مواكبة لتداعيات حرب الإبادة الإسرائيلية على قطاع غزة التي دخلت شهرها الثاني، تواصل مؤسسة الدراسات الفلسطينية تنظيم ندوات تتناول مختلف مجريات هذه الحرب. وفي هذا الإطار، استضافت المؤسسة مستشارة عدالة النوع الاجتماعي في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في منظمة أوكسفام هديل قزاز، في حوار أداره رئيس دائرة الأبحاث في المؤسسة وأستاذ علم الاجتماع في جامعة بيرزيت مجدي المالكي، تحت عنوان "انهيار الأوضاع الحياتية، وشح المساعدات الإنسانية الأممية لقطاع غزة".
وفي تقديمه للندوة، تحدث مالكي عن الأوضاع المأساوية المتردية في قطاع غزة نتيجة للعدوان الإسرائيلي والحصار، وخصوصاً على الصعيد الإنساني، وناقش مع ضيفته عدداً من النقاط والتساؤلات أهمها: الحاجة العاجلة إلى المساعدات الإنسانية، وفي مقدمتها الدواء والغذاء والوقود؛ عجز المنظمات الدولية عن إدخال المساعدات إلى القطاع، والدور الذي يمكن أن تؤديه هذه المنظمات في فضح الممارسات الإسرائيلية؛ إلى متى يمكن أن يستمر هذا الوضع؟ وهل ستؤدي الحرب إلى فرض هندسة جديدة لحياة سكان غزة؟
من جهتها، استهلّت القزاز حديثها بعرض بعض الأرقام "المخيفة" على المستويات كافة، وأهمها التهجير إلى مناطق جنوب القطاع، مشيرة إلى أن إسرائيل تعمّدت تهجير السكان وحصرهم في مساحة تقرب من 60% من مساحة القطاع، وهو ما زاد في معاناة السكان المحاصرين أصلاً منذ 17 عاماً، علماً بأن نسبة كبيرة من سكان القطاع هم في الأصل لاجئون.
وأضافت أن الحال في غزة لم تكن أفضل قبل 17 عاماً، مشيرة إلى كتاب سارة روي عن قطاع غزة الذي صدر عن مؤسسة الدراسات الفلسطينية، والذي يروي سياسة الإفقار الممنهجة منذ 1967، أي أن "الواقع الجديد بُني على إفقار وتهميش متأصلَين". ولفتت إلى أن أبناء القطاع الذين ولدوا خلال سنوات الحصار، عاشوا تسع حروب في سنوات: 2006، 2008، 2009، 2012، 2014، 2019، 2021، 2022، 2023.
واعتبرت القزاز أن حرب 2014، كانت الأصعب ضمن الحروب السابقة، إذ دامت 54 يوماً، وقُدرت الأضرار حينها بـ 5 مليارات دولار. وعلى الرغم من أن مؤتمر المانحين تعهد بتقديم مساعدات بقيمة٥ 5.4 مليارات دولار، فإن ما وصل القطاع كان أقل من نصف المبلغ. وتتوزع المساعدات على الشؤون التنموية والإنسانية والإعمارية، لكن هذه المساعدات تذهب سدىً، إذ إن إسرائيل تعمد في كل حرب إلى تدمير ما أُعيد بناؤه، فتعود الأمور إلى نقطة ما قبل الصفر.
وفي مقارنة سريعة بين حرب 2014 والحرب الحالية، أشارت قزاز إلى الفرق الكبير في حجم الأضرار، فمثلاً، في سنة 2014، تم تدمير 16.000 وحدة سكنية، بينما وصل العدد في الحرب الحالية، بعد مرور 33 يوماً إلى 33.000 وحدة سكنية. والمفارقة أن كثيراً من الأبنية ما زال مدمراً منذ حرب 2014، وجاءت الحرب الحالية لتكمل المأساة.
وفيما يتعلق بتحديد المسؤولية عن الواقع الحالي في القطاع، رأت القزاز أن اللوم لا يقع على الأونروا وحدها، فالمسؤولية تقع على عاتق الأمم المتحدة ومجلس الأمن أيضاً لفشلهما في التدخل لوقف هذه الحرب التي تجري على مرأى من العالم أجمع منذ 33 يوماً. فلم يحدث منذ إنشاء الأمم المتحدة، أن كانت منطقة بهذه الكثافة السكانية تحت حرب متواصلة من دون توقف أو هدنة إنسانية.
وتحدثت د. قزاز عن حجم الدمار، إذ تضررت 60 مدرسة، وتوقفت 17 مستشفى عن الخدمة، إضافة إلى منشآت ومؤسسات عديدة، في ظل حالة من العجز الكامل لدى المؤسسات والمنظمات الدولية، في مقابل حالة من استخدام القوة العمياء من دون رادع.
أمّا بالنسبة إلى المساعدات التي تصل إلى القطاع [إذا وصلت]، فرأت القزاز أنها تواجه مشكلتين؛ الأولى عدم كفايتها، فما دخل القطاع حتى الآن يعادل ما كان يدخل يومياً قبل الحرب، أو أقل منه؛ المشكلة الثانية تكمن في عدم تلبية ما يدخل حاجات الأهالي. وأضافت أن "الوقت قد حان لتدرك المؤسسات الدولية أنه لا يمكن تمرير المساعدات إلى القطاع من دون التزام مبدأ المناصرة (Advocacy) لحقوق الشعب الفلسطيني، فمن دون حل، فإن الاكتفاء بتقديم مساعدات إنسانية سيؤخر موعد الانفجار فحسب. الأمر أشبه بصب قطرات الماء على صفيح ساخن."
وأكدت قزاز أن محاربة المؤسسات الدولية أمر غير مجدٍ، لأن هذه المؤسسات هي الحلقة الأضعف، فهي تستقبل تمويلها من الحكومات (والحكومات الأوروبية أصبحت يمينية في معظمها، بالإضافة إلى انتشار الشعبوية وتراجع حقوق الإنسان)، أو من الأفراد (الذين يسحبون تمويلهم بمجرد عدم ملاحظتهم لأي تغيير ملموس من هذا التمويل). ولفتت إلى أن عدداً آخر من المنظمات، ومنها أوكسفام، يعتمد على مداخيل خاصة، لكنها في تراجع. وفي النتيجة، فإن الجو العام غير مؤهل لدعم الشعب الفلسطيني في ظل غياب المناصرة والتأثير (Influencing).
ورأت قزاز، أن السبب يكمن في الجهات التي تموّل هذه المنظمات، وهو تمويل تتم السيطرة عليه بطرق متعددة. مشيرة إلى أن 82% من أهالي غزة يعيشون على المساعدات التي تقدمها المؤسسات الدولية الممولة حالياً من الحكومات (اليمينية). وهو تمويل مشروط، إذ تخضع التقديمات لإجراءات صارمة، وهو الأمر الذي يدعو إلى ضرورة التفكير بوسائل أُخرى تتيح التحرر من هذا النمط من المساعدات.
وفي إجابتها عن سؤال بشأن إمكان إدخال المساعدات في الفترة القادمة، شدّدت على مسؤولية الاحتلال الإسرائيلي في إدخال هذه المساعدات استناداً إلى القوانين الدولية، وقالت أن من واجب الاحتلال فتح كل المعابر، وليس فقط معبر رفح، لإدخال المواد الغذائية والمساعدات الطبية إلى السكان المدنيين في القطاع.
وتوقعت أن السكان، بعد توقف آلة الحرب وعودتهم إلى مناطقهم، سيُصدمون بحجم التدمير الكامل. وتساءلت عن دور المانحين، ومعظمهم من دافعي الضرائب الأوروبيين، الذين ساهموا في إعادة إعمار ما خلفته الحروب السابقة. ورأت أن المطلوب هو قرار سياسي بوقف إطلاق النار، ثم يأتي دور المتبرعين، لكن المشكلة تكمن في أن هذه التبرعات لن تمنع تكرار الحرب والدمار مرة أُخرى.
واختتمت حديثها بالتشديد على ضرورة إعادة هيكلة نظام الأمم المتحدة ومجلس الأمن الدولي، الذي لا يخدم البشرية في ظل حق النقض الفيتو، وطالما أن هذا النظام عاجز عن ردع دولة تنتهك قواعد القانون الدولي الإنساني بشكل واضح. ولهذا، بعد نهاية المعركة، يجب إعادة التفكير بسؤال مهم: "ما الذي قدمه لنا هذا المجلس على مر تاريخ القضية الفلسطينية؟" وفي نقد لفشل الأمم المتحدة ومجلس الأمن في حفظ حقوق الإنسان، قالت قزاز: "نحن نحتاج إلى آليات تطبيق وتنفيذ، ولا تكفي النصوص فقط".
وفي الإجابة عن سؤال بشأن أي حل سريع يمكن اتخاذه حالياً في خضم الأزمة، رأت أن الحل يكمن في أمرَين: توقيع ونشر الحملة الدولية لوقف إطلاق نار فوري، إذ لا يمكن إدخال المساعدات تحت القصف، وفتح جميع المعابر، وعدم الاكتفاء بمعبر رفح.
هديل قزاز: الأمم المتحدة ومجلس الأمن يتحملان مسؤولية فشلهما وقف الحرب
Date:
13 novembre 2023
Thématique: