"إذا لم تُسجن بعد 7 تشرين الأول/أكتوبر، فلا تظن نفسك أنك سُجنت قط" (5)
Date:
10 septembre 2024
Auteur: 
Thématique: 

عندما طُلب مني كتابة تجربتي في سجون الاحتلال الإسرائيلي بعد 7 تشرين الأول/أكتوبر، شعرت كما لو أنهم يطلبون مني أن أفتح جرحاً لم يلتئم بعد، وأنتزع كل حرف بألم. لكن كتابة هذه التجربة كانت ضرورية كشهادة على معاناة الضحايا داخل ظلمات السجون الإسرائيلية، وهي نافذة سريعة تطل على عالم العذابات التي يتعرض لها الأسرى الفلسطينيون، وخصوصاً بعد 7 تشرين الأول/أكتوبر 2023، وشاهد على تعذيبهم المرئي والمخفي داخل الزنازين.

وتنشر مؤسسة الدراسات هنا سلسلة من الحلقات بشأن هذه التجربة:

الحلقة الخامسة والأخيرة

وسائل الأسرى في مواجهة السجان

تُعتبر الحيلة إحدى أقدم وأذكى وسائل المقاومة التي يستخدمها الأسرى الفلسطينيون في مواجهة السجان الإسرائيلي، فباستخدام الإبداع والابتكار، يتمكن الأسرى من التكيف مع الأوضاع القاسية والانتهاكات المستمرة. ونستعرض في هذه الحلقة استراتيجيات المقاومة بالحيلة، وكيف تمكن الأسرى من المحافظة على كرامتهم وحقوقهم على الرغم من كل التحديات.

تُعد مقاومة الأسرى للعنف والإجراءات القمعية جزءاً لا يتجزأ من نضالهم الطويل من أجل الحرية والعدالة، وتعكس إصراراً على الحرية على الرغم من الأوضاع القاسية والوحشية، وهذه المقاومة تتخذ أشكالاً متعددة، ومنها:

التحدي المباشر ورفض الامتثال: يتعرض الأسرى الفلسطينيون باستمرار للاعتداءات الجسدية والإهانات من جانب السجانين الإسرائيليين، وعلى الرغم من ذلك، فإنهم يتصدون لهذه الاعتداءات. وكثيراً ما تشهد السجون مواجهات بين الأسرى والسجانين، إذ يقاوم الأسرى محاولات التفتيش المهينة والضرب الوحشي، على الرغم مما يمكن أن يترتب على ذلك من عقوبات، وعلى سبيل المثال؛ يرفض العديد من الأسرى الأوامر المهينة التي تصدرها إدارة السجون، كتقليد أصوات الحيوانات أو شتم رموزهم الوطنية، حتى وإن تعرضوا للضرب المبرح.

ومن القصص الشاهدة على ذلك؛ تعرضت الغرفة 5 في القسم 26 في سجن النقب، يوم الجمعة 2 شباط/فبراير 2024، للضرب المبرح بعد أن رفض الأسرى فيها إخراج الأغطية والفراش كجزء من عقوبة فُرضت عليهم. كما تعرضت الغرفة 6 في القسم 22 في السجن نفسه لعقوبة دامت أكثر من 40 يوماً، بعدما قام الأسرى فيها بفتح صنبور الماء، كنوع من التمرد على قرارات إدارة السجن، والتي تقضي بإغلاقه يومياً لمدة 23 ساعة.

كذلك، فإن الأسرى يحاولون إخفاء ملح الطعام أو السكر في الملابس أو في ثقوب الحائط الصغيرة، إذ عثرنا على علبة ملح مخلوطة بالماء، يستخدمها السجناء، وكانت تبدو قديمة، لذا قمنا بتجفيفها وتوزيعها سراً في 12 غرفة.

كما لا يمكن تجاهل محاولات إخفاء الراديو والهواتف الخليوية المهربة، والتي تنطوي على مخاطر عالية، لا يمكن التفصيل بشأنها، لكن أذكر مثالاً واحداً؛ في الأيام الأولى من الحرب، قمنا بإخفاء الراديو داخل جسم إضاءة داخل الغرفة، وبعد عدة عمليات تفتيش، تمكنت وحدة التفتيش من العثور على الراديو، وكنتيجة لذلك، قاموا بإزالة جميع أجسام الإضاءة من الغرفة، وأبقوا على جسم إضاءة واحد فقط يتم فحصه كل أسبوع.

الإضراب عن الطعام: يُعد الإضراب عن الطعام من أبرز وسائل المقاومة التي يستخدمها الأسرى الفلسطينيون، ويهدف إلى الضغط على إدارة السجون لتحقيق مطالبهم الأساسية، كتحسين الأوضاع المعيشية، أو إنهاء العزل الانفرادي. وقد شهدت السجون الإسرائيلية العديد من الإضرابات الجماعية والفردية التي أثارت اهتماماً دولياً.

وهناك تجربتان جماعيتان في السجون خلال سنة 2024: الأولى، في سجن النقب، في مطلع سنة 2024، حين أعلن 6 أسرى إضرابهم عن الطعام، وتم عزلهم فوراً عن باقي الأسرى، وتعرضوا للضرب المبرح على مدار أيام، وهو ما دفعهم في النهاية إلى فك إضرابهم.

والثانية، في سجن مجدو، في بداية شهر رمضان 2024، حين أعلن قسم 6 إضرابه عن الطعام، الأمر الذي دفع إدارة السجن إلى قمع القسم بالقوة، واستخدام الغاز المسيل للدموع. وبعد ذلك، تم توزيع الأسرى الموجودين في القسم على باقي الأقسام وسجون أُخرى.

من الممكن وجود تجارب أُخرى مماثلة في سجون أُخرى لم تصل إلينا تفاصيل عنها بعد، إذ يمكن أن تكون هناك حالات إضراب عن الطعام أو تصعيدات أُخرى تحدث بصمت داخل السجون.

التضامن الجماعي: يبدي الأسرى الفلسطينيون تضامناً جماعياً قوياً حين يدعمون بعضهم في مواجهة التعذيب والإهانات، وهذا التضامن يساعد في تعزيز الروح المعنوية، ويشكل بيئة مقاومة داخل السجون. فعلى سبيل المثال؛ بعد كل اقتحام، يبدأ الأسرى بالنداءات على بعضهم عبر الشبابيك الخلفية – على الرغم من أن ذلك ممنوع - مستخدمين عبارات كـ "شدة وبتزول"، والتي تعني أن الأوضاع الصعبة ستمر وتزول في النهاية. كما يستخدمون عبارة "ما حدا بسكرنا"، للتأكيد على عزيمتهم وعدم استسلامهم أمام المحن، وأيضاً "النصر صبر ساعة"، للتعبير عن أن الانتصار يأتي بعد صبر طويل وتحمُّل الصعاب.

محاولات إعادة التنظيم الداخلي: لقد تمتع الأسرى الفلسطينيون بتنظيم داخلي قوي عبر تشكيل لجان قيادية تمثلهم أمام إدارة السجون، وهذه اللجان تنسق الحاجات والاحتجاجات، وتفاوض على تحسين أوضاع السجن، وتؤدي دوراً حيوياً في المحافظة على وحدة الصف بين الأسرى، وتوجيههم في مواجهة السياسات القمعية للسجان.

ومنذ بداية الحرب، لم تكن إدارة السجون راغبة في وجود هيئات كهذه للتعامل مع الأسرى، وعملت على عدم الاعتراف بها، وعزل قيادة الحركة الأسيرة، وسعت للتعامل مع كل أسير على حدة، لكن الأسرى لم يستسلموا لهذا النهج، إنما عملوا على تشكيل مرجعية سرية تضم مجموعة صغيرة من الأسرى داخل كل قسم، لا تتجاوز 3 أشخاص من أصحاب الخبرة في الواقع الاعتقالي.

وعلى الرغم من جهود الأسرى في تشكيل هذه المرجعية، فإن إدارة السجون كانت تتابع وتنتبه لوجود تنظيمات كهذه، وفور اكتشافها لها، تقوم بنقل الأسرى المعنيين وتفريقهم على الفور، في محاولة لضبط الوضع وتفادي أي تنظيم داخلي يمكن أن يؤثر في السيطرة الإدارية داخل السجن.

الصمود النفسي: يعتمد الأسرى على القوة النفسية والعزيمة لمواجهة الضغوط اليومية، وذلك عبر الدعم المتبادل، وتبادُل القصص والتجارب، كما يعزز الأسرى من المعنويات فيما بينهم، وهو ما يجعل من الصعب على السجان كسر روحهم.

فعلى سبيل المثال؛ يتذكر الأسرى القدامى أحوال السجون في أوائل الثمانينيات، ويستحضرون قصص الإضرابات عن الطعام والمواجهات مع إدارات السجون، ويؤكدون أن ما يحدث اليوم لم يكن موجوداً إلاّ بعد احتلال الضفة الغربية سنة 1967، وعلى الرغم من ذلك، فإنهم يشيرون إلى أن كل شيء مر وأصبح جزءاً من التاريخ والذاكرة.

التمسك بالهوية الوطنية والدينية: على الرغم من محاولات السجان الإسرائيلي لفرض السيطرة والقمع، فإن الأسرى يظلون متمسكين بهويتهم الوطنية والدينية، فعلى سبيل المثال؛ حافظ الأسرى على تنظيم صلاة الجماعة والجمعة سراً على الرغم من الحظر، كما أنهم احتفلوا بالأعياد الدينية، وهو ما كان يعزز وحدتهم وصمودهم في وجه السجان، فقاموا في القسم 10 في سجن مجدو بأداء صلاة عيد الفطر بصورة جماعية، على الرغم من أن ذلك عرضهم للقمع، بعد سماع السجان أصوات المصلين، بينما أدى الأسرى في القسم 18 في سجن عوفر صلاة العيد بصورة فردية.

المقاومة القانونية: يلجأ الأسرى إلى استخدام الأدوات القانونية لمواجهة الانتهاكات التي يتعرضون لها، وعن طريق المحامين والمؤسسات الحقوقية ومحكمة العدل العليا، يتم تقديم شكاوى ودعاوى قانونية ضد ممارسات إدارة السجون.

طبعاً، يمكننا ملاحظة كثرة التقارير التي تصدر عن نادي الأسير الفلسطيني وهيئة شؤون الأسرى، والتي تسلط الضوء على أحوال الأسرى، وآخر المستجدات المتعلقة بهم، كذلك القضايا والشكاوى التي قُدمت في المحاكم الإسرائيلية، ومن أبرزها القضية المتعلقة باستشهاد ثائر أبو عصب، وقضية استرداد جثمان الأسير الشهيد وليد دقة.

الإفراج

في يوم الإفراج، في 16 نيسان/أبريل 2024، لم أكن على علم بأنه سيتم إطلاق سراحي بعد العدد المسائي عند الساعة 6:00 مساءاً. وكنت أقوم بإعداد الطعام الذي ادخرته منذ الصباح لأتناوله في المساء، عندما جاء السجان وأخرجني من الغرفة من دون تفسير واضح، فسألته إلى أين، فأجاب بأن هذا لا يعنيني. حينها، بدأ السجناء يتجمعون عند أبواب غرفهم ويصرخون؛ فيقول أحدهم: "طمن أهلي"، والآخر: "سلم على أمي"، وثالث يقول: "لا تنسانا"، ولم أكن أدرك حقيقة ما يجري، وكانت لدي شكوك بأنني في طريقي إلى البيت، وخصوصاً بعد انتهاء فترة اعتقالي الإداري قبل يومين.

تم إخراجي من ساحة القسم مقيداً، وكان رأسي يكاد يلامس الأرض، ووضعوني في زنزانة صغيرة، وبعد 10 دقائق، جاء الضابط وهو يقول: "ما هذه الدولة، بدلاً من قتل ’المخربين‘ تطلق سراحهم." وبعد الشتائم والتفتيش العاري، صعدت إلى سيارة النقل وأنا محاط بمجموعة من السجانيين، وبعد 30 دقيقة، وصلت إلى معبر الجلمة بالقرب من مدينة جنين، وتم إطلاق سراحي هناك. لم أصدق، وشعرت وكأنني في حلم، بشعر غير منتظم ولحية كثيفة، وملابس مهترئة.

وعندما وصلت إلى باب المعبر المؤدي إلى المدينة، ركضت بلا وعي، ولمسافة طويلة، إلى أن وصلت إلى أول سيارة أقلتني إلى وسط المدينة، واتصلت بأهلي، وأخبرتهم بالإفراج، وبعد نصف ساعة لاحقاً، وصلت عائلتي، وكان اللقاء حافلاً بالفرحة.

Yasser Manna
نجوم منتخب كرة الطائرة إبراهيم قصيعة (يمين) وحسن زعيتر (مواقع التواصل) استشهدا بقصف إسزائيلي على مخيم جباليا.
Ayham al-Sahli
Maher Charif
Uday al-Barghouthi
Kareem Qurt
Yumna Hamidi