بينما يسيطر بتسلئيل سموتريتش، زعيم حزب "الصهيونية الدينية" وزير المالية الإسرائيلي والوزير في "وزارة الدفاع" على ميليشيات غير نظامية مشكّلة من غلاة المستوطنين في الضفة الغربية المحتلة، التي دعاها علناً إلى حرق بلدة "حوارة" الفلسطينية وإبادتها عن بكرة أبيها، قبل أن يتراجع عن ذلك، سيصير لزميله إيتمار بن غفير، زعيم حزب "قوة يهودية" الصهيوني الديني ووزير "الأمن القومي"، ميليشيا نظامية باسم "الحرس الوطني".ففي 27 آذار/مارس الفائت، وافق رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو كتابياً على الشروع في تشكيل "حرس وطني"، في مقابل موافقة إيتمار بن غفير وحزبه، الذي له ستة نواب في الكنيست، على تأجيل إقرار الإصلاح القضائي لمدة شهر. وكانت استطلاعات الرأي قد أشارت إلى أن الوضع السياسي لبنيامين نتنياهو محفوف بالمخاطر، وأن من المرجح أن ائتلافه سيفقد السلطة إذا أُجربت، في هذه الفترة، انتخابات تشريعية جديدة.
الحكومة توافق على تشكيل "الحرس الوطني" وتمويله
أعطت حكومة بنيامين نتنياهو، في الاجتماع الذي عقدته في 2 نيسان/أبريل الجاري، الضوء الأخضر لمشروع تشكيل "الحرس الوطني" بقيادة وزير الأمن إيتمار بن غفير، وقال مكتب رئيس الوزراء "إن لجنة مكوّنة من أعضاء أجهزة الأمن الإسرائيلية ستقرر ما إذا كان قائد الشرطة أو كيان آخر سيقود هذا الحرس، على أن يحدد نطاق عملها في غضون 90 يوماً". وينص المشروع على أن يتكوّن هذا الحرس الوطني من "قوات نظامية وألوية تكتيكية متخصصة" منتشرة في جميع أنحاء البلاد. ومن ناحية أخرى، أقرّت الحكومة، في ذلك الاجتماع، تمويل تشكيل هذا الحرس، الذي سيكلف نحو مليار شيكل (255 مليون يورو)، وإجراء تخفيضات كبيرة في ميزانية الوزارات من أجل ذلك، بحيث سيتعين على كل وزارة "أن تعاني من تخفيضات في ميزانيتها بنسبة 1.5٪ ". وقد أثار هذا القرار حفيظة أكثر من وزير، بمن فيهم وزير الرعاية الاجتماعية عن حزب "شاس" الحريدي، يعقوب مارجي، الذي أوضح أن هذه التخفيضات في الميزانية "تجبرنا على قصر أنشطة إعادة التأهيل والإغاثة على السكان الذين هم في أمس الحاجة إليها، بينما يتوجب علينا أن نعزز الضمان الاجتماعي ولا نقوّضه، ويتوجب على الحكومة ضمان عدم تأثر ميزانية المساعدة الاجتماعية"[1].
كيف يتصوّر إيتمار بن غفير ميليشياه النظامية؟
من المعروف أن الوزير إيتمار بن غفير هو مستوطن يهودي متطرف، سبق أن اتُهم عشرات المرات، عندما كان شاباً، بالتحريض على العنف والكراهية، وأدين، في سنة 2007، بدعم جماعة إرهابية والتحريض على العنصرية. وقد ولدت فكرة تشكيل "الحرس الوطني"، في أيار/مايو2021، في أعقاب هبة الفلسطينيين في جميع أراضي فلسطين التاريخية، التي قُتل خلالها 260 فلسطينياً-لا سيما في قطاع غزة - و 14 إسرائيلياً، بمن فيهم جندي، والتي جعلت اليمين القومي والديني في إسرائيل يتخوف من حركة التضامن بين الفلسطينيين في مناطق 1948 والفلسطينيين في الضفة الغربية وقطاع غزة، ويفكر في تشكيل حرس خاص يضمن الأمن في "الجبهة الداخلية"، في حالة اضطرار الجيش إلى حشد قواه على الحدود.
وقد نشر مكتب إيتمار بن غفير بياناً، بعد الموافقة على تشكيل "الحرس الوطني"، ورد فيه أن هذا الحرس "الذي سيعمل تحت إشراف وزارته، سيعيد الأمن إلى الإسرائيليين"، معتبراً أن مهامه ستتمثّل في "التعامل مع حالات الطوارئ الوطنية والجريمة القومية (الاعتداءات على اليهود وفقاً له) والإرهاب"، ومشيراً إلى أن الأموال الحكومية "ستسمح في البداية بتجنيد 1850 فرداً في الحرس الوطني، الأمر الذي سيستغرق عدة أشهر حتى يصبح جاهزاً"[2]. بيد أن لدى بن غفير طموحاً أكبر، ذلك إنه يطمح إلى دمج غالبية أفراد حرس الحدود، وهو القوة العسكرية المشكّلة من نحو 2000 عنصر والمنتشرة في الضفة الغربية المحتلة، ضمن "الحرس الوطني"، بما يضاعف أعداده، كما يمكن إضافة 10000 متطوع. وفي حديثه إلى جريدة "يسرائيل هيوم"، أكد بن غفير أن الشرطة الإسرائيلية "لا تعرف كيف تتعامل مع الجرائم القومية"، ذلك إنه "خلال أعمال الشغب التي قام بها العرب ضد اليهود في المدن المختلطة، لم يكن لدى الشرطة قدرة ولا فكرة عن كيفية التعامل مع الجريمة القومية"، وهي غير قادرة على حماية اليهود "الذين يمرون في الشوارع ويعانون من شر العرب؛ ليس كل العرب، بل العرب الذين يقاتلون من أجل حقهم في إقامة دولة فلسطينية والذين يريدون محو حقنا في العيش هنا في دولة إسرائيل". لذلك، سيتم إنشاء "حرس وطني" يكون "تابعاً للحكومة نفسها، وليس لمفوض الشرطة"، وستختلف نشاطاته "عن تلك التي تعوّدت عليها الشرطة"[3].
تصاعد المخاطر التي يتعرض لها الفلسطينيون
يتفق العديد من المحللين والمراقبين على أن ميليشيا إيتمار بن غفير النظامية تثير مخاوف كبيرة بين أوساط الفلسطينيين، إذ هي تهددهم بصورة خاصة. فلطالما أراد بن غفير إنشاء قوة شبه عسكرية تحت قيادته مباشرة "تركز على الحفاظ على النظام" من خلال استهداف المواطنين الفلسطينيين في مناطق 1948 عندما يتصدون لإجراءات الحكومة التمييزية إزاءهم أو يعبّرون عن تضامنهم مع نضال أشقائهم في الأراضي المحتلة. ومن ناحية أخرى، فإن مثل هذه القوة ستُستخدم لزيادة القمع الذي يستهدف الفلسطينيين في الضفة الغربية المحتلة، وهو ما توقعه روبرت أندروز، المدافع عن حقوق الإنسان ومسؤول العلاقات العامة في "منتدى التواصل الأوروبي-الفلسطيني" (يوروبال فورم)، الذي رأى أن "إعطاء ميليشيا خاصة للوزير الكاهاني إيتمار بن غفير، الذي أدين في الماضي، من المرجح أن يمثل انتكاسة تاريخية لأمن الفلسطينيين في جميع أنحاء الأراضي المحتلة"، مقدّراً أن "من المتوقع أن تستمر ميليشيا بن غفير في أعمال العنف والإرهاب ضد الفلسطينيين، لكنها ترتدي زياً رسمياً وتشكل رسمياً جزءاً من جهاز الدولة". وأضاف، في تصريحات لموقع "ميدل إيست آي": "مع وجود ميليشيا خاصة تحت سيطرته المطلقة الآن، من الواضح بالفعل - بما يتفق مع تصريحاته حتى الآن - أن بن غفير سيستخدم هذه الميليشيا لإضفاء المزيد من الشرعية على عنف المستوطنين ضد المجتمعات الفلسطينية تحت ستار الحفاظ على النظام"[4].
انتقادات إسرائيلية شديدة لمشروع "الحرس الوطني"
أثار مشروع تشكيل "الحرس الوطني" انتقادات شديدة في إسرائيل، وجهها له سياسيون من معارضي إئتلاف بنيامين نتنياهو الحكومي، وقادة أمنيون، ومحللون سياسيون وجمعيات حقوقية.
فقد ندد رئيس حزب "يوجد مستقبل" وزعيم المعارضة، يائير لبيد، بخطة الحكومة "السخيفة والدنيئة" الهادفة إلى إنشاء "حرس وطني"، وانتقد القرار الذي اتخذته يوم الأحد في 2 نيسان/أبريل الجاري بهذا الشأن، قائلاً: "إن الحكومة ستقوم بخفض ميزانيات الصحة والتعليم والمساعدات الاجتماعية والمواصلات العامة والدفاع، وكل ذلك لتمويل جيش خاص من البلطجية لمهرج تيكتوك". أما وزير "الأمن العام" السابق عمر بارليف فكتب في تغريدة على تويتر: "إن الاعتقاد بأن ميليشيا خاصة سيتم تدريبها من قبل وزير يحرجنا بقلة فهمه، والذي ثبتت إدانته بدعم جماعة إرهابية والتحريض على العنصرية، هو أمر صادم". ومن جهته، أعرب كوبي شبتاي، قائد الشرطة الإسرائيلية، عن شكوكه بشأن هذا المشروع في رسالة من خمس صفحات وجهها إلى إيتمار بن غفير، وشدد فيها، على وجه الخصوص، على "أن هذا الحرس الوطني، إذا كان مستقلاً ولا علاقة له بهرمية الشرطة، يمكن أن يقوّض السلامة العامة ويؤدي إلى فوضى في إنفاذ القانون"، مقدّراً أن تشكيل هذا الحرس "ليس سوى إهدار للمال العام لخلق بنية زائدة عن الحاجة وغير مجدية وبدون فائدة ملموسة". ودعا قائد الشرطة السابق ما بين سنتَي 2004 و 2007 ، موشيه كرادي، رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو إلى "أن يكون حذراً من منح هذه السلطة" لبن غفير، التي قد "يستخدمها في يوم من الأيام ضده"، مضيفاً أن نتنياهو "يجب أن يتعلم من التاريخ ويرى ما يحدث في البلدان التي يمتلك فيها السياسيون قوات مسلحة خاصة بهم، إذ تبقى هناك خطوة فقط بين هذا الوضع وحقيقة أنهم يستطيعون بهذه القوة السيطرة على مكتب رئيس الوزراء والقيام بانقلاب"، وتصوّر، في حديث إلى قناة التلفزة 12، قيام متظاهرين محتجين على مشروع الإصلاح القضائي بإغلاق الطرقات، ومسارعة الوزير بن غفير إلى إرسال "حرسه الثوري" لفتحها بالقوة، فإنه قد نخاطر عندها "بوقوع صدام بين قوتين من الشرطة إحداهما تخضع لقائد الشرطة والأخرى لوزير الأمن". وتجدر الإشارة إلى أن بن غفير تدخّل بصفته وزيراً لـ "الأمن القومي"، مراراً وتكراراً، في تعامُل الشرطة مع التظاهرات الحاشدة التي تشهدها المدن الأسرائيلية كل أسبوع للاحتجاج على خطة الحكومة لإصلاح الجهاز القضائي، بما في ذلك إخبار الشرطة بالطرقات السريعة التي يجب تركها مفتوحة خلال الاحتجاجات، ومناقشة طرق تفريق المتظاهرين، كما قام بزيارة إلى مراكز قيادة الشرطة في أثناء التظاهرات. وكان مدير "الشاباك" رونين بار، قد أعرب أيضاً، في اجتماعات مغلقة، عن معارضته تشكيل "الحرس الوطني". كما رأت المستشارة القانونية للحكومة غالي بهاراف-ميارا أن هناك "عقبة قانونية" أمام النسخة الحالية من مشروع تشكيل "الحرس الوطني"، وأن الشرطة "يمكن أن تفي بمسؤولياتها من دون خدمة هيئة منافسة"[5]. وهكذا، يصبح سؤال: "هل تتحوّل إسرائيل إلى دولة ميليشيات؟" سؤالاً مشروعاً، في ظل وجود ميليشيات، نظامية وغير نظامية، يديرها سياسيون نافذون، والتي لن تكتفي بتوجيه ضرباتها إلى الفلسطينيين في المقام الأول، بل ستهدد المواطنين اليهود كذلك، ولا يُستبعد، كما يخشى بعض السياسيين والمحللين، أن ينطوي وجودها على خطر القيام بـ "انقلاب" في محاولة لتولي مقاليد الحكم في البلد بصورة كاملة.
[1] https://fr.timesofisrael.com/les-ministres-acceptent-des-coupes-budgetaires-pour-creer-la-garde-nationale-de-ben-gvir;
[2] https://www.lemonde.fr/international/article/2023/04/01/en-israel-itamar-ben-gvir-faconne-une-garde-nationale-a-sa-main_6167868_3210.html
[3] https://infos-israel.news/itamar-ben-gvir-la-police-a-des-limites-cest-la-raison-de-la-creation-de-la-garde-nationale-proteger-les-juifs-des-arabes/
[4] https://www.middleeasteye.net/fr/decryptages/israel-garde-nationale-milice-privee-ben-gvir-menace-palestiniens-securite
[5] https://fr.timesofisrael.com/ex-chef-de-la-police-ben-gvir-pourrait-utiliser-la-garde-nationale-a-mauvais-escient;
https://digitalprojects.palestine-studies.org/sites/default/files/3-4-2023.pdf