75 عاماً على النكبة: الحياة الفنية في القدس عشية الحرب العالمية الأولى
Date:
19 juin 2023
Auteur: 

تتصف إسرائيل بكونها دولة قامت على عدد من الأساطير، التي أشاعتها الصهيونية منذ مطلع القرن العشرين، ثم واصلت هذه الدولة إشاعتها لدى قيامها قبل 75 عاماً. ومن الأساطير التي أشاعتها الصهيونية، منذ مطلع القرن الفائت، عندما عجزت عن إنكار وجود سكان عرب في فلسطين، زعمها أن هؤلاء السكان هم من "البدو"، الذين اعتادوا الترحال، ولا يمتلكون مقومات قومية وثقافية تجعلهم يتمسكون بالأرض التي يقيمون عليها، الأمر الذي يجعل من الممكن رحيلهم عنها طوعاً، أو ترحليهم منها بالقوة. أما من أبرز الأساطير التي أشيعت بعد سنة 1948، فهي أن المستوطنين اليهود الذين أقاموا دولتهم نجحوا في جعل الصحراء في "أرضهم الموعودة" التي عادوا إليها "تزهر"، بعد أن تركها "قاحلة" معظم سكانها الذين هجروها "طوعاً". والغريب في الأمر أن هذه الأسطورة الأخيرة ما زالت تجد من يصدّقها ويتبناها حتى في أوساط كبار الساسة الغربيين، كما دلّ على ذلك الخطاب الذي أدلت به، في تسجيل فيديو، رئيسة المفوضية الأوروبية، أورسولا فون دير لاين، في 24 نيسان/ابريل 2023 في بلجيكا، مخاطبة الرئيس الإسرائيلي إسحاق هرتسوغ ومشيدة بالصداقة بين إسرائيل والاتحاد الأوروبي، والذي عبّر عن جهل فاضح بالحقائق التاريخية، وورد فيه: "نحتفل اليوم بمرور 75 عاماً على قيام الديمقراطية النابضة بالحياة في قلب الشرق الأوسط، التي جعلت الصحراء تزهر حرفياً"؛ ذلك الخطاب الذي لم تتجاهل فيه السيدة أورسولا فون دير لاين الشعب الفلسطيني بصورة كلية، بل تجاهلت كذلك أن إسرائيل قامت، في سنة 1948، على أنقاض نحو 500 قرية و 11 حياً مدينياً. وفي هذا المقال، الذي يندرج ضمن مشروع كتاب جديد أعمل عليه حالياً عن مظاهر الحداثة في لواء القدس عشية الحرب العالمية الأولى، بالاستناد إلى جريدة "القدس" التي أصدرها جرجي حبيب حنانيا في مدينة القدس ما بين 1908 و 1914، والتي هي بأعدادها الـ 391 من ضمن محفوظات مؤسسة الدراسات الفلسطينية، سأبيّن كيف أن سكان فلسطين العرب، وخصوصاً في مدينة القدس، عرفوا، في مطلع القرن العشرين، حياة فنية حافلة، عبّرت عن تملكهم واحداً من أهم مظاهر الحياة الحديثة.

انتشار السنماتوغراف أو الصور المتحركة

 يبدو مما ورد في العدد 17 من جريدة "القدس" (الجمعة في 31 تشرين الأول سنة 1908، ص 4 )، أن مدينة القدس كانت تعرف منذ ذلك الحين هذا الشكل الفني، وكان فيها صالات ومسارح، مثل "تياترو أنيستي"، و "محل الخواجا فاينكولد" و "محل الخواجا جيرتش"، تعرض هذه الصور المتحركة، إذ ورد في العدد المذكور: "نعلن للجمهور المحترم أن في كل مساء عدا مساء الجمعة، ستعرض في تياترو أنيستي صور متحركة تمثّل أشهر الوقائع التاريخية والألعاب المختلفة والمواقع الحربية والمناظر التشخيصية والنوادر المضحكة، مما يسر الجميع. أما في يومي السبت والأحد، فيصير عرض الصور مرتين في المساء؛ وفي كل أسبوع تتغيّر الصور والمشاهد". وورد في العدد 338 من الجريدة (الجمعة  في 1 آذار سنة 1913، ص 3 )، خبر يفيد بأنه "سيجري استعراص مناظر سينماتوغرافية في محل فاينكولد في كل مساء منذ هذا المساء، وسيغيّر البوغرام في الأسبوع القادم مرتين". وكانت الجريدة تشرح أحياناً للجمهور، في أخبارها عن هذه العروض، طبيعة هذه العروض الفنية وتذكر لهم أثمان بطاقات الدخول، إذ ورد في العدد 341 (الجمعة في 22 آذار سنة 1913، ص 3) خبر آخر يفيد "بأن المناظر السينماتوغرافية التي ترد كل أسبوع إلى الخواجا أوجين جيورتش هي من أجمل المشاهد وأتقنها، فإن الناظر يرى وقائع الحوادث التي تستحق الذكر كأنه كان حاضراً حين وقوعها. وفي الأسبوع القادم، سيقدم مشهد واقعة حصار كاليه الذي جرى في سنة 1347 بين الفرنساويين والإنكليز، وهذه الحروب من أهم الحروب التاريخية التي بيعت النفوس فيها رخيصة، وإلى الآن يتفاخر الإنكليز والفرنسيس في وقائعها التاريخية المدهشة. فننصح الأهالي أن يقصدوا مكان فاينكولد الساعة التاسعة أفرنجية من كل ليلة من الأسبوع القادم، ليتمتعوا بمشاهدة غرائب الحرب المذكورة ومشاهدة روايات ومشاهد أخرى هزلية، تُستعرض معها فيسرون بما يرون. أما ثمن أوراق الدخول إلى هذه المناظر فهي بشلكان ونصف في المحل الممتاز، وبشلك ونصف في المحل الأول وبشلك في المحل الثاني". وذكرت الجريدة في عددها رقم 349 (الجمعة في 17 مايس سنة 1913، ص 3)، أن الخواجا جيوريش سيقدم في محل فاينكولد "من مساء الغد إلى مساء الثلاثا القادم رواية روميو وجوليت الشهيرة بالصور المتحركة السنماتوغرافية، ومشاهد أخرى مضحكة للغاية، فعلى من أراد أن يسر بتلك المشاهد والرواية أن ينتهز هذه الفرصة".

التصوير الشمسي، والرسم التذكاري والسيرك

وفضلاً عن انتشار السنماتوغراف، عرفت مدينة القدس في تلك الفترة انتشار فن التصوير الشمسي، وخصوصاً على يد المصوّر خليل رعد، الذي حصل على لقب "مصوّر شمسي العائلة الملكية الألمانية"، بعد أن قام بتصوير الأمير الألماني إيتل لدى زيارته القدس في ربيع سنة 1910، وهو الخبر الذي أوردته الجريدة في عددها رقم 139 (الجمعة في 2 نيسان سنة 1910، ص 3)، والذي جاء فيه: "في الساعة الواحدة بعد ظهر يوم الأربعاء تمكن خليل أفندي رعد المصوّر الشمسي المشهور من أخذ صورة سمو البرنس ايتل مع حاشيته على جبل الزيتون في محل إقامة سموه..وقد جرت بين خليل أفندي المذكور وسمو البرنس محادثة عن التصوير الشمسي، ومنحه سموه لقباً أُعطي من والده، وهو "مصوّر شمسي العائلة الملكية الألمانية"؛ وغني عن البيان، ما لخليل أفندي رعد من الشهرة والخبرة والاتقان بفن التصوير الشمسي، فإنه قد حظي على هذه الشهرة لمهاودة أسعاره، واتقان صنعته؛ فليختبره كل راغب في التصوير يوماً، فيسره". كما شاع، إلى جانب فن التصوير الشمسي، فن رسم مزارت مدينة القدس، إذ نشرت الجريدة في العدد 139 نفسه خبراً عن قيام الأب يواكيم الناصري من رهبانية الآباء الفرنسيسكان برسم "رسوم جميلة مأخوذة من أهم الأماكن المقدسة في مدينتنا"، و "اتبع رسومها بشرح مختصر واف عن كل مكان"، وهي رسوم جُمعت في مجموعة تمثّل "المجموعة الأولى والوحيدة من هذا النمط وضعت باللغة العربية، فنحض المسيحيين من ناطقي العربية على أن يقتنوا هذا الأثر النفيس، وهو يُطلب من مطبعة الآباء الفرنسيسكان".

ومن ناحية أخرى، كانت تحضر إلى مدينة القدس، في تلك الفترة، فرق السيرك الأجنبية، التي كانت تقدم عروضاً تشمل ترويض الوحوش وألعاب الجمناستيك التي يقوم بها شبان وشابات، إذ أشارت الجريدة في عددها رقم 136 (الثلاثا في 23 آذار سنة 1910، ص 4)، إلى إحضار حيوانات حية إلى المدينة، أقيم لها "معرض" بإدارة الخواجا شارل مومرت، ونقل مراسل الجريدة ما شاهده في ذلك المعرض، فكتب: "ذكرنا قبلاً خبر إحضار وحوش حية إلى هذه المدينة، والآن نبسط للقراء الكرام ما رأيناه بأم العين. فقد ذهبنا إلى معرض الوحوش التي أُحضرت قبل بضعة أيام، وهي تحت إدارة الخواجا شارل مومرت، فاعترتنا الدهشة لما شاهدناه من العجائب واختلاف ضروب الألعاب الغريبة.. وقد أهالنا منظر هذه الوحوش وعجبنا من كيفية تدريبها وضبطها...وأما الألعاب الجمناستيكية فهي غريبة جداً، فنظرنا إلى شبان وبنات يأتون ألعاباً مختلفة لا يصدقها سامع، وتشير إلى قوة غريبة اكتُسبت بالرياضة وكثرة الاستعمال...ويجري هؤلاء، عدا عن كل ذلك، فصولاً مضحكة للغاية تتغيّر من يوم إلى آخر، وجملة القول إنها ألعاب يتوق لمشاهدتها الجميع بدون استثناء".

المسرح: أبرز الفنون المقدسية

كان فن المسرح من أبرز الفنون التي عرفتها مدينة القدس في تلك الفترة، وقد انتشر، بصورة خاصة، بفضل الدور الذي اضطلع به عدد من المدارس والجمعيات الذي شكّل فرقاً تمثيلية خاصة به. وأود التوقف، قبل استعراض بعض النشاطات المسرحية، عند تقويم أدباء القدس لهذا الفن، من خلال إيراد فقرات من خطاب ألقاه الأديب أنطون أفندي لورنس، بعد عرض مسرحية "هملت" من قبل فرقة "ناشئة الحب الوطني التمثيلية"، وتناول فيه موضوع "التمثيل" وأهميته في تحقيق التقدم الحضاري ( العدد 77، الجمعة  في 31 تموز سنة 1909، ص 2-3 )، والذي جاء فيه: "التمثيل فن جميل، بل أمثولة مفيدة، وهو مدرسة العالم يوقف المتأخرين على حوادث المتقدمين، ويدلهم على مناهل الصلاح ويرتاد لهم مناجع الفضيلة والفلاح...ومتى عمّ التمثيل في بلادنا وتطالت إليه الأعناق، فثقوا أن الإصلاح منا على حبل الذراع. ألا ترون الغرب وأئمته كيف سمت بهم تلك العاطفة الأدبية حتى لا تكاد ترى مدينة أو قرية خالية من مرسح تمثيل...إذاً، لا تأنفوا من أن تروا أولادكم يميلون إلى هذا الفن الجميل، بل حرضوهم على المثابرة على ميلهم هذا...ولا حاجة لإطالة البحث في هذا الصدد، فقد تداولته أيدي مشاهير الكتبة ونشروا عنه المقالات الضافية الذيول، وبرهنوا للعالم أنه من الفنون التي ترقّي الأمم، وها قد شاهدتم تمثيل رواية [هملت] من أشهر الروايات لأشهر شعراء الإنكليز وأعظم الممثلين عندهم، وهو شكسبير الشهير الطائر الصيت في الخافقين، وهذه الرواية تحتوي على فوائد جمة ولنا منها نتائج عظمى. فمثلت الخائن وقد رقي، بدهائه وخبثه، عرش الملك، وما عتم أن تقلص ظل عظمته وخوى به عرشه، إذ إنه لم يؤسس على صخر الاستقامة والفضيلة، وترينا بأن الله خوّل الحق أنصاراً يدافعون عنه ويتشيعون له، فرأينا الابن وقد هاجه الحب الوالدي إلى الانتقام لأبيه فأغمد سيفه بصدر عمه، بعدما علم بالشرك الذي رام أن يوقعه فيه ليتخلص من البقية من الدم الطاهر الذي سفكه، وكيلا تكون له كمؤنب له على ما فعل. فلنتعلم إذاً من هذه الرواية أن نتمسك بالفضيلة والحق ونبتعد عن الرذيلة والظلم. وقد علمتم شرف الغاية من تمثيل هذه الرواية، ولا شك أنها غاية حسنى تروق بأعين أصحاب الكرم ومحبي نجاح دولتنا..".

وكانت العروض المسرحية التي يشارك فيها ممثلون وممثلات، وبعضها عالمي الصبغة مثل "هملت" و "عطيل أو أوتيلو" لشكسبير، تتم في المدارس، مثل "مدرسة روضة المعارف"، أو في النوادي والمنتديات، مثل "المنتدى الأدبي" أو في بعض المسارح، مثل "تياترو أوليمبيا" و "مرسح المعارف"، أو في القهاوي، مثل "قهوة المعارف للمقاصد والأعمال الخيرية"، أو في اللوكندات، مثل " لوكندة أفتيميوس"،  ويخصص ريعها غالباً لدعم مشاريع وطنية، مثل إعانة بناء الأسطول الحربي العثماني، أو مشاريع خيرية، لدعم الفقراء والأيتام  والمعوزين في المدينة.

وإذ لا يتسع المجال لاستعراض جميع النشاطات المسرحية التي تمت في تلك الفترة، فإنني سأكتفي بالإشارة إلى بعضها. ففي العدد 75 من الجريدة (الجمعة في 24 تموز سنة 1909، ص 4)، وتحت عنوان: "ليلتان تشخيصيتان لمساعدة الأسطوال العثماني"، أشير إلى "أن ناشئة الحب الوطني التمثيلية تقيم في مساء غد وبعد غد ليلتين تمثيليتين تشخص فيهما رواية "هملت" الشهيرة تأليف شكسبير الشاعر الإنكليزي في تياترو أوليمبيا"، على أن يُخصص ريعهما لدعم الأسطوال العثماني. وتحت عنوان: "ليلة تمثيلية"، ورد في العدد 80 من الجريدة (الثلاثا في 18 آب سنة 1909، ص 1-2 )، أن "جمعية الإصلاح الأدبي، التي قام بها نخبة من شبان طائفة اللاتين، الذين مُلئت قلوبهم بالحمية الوطنية والنهضة الأدبية، قد مثلت مساء السبت الواقع في 13 أغستوس على مرسح المعارف رواية "شارلمان الكبير"، قام بأهم أدوارها بعض أعضاء الجمعية المذكورة، وقد خصص ريعها لمنفعة الجمعية نفسها حتى تصبح قادرة على النهوض الأدبي وعلى تميم الفائدة التي تتوخاها". وتحت العنوان نفسه، ورد في العدد 91 من الجريدة (الجمعة في 25 أيلول سنة 1909، ص 4): "تحيي الناشئة الإسلامية التمثيلية ليلة خصوصية في مساء غد (ليلة الأحد) تمثّل فيها للمرة الثانية رواية "حمدان الأندلسي"، وقد خصصت ثلث دخلها إعانة للأسطول البحري العثماني، فانعم بهذه الحمية الوطنية والغيرة العثمانية الصادرة من شبان أذكياء، يتفانون في نصرة الدولة الدستورية والأعمال الخيرية. ونحن هنا، نحث الأهالي على مساعدة هذه الناشئة الوطنية والإقبال على ابتياع أوراق الدخول إلى هذه الليلة". وجاء في العدد 132 من الجريدة (الثلاثا في 9 آذار سنة 1910، ص 3 )، أن نخبة من تلامذة مدرسة روضة المعارف مثلت "رواية المروءة والوفاء" على مرسح المعارف، "حضرها جم غفير من الأدباء والوجهاء، وقد اعتنى بتدريب التلامذة وتعليمهم الإلقاء فضيلة الشيخ محمد الصالح، مؤسس هذه المدرسة، وكانت الموسيقى تطرب الحضور بألحانها الشجية. ولما انتهى التمثيل، خرج الجميع شاكرين، فنثني على جميع من ساعد هذا المكتب الوطني".

ويبدو أن مدينة القدس كانت تستقبل، في تلك الفترة، فرقاً تمثيلية عربية، وخصوصاً من مصر، إذ أوردت الجريدة في عددها رقم 202 (الجمعة في 3 كانون الأول سنة 1910، ص 4)، خبراً مفاده أن "جوق التمثيل المصري" بإدارة "الممثل الشهير رحمين أفندي بيبس" حضر إلى القدس، و"مثّل عدة روايات على مرسح المعارف نالت حظوة في أعين الجمهور. وسيمثّل مساء الاثنين القادم رواية تسبا الشهيرة للعائلات على مرسح الخواجا فاينكولد الواقع تجاه العمارة الروسية. فالأمل من الجمهور المحترم أن يُقبل على مشاهدة التمثيل، وينشّط القائمين بهذا الفن الجميل". كما أوردت في عددها رقم 276 (الجمعة في 25 تشرين الثاني سنة 1911، ص 4)، أن "الجوق الأدبي التمثيلي المصري"، بإدارة "بشارة أفندي ستاتي"، حضر قبل أسبوع إلى القدس، و"ابتدأ بتمثيل رواياته الجميلة المتقنة في قهوة المعارف منذ ليلة عيد الأضحى المبارك، وهذه الروايات التي مثلها: تسبا، هملت، الخداع والحب، صلاح الدين الأيوبي، ربيعة ابن زيد المكدم، روميو وجوليت، أوتيلو. وكان يعقب كل رواية فصل مضحك للغاية. وقد سر الأهالي مما شاهدوه من اتقان التمثيل والألحان المؤثرة، وقد شهد الجميع بمهارة ممثلي هذا الجوق، وخصوصاً حضرة الممثل الأول الشهير إبراهيم أفندي سامي، والممثلة الأولى الست منة. فنأمل من حضرة الجمهور المحترم أن لا يدع فرصة وجود هذا الجوق الشهير في بلديتنا من دون أن يتمتع بمناظره ويحضره ويسمعه، لئلا يفوته مشاهدة أحسن تمثيل أدبي عربي".

وأعارت الجريدة اهتماماً كبيراً لقدوم فرقة الشيح سلامة حجازي وجورجي الأبيض الشهيرة إلى القدس، واعتزامها إحياء ثلاث ليال تمثيلية، إذ أوردت في العدد 356 (الجمعة في 5 تموز سنة 1913، ص 3 )، خبراً مفاده أنه "سيحيي الشيخ سلامة أفندي حجازي الشهير وجورجي أفندي الأبيض الطائر الصيت، تلميذ الأستاذ سلفان الفرنساوي، وأجواقهما ثلاث ليال تمثيلية، الأولى مساء الثلاثا (ليلة الأربعا)، الواقع فيه 9 تموز شرقي يمثّل فيها رواية "غانية الأندلس"؛ والثانية مساء الأربعا (ليلة الخميس) الواقع فيه 19 منه ويمثّل فيها رواية "نابليون"، والثالثة مساء الخميس (ليلة الجمعة) الواقع فيه 11 منه ويمثل فيها رواية "جنحة الغواية"، وذلك قرب السبيل خارج باب الخليل، إعانة للمهمات الوطنية. وسيطرب الحضور مساء الأربعا أثناء التمثيل المطربان الشهيران زكي أفندي عكاشة والشيخ عبد الحميد أفندي عكاشة. أما التمثيل، فسيبتدئ في كل ليلة من الليالي المذكورة عند الساعة الثانية بعد الغروب، أي الساعة التاسعة أفرنجية مساء". وبعد أن عرضت الجريدة أسعار بطاقات الدخول، نبهت "الذوات الذين سيحضرون هذه الروايات الثلاث المهمة"، إلى أن "أهم شيء يُطلب منهم هو المحافظة على الهدوء والسكينة أثناء التشخيص، لئلا يفوتهم شيء من حسن إلقاء الممثلين، ولئلا يجري عندنا ما أجراه عدد قليل من اليافيين من الهياج قبل أسبوع، إذ كان الشيخ سلامة أفندي حجازي مريضاً لم يستطع أن يقوم بدوره ويظهر للناس، فاضطر أن يحضر إرضاء لهم. وفي هذه الليالي الثلاث، يبرهن أهالي القدس أنهم يقدّرون التمثيل الراقي حق قدره، وانهم أهل لكل رقي وفلاح".

تلك كانت الأجواء الفنية في مدينة القدس قبل عقود من السنين سبقت أسطورة "الصحراء القاحلة" في فلسطين التي جعلها المستوطنون اليهود "تزهر"!!!

انظر