قطاع الكهرباء في فلسطين: البداية من تقليص الاعتماد على إسرائيل
Auteur: 
Année de publication: 
Langue: 
Arabe
Anglais
Nombre de pages: 
6

شهدت الركائز التشريعية والتنظيمية والمؤسساتية لقطاع الكهرباء في فلسطين عملية إعادة هيكلة واسعة النطاق على مدى السنوات الـ14 الماضية منذ سنة 2009؛ حين تم إصدار قانون الكهرباء العام في فلسطين.

وعليه فإن المؤسسات التالية هي الجهات الفاعلة الرئيسية في قطاع الكهرباء الفلسطيني: سلطة الطاقة والموارد الطبيعية الفلسطينية، ومجلس تنظيم قطاع الكهرباء ( تم إنشاؤه سنة 2011)، والشركة الفلسطينية لنقل الكهرباء المحدودة (سنة 2014)، وخمس شركات توزيع تدير 75% من نظام توزيع الكهرباء في فلسطين، بينما تتم إدارة الـ25% المتبقية من جانب البلديات والمجالس المحلية.

يشهد الطلب الفلسطيني على الكهرباء (سواء في الضفة أم في القطاع) معدل نمو سنوي متسارعاً يبلغ نحو 6% أو 7%، على الرغم من ارتفاع أسعار الطاقة المستوردة.

وفي قطاع غزة، تقوم شركة توزيع كهرباء غزة بتشغيل نظام توزيع الكهرباء بالكامل. وتعاني غزة جرّاء نقص حاد في الكهرباء، إذ تصل القدرة من المصادر الأربعة (الشركة القطرية الإسرائيلية ومصر ومحطة توليد الكهرباء في غزة ومحطات الطاقة المتجددة) إلى 350 ميجاواط كحد أقصى موزعة على النحو التالي: 122 ميجاواط من إسرائيل، و140 ميجاواط من محطة التوليد، و28 ميجاواط من مصر، و55 ميجاواط هي ذروة الطاقة الشمسية. وهذا كله يلبي 45% فقط من الطلب على الأحمال في غزة، علماً بأن محطة التوليد لم تعمل بصورة منتظمة أو بكامل قدرتها، إمّا بسبب قصفها، وإمّا بسبب نفاذ الوقود، وإمّا بسبب عدم جاهزية البنية التحتية لنقل القدرة الكهربائية لمناطق في وسط القطاع وجنوبه. هذا يمثل حالة قطاع الكهرباء قبل 7 تشرين الأول/أكتوبر من السنة الجارية وبداية العدوان الإسرائيلي على الشعب الفلسطيني في غزة.

إن أكبر شركة توزيع في فلسطين هي شركة كهرباء منطقة القدس، والتي تقوم ضمن امتيازها بتشغيل شبكة التوزيع في محافظات القدس وبيت لحم ورام الله وأريحا، وقد تأسست سنة 1914، وتقوم اليوم بتغذية أكثر من 50% من الطلب، وتشتري أكثر من 40% من إمدادات قطاع الكهرباء في فلسطين، وتُعتبر الشركة الرائدة في تبنّي التقنيات المتقدمة، كالشبكات الذكية وتكنولوجيا المعلومات والأنظمة الإدارية المبتكرة. هذا وتجدر الإشارة إلى أن تاريخها حافل بالضغوط الإسرائيلية لإضعافها وتهويدها وتجريدها من الدور الذي تقوم به في دعم صمود المقدسيين والمساهمة في تطوير المجتمع الفلسطيني وتنميته.

تحصل فلسطين على 87% من حاجاتها من الكهرباء من إسرائيل، والباقي من الأردن ومصر، مدعومة بالتوليد المحلي عبر محطات الطاقة الشمسية الكهروضوئية (التي تساهم بنسبة 5% من إجمالي الاستهلاك)، ومحطة توليد الكهرباء في غزة (التي تساهم بنحو 140 ميجاواط). وتراوح إجمالي الاستهلاك السنوي بين 7,060 جيجاواط ساعة إلى 7,726 جيجاواط ساعة، وتجاوز الحمل الأقصى 1,600 ميجاواط، وكان معدل الاستهلاك السنوي للفرد وفقاً لمعطيات جهاز الإحصاء الفلسطيني سنة 2017 1,300 ك.و.س، أي ما يعادل أقل من 15% من معدل استهلاك الفرد في إسرائيل.

خلال السنوات الأربع الماضية، تم تشغيل أربع محطات تحويل ذات جهد عالٍ، 161 كيلوفولت/ 33 كيلوفولت في الضفة الغربية، بقدرة إجمالية تبلغ 585 ميجاواط، وجميعها تديرها شركة النقل الوطنية، وتشكل الطاقة الموزعة عبر هذه المحطات 1,55 جيجاواط ساعة أو 22% من إجمالي الاستهلاك في الضفة الغربية.

يختلف قطاع الكهرباء في فلسطين عن دول المنطقة الأُخرى في عدة جوانب:

  • أولاً، يعيق الاحتلال الإسرائيلي تنفيذ خطط التنمية الفلسطينية في قطاع الكهرباء، كبناء شبكات النقل أو إنشاء استمرارية ربط الشبكة بين مدن ومحافظات الضفة الغربية، وبينها وبين قطاع غزة. في المقابل، تقوم الإدارة المدنية الإسرائيلية بتسريع خطط مماثلة للمستوطنات الإسرائيلية.

  • ثانياً، هناك عدم سيطرة فلسطينية على الضفة الغربية بالكامل، وخصوصاً في المنطقة (ج)، الأمر الذي يعيق خطط الحكومة لاستغلال موارد الطاقة الطبيعية في هذه المناطق، كالطاقة الشمسية وطاقة الرياح، وقد أدى ذلك إلى الحد بصورة كبيرة من إمكان بناء محطات الطاقة الشمسية الكهروضوئية ذات القدرات المتوسطة والكبيرة على نطاق واسع في فلسطين.

  • ثالثاّ، يشكل عدم انتظام الطلب على الطاقة، بسبب الاستهلاك غير الطبيعي الناجم عن عدم سداد المشتركين المستحقات و/أو سرقة الطاقة الكهربائية، تحدياً كبيراً أمام التخطيط الفعال فيما يتعلق بتنمية القطاع، ويؤثر في تكلفة تطوير البنية التحتية.

  • رابعاً، تؤدي الديون المتراكمة على شركات التوزيع بسبب عدم سداد العملاء مستحقاتها، إلى عدم قدرتها على تغطية مشترياتها الشهرية من شركة الكهرباء الإسرائيلية، وهو ما يشكل عبءاً على خزينة الدولة، لأن الحكومة الإسرائيلية تقتطع هذه الديون من الضرائب والجمارك التي تجبيها لمصلحة السلطة الفلسطينية.

بلغت حاجات قطاع غزة من القدرة الكهربائية عشية العدوان الإسرائيلي اعتباراً من 7/10/2023 أكثر من 650 ميجاواط، وإذا كان المواطن الفلسطيني في قطاع غزة يحصل على الطاقة الكهربائية لفترة أقصاها 4-6 ساعات يومياً (في الـ24 ساعة) في أحسن الحالات، فقد ترتب على شن العدوان الإسرائيلي المستمر حالياً قطع إمدادات الكهرباء كإجراء عقابي، والتدمير المتعمد لمحطات الطاقة الشمسية المنتشرة بكثافة في القطاع، وخصوصاً تلك التي تزود المستشفيات والمصانع والشركات الحيوية والمدارس ومؤسسات القطاع الصحي الأُخرى، ووقف محطة التوليد بسبب منع إدخال الوقود، ومؤخراً قصف محيطها، ولم يتضح حتى ساعة كتابة هذا المقال إذا ما تسبب ذلك في أضرار مادية أم لا.

وتجدر الإشارة الى أنه منذ بدء العدوان، تم تدمير أكثر من 70% من البنية التحتية لقطاع الطاقة في مدينة غزة وشمال القطاع، ويشمل ذلك: أكثر من 120 كيلومتراً من شبكات ضغط متوسط، و300 كيلومتر من شبكات ضغط منخفض، وأكثر من 300 محول توزيع خارجي، و75 محولاً داخلياً، وأكثر من 50,000 من عدادات وكوابل المشتركين.

ما يجب العمل عليه في اليوم التالي لانتهاء العدوان على قطاع غزة؟

يجب الشروع فوراً في تنفيذ خطة على المدى القصير وأُخرى على المدى المتوسط. على المدى القريب، يجب تزويد الأحياء السكنية، والمرافق الحيوية من مستشفيات ومخابز ومحطات الوقود، والمصانع الحيوية، والإنارة في الشوارع، ومضخات المياه ومحطات تحليتها، ومضخات الصرف الصحي بوحدات توليد موزع (Distributed Generation)، وهذا يشمل نوعين من المولدات:

  • أنظمة طاقة شمسية نقالة متفاوتة الحجم والقدرات، في الإمكان تركيبها في أي مكان وزمان ومجهزة ببطاريات للشحن.

  • مولدات بقدرات متفاوتة تعمل بالسولار أو الوقود الثقيل.

وبالتوازي مع ذلك، يجب إعادة بناء الشبكات والمحطات بالانسجام مع أعمال إعادة فتح الشوارع وإزالة الردم وصيانة محطة التوليد وإدخال الوقود وتشغيلها وتحميل الشبكات الجاهزة. وفي هذه المرحلة، يجب القيام بحملة توعية شاملة توضح للمواطنين أهمية الترشيد في استخدام الكهرباء إلى حين عبور الأزمة. وفي الإمكان الاستفادة من التجربة الفيتنامية في كهربة الريف بعد التحرير، وكذلك اعتماد شبكات هجينة (Microgrid) بين الطاقة الشمسية والمولدات التقليدية. 

الخطة الاستراتيجية لتطوير النظام الكهربائي في قطاع غزة

بتمويل من البنك الدولي، قامت شركة دولية متخصصة، بالتعاون مع شركة استشارية محلية، بإعداد خطة تطوير أنظمة التوليد والنقل والتوزيع لقطاع الكهرباء حتى سنة 2030، وتم إنجاز الخطة قبل نحو 4 سنوات، وبلغت التكلفة الإجمالية نحو 1.24 مليار دولار موزعة على 10 سنوات.

هناك حاجة ملحة إلى مراجعة هذه الخطة وتعديلها بعد العدوان وما ترتب عليه من دمار وأولويات، وفي اعتقادي، فإن المدخل الأساسي للمراجعة يجب أن يأخذ بعين الاعتبار ما يلي:

  1. أي خطة يجب أن تأخذ بعين الاعتبار تقليص الاعتماد على المورد الإسرائيلي لأقصى حد وصولاً إلى الاستقلال عنه في هذا المجال.

  2. الاستفادة القصوى من الطاقة المتجددة، وخصوصاً الشمسية منها.

  3. في حال تعثّر بناء شبكات نقل تربط شمال القطاع بالوسط والجنوب، ففي الإمكان بناء محطات توليد حرارية إضافية تستخدم الغاز الفلسطيني في مقابل شواطئ القطاع والاستفادة منها في إنشاء محطة تحلية لمياه البحر.

  4. زيادة قدرات الربط بمصر وعلى جهد 220 كيلوفولت.

  5. تطوير شبكات التوزيع وتحسينها بما يضمن تقليص الفاقد الفني وجودة الخدمة الكهربائية وتوفير مستويات جيدة من الأمان والسلامة العامة للعاملين والمشتركين والبيئة على حد سواء، وذلك باستخدام التكنولوجيا الحديثة والشبكات الذكية.

  6. الالتزام بالخطة الوطنية لرفع كفاءة الطاقة الكهربائية وترشيد استهلاكها وحث المؤسسات الصناعية والتجارية على تطبيق مخرجات التدقيق الطاقي.

  7. اعتماد مجموعة من التشريعات والأنظمة التي من شأنها تسهيل التوسع في بناء محطات الطاقة الشمسية واعتماد منظومة تعرفة تراعي أوضاع المواطنين وتدعم صمودهم.

1
À PROPOS DE L’AUTEUR:: 

علي حمودة: مهندس وخبير في شؤون الكهرباء والطاقة، ومدير عام مساعد لشركة كهرباء القدس سابقاً، كما تولى العديد من المواقع الأخرى في مجال الطاقة والكهرباء.