اللغة المُشتبكة عن تسميات أسلحة المقاومة الفلسطينية
Date:
15 octobre 2023
Thématique: 

حرب السابع من أكتوبر المجيدة التي بدأتها المقاومة الفلسطينية ضد دولة الاحتلال، فتحت الباب للحديث عن البطولات الفلسطينية وتضحيات المقاتلين الذين سطّروا أعظم ملحمة في تاريخ الصراع منذ احتلال فلسطين. إذ استطاعت المقاومة الفلسطينية، على قلة سلاحها وإمكانياتها، وعلى الرغم من الحصار المفروض على غزة منذ نحو 20 عاماً، أن تعيد ترتيب أوراق المنطقة، وأن تهزّ صورة جيش الاحتلال، وأن تنهي إلى الأبد مقولة "الجيش الذي لا يقهر".

في هذا المقال، لن نتحدث عن بطولات المقاومة في هذه الحرب، بل سنحاول تتبُّع سيرة التصنيع العسكري من خلال تسميات الأسلحة ودلالاتها لدى المقاومة الفلسطينية، تركيزاً على تجربة كتائب القسّام بدرجة أولى، مع الإشارة إلى أن الإبداع والتطوير والبعد الرمزي في التسميات، أمور كلها حاضرة لدى أغلبية فصائل العمل العسكري في غزة. 

لغة عالية ورمزية بالغة

لا نتحدث فقط عن الفخر بصناعات المقاومة وأهميتها ودورها في تغيير مسار الاشتباك مع العدو في حروب المقاومة منذ الانتفاضة الأولى، وإنما نتحدث أيضاً عن اللغة العالية والرمزية الذكية في تسميات هذه الأسلحة والمعدات، وحتى المعارك، حتى أنك تدرك وظيفتها ورسالتها من خلال سماع اسمها، فتعي بأن المقاومة هنا مكثفة الفعل، تصنيعاً واشتباكاً واسماً.

تقودنا هذه اللغة المقاتلة التي يتم إطلاقها على الأسلحة المحلية الصنع إلى قراءة عقيدة المقاومة القتالية وخلفياتها لدى هؤلاء الأبطال المقتحمين للمعسكرات والمستعمرات، ذلك بأن البعد الذكي في التسميات يكثف حضور الاشتباك لدى المدرسة العسكرية والكفاح المسلح الفلسطيني.

ولعل في هذه اللغة المقاتلة ما هو أبعد من ذلك، إذ تسعى المقاومة لحمل سيرة قادتها ومقاتليها الذين اغتالتهم دولة الاحتلال إلى نقطة الاشتباك الدائم، بحيث تكون أسماؤهم حاضرة في كل المعارك، لِما للأمر من رمزية عالية ورسالة وفاء أبدية، وهو استدعاء لإرث الكفاح والدم الذي تمثله رمزية الشهيد المضحّي والمؤسس والفاعل في المواجهة والمعارك حتى ما بعد الشهادة.

في مطالعتي للغة المقاومة في التسميات التي يتم تداولها لأنواع الأسلحة في هذه الحرب والحروب السابقة، لاحظت تأثُّر تسمية الأسلحة وما يتصل بالحروب لدى المقاومة الفلسطينية بالبعد الديني والفكري لدى هذه الفصائل الإسلامية، فنجدها تقتبس من النص الديني وتستلهم من القرآن الكريم رمزيات عالية، ذات دلالة على طبيعة المعركة وصفة المقاتلين فيها، وأن هناك عقيدة دينية تحفّزهم وترشدهم وتلهمهم. ونرى ذلك في تسميات الحروب، على سبيل المثال، حرب الفرقان (2008 -2009)، وحرب حجارة السجّيل (2012)، وحرب العصف المأكول (2014).

كما لا يغيب عن المقاومة البعد التراثي، والأثر المتراكم من تاريخ البطولة الإسلامية والعربية ورمزيات الحروب عند العرب، كدلالة السيف مثلاً، كما في حرب سيف القدس (2021). ويحضر في التسميات أيضاً وعي المقاومة بطبيعة المعركة ودافعها، كما في معركتيْ: وحدة الساحات (2022)، وطوفان الأقصى (2023).

وهذه التسميات، من دون شك، لها أثر مهم في قراءة المشهد ومآلاته، ومن خلالها، نعي طبيعة مَن يقود الفعل المقاوم في غزة، ومستوى ثقافته ومطالعته، وكيف تشغله القضية الوطنية وساحاتها، تأثراً بإرث وطني وإسلامي عميق.

الشهداء المقاتلون

في الأدبيات الإسلامية، يقال إن الشهداء أحياء لا أموات، وفي القرآن الكريم قوله تعالى: "ولا تحسبن الذين قُتلوا في سبيل الله أمواتاً بل أحياء عند ربهم يرزقون"، وقد كثفت فصائل المقاومة الإسلامية حضور الشهداء في معاركها المستمرة، من خلال استدعاء أسمائهم في المعارك، عبر إطلاقها على عبوات وقنابل وصواريخ، وهذا باب واسع أبدعت فيه فصائل المقاومة جميعها، ويعجز المقال عن الإحاطة بالأمر كله.

إن التسمية المرتبطة بالشهداء كثفت رمزية اللغة العربية مع إرث الدم والتضحية، فصيغت الأسماء بدلالة تبعث الحياة والأمل عند المقاتلين، وتبث الرعب في نفوس الأعداء المحتلين، ولعل أبرز هذه الصناعات ذات الدلالة العالية: 

1- صاروخ القسّام: اسم أول صاروخ محلي الصنع أنتجته كتائب الشهيد عز الدين القسّام، وقد مرت التجربة بعدة تطورات منذ الصاروخ الأول الذي بدأ به الشهداء نضال فرحات وتيتو مسعود وعدنان الغول، والتسمية جاءت على اسم الجناح العسكري الذي يحمل اسم الشيخ السوري المجاهد عز الدين القسّام الذي قاد حركة المقاومة الفلسطينية في سنة 1935م، وقدم دمه شهيداً من أجل حرية فلسطين. وقد أنتجت المقاومة ثلاث نسخ من هذا الصاروخ البدائي (قسّام 1) (قسّام 2)، (قسّام 3)، والتجربة العسكرية للقسّام بُنيت وتطورت في إثر تصنيع هذه الصواريخ.

2- قذيفة الياسين: قذيفة مضادة للدروع محلية الصنع، أنتجتها المقاومة الفلسطينية لاستهداف آليات الاحتلال في الاجتياحات، وهي قاذفة تُحمل على الكتف، مثل قاذف (آر بي جي)، والتسمية نسبة إلى الشيخ أحمد ياسين، رحمه الله، مؤسس حركة المقاومة الإسلامية "حماس"، الذي اغتالته دولة الاحتلال في 22 آذار/مارس 2004. وهناك قاذفات أُخرى شبيهة بهذا القاذف حَملت اسم  الشيخ حسن البنا، مؤسس جماعة الإخوان المسلمين، وهي قذائف: "البنا 1" و "البنا 2".

3- بندقية الغول: بندقية فلسطينية محلية الصنع من عيار 14.5 ملم، ويصل مداها إلى 2 كيلومتر. أدخلتها كتائب القسّام في الخدمة في حرب العصف المأكول (2014)، وبحسب إعلان المقاومة، تحمل مواصفات قياسية عالية الدقة. وتسميتها بذلك جاءت تيمّناً بالمهندس القسّامي عدنان الغول الذي اغتالته دولة الاحتلال في سنة 2004. كما أن الغول له رمزية عالية في الأساطير الشعبية، من حيث كونه مصدر رعب وإخافة،  الأمر الذي يراد به بمثل هذه الصناعات.  

4- مسيّرة الزواري: طائرة من دون طيار، استُخدمت لأول مرة في معركة طوفان الأقصى، وتحمل اسم المهندس التونسي الشهيد محمد الزواري الذي اغتيل في مدينة صفاقس التونسية في سنة 2016، وهو مهندس التصنيع لهذه المسيّرات لمصلحة المقاومة الفلسطينية. فكأن المسيّرة باسمه حية تقتص من مغتاليه.  

5- صواريخ الشهداء القادة: خلال مسيرة التصنيع العسكري لكتائب الشهيد عز الدين القسّام، أنتجت عدة صواريخ حملت أسماء شهداء، مكثفةً بذلك الرمزية بين اللغة والفداء، ومنها:

أ- M75، نسبةً إلى الشهيد د. إبراهيم المقادمة الذي اغتيل في سنة 2003م، ويبلغ مدى هذا الصاروخ 75 كيلو متراً.

ب- J80، نسبةً إلى الشهيد أحمد الجعبري، أحد أهم قادة العمل العسكري في كتائب القسّام، والذي اغتيل في سنة 2012، ويبلغ مدى هذا الصاروخ 80 كيلو متراً.

ج-  R 160، نسبةً إلى الشهيد د.عبد العزيز الرنتيسي الذي اغتيل في سنة 2004، ويبلغ مدى هذا الصاروخ 160 كيلومتراً.

د-  SH 85، نسبةً إلى الشهيد محمد أبو شمالة، من قادة القسّام، ويبلغ مدى هذا الصاروخ 85 كيلو متراً. 

هـ- صاروخ عياش 250، نسبةً إلى المهندس في كتائب القسّام الشهيد يحيى عياش الذي اغتيل في سنة 1996، ويبلغ مدى هذا الصاروخ 250 كيلومتراً، واستُخدم لضرب مطار رامون الصهيوني.

قبسٌ من نور القرآن

وفي تسميات أسلحة المقاومة انتقاء واعٍ، واختيار كلمات ذات دلالة واضحة، لغةً وأثراً، من القرآن الكريم، ذلك بأنها تكثف معنى اسمها، وتزيد في رمزية الكفاح ودلالة خلفية المعركة، ومن ذلك:

1- شواظ: عبوة ناسفة مضادة للدبابات والآليات العسكرية، وهي عبوة محلية الصنع للمقاومة الفلسطينية، ودخلت في الخدمة في انتفاضة الأقصى، وبحسب بلاغات كتائب الشهيد عز الدين القسّام، فإنها مرّت بمراحل متطورة، وأُنتج منها عدة نماذج، آخرها شواظ 7. والشواظ هو اللهب أو النار التي لا دخان لها، وفي القرآن الكريم قوله تعالى: "يُرْسَلُ عَلَيْكُمَا شُوَاظٌ مِّن نَّارٍ وَنُحَاسٌ فَلَا تَنتَصِرَانِ".

2- رجوم: "منظومة رجوم"، هي صواريخ قصيرة المدى من عيار 114 ملم، محلية الصنع، هدفها تأمين غطاء ناريٍ للمقاومين. هذه المنظومة استخدمتها المقاومة الفلسطينية في بداية معركة طوفان الأقصى، لتأمين عبور المقاتلين إلى مستعمرات "غلاف غزة" والمواقع العسكرية الإسرائيلية. والاسم ذو دلالة دينية، وفي القرآن الكريم قوله تعالى: "وَلَقَدْ زَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ وَجَعَلْنَاهَا رُجُومًا لِّلشَّيَاطِينِ، وَأَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَابَ السَّعِيرِ".

3- مُتبر: نظام صاروخي مضاد للطائرات محليّ الصنع، وهو سلاح جديد أدخلته المقاومة الفلسطينية إلى المعركة، والكلمة ذات دلالة دينية، من قوله تعالى عن وعد الآخرة وزوال دولة الاحتلال: "وَلِيَدْخُلُوا الْمَسْجِدَ كَمَا دَخَلُوهُ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَلِيُتَبِّرُوا مَا عَلَوْا تَتْبِيرًا"، والتّتبير هُنا الإهلاك والتدمير، وفي الآية الكريمة: "إِنَّ هَؤُلاءِ مُتَبَّرٌ مَا هُمْ فِيهِ".

4- أبابيل: طائرة من دون طيار محلية الصنع، يُرمز إليها بـ A1 ، بدأت أولى محاولات المقاومة الفلسطينية تصميمها في الانتفاضة الثانية، لكنها دخلت في الخدمة في معركة العصف المأكول (2014). وكان تصنيعها محلياً في غزة بإشراف المهندس التونسي الشهيد محمد الزواري. وهذه التسمية جاءت من وحي القرآن كما في قوله تعالى: "وأَرسَل عَليْهِم طَيرًا أَبَابيل، ترمِيهم بحجارةٍ من سجيلٍ، فجعلَهُمْ كَعصفٍ مَأكول".

وللغة العربية وتراثنا أثر

لم يَفُت مبدع التصنيع ورائده في العمل المقاوم، أن يحسّن التسميات، اعتماداً على دلالة اللغة والتراث، فنجده يبحث عن رمزيات توحي بالبطولة والقتال، لتكون صناعته مقاتلة بالفعل والاسم، ومن ذلك  تسميات:

1- البتّار: قاذفة صواريخ مضادة للدروع محلية الصنع، طورتها كتائب الشهيد عز الدين القسّام في أثناء انتفاضة الأقصى "الانتفاضة الثانية". بإشراف المهندس عدنان الغول، رحمه الله. والاسم جاء من الرمزية العربية للسيف القاطع الذي يسمى بتّاراً. ولا يحتاج إلى وجود العنصر البشري في مكان إطلاقه، وينطلق على هيئة صواريخ (أرض-أرض)، لكن بارتفاع يوازي الآليات، وينصب على الأرض ويُطلق بواسطة جهاز تحكُّم عن بُعد عند اقتراب الهدف.

2- إبرار: الإبرار هو "الإنزال البري"، أي نزول القوات المقاتلة إلى البر من خلال البحر، وذلك خلف خطوط العدو، ويكون بالزوارق الحربية. وقد استُخدمت الكلمة لأول مرة في المعركة في البيان الخامس للمقاومة في معركة طوفان الأقصى، وجاءت في معرض الحديث عن تنفيذ الكوماندوس الفلسطيني عملية إنزال للمقاتلين على شواطئ عسقلان. وهي من الكلمات العربية التي وُلدت مجدداً في الحرب، ولم تكن شائعة الاستخدام. 

3- سرب صقر: وحدة عسكرية تابعة لكتائب الشهيد عز الدين القسّام، ظهرت لأول مرة في معركة طوفان الأقصى، وهي طائرات مظلية حملت كل واحدة منها مقاتلين، وقد ساعدت على التسلل الجوي إلى المستعمرات في منطقة "غلاف غزة". والسرب في اللغة هو مجموعة الطيور التي تحلّق معاً، أما الصقر فهو من الجوارح التي لا يؤكل لحمها، وتتقن الصيد والإغارة. وهذا تكثيفٌ في المعنى، رافقه فعل على الأرض يليق به.

هذه بعض أسماء الأسلحة ودلالة معانيها، وقد يقال فيها أكثر من ذلك، ولعل في تتبّع كل تسميات الأسلحة المحلية الصنع عند الفصائل المقاتلة على اختلافها ما يفيد، كما أن في البيانات والبلاغات العسكرية التي تصدر في المعركة عن فصائل المقاومة ما يغني ويثري البحث للمهتم باللغة المُشتبكة والمقاتلة. فاللغة العربية ودلالة كلماتها وغنى مصطلحاتها ورمزية الأسماء فيها رافدٌ للمقاومة ومعينٌ ينبغي أن ننتبه له ونهتم به.