كيف تكون الكاميرا آلة للتفريغ العاطفي في الحرب؟
Date:
9 novembre 2023
Auteur: 
Thématique: 

منذ بداية العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة في إثر تداعيات السابع من تشرين الأول/ أكتوبر، نتعرض لكم هائل من الصور ومقاطع الفيديو التي يتم تداولها على القنوات الإخبارية ومواقع التواصل الاجتماعي، والتي توثق الجرائم والمجازر والانتهاكات بحق المدنيين في قطاع غزة؛ فعلى مرأى العالم قُصفت المنازل والمستشفيات والمدارس والمساجد والكنائس بلا هوادة، كما أن الإعلاميين أصبحوا في مرمى أهداف الطائرات الحربية الإسرائيلية، لأنهم دون غيرهم ينقلون الصورة التي تدين إسرائيل إلى العالم. فبعد مرور ثلاثين يوماً على الحرب ارتفع عدد الصحافيين الذين استشهدوا إلى 47 تقريباً، وفقد العشرات منهم أفراداً من عائلاتهم في المجازر التي يرتكبها الاحتلال الإسرائيلي، وبينهم مراسل "الجزيرة" في غزة وائل الدحدوح الذي فقدَ زوجته وابنه وابنته. وعلى الرغم من ذلك، وحاله كحال سكان قطاع غزة في ظل استمرار الهجوم الجوي والبحري والبري، فهم لا يجدون منفذاً للحزن والمواساة على فقدان أحبائهم، فيتمسكون بطوق النجاة ويواصلون حياتهم في مجابهة القصف المتواصل.

وإلى جانب الدور الذي تقوم به الفضائيات التلفزيونية التي تبث الأخبار وتنقل الصورة في قطاع غزة، نجد طبقات وأبعاداً أُخرى للصور التي يتم التقاطها على مواقع التواصل الاجتماعي، سواء بكاميرات احترافية أو بتصوير أجهزتهم المحمولة. فمنذ بدء العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة تم انتشار وتداول حسابات ناشطة لشبان وشابات من مدن متعددة في القطاع توثق يومياً الانتهاكات والجرائم والمجازر الإسرائيلية. وهي ما تجعلنا كفلسطينيين معزولين عن قطاع غزة أكثر قرباً بما نشاهده عبر منصاتهم بالصوت والصورة لمشاهد القصف والقتل والدمار وكل ما ينطوي عليها. فمن ناحية، فإن سرعة وصول الصور ومقاطع الفيديو عبر موقع إنستغرام على سبيل المثال، تصل إلى ملايين حسابات المستخدمين، الذين يشاركون بدورهم المحتوى ذاته على صفحاتهم الشخصية لتصل الصورة الحقيقية إلى المستخدمين في كل مكان في العالم، وليشاهدوا الجرائم التي يرتكبها الاحتلال الإسرائيلي الذي لم يتوانَ عن قطع الاتصالات والإنترنت عن القطاع لجعله أكثر عزلة. 

ومن ناحية أُخرى، فإن المواطنين في غزة بمن فيهم الصحافيون يتعرّضون جميعاً إلى المخاطر نفسها والتهديدات في القصف على حد سواء. فإذا كنا نتساءل عن القوى الخفية التي تجعل الطواقم الطبية تعمل من دون توقف تحت تهديد قصف المستشفيات وانهيار النظام الصحي وانقطاع الوقود والكهرباء، فلا بد من القول أيضاً إن هناك ما يجعل الطواقم الصحافية والمصورين يستمرون في أداء عملهم، على الرغم مما يمرون به من تجارب مُحبطة وصعبة ومؤثرة عاطفياً ونفسياً أمام ما تلتقطه عدساتهم من مشاهد القتل المروعة والأجساد المحترقة والأشلاء الممزقة تحت الركام، وهو ما يجعلهم مُعرّضين طوال الوقت أمام هذه الصور مباشرة، بينما نراها خلال شاشات هواتفنا على شكل "قصص" لا تتجاوز 15 ثانية، وربما يحجبها موقع إنستغرام نظراً إلى أنها عبارة عن محتوى حساس وفق معاييره وسياساته. فكيف يمكن للمصور في ظل تعرّضه للمخاطر وانفصاله عن عائلته فترات طويلة أن يحافظ على رباطة جأشه ويواصل توثيق الحرب بكاميرا يحملها على عنقه؛ كأنها أثقل مما تبدو عليه بسبب الصور التي التقطتها للجرائم والكوارث والمباني التي استوت مع الأرض. فيُكمل ما بدأه ويلتقط الصور ويخزّنها ويقوم بنشرها على موقع إنستغرام، ربما لأنه يشعر بمسؤوليته تجاه نقل الصورة على حقيقتها، وإن عرّضه ذلك للإصابة أو القتل، ما يجعله يبدو كمقاتل مثلما سقط هاني جوهرية شهيداً برصاص الاحتلال الإسرائيلي والكاميرا في يده، في 11 نيسان/أبريل 1976 في أثناء تصويره فيلماً عن معارك المتن الشمالي في تلال عينطورة، كأن التاريخ يعيد نفسه ويُسطّر في تاريخ قضيتنا نكبة جديدة وتطهير عرقي ممنهج واستهداف مباشر لكل من ينقل الحقيقة. 

لذلك ربما يشعر الصحافي والمصور على حد سواء، بأن القيام بعمله في توثيق الحرب يمنحه القوة والمعنى، فهو يملك الحقيقة ويوثّقها وينقلها للعالم، حتى لو كلّفه ذلك ثمناً باهظاً من الناحية النفسية والجسدية، فقد تكون الكاميرا ذاتها التي تلتقط صور الحرب آلة للتفريغ العاطفي؛ يستطيع من خلالها المصور أن يخففَ من أعباءه النفسية والتقليل من توتره بالتعبير عن مشاعره وتجاربه للمتابعين ومشاركتها عبر مواقع التواصل الاجتماعي. ففي لحظة ما في الحرب، يحاول المصور أن يلتقط أكثر اللحظات المأساوية بشكلٍ إبداعي: يخلق المعنى في الصورة؛ يختار الزاوية الأمثل؛ يحاول اقتناص أكثر اللحظات حزناً؛ يتلصص على الأطفال، محاولاً استراق لحظات سعادة هاربة من الحرب. ولا يعني هذا بالضرورة أن يكون التصوير بمثابة علاج نفسي، إنما هو تفريغ عاطفي يحق فيه للمصور أن يختار ما يريد لكاميرته أن تلتقطه في هذا اليوم، فتلك المشاهد لا يمكن اعتيادها والتعامل معها كأمر مسلّم به، حتى إن كانت لأطفال يلعبون الكرة من أمام الركام. وبعد انتهاء الحرب فإن تلك الصور التي شاهدناها قد باتت جميعها من الأرشيف ولن تغيب عن أذهاننا، وستشكل كل صورة منها رمزية خالصة، وستكون بمثابة المادة الخام للفنانين التشكيليين والمصورين والسينمائيين لتجسيد أعمال فنية مثلما استطاعت صورة محمد الدرة، وصورة الطفل فارس عودة الذي يرمي الحجارة أمام الدبابة الإسرائيلية، وغيرها العديد من الصور أن تشكل رموزاً فلسطينية.

Yasser Manna
نجوم منتخب كرة الطائرة إبراهيم قصيعة (يمين) وحسن زعيتر (مواقع التواصل) استشهدا بقصف إسزائيلي على مخيم جباليا.
Ayham al-Sahli
Maher Charif
Uday al-Barghouthi
Kareem Qurt
Yumna Hamidi