الفلسطينيون المسيحيون: تقييد حرية عبادتهم والاعتداء على مقدساتهم
Date:
18 avril 2023
Auteur: 

بينما كانت قوات الاحتلال الإسرائيلي تفرض طوقاً أمنياً على المسجد الأقصى وتقوم باقتحامه، يوم السبت في 15 نيسان/أبريل الجاري، بغية إزالة لافتات وأعلام علّقها شبان فلسطينيون على إحدى بوائك قبة الصخرة، كانت تقمع بشدة، في الوقت نفسه، مصلين مسيحيين توافدوا بالآلاف إلى كنيسة القيامة للاحتفال بـ "سبت النور" وفق التقويم الشرقي، وذلك لمخالفتهم القرار الذي أصدرته سلطات الاحتلال والقاضي بحصر عدد المشاركين في هذا الاحتفال بـ 1800 شخص داخل الكنيسة و بـ 1200 في الساحة الخارجية. وقد أثار قرار تقييد الوصول إلى احتفال "سبت النور" غضب مسؤولي الكنيسة الأرثوذكسية الشرقية، الذين رأوا أنه جزء من جهود إسرائيلية طويلة الأمد "لتقييد حقوق المجتمع المسيحي المحلي وحرياته". وفي بيان مشترك، قالت بطريركية الروم الأرثوذكس، وحراسة الأراضي المقدسة والبطريركية الأرمنية، إنهم "سيواصلون احترام عاداتهم وسيجري الاحتفال كما هو منذ ألفي عام". وكان قرار إلغاء 739 تصريحاً ممنوحاً للفلسطينيين المسيحيين الأرثوذكس في قطاع غزة لزيارة القدس والمشاركة في هذا الاحتفال قد أثار غضباً شديداً في أوساطهم[1].

تزايد الاعتداءات على أماكن العبادة المسيحية وتنوعها

بيد أن أخطر ما صار يواجهه الفلسطينيون المسيحيون ليس التقييدات التي تفرضها سلطات الاحتلال على حرية عبادتهم، وإنما الاعتداءات المتكررة التي تتعرض لها، منذ سنوات عديدة، كنائسهم وأديرتهم ومدارسهم على أيدي يهود متطرفين.

فخلال قداس يوم الأحد، الموافق فيه 19 آذار/مارس 2023، اقتحم يهودي متشدد كنيسة الجثمانية في جبل الزيتون في القدس، وهو يحمل أدوات حادة، وحاول إلحاق أذى جسدي بالمطران يواكيم، أثناء رئاسته الصلاة والشعائر الدينية، والاعتداء بالضرب على أحد الكهنة. وبحسب البيان الذي أصدرته بطريركية الروم الكاثوليك المقدسية، قام المسيحيون المتواجدون في خدمة القداس بإلقاء القبض على المعتدي وأخرجوه خارج الكنيسة المقدسة حتى وصلت الشرطة واعتقلته. وقد أَدانت لجنة المتابعة العليا للجماهير العربية في مناطق الـ48، جريمة الاعتداء هذه، وقالت: "لقد تزايدت في الآونة الأخيرة الاعتداءات الإرهابية على كنائس القدس المحتلة وحتى المقابر، فيما يتعرض رجال دين مسيحيون، بوتيرة عالية، لاعتداءات في شوارع القدس العتيقة ومحيطها الخارجي، وهذا التزايد يؤكد أن عصابات المستوطنين الإرهابية تحظى بيد طليقة، وتساهل تام من سلطات وأجهزة الاحتلال معها، وفي أقصى الحالات نسمع عن اعتقالات وهمية لغرض العلاقات العامة". وأشارت إلى أن الهجوم على كنيسة الجثمانية، وما سبقه من اعتداءات على المقدسات المسيحية ورجال الدين، "ينضم إلى مسلسل الاعتداءات المتكررة على المسجد الأقصى المبارك، ومقابر المسلمين، وإلى القيود التي تفرض على حرية الوصول لأماكن العبادة، خاصة في المسجد الأقصى، وقريباً سنرى القيود السنوية على كنيسة القيامة، في سبت النور". ودعت لجنة المتابعة إلى "رص صفوف جماهيرنا، وتعزيز وحدتها وشد الرحال والحجيج إلى كافة الأماكن المقدسة، في القدس المحتلة، فالقدس لشعبها، ولا يمكن أن نسمح بالاستفراد بها"[2].  

وكان سائح أميركي من اليهود الأرثوذكس المتشددين قد دخل، في صباح 2 شباط/فبراير 2023، إلى كنيسة "حبس المسيح"، في البلدة القديمة في القدس المحتلة، وراح يضرب بمطرقة تمثالاً خشبياً للمسيح، تمّ إحضاره إلى القدس من إسبانيا في سنة 1912، وهو يصيح: "لا يمكن أن يكون هناك أصنام في القدس، إنها المدينة المقدسة". وكعادتها، ادّعت شرطة الاحتلال في بيان صحفي، أن منفذ الاعتداء على كنيسة "حبس المسيح"، سائح أجنبي وهو "مختل عقلياً". يُذكر أن هذا الاعتداء هو الخامس الذي تتعرض له أماكن عبادة مسيحية من قبل متطرفين يهود منذ أواخر العام الفائت، إذ تعرضت مقبرة الكنيسة الأسقفية (الأنجليكانية) لاعتداء وتكسير للصلبان، كما تعرضت البطريركية الأرمنية في وقت سابق إلى محاولة لاقتحامها، وكتبت بالطلاء عبارات عنصرية على جدرانها، مثل "الموت للمسيحيين" و "الموت للعرب" و "الموت للأرمن". كما اعتقلت الشرطة، في أوائل كانون الثاني/يناير 2023، مراهقَين يهوديين بعد أن ألحقا أضراراً بمقابر في المقبرة البروتستانتية في جبل صهيون. وكان المركز المجتمعي الماروني الواقع في معلوت ترشيحا في شمالي البلاد قد تعرض للتخريب على أيدي مجهولين خلال عطلة عيد الميلاد[3].

ولم تكن هذه الاعتداءات معزولة عن غيرها من الاعتداءات التي وقعت في الأعوام الماضية، ومنها على سبيل المثال لا الحصر: في تشرين الثاني/نوفمبر 2022، تم القبض على جنديين إسرائيليين للاشتباه في قيامهما بالبصق على رئيس أساقفة الكنيسة الأرمنية واثنين من الحجاج الآخرين خلال موكب عبر البلدة القديمة، واعتُفل أحد سكان جنوب إسرائيل بعد أن اعتدى على قساوسة بقضيب حديدي في قبر السيدة العذراء في كنيسة الجثمانية. وكان مهاجمون، يُشتبه في أنهم من اليهود الأرثوذكس المتشددين، قد أضرموا النار، يوم الاثنين في 1 آذار/مارس 2021، في مدخل دير الكنيسة الرومانية في القدس بالقرب من الحي اليهودي الأرثوذكسي، وقد نجح كاهن الكنيسة في إطفاء الحريق بسرعة. وحاول يهودي متطرف، عصر الجمعة في 4 كانون الأول/ديسمبر 2020، إضرام النار في كنيسة الجثمانية، فتصدى له عدد من الشبان ونجحوا في إخماد الحريق بسرعة، الذي خلف أضراراً طفيفة فقط. وفي 20 أيلول/سبتمبر 2017، اعتدى يهود متطرفون على كنيسة سانت آن الصغيرة وأحدثوا فيها خراباً كبيراً، وحاول شابان يهوديان متشددان، في حزيران/ يونيو 2015، إحراق كنيسة الخبز والسمك، في الطابغة الواقعة على الساحل الشمالي الغربي لبحيرة طبريا، حيث يعتقد المسيحيون بأن المسيح صنع هناك معجزة الأرغفة والأسماك. وقد دمر الحريق مبنى في مجمع الكنيسة، ولم يلحق أضراراً مباشرة بالكنيسة نفسها، وقام شاب يهودي ثالث بتوزيع وثيقة تتضمن تفاصيل عن "ضرورة" مهاجمة أماكن العبادة غير اليهودية. وفي 8 تشرين الأول/أكتوبر 2012، هوجمت، بالحجارة والزجاجات والقمامة، كنيسة القديس جورج الرومانية الأرثوذكسية، كما هوجم، في ليلة 1 إلى 2 من الشهر نفسه، دير الفرنسيسكان في جبل صهيون في القدس من قبل يهود يُعتقد أنهم ينتمون إلى حركة "جباية الثمن" ورسموا على جدرانه رسوماً تسيء لصورة المسيح، كما كان متطرفون يهود قد استهدفوا، في 4 أيلول/سبتمبر 2012، ديراً مسيحياً كاثوليكياً في اللطرون، على بعد نحو 25 كم إلى الغرب من مدينة القدس، وأضرموا النيران في بوابة الدير، وكتبوا شعارات معادية للمسيحيين على الجدران. وكان يهود متطرفون قد ألقوا، في 3 آذار/ مارس 2006، مفرقعات نارية حارقة على كنيسة البشارة في مدينة الناصرة[4].

رجال الدين المسيحيون يحملون السلطات الإسرائيلية مسؤولية هذه الجرائم

وأمام تكرار هذه الاعتداءات، يعترف المسؤولون الكنسيون بأنه لم يتم اتخاذ أي مبادرة حكومية ضد هؤلاء اليهود المتطرفين، وهم ينتقدون بشدة اللامبالاة التي تبديها السلطات الإسرائيلية إزاء هذه الحوادث. ففي تحقيق أجرته صحيفة "تايمز أوف إسرائيل" الإلكترونية، في 2 نيسان/أبريل الجاري، قال الأب فرانشيسكو باتون حارس الأرض المقدسة: "نشعر بالرعب من حوادث العنف والكراهية العديدة التي استهدفت مؤرخاً الطائفة الكاثوليكية في إسرائيل"، مضيفاً: "نتوقع من الحكومة الإسرائيلية والشرطة اتخاذ إجراءات حاسمة للتصدي لهذه الظاهرة الخطيرة، ونحثهم على القيام بذلك". أما أمير دان، المتحدث باسم الحراسة الفرنسيسكانية في الأرض المقدسة، فقال: "تحاول الشرطة تصوير كل اعتداء على أنه حدث منفرد، كما أنها تحاول تصوير المهاجمين على أنهم غير مستقرين عقلياً، بحيث تتبرأ الشرطة من أي مسؤولية"، مضيفاً: "للأسف، منذ انتخاب هذه الحكومة، يشعر البعض (من اليهود) بأنهم قادرون على فعل ما يريدون، وأنه يمكن تركهم ولن يحدث لهم شيء". ويستشهد التحقيق نفسه ببيان مشترك صدر قبل عيد الميلاد عن بطاركة ورؤساء كنائس القدس، محذراً "من أن الجماعات اليهودية المتطرفة تعمل على طرد المسيحيين من القدس"، كما يشير إلى مؤتمر صحفي عقده، في سنة 2018، رؤساء الكنائس الكاثوليكية والروم الأرثوذكسية والأرمنية أمام كنيسة القيامة، واتهموا خلاله بلدية القدس بـ "القيام بحملة ممنهجة ضد الكنائس والطائفة المسيحية في القدس"[5].والواقع أن تحذيرات رؤساء الكنائس المسيحية من أعمال اليهود المتطرفين العدوانية ونواياهم لا تتوقف؛ ففي بيان مشترك صدر في 13 كانون الأول/ديسمبر 2021، دقّ البطاركة ورؤساء الكنائس الأرمن والأرثوذكس والكاثوليك والإنجليكان ناقوس الخطر بشأن "التكتيكات" التي تستخدمها "الجماعات المتطرفة" لطرد المسيحيين من القدس، ولا سيما "الاعتداءات الجسدية واللفظية" و"مهاجمة دور العبادة"، وكتابة الكتابات أو رسم الرسومات المسيئة على جدرانها، وإلقاء زجاجات المولوتوف الحارقة عليها "ما يؤدي إلى تفاقم الشعور بعدم الأمان بين المسيحيين"[6]. وفي مطلع أيار/مايو 2022، طالب أساقفة الأرض المقدسة الكاثوليك، في بيان، السلطات الإسرائيلية "بتغيير نظام التعليم في بعض المدارس الإسرائيلية، حيث يتم تعليم الازدراء والتعصب تجاه غير اليهود"،و "ضمان تعليم احترام الأديان الأخرى في المدارس الإسرائيلية"[7].

استهداف مقدسات الفسطينيين بمسلميهم ومسيحييهم

على الرغم من أن سلطات الاحتلال الإسرائيلي تتهم غالباً من يقوم بالاعتداء على الكنائس والأديرة، أو بالاعتداء على رجال الدين المسيحي بـ "الجنون" أو بـ "الخلل العقلي"، فإن من الواضح أن هدف هذه الاعتداءات المتكررة هو خلق مناخات تشيع الرعب في أوساط الفلسطينيين المسيحيين وتضعف وجودهم في مدينة القدس، وهي اعتداءات لا تنفصل، في الواقع، عما يتعرض لها الفلسطينيون المسلمون الذين يواجهون اقتحامات قوات الأمن الإسرائيلية المستمرة للمسجد الأقصى، ومحاولات اليهود المتطرفين الرامية إلى تقسيمه، وهي كلها تصب في مخطط إفراغ مدينة القدس المحتلة من سكانها العرب، وإحكام السيطرة الإسرائيلية عليها ومواصلة تهويدها.

 

[1] https://www.alaraby.com/news/قواته-اقتحمت-المسجد-الأقصى-الاحتلال-يضيق-على-المسيحيين-في-سبت-النور?amp;

https://www.arabnews.fr/node/368986/monde-arabe

[2] https://www.almasryalyoum.com/news/details/2845880;

https://www.wafa.ps/pages/details/68127

[3] https://www.vaticannews.va/fr/eglise/news/2023-03/attaque-ecole-chretienne-nazareth-israel-mgr-nahara-vicaire.html;

https://fr.aleteia.org/2023/02/02/une-eglise-vandalisee-a-jerusalem

[4] https://www.liberation.fr/planete/2012/09/04/une-couvent-chretien-vandalise-en-israel_843754 ;

https://www.cath.ch/newsf/des-vandales-attaquent-l-eglise-orthodoxe-roumaine-saint-georges ;

https://www.lpj.org/fr/posts/les-eglises-catholiques-condamnent-les-attaques-repetees-contre-le-monastere-de-l-eglise-roumaine-a-jerusalem.htm ;

https://www.la-croix.com/Religion/Judaisme/nouvelle-eglise-cible-dexactions-Israel-2017-09-21-1200878659

[5] https://fr.timesofisrael.com/avec-des-attaques-anti-chretiennes-plus-frequentes-la-menace-dune-crise-pour-israel/

[6] https://cclj.be/article/quand-les-eglises-de-jerusalem-se-rebellent-contre-israel/                              

[7] https://www.lefigaro.fr/international/les-chretiens-de-jerusalem-s-inquietent-d-une-vague-d-actes-de-vandalisme-20230205

انظر