انتخابات نواب لواء القدس إلى مجلس المبعوثان (1908)
Date:
31 août 2023
Auteur: 

عرف لواء القدس، الذي تشكّل في سنة 1874 وتكوّن من أقضية القدس، ويافا، والخليل، وغزة وبئر السبع، الانتخابات النيابية، لأول مرة، عندما أصدر السلطان العثماني عبد الحميد، في كانون الأول/ديسمبر 1876، الدستور العثماني، أو القانون الأساسي، الذي نص على تشكيل المجلس العمومي من مجلس المبعوثان ومجلس الأعيان. وبعد أشهر قليلة على صدور الدستور، أجريت الانتخابات لمجلس المبعوثان، ففاز فيها عن لواء القدس يوسف ضياء الدين الخالدي، الذي شارك في دورتين نيابيتين في الآستانة، قبل أن يقرر السلطان عبد الحميد، في سنة 1878، تعليق العمل بالدستور.

وبعد نجاح جمعية الاتحاد والترقي في استلام السلطة، وقيامها بتفعيل العمل بالدستور في تموز/يوليو 1908، بدأت التحضيرات في لواء القدس لانتخاب ثلاثة نواب عنه إلى مجلس المبعوثان. وقد ترشح لهذه الانتخابات عشرة مرشحين من سكان اللواء من المسلمين والمسيحيين واليهود. ويبدو أن الانتخابات كانت تتم على مرحلتين، بحيث ينتخب من لهم حق الاقتراع في المرحلة الأولى نواباً ثانويين، يقومون هم، في المرحلة الثانية، بانتخاب نواب مجلس المبعوثان.

صفات المرشح للنيابة وبيانات انتخابية

أعارت جريدة "القدس" اهتماماً كبيراً  للصفات التي يجب أن يتحلى بها المرشح لمنصب نائب في مجلس المبعوثان، وكذلك للحملة الانتخابية التي دارت لانتخاب مبعوثي اللواء. فرأى عثمان النشاشيبي أن وظائف المنتخبين لهذا المجلس، بغض النظر عن أصولهم الجنسية، أو القومية، تتمثّل في "تأمين الحكم الدستوري، وتعميم التعليم، وتسهيل الطرق لتعليم التركية كحذف اللغة الفارسية منها، وتوسيع سلطة الإدارة المحلية بقدر ما يوجبه الحال، والنظر في الأمور الاقتصادية، وزيادة القوة العسكرية بقدر الإمكان والمساواة بين الأمة في جميع الأحوال" (عثمان النشاشيبي، "ما يتعلق بمجلس المبعوثان"، العدد الرابع، السنة الأولى، الثلاثا في 16 و 29 أيلول سنة 1908، ص 4). بينما حذّر اثناس سابا من أن بلداناً دُمرت، وأمماً "سقطت من درجة الحضارة والمدنية إلى درجة الدناءة والهمجية"، لأن أولياء أمورها "ضحوا المصالح العمومية على مذابح غاياتهم الشخصية وشهواتهم النفسانية"، منبهاً أهالي لواء القدس، الذي دخل "في طور جديد" على "طريق الارتقاء والتقدم"، إلى ضرورة "عزل المتغرضين"، وانتخاب "من يكون كفوءاً للنيابة" و"المخلص المحب لوطنه محبة حقيقية" (اثناس سابا، "كيف يجب أن يكون المبعوث؟"، العدد الثامن، السنة الأولى، الثلاثا في 30 أيلول و 13 تشرين الأول سنة 1908، ص 2). بينما استغرب محرر الجريدة، جرجي حبيب حنانيا، انتشار الولائم والعزائم، التي "لا تعدّ ولا تُحصى في أهم قرى القصبة استجلاباً للأصوات"، وقيام البعض ببذل قصارى جهده "ليكون أحد المرشحين للنيابة في مجلس المبعوثان، ولو كان ذلك المرشح غير أهل لأن يوظف في أدنى من هذه الدرجة"، داعياً الناخب إلى أن يدرك أن النائب "هو كالمرآة التي يُنظر فيها إلى صورة أهل هذا اللواء وآدابهم وعلومهم ومعارفهم واقتدارهم"، ومخاطباً إياه بقوله: "فعلام تتغافل عن الحقيقة وتبيع شرفك وشرف وطنك بالتملق والتزلف وإرضاء الخاطر". وبعد أن قارن بين تحزب الأوروبي والأميركي "لرجل فاضل يرى فيه كل ما يؤول لخير وطنه، فيفاخر به وينشر المقالات عنه وعن علومه ومعارفه وعن خدماته لبلاده"، وبين تحزب ابن القدس لشخص لا يعرف عنه "شيئاً إلا اسمه فقط"، ولا يذكر "استعداد ذلك الشخص العلمي، ولا اقتداره لرفع شأن الوطن"، استغرب الطريق التي سار عليها عدد من المترشحين إلى مجلس المبعوثان "للوصول إلى الأصوات الكثيرة"، التي أخذوها "ممن يجهلون ما هي وظيفة المندوب للنيابة في مجلس المبعوثان" ("القدس والأحزاب في هذه الأيام"، العدد 11، السنة الأولى، الجمعة في 10 و 23 تشرين الأول سنة 1908، ص 1).

كان من ضمن المترشحين العشرة للنيابة اثنان، نشرت جريدة "القدس" بيانيهما الانتخابيين وهما نظيف الخالدي، مهندس شعبة المدينة المنورة في خط الحجاز، واسحق ليفي، مفتش الزراعة في ولايتي سوريا وبيروت سابقاً.

فقد توجّه نظيف الخالدي إلى أبناء وطنه بالقول إن دور الاستبداد، الذي حكم عليه شخصياً بالابتعاد عن القدس قد ولّى، وأنه عاد إلى مدينته ليكون "خادماً صادقاً للبلاد وأهلها"، مستشهداً، في هذا السياق، بعمه "المرحوم ناشر أعلام الحرية الشيخ يوسف ضياء الدين الخالدي"، الذي علّمه، منذ صغره، "محبة الحرية والاستقامة، وبغض الظلم والرشوة". ثم عرض في بيانه الأهداف التي يتوخى تحقيقها في حال فوزه بالنيابة، وهي: الجهاد في سبيل جلب وجمع ماء كافٍ وافٍ، وفي سبيل إصلاح وزيادة طرق المواصلة داخل اللواء وخارجه، بحيث يتم وصل القدس بمصر بسكة حديدية، ووصل القدس بالشام إما بسكة حديدية مارة بنابلس وجنين ثم عفولة، وإما بطريق منتظمة تمر بأريحا فالسلط فعمان، وفي سبيل تنوير البلاد وبالأخص أزقتها حسب اللزوم، وفي سبيل إنشاء مرفأ ليافا وإصلاح أسكلة غزة، وفي سبيل إنشاء مجاري فنية داخل البلدان لدفع ما فيها من الأقذار، وفي سبيل عمل خريطة مكملة لجميع اللواء لكي يهون تقسيم الأراضي المشاعة وطرح الويركو وتخمين الأعشار؛ أما الباقي من الإصلاحات، "مثل تنظيم المكاتب والمدارس وتحسين الزراعة والتجارة والصناعة وتنظيم الجيش إلخ"، فسيتركها لأرباب الاختصاص، مع وعده بأنه سيكون "عضواً عاملاً مع المشتغلين في ترقية البلاد وإراحة العباد إن شاء الله" ("استلفات نظر"، العدد السابع، السنة الأولى، 26 أيلول و 9 تشرين الأول سنة 1908، ص 2-3).

وفي البيان الانتخابي الثاني، أكد إسحق ليفي أنه سيبذل المستطاع، وسيعمل بكل قواه وبكل ما أعطي من النشاط "سعياً وراء الفائدة الحقيقية نحو الوطن بنوع عام، ونحو البلاد الفلسطينية بنوع خاص"، وعاهد مواطنيه بأنه سيهتم على الخصوص "بإصلاح الزراعة والتجارة والصناعة"، وسيطلب بإلحاح وبكل قوته "إنشاء جميع الطرق اللازمة للمواصلة ولتسهيل الحياة الاقتصادية"، وسيرفع صوته "بدون خشية لإنشاء كثير من المدارس". كما سيسعى من أجل أن يسهّل "أمر الاستدانة وذلك بتأسيس كثير من البنوك"، وسيطلب "تطهير القوانين والمحاكم من جميع المظالم التي تخنق العدالة والحق". وختم بيانه بالإشارة إلى أنه لن يستاء من الناس في حال عدم انتخابه، وأنه لا يبحث من وراء ترشحه عن منفعة مادية، قائلاً: "فإن كنتم تفضلون سواي عليّ فأنا لا أقول إنكم أخطأتم، ولكني أقول إنكم بلا شك تعرفون الناس الذين خدماتهم هي ضرورية جداً لكم في هذا الوقت؛ أما من جهتي، فلا أكون قد خسرت شيئاً سوى الفرصة المناسبة لخدمتكم الخدمة النصوحة، لأن الفوائد المادية التي تنتج عن رواتب النواب هي حقيرة جداً ووظيفتي الشخصية الحالية هي من حمده تعالى وظيفة سامية تجعلني بعيداً عن الحاجة للسعي وراءها من هذه الجهة" ("بيان" (من إسحق ليفي، مفتش الزراعة في ولايتي سوريا وبيروت سابقاً، مرشح لمجلس المبعوثان)، العدد التاسع، السنة الأولى، الجمعة في 3 و 16 تشرين الأول سنة 1908، ص 2-3).

انتخاب ثلاثة مبعوثين عن لواء القدس

في الساعة الثامنة من نهار الأحد في 5 (شرقي) و 18 (غربي) تشرين الأول 1908، اجتمع الناس في الثكنة العسكرية لانتخاب أعضاء مجلس المبعوثان، فافتتح رئيس بلدية القدس عزتلو فيضي أفندي الجلسة، وقال للنواب الثانويين: "تمثلون هنا خمسة وخمسين ألفاً من العثمانيين أقاموكم على أنفسهم، واختاروكم نواباً عنهم لتنتخبوا ثلاثة أشخاص من أهل اللواء يكونون أعضاء في مجلس المبعوثان الذي هو مجلس الأمة، ليمثلوا فيها مائة وثلاثة وستين ألفاً عثمانياً من الذكور"، ثم أورد أسماء المترشحين للنيابة، وهم: عبد السلام الحسيني؛ روحي الخالدي؛ سعيد الحسيني؛ عثمان النشاشيبي؛ حسين هاشم الحسيني؛ نظيف الخالدي؛ دكتور فوتيوس؛ جرجي حمص؛ الياس يعقوب بنايوت الصوابيني وإسحق ليفي، مشيراً  إلى أن الجميع "ينتظرون إنهاء الانتخاب في الخليل ويافا والرملة وغزة وبير السبع والناصرة" ("انتخاب أعضاء المبعوثان في قصبة القدس"، العدد العاشر، السنة الأولى، الثلاثا في 7 و 20 تشرين الأول سنة 1908، ص 3).

وكانت الجريدة قد أوردت، تحت عنوان: "قدوم سعيد"، خبر وصول روحي بك الخالدي، "قنصل جنرال الدولة العثمانية في مدينة بوردو الفرنساوية المرشح لعضوية مجلس المبعوثان من لواء القدس، إلى يافا ثم إلى القدس في مساء 12 و 25 تشرين الأول 1908، وعرّفته بأنه "من أعظم علماء بلادنا، يشهد على ذلك موقعه بين العلماء المستشرقين في مدينة باريس، وكتابه الشهير في تاريخ علم الأدب عند الأفرنج والعرب، وفي ترجمة حياة الشاعر الشهير فيكتور هوغو، مما يبرهن على رسوخه في العلم وفضله". وبعد أن ذكرت أن خليل السكاكيني استقبله في محطة القدس بخطبة وجيزة، نشرت نص الخطاب، أو بالأحرى البيان الانتخابي، الذي أرسله روحي الخالدي إلى الجريدة كي تنشره على صفحاتها، والذي ركّز فيه، بصورة خاصة، على معاني الحرية، وورد فيه: "إننا في موقف ينبغي لنا فيه أن ننسى الشخصيات تفانياً في خدمة الوطن ومحبة الحرية التي هي سبب كل تقدم وفلاح؛ فالحرية لا يقدرها حق قدرها إلا من جاهد في سبيلها..، وشاهد آثارها في عمران البلاد المتمدنة وسعادة أهلها؛ فما نراه اليوم في أوروبا من المعمورية إنما هو نتيجة الحرية"، وأضاف: "استحوذنا بحمد الله على الحرية..، فلنعض على هذه الحرية بالنواجذ لكي لا تفلت منا مرة أخرى، فإن إعادة دور الاستبداد وإعلان الإدارة العرفية لم يزل خطرهما العظيم باقياً ليومنا هذا وللغد، إن لم تتسلح الأمة العثمانية بالثبات والمقاومة والمتانة لدفع هذا الخطر الشديد"، لينهي خطابه بشكر عموم أهل اللواء على ثقتهم به، مؤكداً أنه سيبذل قصارى جهده في سبيل "تحقيق آمالهم بالمدافعة عن حقوق الأمة العثمانية وحريتها وتمامية استقلال ممالكها بكل ما [أستطاع] الدفاع به" ("قدوم سعيد"، العدد 12، السنة الأولى، الثلاثا في 14 و 27 تشرين الأول سنة 1908، ص 3-4).

وبعد ظهور نتائج الانتخابات التي فاز فيها عن لواء القدس كلً من روحي بك الخالدي، وسعيد بك الحسيني وحافظ بك السعيد، نُظّم، في يوم الاثنين في 3 و 16 تشرين الثاني سنة 1908، احتفال شائق في مدينة القدس لوداع مبعوثَيها القدسيي الأصل، وهما روحي بك الخالدي وسعيد بك الحسيني، لأن مبعوث لواء القدس الثالث وهو حافظ بك السعيد كان قد سافر إلى يافا قبل يومين لوداع مواطنيه وأهله، ولذلك لم يحضر هذا الاحتفال.

حفلة وداع المبعوثين المقدسيين

وتنقل الجريدة خبر ذلك الاحتفال، فتذكر أن الناس كانوا يتقاطرون أفواجاً "على اختلاف مللهم وأجناسهم" إلى محطة السكة الحديدية في القدس، وكان يخال للناظر أنه "في أيام حفلات المواسم الدينية التي تقام في كل سنة في بيت المقدس من المسلمين والنصارى، حين تجتمع الألوف وترتفع أصوات عامة الشعب معبّرة عما يخالج أفئدتها من الفرح". وفي محطة القطارات، افتتح حفل الوداع الأديب عبد السلام أفندي كمال مدير تحريرات اللواء، ثم قام الشيخ علي أفندي الريماوي وخاطب المبعوثَين بقصيدة، تلاه الأديب داود أفندي يلين الذي ارتجل خطاباً باسم الطائفة الإسرائيلية التي "من فرائض توارتها الدينية إعلان الحرية في البلاد لجيمع سكانها (لاويين الأصحاح 25 آية 10)"، داعياً للمبعوثين "بالدعاء الإسرائيلي الديني (في ليلة السبت) الذي نصه: ليكن خروجكما بالسلام ملائكة السلام، وليكن رجوعكما بالسلام ملائكة السلام"، ومعبراً عن أمله في أن "روحي ينعش الأرواح وسعيد يسعدنا وحافظ يحافظ على حقوقنا". ثم قام روحي بك الخالدي أحد المبعوثين وألقى خطاباً بيّن فيه أهمية النظام البرلماني القائم على حكم الشعب، وتطرق فيه إلى سيرورة عمل مجلس المبعوثان، ومما قاله: "إنّا ذاهبون لنؤيد للأمة العثمانية، على اختلاف أفرادها في الأديان واللغات، حق الحاكمية، فإن هذا الحق هو لها ولا يجوز للفرد الواحد ولا للأفراد القلائل أن يستبدوا ويتخذوه آلة للتغلب والقهر اللذين هما من آثار الغضب والحيوانية، ولا يليقان بالأمم المتمدنة...، فالقوانين والنظامات إنما هي عبارة عن إرادة الأمة تضعها بواسطة مبعوثيها وفقاً لأحكام الشرع"، وأضاف: "فاجتماعنا الأول سوف يكون لافتتاح المجلس العمومي واستماع النطق السلطاني، ثم يجتمع المبعوثون في المجلس المخصوص بهم وتتألف الوزارة المسؤولة تجاههم، ويتذاكرون في إعطاء الجواب على هذا النطق الشاهاني، وهناك تختلف الآراء تارة وتتفق أخرى حتى يلمع برق الحقيقة من تصادم أفكارهم وتتشكّل الأحزاب السياسية، فأصحاب الميمنة وأصحاب الميسرة والمتوسطون بينهما، وينضم كل مبعوث إلى حزبه بحسب استعداده وقابليته لفهم معنى الحرية، وبحسب ما غرسه العلم الحقيقي والأدب الصحيح في وجدانه من محبة الحق والعدل والإنسانية؛ وبعد تحرير الجواب وعرضه على صاحب الخلافة العظمى والسلطنة العثمانية، يشتغل المجلس بتحرير مواد القانون الأساسي بمقتضى البرنامج السياسي الذي أصدرته جمعية الاتحاد والترقي العثمانية..[كـ]  إبطال حكم الفقرة الأخيرة من المادة 113 المتعلقة بنفي وإبعاد أي شخص كان بموجب الإرادة السنية، فإن هذه الفقرة منافية للحرية الشخصية وباعثة على تعطيل أحكام القانون الأساسي وإعادة دور الاستبداد كما حدث قبل 32 عاماً من نفي مدحت باشا وإبعاد أحرار المبعوثين، ومنهم مبعوث القدس المرحوم يوسف [ضياء الدين الخالدي] باشا كما لا يخفى عليكم، وكذا إيضاح وتعيين المادة 108 المتعلقة بتوسيع مأذونية الولايات أو كما يُقال بالفرنساوية (اللامركزية)". وبعد أن ينتهي المبعوثون من هذه المهمة، ينظرون-كما تابع الخالدي- في طرح التكاليف الأميرية، ولا سيما في قضية إجراء الأشغال النافعة، من جر المياه وغرس الأشجار وإعمار المرافئ وفتح الطرق والمعابر ومد السكك الحديدية وتوسيع دائرة المعارف وعقد الشركات وتأسيس المصارف الأهلية وغير ذلك...".

وبعد أن ألقى المبعوث الثاني سعيد بك الحسيني خطبة وجيزة، وانتهاء الوقت المحدد لإلقاء الخطب، طلب العدد الكبير من الحضور من صاحب امتياز هذه الجريدة أن ينشر خطبته الوداعية، التي كان من المفترض أن يلقيها في الاحتفال، والتي بدأها بالقول: "كنا نصرخ ولا مجيب، كنا نئن ولا أحد يرثي لحالتنا، كنا نتوسل ولا أحد يتحنن علينا، إلا أن الله سبحانه رحمنا وسمع نداءنا وأقام لنا منا من يفتخر الدهر بذكرهم، مثل نيازي وأنور وغيرهما، قلبوا استبداد الظالمين ولله در من قال: "وصرخة في واد إن ذهبت اليوم مع الريح فقد تذهب غداً بالأوتاد"، وهي جملة قالها فقيد العلم والحرية السيد عبد الرحمن الكواكبي الذي ذهب ضحية الحرية وفريسة لأنياب حيتان البوسفور"، ثم خاطب مبعوثَي القدس قائلاً: "والآن، يا صاحبَي السعادة عليكما يتوقف رفع شأننا بين الأمم الراقية، عليكما وضعنا ثقل هذه الوظيفة، وعليكما أن تسعيا في تقدم الزراعة والصناعة والتجارة في وطنكما هذا؛ نعم، إنكما ستكونان في مجلس المبعوثان ليس فقط ممثلَي القدس بل ممثلَي الأمة العثمانية جمعاء...، فلا تنسيا أن مستقبل القدس يُطلب منكما، وعليكما اعتمادنا وأنتما أعلم الناس في حاجاتنا" ("وداع مبعوثي القدس"، العدد 18، السنة الأولى، الثلاثا في 4 تشرين الثاني و 17 تشرين الثاني سنة 1908، ص 1-4).

 

المصدر: جريدة "القدس" من أرشيف مؤسسة الدراسات الفلسطينية الرقمي.