قد تكون القمة الثلاثية التي جمعت قادة مصر والإمارات وإسرائيل في شرم الشيخ، يوم الثلاثاء في 22 آذار/مارس الجاري، ناقشت "الحرب في أوكرانيا وتأثيرها على سوق الطاقة والاقتصاد العالمي والإمدادات الغذائية العالمية"، وفقاً لمكتب الرئيس المصري، وركّزت "على تعزيز العلاقات وأهمية التعاون والتنسيق والحوار لتلبية تطلعات التنمية والاستقرار في المنطقة، وأمن الطاقة واستقرار الأسواق العالمية، إلى جانب عدد من القضايا والمستجدات الإقليمية والدولية محل الاهتمام المشترك"، بحسب وكالة الأنباء الإماراتية، إذ ذكر مصدر سياسي إسرائيلي لصحيفة "هآرتس"، عشية سفر رئيس الوزراء الإسرائيلي نفتالي بينت إلى شرم الشيخ، أن إسرائيل ستعمل على إقناع الإمارات والسعودية بزيادة إنتاجهما من النفط، بهدف تقليص الاعتماد العالمي على النفط الروسي والإيراني، كما ستسعى لمساعدة مصر على إيجاد مصادر للتزود بالقمح والزيوت، بدلاً من أوكرانيا وروسيا المزوِّدتين الأساسيتين لها، ذلك إن مصر تستورد نحو 85٪ من قمحها و 73٪ من زيت عباد الشمس من أوكرانيا وروسيا[1].
رسائل إلى واشنطن وإلى طهران
ومع أن القمة الثلاثية ناقشت عواقب الحرب الدائرة في أوكرانيا، إلا أن الهدف الرئيسي من عقدها هو، على الأرجح، ما بيّنه الأكاديمي الإماراتي عبد الخالق عبدالله، عندما وصف قمة شرم الشيخ بأنها "الأولى من نوعها بين أبرز شركاء أميركا في المنطقة"، وكتب عبر حسابه على تويتر: "قمة شرم الشيخ اليوم هي الأولى من نوعها بين أبرز شركاء أميركا في المنطقة ورسالتها إلى الشريك الأميركي وإلى الخصم الإيراني المصمم على تهديد جواره الجغرافي"، وأضاف: "رسالة القمة لواشنطن هي هل أنتِ معنا أم مع إيران؟ هل ستقف أميركا مع شركائها أم ستنحاز لطهران، وستندفع إلى اتفاق معها بأي ثمن؟"[2].
فقد انعقدت القمة الثلاثية على أبواب اتفاق نووي مع إيران بات من المحتمل توقيعه في فيينا في أي يوم، إذ ينتاب إسرائيل والدول الخليجية شعور مختلط من الغضب والخوف في مواجهة المفاوضات التي يعتبرانها "ضعيفة للغاية" مع طهران، وخصوصاً في ظل عزم الولايات المتحدة الأميركية "على توقيع هذا الاتفاق بأي ثمن"، واحتمال قيامها بشطب الحرس الثوري الإيراني من قائمة "التنظيمات الإرهابية"، وذلك بعد أن رفضت "إزالة المتمردين الحوثيين اليمنيين من القائمة نفسها"، على الرغم من استهدافهم السعودية والإمارات العربية المتحدة مراراً وتكراراً في الأشهر الأخيرة بالصواريخ والمسيرات. وفي هذا السياق، تحدثت صحيفة "وول ستريت جورنال" الأميركية عن "أزمة كبرى في العلاقات الأميركية العربية"، ورأت أنه "في مواجهة إحجام واشنطن عن احترام التزاماتها الدفاعية، يريد شركاء الشرق الأوسط تنويع خيارات سياستهم الخارجية"[3].
وبينما أعاد نفتالي بينت التذكير، في تصريحات نشرتها صحيفة "يديعوت أحرونوت" الإسرائيلية يوم الثلاثاء، بموقفه القاضي بأن إسرائيل "ليست طرفاً في الصفقة" بشأن الملف النووي الإيراني، وبأن الاتفاق "ليس ملزماً بالنسبة لنا، والأميركيون يفهمون ذلك وقد استوعبوه"، قالت وسائل إعلام عبرية، في اليوم نفسه، إن رئيس الحكومة الإسرائيلية ناقش مع الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي وولي عهد أبو ظبي محمد بن زايد، خلال القمة الثلاثية في شرم الشيخ، ما أسمته "التعاون الإقليمي ضد إيران." وذكر موقع "واينيت" أنّ بينت والسيسي وابن زايد "ناقشوا خلال القمة الثلاثية التعاون بين الدول في عدة مواضيع، بما في ذلك المواضيع الأمنية وإمكانية دفاع جوي مقابل تهديدات المسيّرات، والصواريخ وتهديدات أخرى". وأضاف الموقع نفسه أن بينت "عرض رؤيته لدفاع جوي إقليمي على جميع المستويات، بما في ذلك منظومة ليزر تطوّرها المؤسسة العسكرية الإسرائيلية". ومن جهته، أشار موقع "والاه"، إلى أن "موضوع الاتفاق النووي بين إيران والقوى العظمى نوقش أيضاً في هذا الاجتماع"[4].
حضور سعودي خفي وترحيب أميركي
توقع تقرير أوردته هيئة البث الإسرائيلي ("كان 11") أن يكون ولي عهد السعودية، محمد بن سلمان، "حضر معنوياً في شرم الشيخ" خلال القمة الثلاثية الاستثنائية، على الرغم من تواجده فعلياً في الرياض. ونقلت القناة عن مصادر سعودية قولها "نحن على تنسيق دائم مع حلفائنا في المنطقة"، في إشارة إلى مصر والإمارات. ولفتت القناة إلى أن اللقاء الثلاثي عقد "في ظل الغضب المتصاعد لدى السعودية وغيرها من الدول الخليجية بشأن نهج إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن". في المقابل، قالت وزارة الخارجية الأميركية إنها ترحب بالقمة الثلاثية التي عُقدت في شرم الشيخ لإجراء محادثات تطرقت لـ "النفوذ المتزايد لإيران في المنطقة". وقال المتحدث باسم وزارة الخارجية الأميركية، نيد برايس، للصحافيين، "إن المبعوث الأميركي الخاص لإيران، روبرت مالي، يجري مشاورات وثيقة مع الشركاء الخليجيين". ويبدو أن نفتالي بينت حاول، خلال اللقاء، تبديد التوتر الحاصل مؤخراً بين الولايات المتحدة والإمارات، إثر رفض الأخيرة وكذلك السعودية زيادة إنتاج النفط على خلفية العقوبات الغربية التي فرضت على روسيا، وزيارة الرئيس السوري بشار الأسد إلى الإمارات، الأسبوع الماضي، وسط استياء أميركي حسبما ذكرت صحيفة "هآرتس"[5].
تعزيز مكانة إسرائيل وتهميش القضية الفلسطينية
في مقال نشره في صحيفة "هآرتس"، في 23 آذار/مارس الجاري، رأى المراسل السياسي الإسرائيلي "يوناتان ليس" أن قمة شرم الشيخ "هي تعبير إضافي ملموس عـن التغيير الجـذري الـذي حدث في جدول الأعمال الإقليمي، وفي مكانة إسرائيل، منذ توقيع "اتفاقيات أبراهام""، مقدّراً أن مكانة إسرائيل، التي تتعزز في الشرق الأوسط، لم تعد مرتبطة بهوية القائد الذي يترأسها، ذلك إن رئيس الحكومة نفتالي بينت، الذي "يفتقر إلى الخبرة السياسية، دخل إلى عباءة مَن سبقه، واستُقبل بحفاوة في مكاتب قيادات المنطقة والعالم، والتي ترى في إسرائيل حليفة استراتيجية وبوابة مهمة للإدارة الأميركية والنظام الروسي"، وموضحاً أن بينت "تبنّى نهجاً سياسياً، مفاده أن إسرائيل تركض في الملعب كله، وتتعاون مع كل دولة تريد ذلك"، خصوصاً في ظل سعي الإدارة الأميركية إلى أن "تسحب يديها من معالجة مشكلات المنطقة لمصلحة المنافسة مع روسيا والصين"، وهو ما يدفع "دول المنطقة التي لديها مصالح مشتركة إلى التعاون، على الرغم من أزمات الماضي التاريخية والنزاعات". وبعد أن أشار المراسل السياسي إلى أن التخطيط للقمة في شرم الشيخ جرى منذ وقت طويل، وأن "علاقات من الثقة والقرب" تطوّرت بين الزعماء الثلاثة، معتبراً أن توقيت اللقاء بينهم "لا يقلّ أهمية عن عقده: عشية توقيع الاتفاق النووي المجدَّد مع إيران، تعبّر الدول التي تعارض التوقيع عن تحفُّظها عنه"، خَلُص إلى أن تعزيز مكانة إسرائيل وتوطيد علاقاتها مع الدول العربية "يؤشر إلى تغيير إضافي؛ فالقضية الفلسطينية، التي كانت أساس النزاع الدائم، هُمِّشت بالتدريج؛ قيادات دول المنطقة لم تعد ترتدع عن التعاون؛ الموضوع الفلسطيني طُرح أمس خلال القمة، إلاّ إن بينت تمسّك بسردية حكومته: الدفع قدماً بمشاريع اقتصادية تحسّن ظروف السكان في مناطق السلطة، إلى جانب تفادي مبادرات سياسية"[6].
ويبدو أن الزعيمين العربيين قد سلما بهذه السردية، ذلك إن القضايا التي تشغلهما "أهم" بكثير من القضية الفلسطينية!!
[1] https://www.lefigaro.fr/flash-actu/reunion-en-egypte-entre-sissi-bennett-et-mohammed-ben-zayed-20220322;
https://digitalprojects.palestine-studies.org/sites/default/files/22-3-2022_1.pdf
[2] https://arabic.cnn.com/middle-east/article/2022/03/23/emirati-academic-sharm-el-sheikh-summit-america
[3] https://www.franceculture.fr/emissions/la-revue-de-presse-internationale/la-revue-de-presse-internationale-du-mercredi-23-mars-2022Réunion en Égypte entre Sissi, Bennett et Mohammed ben Zayed
[4] https://alittihad44.com/عربي-وعالمي/القمة-الثلاثية-في-شرم-الشيخ-كان-يفترض-أن-تكون-سريّة-وناقشت-التآمر-ضد-إيران
[5] https://www.arab48.com/إسرائيليات/صحافة-إسرائيلية/2022/03/22/تقرير-إسرائيلي-حضور-سعودي-خفي-في-قمة-شرم-الشيخ
[6] https://digitalprojects.palestine-studies.org/sites/default/files/23-3-2022_0.pdf