المنتدى السنوي (الأول) لفلسطين: تظاهرة أكاديمية عنوانها: فلسطين
Date:
15 février 2023

شكّل المنتدى السنوي لفلسطين، الذي نظمه المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات ومؤسسة الدراسات الفلسطينية، في الدوحة (28-30 كانون الثاني/ يناير 2023) ظاهرة أكاديمية وثقافية فريدة من نوعها جمعت ثلة من الباحثين والمهتمين بالقضية الفلسطينية من مختلف الدول والجنسيات. وعلى مدى ثلاثة أيام، حفل المنتدى بجلسات وندوات وورش عمل ولقاءات تناولت موضوعات في القضية الفلسطينية ماضياً وحاضراً. وأنهى المنتدى أعماله بجلسة ختامية مميزة ضمنّها المتحدثون خلاصة لأفكار طُرحت في المنتدى ومقترحات للبناء عليها في المنتدى القادم.

الجلسة الافتتاحية

افتتحت أعمال المنتدى بجلسة افتتاحية عامة تحدث فيها كلٌ من طارق متري رئيس مجلس أمناء مؤسسة الدراسات الفلسطينية، وعزمي بشارة المدير العام للمركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، اللذين أثنيا على أهمية عقد هذا المنتدى الذي من شأنه أن يشكّل صلة وصل بين الباحثين المهتمين بقضية فلسطين من مختلف أنحاء العالم.

شدّد متري في كلمته على الطابع العربي للقضية الفلسطينية، بمعنى "أن الصراع مع إسرائيل ليس صراعاً فلسطينياً- إسرائيلياً بل هو صراع عربي- إسرائيلي." ولفت إلى أن المركز العربي ومؤسسة الدراسات الفلسطينية يلتقيان على تأكيد عروبة قضية فلسطين بصفتهما مؤسستين عربيتين مستقلتين.

واعتبر عزمي بشارة أن المنتدى هو بمثابة الظاهرة، وهو حدث عنوانه مد الجسور بين الباحثين الفلسطينيين والباحثين العرب والأجانب. وشدّد على ضرورة تضافر جهود الباحثين الفلسطينيين والعرب لمواجهة ما تقوم به الصهيونية من تشويه لتاريخ الصراع. لكن الرد على هذا التشويه لا يجب أن يكون "بالمزايدات واستدرار العواطف، بل بخطاب عقلاني وأخلاقي يمكن توجيهه إلى العرب واليهود، والشرق والغرب، ولا تُخشى ترجمته إلى أي لغة."

الجلسات

عُقدت جلسات المنتدى بصورة مكثفة بمعدل ست جلسات يومياً موزعة على فترتين. وقد تناولت الأوراق المحكّمة التي زاد عددها على ستين ورقة، مروحة واسعة جداً من موضوعات القضية الفلسطينية، فتنوعت مثلاً بين دراسات في الاستعمار والأبارتهايد، والمقاومة وأساليبها، والأرشيفات التاريخة والآثار، والاقتصاد، والقانون الدولي، والتاريخ الشفوي، وغيرها....

وتميزت الجلسات بغنى الأفكار التي طرحها باحثون أكاديميون من مختلف التخصصات، وقد اختار القسم الأكبر منهم تقديم عرض (power point) لمزيد من الشرح والإيضاح، والكثير منها تضمن صوراً ورسومات بيانية وجداول. وأضافت الحوارات والنقاشات تفاعلاً لافتاً بين الحضور والمحاضرين.

ورش العمل

أمّا ورش العمل التي بلغ عددها ست، بما فيها الجلسة الختامية، فقد خصصت كل واحدة منها لمناقشة مسألة محددة، وكانت محور نقاش بين المقدمين والحضور. وحفلت الجلسة الوحيدة التي خصصت لمشكلة الانقسام الفلسطيني بكثير من المداخلات والأسئلة نظراً إلى أهمية الموضوع، الذي برأينا، لم يحظَ بحقه من الأوراق والبحث، ربما لحساسيته واختلاف الآراء بشأنه. ولا شك في أن هذه الورش أضافت مساحة واقعية من ناحية، وحداثية من ناحية أُخرى، ولا سيما الجلسة التي خصصت لإطلاق المواقع الإلكترونية الثلاثة: موقع ذاكرة فلسطين (Palestine Memory)، والقدس القصة الكاملة (Jerusalem Story)، وموقع الموسوعة التفاعلية للقضية الفلسطينية (Palquest). ولا بد هنا من التوقف عند أهمية هذه المواقع ودورها في نشر المعلومة الإلكترونية لتكون في متناول جميع الشرائح، وخصوصاً الفئات الشابة عبر فضاء إلكتروني واسع لا يعرف حدوداً للمكان والزمان.

ندوة "أسطور"

يمكن القول أن ندوة "أسطور"، و"أسطور" دورية محكّمة تُعنى بالدراسات التاريخية وتصدر عن المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات في الدوحة، كان لها نكهة تاريخية مميزة. فقد زخرت جلساتها بدراسات تاريخية قدمها عدد من الباحثين والمتخصصين بتاريخ فلسطين وقضيتها.

لا شك في أن للتاريخ دوره وأهميته في دراسة القضية الفلسطينية، فالبحث في الأرشيفات والوثائق سواء من الفترة العثمانية أو مرحلة الانتداب البريطاني، يقدم دليلاً قاطعاً على حق الفلسطينيين في وطنهم. ومثال على ذلك الدراسات التي بحثت في سجلات الأراضي والأملاك؛ الأرشيفات العثمانية المتعلقة بفلسطين؛ التأريخ وإعادة كتابة تاريخ فلسطين في حقب متعددة. فكانت ندوات "أسطور" بمثابة نافذة تاريخية فتحت العديد من المجالات لأبحاث قادمة.

****

وفي جولة على أعمال المنتدى يمكن التوقف عند الملاحظات التالية بصورة عامة:

- مشاركة واسعة جداً للباحثين الفلسطينيين والعرب وغير العرب

- مشاركة مهمة لشخصيات معروفة في المجال البحثي والأكاديمي

- حضور لافت للباحثين والمهتمين الشباب من عرب وأجانب

- حضور نسائي وازن في جميع نشاطات المنتدى

- عدد لا بأس به من الباحثين فضل تقديم ورقته باللغة الإنكليزية ولم يقتصر ذلك على الباحثين الأجانب بل شمل أيضاً مجموعة من الباحثات والباحثين العرب، وربما يعود ذلك إلى دراستهم في جامعات أجنبية.

- على الرغم من تنوع الموضوعات المطروحة، إلاّ إن موضوعات أُخرى غابت مثل: قضايا الأسرى في السجون الإسرائيلية، والتطبيع مع دولة الاحتلال. ولا بد هنا من التشديد على أهمية قضية الأسرى في السجون الإسرائيلية وهي بمثابة الجرح النازف في الجسد الفلسطيني، كما الاهتمام بقضايا اللاجئين التي بدت خجولة نوعاً ما، وقضايا الفلسطينيين المنتشرين في أصقاع العالم. 

الجلسة الختامية

اختتمت أعمال المنتدى بجلسة ختامية أقل ما يقال أنها خرجت عن الإطار العادي والمألوف في مناسبات كهذه، إذ كانت بمثابة ندوة بحد ذاتها خصصت لطرح الأفكار وتبادل الآراء. وكان البارز في هذه الجلسة الرسالة التي حملتها فدوى البرغوثي نيابة عن زوجها الأسير مروان البرغوثي تناول فيها مسألة "الخروج من المأزق الوطني" و"تحقيق المشروع التحرري"، والتحديات التي يجب العمل على مواجهتها لتحقيق المشروع الوطني الفلسطيني.

وشهدت جلسة الختام ما يمكن وصفه بتظاهرة فكرية نظراً إلى كثرة المداخلات والمناقشات التي تمحورت حول أهمية تنظيم المنتدى من ناحية، والبحث في تطوير المشروع الوطني الفلسطيني الجامع من ناحية ثانية.

****

لا شك في أن المنتدى في دورته الأولى، هو في حد ذاته حدث مهم جداً على الصعيدين الأكاديمي والبحثي، وقد شدد المنظمون على هذا الطابع للمنتدى تفادياً للوقوع في متاهات تخرج عن السياق الأكاديمي والعلمي. والأهم من ذلك أن يؤسس هذا الحدث لمنتديات قادمة تواكب تطورات القضية الفلسطينية في فلسطين المحتلة وخارجها، كما تواكب التطورات الإقليمية والدولية التي تؤثر مباشرة في قضيتنا ومنطقتنا.

وهنا يحضر سؤال أو تساؤل: إلى أي مدى يمكن للمثقفين والأكاديميين المساهمة في بناء مشروع وطني جامع يحاكي تطورات القضية الفلسطينية بعد مرور 75 عاماً على النكبة؟ ويستتبع هذا التساؤل، تساؤل آخر عن دور مراكز الفكر في عالمنا العربي وتأثيرها في عملية صنع القرار السياسي.

ربما حملت كلمة عزمي بشارة الافتتاحية رداً على هذا التساؤل، إذ اعتبر أن التأثير في عملية صنع القرار السياسي ليس من مهمات المنتدى. إلاّ إن مجرد طرح مسألة الخروج من المأزق الفلسطيني، والتفكير في تطوير مشروع وطني فلسطيني جامع، قد يؤسس لأفكار مؤثرة في العملية السياسية.