تستمر حرب الإبادة الإسرائيلية على قطاع غزة منذ 7 تشرين الأول/أكتوبر، وقد كشفت تواطؤ الإمبريالية العالمية واستمرارية دعم الاستعمار في فلسطين. وفي الوقت ذاته، فقد هدمت إسرائيل، عبر ممارساتها، منظومة "الهسبراه" وصورتها وشرعيتها كـ "دولة" ديمقراطية أمام أحرار العالم، وهو ما بدا واضحاً بعد تشكُّل الحراك العالمي الطلابي الذي بدأ في جامعة كولومبيا، في 17 نيسان/أبريل 2024، وامتد ليصل إلى أكثر من 70 جامعة في أميركا وفرنسا وبريطانيا وألمانيا.
إن الطلبة الذين اعتصموا في ساحات الجامعات طالبوا، على رأس الأولويات، بوقف الإبادة الجماعية والتطهير العرقي، وقطْع العلاقات مع إسرائيل، وسحْب الاستثمارات من الشركات التي تدعم الاستعمار، ومنها العاملة في مجال التسليح، ووقْف التعاون الأكاديمي مع إسرائيل. وقد طرح هذا الحراك تساؤلات بشأن دور الطلبة في الجامعات العربية والفلسطينية، وذلك بعد امتداد الحراك وتأثيره في سياسات الجامعات، والعنف الذي استُخدم كأداة لإخماده.
لكن عند المقارنة بين الحراكَين، وَجَبَ الأخذ بعين الاعتبار الوضع الذي نشأ فيه هذا الحراك وأهدافه والبنية السياسية، فعلى سبيل المثال، تشكّلت الحركة الطلابية الفلسطينية في وضع استعماري، وارتبطت الأذرع الطلابية بالفصائل الفلسطينية باعتبارها أداة من أدواتها النقابية في الجامعات، أمّا بالنسبة إلى الحراك الطلابي العالمي، فقد جاء رداً على مجازر الاستعمار بحق شعبنا في قطاع غزة وتعاوُن بعض الجامعات الأوروبية والأميركية مع كيان الاحتلال.
الحركة الطلابية تحت مطرقة حاضنتها الحزبية
أجرى موقع الدراسات الفلسطينية حواراً مع الباحث والمحاضر في جامعة بيرزيت، طارق مطر، بشأن الحركة الطلابية الفلسطينية، وبدوره قال إن "نشأة الحركة الطلابية الفلسطينية ذات صلة بمنظمة التحرير الفلسطينية، ولاحقاً أصبحت للأحزاب والفصائل أذرعها الطلابية في جامعات الوطن"، مشيراً إلى أن ثنائية الحزب والإطار الطلابي كانت تعمل على أرض الواقع بصورة مترابطة على مستوى النضال ضد الاستعمار، وإن كانت الاختلافات على الصعيد الاجتماعي والثقافي والديمقراطي في الشأن الداخلي الفلسطيني.
وأضاف أن دور الحركة الطلابية في فلسطين تاريخياً، وخلال الحرب على قطاع غزة، مختلف عن دور الطلبة في أميركا والدول الأوروبية، ولَفَتَ إلى أنه "عند المقارنة بين الحالتَين، وجب فهْم السياق والحالة الفلسطينية لمعرفة ما هو مطلوب من الحركة الطلابية في الوقت الراهن في ظل الحراك العالمي."
وفي سياق متصل، يرى مطر أن الحركة الطلابية كانت تقود الشارع الفلسطيني، لكنها في تراجُع مستمر إذا نظرنا إلى نضالها خلال السنوات الأولى من التأسيس، وتابع: "الأحزاب والفصائل والحركة العمالية والنسائية في الضفة الغربية كلّها لديها عُطْبٌ سياسي، وهذا من تجليات الانقسام الفلسطيني وتفتُت الحركة الوطنية، الذي انعكس بدوره في الحركة الطلابية الفلسطينية."
وأشار إلى أن "حلّ الإشكالية يكمن في إعادة بناء الحركة الوطنية، التي بالضرورة سوف تنعكس في الحركة الطلابية"، مؤكداً أن المسؤولية تقع على عاتق التيارات السياسية الكبرى بحُكم تجاربها عبر التاريخ، ودورها المفترَض هو تأطير الشعب الفلسطيني واستثمار الطاقات البشرية الهائلة والعقول المفكرة في القضايا التحررية.
شهداء وأسرى مع وقف التنفيذ
كما أجرى موقع الدراسات الفلسطينية مقابلة مع الطالب ليث كيشي، وهو رئيس مجلس الطلبة ورئيس الكتلة الإسلامية سابقاً، قُبيل اعتقاله بفترة قصيرة، وقال بدوره إن الحركة الطلابية في جميع الجامعات هي المحرك الأساسي في الشارع، مضيفاً أنه مع ذلك، فإن "لجامعة بيرزيت الخصوصية والتأثير الأقوى بين جامعات الوطن من ناحية المساحة التي تمنحها الجامعة للطلبة من أجل التحرك سياسياً ونقابياً"، مشيراً إلى أن الطلبة يتوافدون إلى الجامعة لمستواها التعليمي، وللمشاركة في المساحة السياسية والديمقراطية.
وأضاف أنه "على الرغم من أن الحركة الطلابية تقوم بدورها في خدمة الطلبة ومساعدتهم لِحَلِّ أزماتهم، فإن دورها الوطني أوسع بصفتها امتداداً للأحزاب الفلسطينية ونضالهم في دحر الاحتلال"، ولفت إلى أنها تحاول إحياء الشارع الفلسطيني عبر العديد من الفعاليات والحملات، وكان آخرها حملة داعمة لقطاع غزة تحت عنوان "جامعة الشهداء لغزة" وبالتعاون مع إدارة الجامعة.
ويُشار إلى أن حملة "جامعة الشهداء لغزة" انطلقت في إثر العدوان على قطاع غزة، وتعمل على تعزيز دور الطلبة ووقف الإبادة الجماعية التي يتعرض لها أبناء قطاع غزة، والتصدي للإبادة المعرفية عبر تخصيص مساحة مفتوحة في الجامعة وعقْد النشاطات اليومية والمحاضرات والنقاشات بشأن القضية الفلسطينية.
أمّا عن ضريبة النشاط الطلابي، فقد أكد الكيشي، الذي أصبح أسيراً في سجون الاحتلال، أن الطلبة هم عرضة للملاحقة من جانب الاحتلال وأجهزة أمن السلطة الفلسطينية، وقد بلغ عدد الأسرى 140 أسيراً داخل سجون الاحتلال، ولفت إلى أن "التضحيات لا تضاهي تضحيات شعبنا في قطاع غزة وما يعانون جرّاءه من حرب إبادة."
وفي السياق ذاته، قالت رئيسة نادي الكتاب في جامعة بيرزيت، ميار البرغوثي، للدراسات الفلسطينية، إن "تراجُع الحركة الطلابية سببه حملة الاعتقالات التي يشنها الاحتلال على الطلبة، بالإضافة إلى اتباع سياسة الترهيب والتخويف، لكن ذلك لا يبرر التقاعس عن نصرة شعبنا في غزة"، وأضافت أننا "نستطيع ملاحظة مشاعر الخوف والقلق عند الطلبة عن طريق الأحاديث الاجتماعية، لكن عندما يحدث أمر طارئ، فهُم يتحركون ضمن المواقف، كَيَوْمِ طَرْدِ السفير الألماني من جامعة بيرزيت لِتَوَرُّطِ بلده في الحرب."
هذا بينما تؤدي جميع مكونات الجامعة، كأندية التخصصات والمجموعات الشبابية، دوراً مسانداً للأطر الطلابية، وأكدت البرغوثي في هذا السياق أن "دورهم يتزامن مع الرؤية النقابية والوطنية للأطر الطلابية"، ولفتت إلى أنه خلال الحرب، قام نادي الكتاب بإعداد خطة عمل تتناسب مع الأحداث، على الرغم من الإمكانات المحدودة، موضحة: "حاولنا تشكيل وعي مقاوِم عند الطلبة، وقمنا بتطبيق مناقشات للكتب الثقافية والسياسية وعَكْسِهَا في أرض الواقع عبر فعاليات ونشاطات داخل أسوار الجامعة وخارجها."
وفي سياق متصل، أدت جامعة بيرزيت دورها كمؤسسة أكاديمية ووطنية خلال الحرب على قطاع غزة، وأطلقت مبادرة "إعادة الأمل" لدعم التعليم العالي وتعزيزه في قطاع غزة في ظل حرب الإبادة الجماعية التي طالت المؤسسات التعليمية والأكاديمية، وترى الجامعة أن هذه المبادرة نابعة من واعز أخلاقي ووطني، ومؤازرة المؤسسات المجتمعية، وإنتاج المعرفة التحويلية.
وبحسب ما نُشر على موقع جامعة بيرزيت فيما يتعلق بهذه المبادرة، فإن جزءاً منها يتضمن دَمْجَ الطلبة من قطاع غزة، وتمكينهم من التعلم في جامعة بيرزيت، والعمل على ما يُسمى بـ "البحث التحويلي"، عبر الشراكة بين باحثي بيرزيت والجامعات العالمية وباحثي الجامعات في قطاع غزة فيما يتعلق بالأبحاث والدراسات المنبثقة من واقع الإبادة والعدوان على قطاع غزة.
جامعة الشهداء.. هل ينحصر دور الطلبة داخل أسوار الجامعة؟
تُعتبر جامعة بيرزيت نموذجاً بين الجامعات الفلسطينية على المستوى الأكاديمي والوطني، إذ تتيح للطلبة الانخراط في العمل السياسي والنقابي، وتوفّر البيئة الحاضنة، كإجراء انتخابات دورية لمجلس الطلبة الذي يضم الأذرع الطلابية التابعة للفصائل الفلسطينية، بينما يشير الطلبة في حديثهم الاجتماعي بصورة مستمرة إلى أن هذه هي العملية الديمقراطية الوحيدة التي يشاركون فيها، فلا انتخابات رئاسية أو تشريعية يُقر عن طريقها المواطن ميوله السياسي والاجتماعي.
ولم يقتصر دور الأذرع الطلابية تاريخياً في جامعة بيرزيت على العمل النقابي فحسب، بل أيضاً كانت المحرك للشارع الفلسطيني، ومقياساً للوعي السياسي الفلسطيني، ومنها خرج السياسيون والقادة العسكريون خلال الانتفاضة الثانية، كالأسير مروان البرغوثي، والشهيد يحيى عياش، ليستمر نضال الطلبة خارج أسوار الجامعة، وهو ما بدا واضحاً خلال الحرب المتتالية على قطاع غزة، وحراكهم في ظل الأحداث التي كانت تندلع بصورة مفاجئة، كهبّة السكاكين سنة 2015، وهبّة البوابات الإلكترونية في القدس المحتلة سنة 2021، ومعركة وحدة الساحات الفلسطينية سنة 2022.
أمّا على صعيد دور الحركة الطلابية خلال حرب الإبادة على قطاع غزة، فيرى بعض الباحثين والعاملين في المجال النقابي أن الحركة الطلابية لم تعد تحشد وتشارك في العمل الوطني بصورة ملحوظة إذا نظرْنا إلى نوعية الإسناد والتحرُك أو عدد المشاركين، مبررين ذلك بتراجُع الحركة الوطنية بعد أوسلو. إلاّ إن للطلبة رأياً آخر، وعَبْرَ أحاديث جانبية ومتداولة، فإن أحد أسباب تراجُع التفاف الطلبة حول الحركة الطلابية هو أزمة فايروس كورونا وتحوُّل التعليم الوجاهي إلى التعليم عن بُعد لمدة عامَين ونصف العام، وهذا بدوره أثّر في الطلبة من الناحية الاجتماعية وتسبب في انعزالهم، وحدّ من مشاركتهم على المستوى النقابي والوطني.
ومن الجدير ذكره أن جامعة بيرزيت قدّمت 33 شهيداً، وكان آخرهم الشهيد الطالب أيسر صافي، بينما وصل عدد أَسرى جامعة بيرزيت إلى أكثر من 140 أسيراً وأسيرة في سجون الاحتلال، ومع بداية الحرب على قطاع غزة، اعتُقل أكثر من 70 طالباً، منهم 4 طالبات، و4 من الهيئة التدريسية والأكاديمية. وبحسب تقرير صادر عن حملة الحق في التعليم في جامعة بيرزيت، فإنه في السنوات العشر الأخيرة (2013 - 2024)، اعتقل الاحتلال ما يزيد على 500 طالب و25 طالبة.