سعيد البرغوثي: فلسطيني في دمشق
Date:
14 mai 2024

إنه شخص لا ينفع اللقاء معه مرة أو مرتَين أو ثلاث مرات، إنما يحتاج المرء إلى أن يلتقيه مرات كثيرة ليرتوي منه على دفعات، فأفكاره كثيرة وذاكرته غزيرة، تبدأ من صفد، ولا تتوقف في دمشق، ويلتقط في الحديث لحظة فيلقي شِعراً أو يغني، وهو ما يجعل الجالس أمامه يتأمل فيه طويلاً، ففيه ما ينم عن تاريخ مكتنز بالأحداث والأفكار والقصص؛ هو سعيد البرغوثي.

التقيتُ البرغوثي في مقر "دار كنعان" في منطقة ساروجة في دمشق، وكان اللقاء مرتباً مع رائحة القهوة التي أعدّها لنا الفنان باسم صباغ الذي يعمل في الدار منذ سنوات طويلة. طلبتُ منه تعريفاً عن نفسه، وعلى الرغم من أن وجهه النضر مع التجاعيد وشعره الأبيض كلها تحمل إجابات، فإنه قال مكثِفاً سيرته: "أنا إنسان منتمٍ إلى فلسطين، وُلدت في صفد سنة 1938، وخرجت من فلسطين سنة 1948، وكان عمري 10 سنوات. لذا، فالوطن في ذاكرتي، بل أيضاً لا يبارحها." 

ذاكرته صفد

تنسال الذاكرة على لسانه كأنها حدثت أمس، وليست قبل 76 عاماً، فيقول بهدوء وبعض الحسرة في صوته: "كل معالم صفد مرسومة في ذاكرتي تماماً، وكل حياتي في العشر سنوات التي قضيتها هناك خالدة وماثلة أمامي؛ في الكتّاب حيث بدأتُ أتعلم، وكان اسم مدرّسي محمد رضا خميس، وهو من أوائل الشهداء الذين سقطوا دفاعاً عن المدينة، فمع انتهاء الانتداب البريطاني، رشق العدو الصهيوني مدينتي برشقات هاون عشوائية ليرعب أهلها، ويجبرهم على الرحيل." وهكذا حدث في صفد، وفي باقي المدن والقرى الفلسطينية، إذ سهّلت بريطانيا للصهيونيين دخول البلد والتسلح.

وفي المنزل، في صفد، كانت الحياة عامرة، وكان ابن عائلة معروفة في المدينة، وبيتهم من البيوت المعتنى بتقسيمها وزخارفها: "ما أذكره في بيتنا غرفة كبيرة جداً، كان اسمها القاعة، لها سقف مزخرف، وهي تطرح في رأسي سؤالاً حتى اليوم عن الفنانين الذين قاموا بتلك الزخرفة الجميلة، وحين لجأنا إلى سورية، رأيتُ أن بيتنا يشبه بيوت الشام القديمة." وفي جوار البيت، كان حقلهم المزروع بأشجار الفواكه والمحاصيل: "هذا الحقل ظل حسرة في قلبي، فكما هو معروف، حين تثمر الأشجار، تبشّر بثمرة واحدة، ولاحقاً تثمر وتعطي، وقد بشّرت بعض الأشجار فعلاً، لكننا تهجّرنا." 

التهجير والنكبة

لم يكن في صفد، بحسب إيلان بابيه، أكثر من 400 متطوع، نصفهم فقط كان مسلحاً ببنادق، وكان سكان هذه المدينة 9500 فلسطيني و2400 يهودي، وكان معظمهم من المتدينين المتعصبين جداً، ولم يكونوا معنيين بالصهيونية، ناهيك بمحاربة جيرانهم العرب. وبدأت المناوشات في المدينة في أوائل كانون الثاني/يناير 1948، وكان سببها غارة استطلاعية عدوانية قام بها عدد من أعضاء "الهاغاناه"، فدخلوا سوقاً وأحياء فلسطينية، وكان على رأس حامية المدينة ضابط سوري، هو إحسان كم الماز.[1] 

وكان يحدث ما يحدث، وسعيد يستمع إلى أصوات الرصاص، ويذكر أنه كان يسمع من الكبار أن "الذخائر كانت قليلة"، بعكس الاحتلال الذي كان يمتلك على سبيل المثال "سلاح الهاون، وكان في حينها من الأسلحة المهمة."

وتهجّر أهالي صفد بعد أن طردت "البالماخ" معظم السكان، وسمحت ببقاء 100 رجل طاعن في السن، لكن ليس لفترة طويلة، فطُردوا أيضاً إلى لبنان.

خرج الطفل سعيد قبل تهجير المدينة النهائي في 11 أيار/مايو 1948: "قالت لي والدتي: ’إن بيت خالك سيذهبون إلى الشام‘، وفي القديم كنا نسمي دمشق الشام، وكان هذا الاسم يتردد كثيراً لأنه كانت هناك عائلات كثيرة ستذهب إلى هناك حتى تهدأ الأمور. وأخذتني أمي إلى بيت خالي لوداعهم قبل أن يغادروا، فذهبنا ووجدنا عائلة خالي قد حضّرت بعض الأغراض لأخذها معها، وكانت امرأة خالي - أذكر اسمها بكل إجلال ومحبة، حفيظة الكردي - على درجة كبيرة من الإحساس والفهم، فلاحظتْ غَيْرَتِي من ابنها الذي يجايلني، والذي سيذهب إلى دمشق، بينما أنا باقٍ في صفد، وكنتُ في طفولتي أنظر إلى الموضوع على أنه رحلة، فنظرتْ إليَّ بحنان، وسألتْني إن كنتُ أريد الذهاب معهم، فنظرتُ إلى والدتي، فلم تمانع." وهكذا ودّع والدته، وغادر مع بيت خاله مشياً على الأقدام نحو الشمال، حتى وصلوا إلى قرية السموعي شمالي فلسطين، والتي كانت "تنتصب على السفح الشرقي لجبل زبود، وتشرف على صفد من جهة الشرق. وكانت تبعد نحو 100 متر إلى الغرب من طريق صفد - عكا العام. في سنة 1596، كانت السموعي قرية في ناحية جيرة (لواء صفد)."[2]  

وفي السموعي، نزلوا في بيت المختار، وظلوا عنده للنوم، وكان سعيد صغير عائلته، أو كما يقال في فلسطين "قريد العش"، وكان حتى تلك السنة (1948)، وعمره 10 سنوات، ينام في جوار والدته، وكانت تلك هي الليلة الأولى التي سيبيت فيها بلا أمه: "لم أكن طفلاً ابن ثلاث سنوات لأبكي، لكنني غمرت وجهي بالغطاء وبكيت نادماً على ترك والدتي." وانطلقوا في اليوم التالي إلى القنيطرة: "ركبنا كميون، وبتنا فيه ليلة، وتكرر مشهد الليلة السابقة، فبكيتُ، وفكرتُ طويلاً بأمي، وسألت نفسي إن كان في وسعي أن أعود، ’هل سأستطيع أن أصل إلى بيتنا؟‘ لكن الإجابة كانت سلبية. وفي اليوم الثالث، ركبنا حافلة لتقلنا إلى دمشق، وفي تلك الأيام، كان الأطفال يجلسون في الممر بين المقاعد، وفي الطريق، خَطَرَ في بالي أن أسأل الطفل الذي يجاورني سؤالاً ربما تريحني إجابته: ’هل أمك معك؟‘ فأجابني: ’نعم‘ وأشار إليها، فانكفأتُ إلى حزني." ثم وصلوا إلى دمشق، وبعد أسبوع وصلت أمه، وبعد أسبوع آخر وصل والده، واكتملت العائلة.

ريف دمشق - حرستا

كانت لدى الشعوب العربية ثقة بالنصر، وثِقَةٌ بأن فلسطين ستعود إلى أهلها: "كان الكل متوهماً أن الأمور في فلسطين ستنتهي لمصلحتنا، لذلك، منحتْنا الحكومة السورية في البداية إقامة لشهر واحد، فقد كانت تظن أن الحكومة الصهيونية سيتم القضاء عليها. ومع انقضاء الشهر الأول، منحتْنا إقامة جديدة لثلاثة أشهر، وانقضت، ولم يتم القضاء على الصهيونيين، ولم نعد، فمُنحنا تذكرة إقامة موقتة، عمرها الآن نحو 76 عاماً."

ومع توافُد اللاجئين الفلسطينيين إلى سورية، لم يذهبوا جميعهم إلى المخيمات المعروفة اليوم، فبعضهم أقاموا بمناطق لم تقم فيها مخيمات أصلاً، كحرستا؛[3]  "لا أعرف ما الذي جعل معظم البراغثة يسكنون هذه المنطقة من ريف دمشق، وقد مكثنا فيها منذ اللجوء حتى سنة 1961، وانتقلنا إلى دمشق. لم يدفع أي فلسطيني أجرة لسكنه، فكان أهل حرستا يستضيفوننا في بيوتهم بلا مقابل، بل أيضاً كانوا يغدقون علينا من الخضار والفواكه التي كانت تنتجها مزارعهم وبساتينهم." 

المدرسة والتعليم

قبل أن يترك صفد، كان سعيد في الصف الرابع، وبعد التهجير، لم يلتحق بالمدرسة بسرعة: "كنتُ أتجول في حرستا، فرأيتُ بناءً من طبقتَين، وكان مكتوباً على بابه ’مدرسة حرستا الرسمية للبنين‘، فذهبتُ إلى إحدى نوافذه لأنظر، فلمحني المعلم، وأشار إليّ لأدخل الصف، وحين رآني التلاميذ، أخذوا يصيحون: ’فلسطيني فلسطيني أستاذ بيعرف إنكليزي‘، وهنا ابتسم المعلم، وسألني بعض الأسئلة بالإنكليزية، فأجبته بما كنتُ أملكه من تلك اللغة في ذلك الوقت، فقال لي، وكان اسمه خليل البرهمجي: ’جيب دفتر وقلم وتعال غداً إلى المدرسة.‘ وهكذا، وبعد أن كنت قد تركتُ كتبي ودفاتري وأقلامي في فلسطين، اشتريت دفتراً وقلماً في سورية، وانتظمتُ في المدرسة، لكن في الصف الثاني، بعد أن كنتُ في الصف الرابع في فلسطين." وانتبهت إدارة المدرسة للأمر، فرفعت سعيد إلى الصف الثالث، "ثم قرر مدير المدرسة، راشد الشعار، الذي أذكره هو والمعلمين بكل محبة، أن أنتقل إلى الصف الرابع والخامس، كي لا أضيّع سنة دراسية، لأنهم اعتبروا أن إمكاناتي تسمح لي بهذا الانتقال، ونجحتُ في الصف الخامس، وأنهيتُ المرحلة الابتدائية، وفي تلك المرحلة الزمنية، كان مَن يحصل على الابتدائية، يُعتبر نصف أستاذ."

وانتقل سعيد إلى الدراسة في دمشق، وتسجل في ثانوية التجهيز الخامسة للبنين، في حي السبع طوالع بين حي العمارة والمسجد الأموي: "كان التدريس على مرحلتَين؛ صباحية لمدة أربع ساعات، وتليها استراحة لساعتَين، ثم بعدها ساعتان بعد الظهر، وكنتُ أذهب إلى المسكية في الاستراحة، وهو المكان الذي تُباع فيه الكتب والقرطاسية، ففيها محل صغير جداً يبيع سندويشات الفلافل، فأتناول طعامي، وأدخل المسجد الأموي لأقرأ حتى انقضاء مدة الاستراحة. وكان في هذه المدرسة أساتذة أتذكرهم بحب شديد، أحدهم كان شيخاً معمماً ويرتدي جبة سوداء، وهو محمد وحيد الجباوي،[4]  وكان يعلمنا اللغة العربية، وأذكر ملاحظته عني في الصف السادس حين خطه بيده ’مثال يحتذى‘، وكنت أشاهده في الترامواي، وكان ينتقل من مركز مدينة دمشق في ذلك الوقت في المرجة إلى باب توما إلى القصاع، وثم بين البساتين في جوبر فزملكا فحرستا فدوما، وكان هذا طريقي اليومي، وكنت ألتقيه في الترامواي كثيراً، إذ كان يركبه ذهاباً وإياباً ليكون بين البساتين، وكثيراً ما كان يناديني، ويُجلسني في جواره."

واستمر سعيد في تحصيله الدراسي، وعمل بينما كان يدرس، وذلك بعد توقُف والده عن العمل جرّاء إصابته، فحصل على تعويض بسيط ساعد العائلة، وعلى الرغم من هذه الأوضاع، فقد نال سعيد شهادة البكالوريا، وسجّل في فرعَين معاً، "في الحقوق، والآداب"، لكنه سُجن. 

الانخراط في السياسة

انتمى سعيد البرغوثي إلى "حركة القوميين العرب" وهو في عمر 17 عاماً، فكان يشارك في التظاهرات المؤيدة للوحدة مع مصر سنة 1958، ولاحقاً انتسب إلى الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين: "بسبب السياسة، سُجنت لمدة 7 أشهر، وفي نهاية هذه المدة، حكمت عليّ محكمة أمن الدولة العسكرية العليا بـ 5 سنوات مع الأشغال الشاقة، والتجريد من الحقوق المدنية والعسكرية، إلاّ إن ثورة آذار/مارس 1963 فيما بعد أَخْرَجَتْنِي وغيري من السجن، وطُوي الحكم."

وبعد أن خرج من السجن، كان هاجسه مغادرة سورية، فقاده عمله السياسي في الجبهة الشعبية إلى الجزائر في سنة 1963: "وصلتُ إلى المطار، ومنه انطلقتُ إلى مكتب فلسطين في شارع فيكتور هوغو، وكان يديره خليل الوزير، أبو جهاد. وكان هذا المكتب مؤلفاً من 3 طبقات، وفي إحدى طبقاته، كان يجتمع المدرسون والطلبة الفلسطينيون، وكانت الجزائر وقتها تمنح طلبة فلسطين 100 منحة دراسية سنوياً. وخلال تعاوني كعضو في حركة القوميين العرب مع الشهيد خليل الوزير، أعلنّا قيام دورة تدريبية للمعلمين والطلبة لمن يريد، واصطحبناهم إلى معسكر في جبال الجزائر الشاهقة، حيث كان يحتوي معظمَ حركات التحرر في أفريقيا. وهنا أسجل أن الشهيد أبو جهاد يبقى رجلاً فلسطينياً بامتياز."

وفي سنة 1965، أُبعد من الجزائر، ولاحقاً أُبعد من ليبيا: "كنتُ قد قابلتُ العقيد معمر القذافي 3 مرات؛ الأولى بحضور العديد من الناس، وكان في بدايات تنظيراته، وكان معي 3 أشخاص من الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين: الهيثم الأيوبي، وأسعد عبد الرحمن، وزكريا أبو سنينة، فقال القذافي في حينها أموراً طريفة ضِمْنَ تنظيراته المعروفة. وكان اللقاء الثاني برفقة جورج حبش، وكان القذافي في حينها متوتراً بسبب محاولة الانقلاب عليه من جانب وزيرَي الدفاع والداخلية، موسى أحمد وآدم حواز، في كانون الأول/ديسمبر 1969. أمّا المرة الثالثة، فكانت في صباح العيد، فاتصلتُ بمجلس قيادة الثورة، وأخبرتُهم بأني مسؤول الجبهة الشعبية في ليبيا، وأطلب مقابلة القذافي، فحددوا لي موعداً وذهبتُ، ويومها كان لديه ضيوف من مجلس قيادة الثورة، فنبّهني الضابط حينها إلى أن الأخ العقيد يقول إن الزيارة لمدة ربع ساعة فقط، ولا يتم فيها أي حديث سياسي، فدخلت، واستمر اللقاء لثلاث ساعات، ولم نتحدث إلاّ في السياسة، وفي نهاية الجلسة، نادى القذافي أحد ضباطه، وأمره بأن يخصص لنا 10 رشاشات و100 بندقية و1000 طلقة مع كل قطعة، وبدلاً من أن نستلم هذه الهدية، طُردنا من ليبيا طردة الكلاب." 

دمشق ودار كنعان

وقد أسس سعيد البرغوثي في دمشق بيتاً صغيراً، يتشكل من غرفتين ونصف غرفة بحسب تعبيره، فتحول إلى مسكن له، وملجأ للأصدقاء: "عرف هذا البيت كثيراً من المثقفين والفنانين السوريين والفلسطينيين والعرب، أولئك الذين قصدوا دمشق من العراق ومصر والجزائر وغيرها، ومن هؤلاء كان يحيى يخلف، وداود يعقوب، وممدوح عدوان، وسعد الله ونوس، ومصطفى الحلاج، وقيس الزبيدي، ونبيل المالح، ومحمود شاهين، وعبد الرحمن منيف، ونذير نبعة، ومحمد الوهيبي، وزين العابدين فؤاد، وأحمد فؤاد نجم، والشيخ إمام، وأمين الزاوي، وغيرهم كثيرون."

ومن ضيوف هذا البيت الصغير، والبيوت الأُخرى التي تنقّل إليها سعيد، الروائي المعروف غالب هلسا، فقد كان من الأصدقاء المقربين، ومعه طُرحت فكرة إنشاء دار نشر في مطلع الثمانينيات: "شجعني غالب، واقترح عليّ أن أبدأ أعمالاً مهمة، كالأعمال الكاملة لحيدر حيدر." لكن فكرة سعيد المهمة اصطدمت بالعائق المالي، لكن لم يغب المشروع عنه، وظل يراوده، وفي مطلع تسعينيات القرن الماضي، ناقشه أحد الرفاق في اقتراح إنشاء دار نشر، واحدة في دمشق، وتوأم لها في قبرص: "فكانت دار عيبال، ودار كنعان في دمشق، حيث أطلقتُ عليها هذا الاسم، واستصدرت ترخيصها باسمي."

القارئ أولاً

أصدرت الدار "التوأم" عدة كتب، لكن من أهم إصداراتها الكتاب الثقافي الدوري الذي حملت سلسلته عنوان "قضايا وشهادات"، وكانت هيئة تحريره تتألف من "عبد الرحمن منيف، وسعد الله ونوس، وفيصل دراج، وجابر عصفور، ونصر حامد أبو زيد الذي انضم لاحقاً." وحمل الكتاب الأول من هذه السلسلة عنوان "طه حسين.. العقلانية الديمقراطية الحداثة"، وتتالى صدور كتب هذه السلسلة حتى السادس منها، وتوقفت لأسباب متعددة. وصدرت سلسلة أُخرى متخصصة في علم الاجتماع، بإشراف الأكاديمي العراقي عصام الخفاجي.

ولاحقاً، أُغلقت "دار عيبال" في قبرص، "فأخذتُ على عاتقي أن أستمر في دار كنعان، ومع قراري هذا قررتُ أيضاً أن الدار يجب أن تحترم عقل القارئ، ويجب ألاّ يَصْدُرَ إلاّ الكتاب المهم الذي يتقاطع بشكل من الأشكال مع هموم هذا القارئ وطموحاته، وهكذا كان ولا يزال حتى اليوم."

وَلِدَار كنعان من اسمها نصيب، فقد صالت وجالت بحثاً ودراسة وأدباً في، وعن، فلسطين، ومنها على سبيل المثال، "رحلات العرب إلى فلسطين من القرن الرابع الهجري حتى بداية المشروع الصهيوني" في 6 أجزاء، وقد صدرت في سنة 2009 لمناسبة "القدس عاصمة الثقافة"، كما صدرت يوميات الناقد والأديب الفلسطيني يوسف سامي اليوسف بعنوان "تلك الأيام" في 4 أجزاء، وغيرها كثير من الأعمال.

ولسعيد البرغوثي منشوراته الخاصة، ففي جعبته حوارات عديدة أجراها مع مثقفين وسياسيين، منهم جورج حبش وأدونيس، وكتب أعدّها، كـ "الطروادي الأخير"، وهو مجموعة حوارات مع محمود درويش، أعاد تصنيفها وتبويبها ضمن أُطر محددة، وله كتاب آخر مع سمير الزبن بعنوان "وداعاً لما سوف يأتي"، وكتاب "الإسلام والغرب". وبينما يعمل سعيد البرغوثي في "دار كنعان" التي تبدو بمثابة "دارة ثقافة" لكثير من مثقفي دمشق حالياً، ينتظر عودة إلى صفد، جماعية كما يصفها، تجعله يفتح باب بيته ويجد فيه ذكرياته، وليس مستوطناً يحتل حاضره وماضيه.

 

[1]  إيلان بابيه، "التطهير العرقي في فلسطين"، (لندن: ون وورلد بابليكيشن، 2006)، ص 108.

[2]لسموعي"، الموسوعة التفاعلية للقضية الفلسطينية، من كتاب "كي لا ننسى" للمؤرخ وليد الخالدي.

[3] حرستا: مدينة سورية في محافظة ريف دمشق، تقع في شرق مدينة دمشق في الجهة الشرقية للطريق الرئيسية الذي يربط العاصمة بمحافظة حمص.

[4] وُلد في ضواحي دمشق (1919-1981)، وتعلم في حمص ودمشق، وطلب العلوم الشرعية والعصرية معاً. ونال شهادة دار المعلمين الأولية في حلب، لينخرط في سلك التعليم في عدد من المدن السورية، وقد عُرض عليه منصب إفتاء الجزيرة لمّا كان مدرّساً فيها، فاعتذر. أتقن الفرنسية وتعمق في دراسته، وترجم عنها، وله عدة مؤلفات في العلوم الشرعية.