هل تؤتي سياسة القتل الإسرائيلية أُكلها؟
Date:
26 juillet 2023

القتل – عقيدة كوخافي

جاء في حيثيات الاستراتيجيا العسكرية لإسرائيل باسم "غدعون"[1] الموقعة من رئيس الأركان الإسرائيلي السابق غادي أيزنكوت، أن تحديد مصادر التهديد القادمة على دولة إسرائيل ستأتي من دول بعيدة (إيران)، وقريبة (لبنان)، وفاشلة أو في طريقها إلى التفكك (سورية)، أو من تنظيمات وكيانات تحكم رقعة جغرافية من دون أن تكون دولة (حزب الله و"حماس")، ومنظمة التحرير الفلسطينية والسلطة الفلسطينية (المسيطرة نوعاً ما على أجزاء من الضفة الغربية التي تضم معظم السكان تقريباً) والتي تعمل ضدها في ساحات العمل الدبلوماسي والمقاومة الشعبية، أو ما تسميه إسرائيل الحرب الناعمة، ومن منظمات "إرهابية" لا تسيطر على رقعة جغرافية أو على مجتمع معين (الجهاد العالمي والجهاد الإسلامي الفلسطيني وأنصار بيت المقدس وداعش وغيرها).[2]

وأضافت استراتيجية أيزنكوت، أن العدو العربي في السابق، تطلع إلى تحقيق حلمه القومي من خلال حسم المعركة لمصلحته بواسطة جيوش نظامية. أمّا اليوم، فالعدو المذكور يتميز بصفات محلية ومذهبية وطائفية، ينتقل خلالها من معركة تقليدية، إلى معركة يدمج فيها بين الهجمات التقليدية وبين الحرب الشعبية والعمليات الإرهابية والمعارك "الناعمة"، وهو ما أدى وسيؤدي إلى تحويل المدن والتجمعات السكانية إلى ساحة حرب مركزية، كما هي الحال مع حزب الله في لبنان، و"حماس" في قطاع غزة، ومع السلطة الفلسطينية خلال الانتفاضة الثانية.[3]

أمر أيزنكوت حينها بزيادة الوحدة العسكرية الخاصة بلواء (من 3000-7000 جندي) من سلاح المشاة، مضافاً إليه الوحدات الخاصة "دوفدوفان ومغيلان وأغوز"[4]، وبتدريبها على المعارك داخل المناطق المكتظة بالسكان. كذلك حرص أيزنكوت على تحصين المركبات العسكرية التي وصل عددها إلى أكثر من 15 ألف مركبة لتصبح مضادة للرصاص والعبوات البسيطة أو الحرق.

بعد خمسة أعوام من استراتيجية أيزنكوت، طرح رئيس الأركان الإسرائيلي السابق أفيف كوخافي نظريته العسكرية التي سماها "تنوفا"، أي القوة الدافعة والتي قال عنها أنه "سيعد الجيش ليكون قاتلاً ومفيداً وحديثاً، أي "مصدر الموت" وفق الأكاديمية العبرية للغة.[5] وتنص استراتيجية كوخافي "تنوفا" على: "الانتصار في المعركة مهما كانت خسائر الطرف المقابل." وقال في خطاب تنصيبه رئيساً للأركان أنه :"سيعمل على أن يكون الجيش الإسرائيلي جيشا قاتلا"[6]، بالطريقة نفسها التي قاد فيها كوخافي الجيش في هجومه على مخيم بلاطة للاجئين الفلسطينيين في سنة 2002، حين ركز على القتل بدلاً من تمكين المقاتلين الفلسطينيين من الانسحاب وإنهاء المعركة. وقد تعرضت الاستراتيجيا المذكورة لانتقادات عديدة، من بينها ما تحدث عنه المهندس والباحث إييال وايزمن، الذي وصفها: "بتكتيك القتل"، القائل بأن الجيش لا يقتل لكي يسيطر، بل يسيطر موقتاً من أجل قتل كل أعدائه، فالهدف في نهاية المطاف هو القتل، وتحقيق النصر الواضح.[7]"  وفي السياق المذكور، صرح كوخافي أنه مع نهاية كل معركة يجب التأكد من حجم الأعداء والأهداف التي دمرت، وليس فقط احتلال الأرض.

ولا بد من الإشارة إلى أن النظرية العسكرية المذكورة أعلاه، تلتقي بشكل كامل، مع ما يطالب به اليمين والمستوطنين في دولة الاحتلال الذين يرفعون دائماً شعار "دعوا الجيش ينتصر" في حربهم ضد "الإرهاب الفلسطيني"، أو في "خطة الحسم" التي طرحها وزير المالية الإسرائيلي الحالي الفاشي بتسلئيل سموتريتش التي تطالب بشن حرب شعواء على الفلسطينيين لتحقيق النصر الشامل عليهم، وكان قد طالب بمحو بلدة حوارة من الوجود بعد قتل مستوطنيَن في أثناء مرورهما في البلدة.

وعلى ضوء التصعيد في الضفة الغربية، أمر قائد الجيش الإسرائيلي بتغيير قواعد إطلاق النار ضد الفلسطينيين لتشمل إطلاق النار على ملقي القنابل الحارقة أو الحجارة على الجنود، حتى لو لم تتعرض حياتهم للخطر الحقيقي. وأضافت الأوامر الجديدة، أن إطلاق النار يشمل الأشخاص المنسحبين الذين لم تشكل أفعالهم أي خطر على جنود الاحتلال ومستوطنيه.    

وبالروح الشريرة أعلاه، ومتذرعاً ببعض عمليات المقاومة الفلسطينية التي جاءت كردات أفعال على حرب إسرائيل العدوانية ضد الشعب الفلسطيني، أمر كوخافي الجيش الإسرائيلي بشن عملية عسكرية سماها "كاسر الأمواج" في الضفة الغربية، مجنداً لها أكثر من 20 وحدة خاصة من مختلف الأسلحة في الجيش الإسرائيلي، بما في ذلك الوحدة الخاصة في حرس الحدود التي يطلق عليها "يسام"، والوحدة الخاصة بالشرطة الإسرائيلية التي يطلق عليها "يمام"[8]، إضافة إلى تجنيد 1300 جندي. وكانت حصيلة الشهداء في  سنة 2022، 224 شهيداً أقل من ربعهم في قطاع غزة، في حين بلغ عدد الشهداء منذ بداية سنة 2023 حتى كتابة هذا المقال 93 شهيداً.

مبررات

اعتُبر انتشار الأسلحة الخفيفة بكثافة في أوساط الفلسطينيين، وخصوصاً في المخيمات مثل جنين وقلنديا وبلاطة وغيرها من المخيمات، وفي بعض المدن مثل جنين ونابلس، مؤشراً على ضعف السلطة، وعلى عدم قدرتها على توحيد السلاح في المناطق الخاضعة لسيطرتها. لذلك اعتُبر جمع السلاح من الفلسطينيين في المناطق المذكورة أحد أهم المبررات لممارسة عملية القتل، وخصوصاً أن هذا السلاح لم يُستخدم في النزاعات الداخلية كما هي الحال في فلسطين 1948، التي تشهد أكثر من 100 عملية قتل سنوياً، ولم يُستخدم في نزاعات سياسية داخلية، كما كان متأملاً إسرائيلياً. لذلك اعتقد قادة الأجهزة الأمنية الإسرائيلية أن هذا السلاح سيوجه ضدها في أي انتفاضة ثالثة مع الفلسطينيين، كما كانت الحال في الانتفاضة الثانية، وبالتالي يجب تجريدهم من أي قوة من خلال شن هجمات مباغتة على الفلسطينيين أوقعت نحو 320 شهيداً منذ بداية سنة 2022 حتى نهاية آذار/مارس الماضي. ويعتقد قادة الاحتلال العسكريين أن عمليات القتل المذكورة، وخصوصاً في منطقتي جنين ونابلس تساهم بشكل كبير في تحسين قدرات الردع الإسرائيلية أمام الفلسطينيين في بقية مناطق الضفة الغربية ومدينة القدس وحتى قطاع غزة.  

المبرر الآخر الذي يسوقه جنرالات الاحتلال الإسرائيلي في قتل الفلسطينيين، هو محاربة ما يسمى "الإرهاب الفلسطيني" الذي يستهدف الداخل الإسرائيلي والقادم من المناطق الفلسطينية، ولا سيما جنين ونابلس. لكن الأرقام تشير إلى أن مدينة القدس تحتل المركز الأول في عمليات المقاومة التي أدت إلى مقتل 13 إسرائيلياً، يليها جنين ومنطقتها 12 قتيلاً، وقلقيلية 5 قتلى، ونابلس ومنطقتها 5 قتلى، و13 قتيلاً في سائر أنحاء الضفة الغربية .

واستُغل ضعف السلطة الفلسطينية، التي ساهمت إسرائيل في إضعافها، مبرراً آخر لعمليات قتل الفلسطينيين  بذريعة أن السلطة فقدت قدرتها على السيطرة الأمنية، وخصوصاً في المخيمات وبعض المدن مثل مخيم جنين ومدينة نابلس، وهو ما حوّل تلك المناطق إلى "وكر للقتلة" على حد وصف رئيس الحكومة الإسرائيلية الحالية بنيامين نتنياهو. وحاولت إسرائيل خلال مناسبات عديدة إدخال السلطة في صراع مسلح مع القوى المحلية في تلك المناطق لكنها فشلت، وكان آخرها المقترحات الإسرائيلية التي قدمها الجنرال الأميركي مايك بنزل، المنسق بين الإدارة الأميركية والسلطة الفلسطينية التي تنص على بنود ثلاثة هي: تشكيل قوة أمنية فلسطينية جديدة بتمويل أميركي، تدريب هذه القوات في الأردن، تمركز هذه القوات في جنين ونابلس من أجل مواجهة "إرهاب الجماعات المحلية".[9]

وبتلك الاستراتيجية اختارت دولة الاحتلال الإسرائيلي أن تحسم معركتها مع الفلسطينيين عسكرياً، معتقدة ومتوهمة بأن كثرة القتل في صفوفهم وتدمير بناهم التحتية، ستجعلهم يتعاملون بواقعية مع أي مشروع إسرائيلي يطرح عليهم، من ضمن الخيارات المطروحة أدناه.

الخيارات الإسرائيلية

نتيجة رفض الفلسطينيين أي حل مع دولة إسرائيل غير ملتزم بحدود الرابع من حزيران 1967، طُرح العديد من المقترحات الإسرائيلية إن كان من مراكز الأبحاث أو من شخصيات إسرائيلية شاركت في صنع القرار في إسرائيل أو كانت قريبة منه مثل مشروع "تقليص الصراع" الذي طرحه المستوطن الدكتور ميخا غودمان، الذي طالب بالفصل الإداري والخدماتي بين الإسرائيليين والفلسطينيين من خلال توسيع الحكم الذاتي وفتح شوارع خاصة بهم وبناء مطار خاص بهم، تكون إدارته إسرائيلية ومرتبط مباشرة بمطار اللد مع زيادة نسبة تصاريح العمل للفلسطينيين في السوق الإسرائيلية، وزيادة المناطق الصناعية وتسهيل حركة التجارة وزيادة الاستقلال الاقتصادي للفلسطينيين، والاعتراف بدولة فلسطين من دون الاعتراف بحدودها التي سترسم مستقبلياً.[10]

أمّا عضو الكنيست المستوطن والوزير الحالي سموتريتش فقدم مشروعه للحل مع الفلسطينيين الذي سماه "خطة الحسم"، القاضية بضم الضفة الغربية وزيادة حجم الاستيطان وحل السلطة الفلسطينية وإيجاد 6 مناطق بلدية (الخليل وبيت لحم ورام الله وجنين ونابلس وأريحا) بهدف تفكيك المطالب الجماعية الوطنية للفلسطينيين، والاتفاق مع الأردن لمنح الفلسطينيين حرية التصويت في البرلمان الأردني، وخلق آلية لمساعدة الفلسطينيين على الهجرة.[11]  وفي السياق ذاته طالب سموتريتش، بشن عملية عسكرية واسعة يتم خلالها قتل من يستحق القتل من الفلسطينيين، وجمع الأسلحة منهم وإعادة الأمن لمواطني دولة إسرائيل.[12]

وبحسب اعتقاده، ستؤدي هذه الخطوات المذكورة إلى وضع العرب، الذين فضلوا البقاء داخل دولة إسرائيل أمام خيارين هما: إمّا التسليم بدولة إسرائيل بشكل كامل، وإمّا الهجرة خارج البلد.[13]

وطرح البروفيسور إفرايم عنبر رئيس مركز القدس للدراسات الاستراتيجية ورئيس مركز بيغن-السادات السابق، وأحد غلاة اليمين في إسرائيل مشروعه للحل الداعي إلى خيار الفوضى بقوله إن الحالة الفلسطينية تشهد تراجعاً في السيطرة على الأمن العام، وهناك انتشار كثيف للأسلحة ما أدى إلى ظهور عدة جماعات فلسطينية مسلحة في المدن والمخيمات الفلسطينية. وأضاف عنبر، أن الوضع الاقتصادي الفلسطيني في تراجع، وخصوصاً بعد تراجع الدعم الدولي لهم، وهو ما تسبب بتفكك السلطة من دون حلها، إلى عدة مناطق بقيادات محلية تقود خلايا مسلحة.[14]  وأضاف عنبر، أنه نتيجة رفض التنازل عن القدس وحق العودة والانسحاب إلى حدود 1967، أصبحت السلطة التي يقودها محمود عباس جزءاً من المشكلة وليست جزءاً من الحل. وهذا يستدعي من إسرائيل التحرك من أجل المحافظة على الأمن العام، من دون أن يعني عودة دولة إسرائيل إلى حكم الضفة الغربية.[15]  لذلك اعتبر عنبر أن خيار الفوضى وانهيار السلطة الفلسطينية ليس أفضل الخيارات بالنسبة إلى إسرائيل، لكن خياراً كهذا سيضعف الحركة الوطنية الفلسطينية التي كانت مصدر عنف ضد إسرائيل، وسبباً في عدم الاستقرار الإقليمي، واستمرار وجودها يهدد دولتين هما الأردن وإسرائيل.[16]  وإضافة إلى ذلك يؤدي الانهيار، بحسب عنبر، إلى إضعاف رغبات الفلسطينيين بالاستقلال وإضعاف الدعم الدولي لهم، كما يضعف المعسكر الإسرائيلي المؤيد لحل معهم من داخل إسرائيل نفسها. وأضاف عنبر، أن لخيار "الفوضى" في صفوف الفلسطينيين عنصراً سلبياً، يتمثل في تعزيز المخاوف الإسرائيلية الديموغرافية.[17]  لكن ربما يكون لهذا الخيار بعض المحاسن، مثل بروز قيادة فلسطينية جديدة واقعية ومتصالحة مع إسرائيل، وأن تصبح عودة حكم الهاشميين إلى الضفة الغربية أمراً مريحاً لهم، وربما يدفع الفلسطينيين في قطاع غزة إلى المطالبة بعودة الحكم المصري.[18]

ولا يختلف ما طرحه البروفيسور اليميني المتطرف مردخاي كيدار عن بقية المشاريع المطروحة أعلاه، إذ دعا إلى حل السلطة الفلسطينية، لمنع إقامة دولة فلسطينية بين البحر والنهر، وتشكيل ثماني إمارات فلسطينية تقاد بواسطة عشائر وحمايل فلسطينية كبيرة مثل تسليم رام الله لآل الطويل من البيرة، ونابلس إلى عائلة الشكعة والمصري، وأريحا إلى عائلة عريقات، والخليل إلى عائلة جابر وأبو سنينة، كما تقام نماذج حكم مشابهة في طولكرم وجنين وقلقيلية.[19]

عبرّت المشاريع المطروحة أعلاه، عما ينفذه الجيش الإسرائيلي، مدعوماً من المستويات السياسية على مختلف مشاربها، من سياسات واستراتيجيات تجاه الشعب الفلسطيني التي تسير في أربعة مسارات أساسية: الأول، هو مسار عسكري هدفه الأساسي فرض هدوء أمني متواصل لكسب الوقت وتأجيل اتخاذ القرارات الإسرائيلية المصيرية[20]، ما يتطلب العمل على منع اندلاع انتفاضة فلسطينية ثالثة من خلال عدة خطوات هي:

  • تحويل قتل الفلسطينيين إلى منهج، وخصوصاً تلك العناصر المسلحة التي يمكن أن تكون الذراع العسكري لأي انتفاضة ثالثة كما جرى في الانتفاضة الثانية. وفي الوقت نفسه، العمل على تجميع الأسلحة التي لم تُستخدم في الصراعات الداخلية.
  • عدم تسليم جثث الشهداء الفلسطينيين في حالة تمكن قوات الاحتلال الإسرائيلي من الاستيلاء عليها، لاعتقادها أن إعادة هذه الجثث إلى أهاليها ستدفع إلى تظاهرات شعبية عارمة تكون وقوداً في اندلاع شرارة الانتفاضة الثالثة.
  • عملية اعتقالات واسعة لمن تعتقد قوات الاحتلال أنهم من المحرضين والمشعلين لأي انتفاضة قادمة.
  • اجتياحات متواصلة للمدن والقرى الفلسطينية من دون البقاء فيها، لإشعار الشعب الفلسطيني أن إسرائيل تستطيع الوصول إلى أي منطقة أو شخص تريده.
  • استمرار إصدار تصاريح العمل داخل دولة الاحتلال، لأسباب أمنية واقتصادية لمصلحة دولة إسرائيل، الراغبة في إشعار العاملين فيها أن هناك ما يمكن خسارته إذا اندلعت انتفاضة. أمّا تصاريح العمل في قطاع غزة فهي جزء من ثمن التهدئة مع حركة "حماس".

أمّا المسار الثاني من السياسات الإسرائيلية فله علاقة بالاستيطان المتصاعد في الضفة الغربية، الهادف إلى محاصرة الضفة الغربية من الخارج بالمستوطنات والمزارع والشوارع الطولية والعرضية على مختلف أنواعها، التي تشير طريقة انتشارها إلى تطبيق صفقة القرن من جانب واحد بهدف استكمال الكانتونات والمعازل الفلسطينية.[21]

ولفرض الكانتونات والمعازل الفلسطينية وتعزيزها كأمر واقع غير معلن من جانب الجيش الاحتلال الإسرائيلي، طُرح مخطط "كل شيء يتدفق" القاضي بفتح شوارع خاصة بالمستوطنين مثل شوارع قاطع السامرة، وشارع 90 في غور الأردن، وشارع 60 من الخليل حتى الخضر، وشارع 1  من أريحا-القدس. في حين يبقى للفلسطينيين شارع نابلس-طولكرم وشارع رقم 60 من الخضر حتى الشمال، وشق شبكة طرق تسمى "محور الطرق الشرقي" الذي يبدأ من الخضر حتى منحدرات برية القدس (النبي موسى). أمّا التواصل بين رام الله والشمال فسيتم شق محور طرق يبدأ من بيتين حتى مفترق طرق زعترة,[22]

أمّا المسار الثالث فهو مسار سياسي يدعو إلى استمرار الجمود السياسي وعدم التوجه إلى أي مفاوضات مع الفلسطينيين، وفي الوقت نفسه استمرار العمل على إضعاف السلطة الفلسطينية واستنزافها ومحاولة إشغالها في القضايا الحياتية اليومية للفلسطينيين بواسطة العديد من الإجراءات التي من أهمها مصادرة أموال المقاصة لأسباب متعددة، إلى حين اتضاح شكل القيادة الفلسطينية، لما تسميه إسرائيل عصر "ما بعد محمود عباس". وفي هذا السياق تقف إسرائيل أمام خيارين هما:

  • انبثاق سلطة جديدة تكون واقعية ومستعدة للتعامل مع المطالب الإسرائيلية وفق موازين القوى على الأرض.
  • وفي حال الفشل، تعمل إسرائيل على تطابق القيادات الفلسطينية القادمة مع الوقائع الاستيطانية على الأرض، أي حل السلطة والتعامل بشكل مباشر مع القيادات الميدانية في الكانتونات والمعازل الفلسطينية المتعددة في الضفة الغربية.

وفيما يتعلق بالمسار الرابع فهو الحرص على استمرار فصل قطاع غزة عن الضفة الغربية، لذلك رسمت استراتيجيتها السابقة والحالية والقادمة مع الفلسطينيين على اعتقاد أن الخلافات في صفوفهم عميقة ولا يمكن جسرها، وهو ما يخدم المصالح الإسرائيلية العليا في العديد من المجالات من أهمها، الاستفراد بالضفة الغربية في محاولة لضمها من دون السكان.

خلاصة

رسمت إسرائيل سياستها واستراتيجيتها تجاه الفلسطينيين خلال العقد والنصف الماضيين، وحتى المستقبل غير البعيد، على رؤية بن -غوريون القائلة بأن العرب لن يسلموا بوجود دولة إسرائيل، وأنهم سيظلوا يحاولون الهجوم عليها بين الفينة والأُخرى، وهو ما يتطلب من الجيش الإسرائيلي شن هجمات مبكرة عليهم، وإيقاع أكبر قدر ممكن من الخسائر البشرية والمادية في صفوفهم، كي لا يشكلوا أي تهديد لوجودها، إلى حين تسليمهم بوجود دولة إسرائيل. وفي حالة رفضهم تواصل دولة الاحتلال الإسرائيلي استخدام القوة بشدة، وقتل أكبر عدد ممكن من الفلسطينيين، لإفقادهم القدرة على التهديد وتقليل الأضرار التي تواجهها دولة إسرائيل من خلال إيجاد فترات هدوء أمني طويلة وتعزيز حالة الردع وإنهاء المعركة بانتصار كبير وواضح، وإملاء شروط وقف القتال من أجل تحقيق الأهداف السياسية.

وفي الشق الثاني من هذه السياسة، تحاول إسرائيل، من خلال سياسة القتل الممنهج، كسر إرادة الفلسطينيين وإلحاق الهزيمة بهم، كي لا يعترضوا على الواقع العنصري الفاشي كحل مرحلي، مع خلق أزمات اقتصادية وسياسية واجتماعية في صفوف الفلسطينيين في الضفة الغربية ومدينة القدس المحتلتين، لفرض بيئة طاردة لهم خارج هذا البلد.

وعلى الرغم من الخسائر البشرية والمادية الفادحة التي يتكبدها الفلسطينيون يومياً، فإن الرأي العام الإسرائيلي ونخبه السياسية والعسكرية والاقتصادية والثقافية، ما زالت تعتبر أن بقاء الشعب الفلسطيني يشكل تهديداً رئيسياً للدولة اليهودية. والتهديد الفلسطيني المذكور، لم يكن وليد العقدين أو الثلاثة الماضية، بل كان مؤرقاً ومحركاً لكل سياسات دولة الاحتلال العدوانية بحق الشعب الفلسطيني منذ بداية الاحتلال سنة 1967 حتى اليوم.

كيف يتصدى الشعب الفلسطيني لسياسة المحو الإسرائيلية؟ سؤال يحتاج إلى وقفة تقييم ورؤية سياسية  تعزز الصمود وتفشل مشاريع التصفية الدموية والسياسية.

 

[1] وفق المصادر الإسرائيلية سميت الخطة الاستراتيجية للجيش الإسرائيلي على اسم غدعون بن يوئاش (قائد عسكري يهودي حكم نابلس ويُعتبر القاضي الخامس من قبيلة مينشه) الذي تعتبره الرواية التوراتية منقذاً لإسرائيل من القبائل المدية والعمالقة (قبائل كنعانية). وباستثناء المصادر العبرية لا يوجد ما يؤكد هذه الرواية.

[2] عليان الهندي، قراءة في استراتيجية الجيش الإسرائيلي "غدعون"، مجلة "شؤون فلسطينية" العددان 262 و263 (2016)، ص 210.

[3] المصدر نفسه.

[4] هيئة تحرير موقع الجيش الإسرائيلي، "رئيس الأركان أمر بتشكيل لواء كوماندو"، 6/7/2015، رابط الخبر الإلكتروني.

[5] يغيل ليفي، "بسبب الرفض السياسي للحكومة، أفيف كوخافي حول القتل لسياسات"، "تيلم" مجلة ربعية لليسار الإسرائيلي، رابط المقال الإلكتروني، 18\9\2022. 

[6] صحيفة "يسرائيل هيوم"، "جيش قاتل: ورشة النصر التي عقدها رئيس هيئة الأركان تبدأ من اليوم"، 4\3\20219. رابط الخبر الإلكتروني.

[7] المصدر نفسه.

[8] أعلنت الحكومة الإسرائيلية في سنة 2022 الوحدة الخاصة "اليمام"، الوحدة الوطنية لدولة الاحتلال.

[9] تقرير  من براك رابيد، أخبار من البلاد والعالم، "خوفاً من انتفاضة ثالثة، الطلب الأميركي من السلطة الفلسطينية"، رابط المقال الإلكتروني، 1\2\2023.

[10] بتسلئيل سموتريتش، "خطة الحسم"، مجلة "هشيلوح" الإسرائيلية الفصلية ذات التوجهات اليمينية المتطرفة، عدد رقم 6، (2018)، ص 81-101.

[11] ميخا غودمان، "ثماني خطوات لتقليص الصراع"، نُشر المقال في مجلة "ليبر" الإسرائيلية في 18\3\2019. رابط المقال الإلكتروني.

[12] المصدر نفسه.

[13] المصدر نفسه.

[14] إفرايم عنبر، "الخيار الفشل -الفوضى في المناطق"، ملخص ورقة عمل كتبها عنبر صادرة عن مركز القدس للدراسات الاستراتيجية، 15\1\2023.

[15] المصدر تفسه.

[16] المصدر تفسه.

[17] المصدر تفسه.

[18] المصدر تفسه.

[19] مركز بيغن السادات للدراسات الاستراتيجية، يوم دراسي بعنوان "بعد يوم من انتهاء حكم أبو مازن"، كلمة مردخاي كيدار، 2015.

[20] تمير هيمن ورام يبنه وعنات كوارتس، "الساحة الفلسطينية – إغلاق ملفات"، التقييم الاستراتيجي لإسرائيل 2023، مركز أبحاث الأمن القومي، جامعة تل أبيب، 2023، ص 51-58.    

[21] المصدر نفسه.

[22] عمير ربابوت، "خطة الفصل لشوارع الضفة"، الرابط الإلكتروني لمقال في صحيفة "معاريف" الإسرائيلية: 24\2\2006.