشاريع الاستيطانية قدر المستطاع وكسب الوقت لتجميد هذا التوسع. وهي تنجح أحياناً في تجميد بعض القرارات، لكنها تقف عاجزة أحياناً أُخرى. وهذا التحدي أصبح أكثر خطورة بعد الحرب الأخيرة.

على صعيد المؤسسات الفلسطينية، بالإضافة إلى بلدية الخليل كلجنة إعمار الخليل، ومحافظة الخليل، وهيئة مقاومة الجدار والاستيطان والغرفة التجارية، أشير إلى أن الجهود المبذولة في هذا الصدد ليست كافية وغير مرضية، ولا تعكس حالة من الاهتمام الجدي؛ فلا يوجد لجنة أو مبادرة جماعية مستمرة تعكس توحيد الجهود والرؤى في كيفية الدفاع عن أراضي مدينة الخليل، قضائياً وميدانياً أيضاً، بل لا يوجد أية حملات إعلامية ضخمة مشتركة تسلط الضوء على هذا الموضوع، وكل ما تقوم به المؤسسات هو حالة من ردة الفعل تجاه أي حدث استيطاني جديد. فقد قلصت لجنة إعمار الخليل مؤخراً، على سبيل المثال، المخصصات المالية الخاصة بخدمات المحامي المسؤول عن الدفاع عن هذه القضايا في المحاكم الإسرائيلية لديهم، بحجة توقف الدعم من قبل المانحين. وعلى الرغم من كثرة الخطابات والاجتماعات التي نظمتها بلدية الخليل لتشكيل لجنة قضائية مشتركة، فإن هذه الجهود لم تجد بعد إطاراً عملياً جاداً للتنفيذ. أمّا حالياً فلا يوجد تحركات كبرى تصل إلى مستوى الحدث في الرد أو الدفاع عن مدينة الخليل في وجه الهجمة الشرسة التي تعصف بها. بل يعتمد الدفاع عن قضايا محاربة الاستيطان في مدينة الخليل كلها، بمدينتها العتيقة وتاريخها الإسلامي وإمكانياتها السياحية والتراثية والثقافية والوطنية، على محامٍ واحد فقط تتعاقد معه بلدية الخليل، مع وجود تعاون بروتوكولي خجول من هيئة مكافحة الجدار والاستيطان ولجنة الإعمار في بعض الملفات.

 

المراجع

  1. لجنة إعمار الخليل. "وثيقة صادرة عن لجنة إعمار الخليل إلى بلدية الخليل". الخليل: بلدية الخليل، 29 تشرين الأول/ كتوبر 2018.

  2. صحيفة "الرأي" (2022).

  3. المسؤول عن الأملاك المتروكة في الادارة المدنية. "كتاب صادر عن الإدارة المدنية في منطقة يهودا والسامرة". الخليل: بلدية الخليل، 13 حزيران/ يونيو 2024.

  4. المسؤول عن الأملاك المتروكة في الإدارة المدنية. "كتاب صادر من الإدارة المدنية منطقة يهودا والسامرة". الخليل: وثيقة مرسلة إلى بلدية الخليل، 13 حزيران/ يونيو 2024.

  5. المناصرة، آ. "القدس الإخبارية"، 2019.

  6. بلدية الخليل. "وثيقة صادرة تشير إلى الوضع القضائي في مدينة الخليل". الخليل: بلدية الخليل، 2019.

  7. لجنة إعمار الخليل. "وثيقة صادرة من لجنة إعمار الخليل إلى بلدية الخليل". الخليل: بلدية الخليل، 11 آب/ أغسطس 2016.

  8. منظمة التحرير الوطنية. منظمة التحرير الوطنية المكتب الوطني للدفاع عن الأرض ومقاومة الاستيطان. 2019.

 

* ضمن بروتوكول الخليل عام 1997، وهي اتفاقية جاءت كجزء من اتفاقيات أوسلو ووُقعت بين منظمة التحرير الفلسطينية وإسرائيل لتنظيم الوضع الأمني والإداري في مدينة الخليل. بموجب البروتوكول، تم تقسيم مدينة الخليل إلى منطقتين رئيسيتين: المنطقة H1وتمثل حوالي 80% من مساحة مدينة الخليل، وتشمل المناطق التي يتواجد فيها معظم السكان الفلسطينيين، بما في ذلك الأحياء الرئيسية والمناطق السكنية، وتقع هذه المنطقة تحت السيطرة الكاملة للسلطة الوطنية الفلسطينية، من حيث الإشراف الإداري والأمني. أمّا المنطقة H2 فتمثل حوالي 20% من مساحة المدينة، وهي تشمل البلدة القديمة من الخليل والمناطق المحيطة بالحرم الإبراهيمي، وتضم تجمعات كبيرة من المستوطنين الإسرائيليين، وتقع تحت السيطرة الإسرائيلية الكاملة أمنياً، بينما تبقى إدارياً بيد السلطة الفلسطينية إلى حد ما، لكنها تخضع لقيود شديدة.

** المناطق المغلقة في مدينة الخليل هي مناطق في البلدة القديمة التي تم إغلاقها أو تقييد الوصول إليها بسبب وجود المستوطنين الإسرائيليين والسيطرة العسكرية الإسرائيلية. وهي تخضع لإجراءات أمنية صارمة تمنع أو تحد من وصول الفلسطينيين إليها. وقد أثرت هذه الإجراءات بشكل كبير في حياة السكان الفلسطينيين في البلدة القديمة وأدت إلى تهجير العديد منهم، مثل منطقة تل الرميدة، وحارة جابر، ووادي الحصين، وحارة السلايمة، وشارع الشهداء، ووادي الغروس، وبعض أجزاء محيط الحرم الإبراهيمي.

*** تحدثت سيدات من تل الرميدة عن تحديات الحياة فيها مؤخراً في اجتماع عقدتُه بتاريخ 5/9/2024 في بلدية الخليل بناء على طلبهن.

1
À PROPOS DE L’AUTEUR:: 

أسماء الشرباتي باحثة في مجال العلوم الاجتماعية، وتحديداً تحليل الخطاب النقدي. أنهت مؤخراً برنامج الدكتوراه من جامعة بيرزيت، وتشغل حالياً منصب نائب رئيس بلدية الخليل.