رحيل ابن عكا الفنان التشكيلي إبراهيم هزيمة
Date:
28 septembre 2023
Auteur: 

" ذكرياتي سواء أكانت جميلة أم مؤلمة، هي مصدر إلهامي الإبداعي. العناصر الفنية المتكررة وأشكال النساء والبيوت والشجر، تمثل الحنين إلى وطني فلسطين. من خلال فني، أرغب في منح شعبي الحلم والأمل في مستقبل أفضل." (إبراهيم هزيمة) 

رحل الفنان إبراهيم هزيمة في برلين يوم أمس الأربعاء، قبل أن يتحقق حلمه في وطن فلسطيني يعود إليه، تاركاً خلفه إرثاً فنياً عكَس حلماً راوده منذ كان في الخامسة عشرة من العمر، وهو العودة إلى مدينته عكا التي هُجِّر منها وعائلته في سنة 1948. 

وُلد هزيمة في عكا في سنة 1933، ولجأ إلى سورية واستقر في مدينة اللاذقية، حيث عمل كمدرّس للفن هناك. تعلم الفن بالمراسلة في معهد الفن في باريس، وكان جزءاً من المشهد الفني التشكيلي في سورية والمنطقة، فحصل على جائزة صالون القاهرة وجائزة معرض الخريف في دمشق في سنة 1957. بعدها سافر إلى ألمانيا، حيث درس في جامعة الفنون البصرية في مدينة لايبزيغ. انتقل هزيمة إلى برلين منذ سنة 1974، واستمر في إنتاجه ونشاطه الفني في المنفى.  فقد انتخب في سنة 1979 عضواً في الأمانة العامة لاتحاد الفنانين التشكيليين الفلسطينيين، الذي ترأسه إسماعيل شموط، وكان مقرّه في بيروت حينها، وعهدت إليه المسؤولية عن علاقات الاتحاد الخارجية، وأصبح الناطق الرسمي باسم اتحاد الفنانين الفلسطينيين في أوروبا. وتولى من ضمن مهامه مسؤولية تنظيم عدد من المعارض الخارجية لفنانين فلسطينيين في ألمانيا وأوروبا والدول العربية في أوج نشاط اتحاد الفنانين الفلسطينيين.

 

نساء- نسيج القرية، 2000 (نسخة من 200)، مهداة من الفنان لمؤسسة الدراسات الفلسطينية

 

حصل هزيمة على جائزة الشراع الذهبي في بينالي الكويت الدولي العاشر في سنة 1987. وانتُخب في سنة 1988 رئيساً للجنة الوطنية التشكيلية الفلسطينية في اليونسكو، وكان عضواً في اتحاد الفنانين الألماني. كما حصل في سنة 2016 على الوسام الفلسطيني للثقافة والعلوم والفنون، تقديراً لعطائه في مجال الفنون التشكيلية.

كان هاجس هزيمة الأول والأخير مدينته عكا، ونراها تجسدت في أعماله عبر مسيرته الفنية الطويلة، وتظهر من خلال رسومات نساء يرتدين الأثواب الفلسطينية التقليدية المطرزة، ويحملن على رؤوسهن أطباق البرتقال، أو برفقة الأطفال، وفي الخلفية حارات عكا القديمة ببيوتها الصغيرة ونوافذها المضاءة ليلاً. تسيطر النساء على أعمال هزيمة، فالمرأة بالنسبة إليه جزء لا يتجزأ من الوطن، بل الوطن ذاته.

رسم هزيمة مشاهدَ من عكا القديمة، ازدحمت فيها البيوت وتراصّت فوق بعضها البعض، مانحاً إحساساً بالدفء والأمان والسكينة. برزت فيها المآذن والقباب والحارات القديمة وتفاصيل حنينه إلى حياة الطفولة في عكا. وأولى اهتماماً خاصاً لرسم مشاهد المدينة يلفّها ليل وادع، يضيء في سمائه القمر، مبرزاً جمال المدينة وبيوتها في مشاهد ليلية حالمة من جهة، ومبرزاً أيضاً في هذه الأعمال براعته في استخدام وتوظيف تقنيات توزيع الظلال والنور في تباينات درامية تبرز عمق اللوحة.

إلا إن أهم ما ميّز أعماله، صبغة الطول والارتفاع التي يعطيها لشخوصه والعناصر المختلفة في لوحاته. فعند رسمه موتيفات للنساء مثلاً، نجد أنه يعطيهن مسحة من الطول المبالَغ فيها للنساء، ويؤكدها بتكرار النساء الطويلات في أنحاء اللوحة. وكذلك تبدو البيوت التي يرسمها بطريقة طولية مرتفعة بشكل مبالَغ فيه. فنرى أن لوحاته تتخذ طابعاً عامودياً، يشكل فيها الارتفاع جزءاً مهماً من التكوين. وباستخدام هذه التقنية، يخلق هزيمة تأثيراً مهيمناً لعناصر اللوحة على المشاهد، يعكس فيها الفخر والعظمة بالناس والبيوت والحارات، مانحاً مدينته عكا تأثيراً درامياً ومسحة من السمو والارتفاع، كيف لا؟ وهو ابنها المسحور فيها وبأهلها وناسها.

يقول في مقابلة سابقة: يحتل الإنسان الفلسطيني مكان الصدارة في عملي الفني، أحلامه، ورغباته، وتشوّقه إلى الحرية والعيش بأمان وسلام في أرضه الحبيبة فلسطين... الإنسان في لوحاتي يقف بثبات، كشجرة راسخة الجذر في الأرض، وجذعها متعالٍ بأغصان في السماء. ويمكنني القول إن مَن يشاهد أعمالي يطلّ على روحي وحبي لوطني وأهلي."[1]

 

[1]غسان دهشان ومارغريت حصري، وكالة الأنباء الفلسطينية "وفا" (17/3/2010). 

انظر