في عيدها الستين، تجربة "تفاعُل" مع مؤسسة الدراسات الفلسطينية
Date:
3 mars 2023

منذ انطلاقته في سنة 2019، سعى تجمُّع الإعلاميين الفلسطينيين في لبنان "تفاعُل" للتواصل مع الأطر الفلسطينية، من قوى سياسية ومؤسسات إعلامية وثقافية، في سبيل التعريف بأهداف التجمُّع، وبحث سبل التعاون، وتقديم ما يمكن لخدمة مجتمعنا الفلسطيني وقضيتنا.

 وخلال هذه اللقاءات، وجد "تفاعُل" تجاوباً وأصداء مختلفة، مرحّبة، أو مشككة في قدرة هذا التجمُّع على الاستمرار، كونه يمثل فئة شابة من العاملين في الوسط الإعلامي، من مختلف التوجهات السياسية الفلسطينية، بالإضافة إلى عدد كبير من الزملاء المستقلين، ذلك بأن لبنان كان في الأعوام الأخيرة مسرحاً لبعض التجارب الفاشلة من الأطر الشبابية التي كانت إما تابعة للفصائل وتخضع لمحاصصتها، وبالتالي للتجاذبات السياسية التي أطاحتها، وإما لتجارب شبابية لم تلبث أن ذوَت بعد فترة، فكان من الطبيعي جداً أن نلمس هذه الأصداء المتباينة.

وبعد مرور أربعة أعوام على تأسيس "تفاعُل"، أصبح لدينا شبكة من العلاقات، وذخيرة من التجربة مع مختلف المؤسسات التي تعاملنا معها، ومنها مؤسسة الدراسات الفلسطينية، ونسجل للتاريخ هذه التجربة معها في عيدها الستين.

لماذا مؤسسة الدراسات الفلسطينية؟

من النادر أن تجد أحداً من اللاجئين الفلسطينيين في لبنان لم يسمع بمؤسسة الدراسات الفلسطينية، فهذه المؤسسة بقدر ما هي وريثة أجيال من العاملين فيها، هي ميراث للشعب الفلسطيني في الداخل والخارج، ساهمت في توثيق مسيرته وتاريخه وتقديم الدعم المعرفي، ولقد ذكرت مرات عديدة وفي مناسبات مختلفة، أنني ترددت أكثر من مرة إلى تلك المؤسسة مع والدي، عندما كنت فتى، وما أذكره في تلك الفترة أنها مؤسسة علمية معنية بشؤون الفلسطينيين.

طرقنا باب المؤسسة منذ بداية نشأة "تفاعُل"، ونحن نعلم بأن مؤسسة الدراسات هي مؤسسة كبيرة ومهمة، وكان لدينا الكثير من الأمل والشغف بأن تفتح لنا هذه المؤسسة العريقة أبوابها، وتقدم لنا دعمها العلمي والبحثي والمعرفي، وإن كان "تفاعُل" يمتلك خبرة إعلامية كافية، إلا أننا ما زلنا في بداية الطريق؛ وكان لدينا من الحرص، بقدر ما نستطيع، على نيل ثقة هذه المؤسسة، وخصوصاً أن أسماء كبيرة من الباحثين الفلسطينيين والعرب تناوبت على العمل فيها، ومنتوجها الثقافي والفكري ثري جداً.

كان من اللافت جداً ألّا نحظى فقط بالتشجيع على الاستمرار، بل فاق تعامُل المؤسسة معنا كل التوقعات، فكنا محل تقدير من المؤسسة، وخصوصاً من مديرها الأستاذ خالد فراج الذي فتح لنا أبواب المؤسسة على مصراعيها، وقال لنا : "أيها الشباب، هذه مؤسستكم، هي لخدمة فلسطين، وأنتم شباب فلسطين، ونحن جاهزون لتقديم كل ما تحتاجون إليه."

 وظلت قنوات التواصل مع المؤسسة مفتوحة طوال الأعوام الأربعة بنجاح، ذلك بأن فئة الشباب كانت تحظى باهتمام واسع من المؤسسة في الأعوام الأخيرة، ويبدو أننا جئنا في الوقت المناسب لنلقى هذا الترحيب والتعامل المميز، وأذكر أن الأستاذ خالد فراج كان من أوائل الذين زاروا مكتبنا المتواضع في مخيم مار الياس، برفقة الدكتورة بيرلا عيسى.

أما المشاركات والتقديمات التي أتاحتها لنا المؤسسة، فتتمثل بالتالي:

1-  تزويدنا بإصدارات المؤسسة من مراجع وكتب ومجلات، القديم منها والحديث، وصولاً إلى الإصدارات الشهرية المختلفة مجاناً.

2- الندوات التثقيفية الخاصة بأعضاء "تفاعُل"، حضورياً في المؤسسة، أو عبر برنامج زووم، إذ تناوب على هذه الندوات العديد من الباحثين العاملين في المؤسسة من فلسطين وخارجها، والتي تناولت مختلف مستجدات الوضع الفلسطيني والإسرائيلي.

3- حضور المؤتمرات الوجاهية التي تقيمها المؤسسة، أو التي تقام عن بُعد .

4- المشاركة كمتحدثين في العديد من الندوات الشبابية .

5- فتح فرصة التدريب في المؤسسة كباحثين مساعدين.

6- الكتابة في مجلة "الدراسات الفلسطينية"، أو في موقع المؤسسة .

أما الخدمة المهمة والكبيرة التي أسدتها المؤسسة، فهي إتاحة الفرصة لـ"تفاعُل" في المشاركة في "المنتدى السنوي لفلسطين" الذي عُقد في الدوحة، وهو منتدى مشترك بين مؤسسة الدراسات الفلسطينية والمركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، اجتمع فيه باحثون ومثقفون وإعلاميون وناشطون من الفلسطينيين والعرب، وكانت فرصة مهمة لـ"تفاعُل"، عبر مؤسسة الدراسات، في المشاركة في هذا المحفل الفلسطيني الكبير.

في عيدها الستين؟
ليس من السهولة بمكان أن تستمر مؤسسة فلسطينية مدة ستين عاماً متواصلة في بيئة عربية متقلبة سياسياً، وبالأخص لبنان، الذي شهد أحداثاً مهولة من حروب عسكرية ونزاعات سياسية، وأن تصرّ على استقلالية قرارها من دون تبعية لدولة، أو جهة عربية، أو فلسطينية، وهي مؤسسة بحاجة إلى تمويل، ولا أكشف سراً إن قلت إن هناك جهات دولية عربية وأجنبية عرضت التمويل على المؤسسة بشروط، لكنها رفضت، واختارت طريقاً صعباً، عبر تمويل نفسها بدعم غير مشروط، أو مشاريع يساهم فيها المهتمون بالشأن الفلسطيني، مثل معارض الرسم.

 كذلك، ليس من السهل الحفاظ على صدقية أبحاثها، عبر إصرارها على المعايير الأكاديمية، ومن اللافت فعلاً أن المؤسسة أصدرت منذ تاريخ نشوئها حتى الآن 800 كتاب بالمعايير العلمية المحكَّمة، فضلاً عن المجلات التي تعنى بالشأن الفلسطيني، والتي تصدر بالعربية والأجنبية والفرنسية.

لا يسعنا في هذه المناسبة إلا أن نتمنى للمؤسسة والعاملين فيها الاستمرار والتقدم والنجاح في خدمة قضية فلسطين واللاجئين، ونستغل هذه المناسبة لتهنئتها على مشروعها الذي أُطلق مؤخراً، "الموسوعة التفاعُلية للقضية الفلسطينية"، والشراكة مع المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات لإطلاق "المنتدى السنوي لفلسطين"، وأن تستمر أبوابها مفتوحة برحابة للجيل الجديد من الشباب الفلسطيني والعربي.