نسرين حسن... تحررت من جدران السجن فواجهتها جدران حصار غزة!
Date:
20 octobre 2021
Auteur: 
Thématique: 

كثيراً ما كان المحامي حسن عبادي يحدثني عن معاناة الأسيرات في سجن الدامون، بعد كل زيارة لهن في السجن، وتوثيق انطباعاته على صفحات صحيفة "المدينة" الصادرة في حيفا. وبعد كل لقاء له مع الأسيرات، كان الحِمل يزيد، حِمل معاناتهن في الزنازين، وحرمانهن من أبسط الحقوق الإنسانية، مثلما حدث مع الأسيرة خالدة جرار التي حرمها الاحتلال توديع ابنتها سهى الوداع الأخير، أو حرمانهن من حقهن في العلاج، أو من زيارة عائلاتهن لهن، كما حدث مع الأسيرة نسرين حسن التي أمضت ستة أعوام داخل جدران السجن من دون أن تلتقي أحداً من عائلتها التي تعيش في غزة المحاصرة.

نسرين حيفاوية كانت تسكن في حي الحليصة، وكما ذكر أحد أقاربها الذي انتظر خروجها إلى الحرية، ارتبطت نسرين بشاب من غزة كان يعمل لدى العائلة فتزوجا وانتقلا للسكن في غزة، وأنجبا أربع بنات وثلاثة أبناء، لكن الاحتلال اعتقلها ولم يمهلها حتى تفطم رضيعها أحمد ابن الثمانية أشهر.

انتظرنا، ناشطات وناشطون من "حراك حيفا" و"حراك طالعات"، منذ الساعة التاسعة صباحاً بالقرب من سجن الدامون الواقع على إحدى قمم جبل الكرمل. في العادة يتم الإفراج عن الأسيرات والأسرى، المنتهية أحكامهم، في ساعات الصباح. انتظرنا لساعات خروج نسرين إلى الحرية، لكن شرطة الاحتلال أبت إلّا أن تحاول استفزاز مُستقبليها بالنيابة عن ضمائرهم وعن عائلتها المحرومة من الخروج من غزة. حاولت الشرطة إبعادنا عن الموقع القريب من السجن، ووضعت مُستقبلي الأسيرة نسرين بين خيارين، إما رفض طلب الشرطة الذي قد تعقبه اعتقالات، وأيضاً احتمال تأخير تحرير نسرين كعقاب للمستقبِلين، أو حتى نقلها من داخل السجن من دون إعلام أحد، والإفراج عنها في موقع بعيد عن السجن، كما حدث مع الشيخ رائد صلاح في الماضي، والذي بدلاً من تحريره من باب سجن عسقلان، نقله جنود الاحتلال إلى إحدى محطات انتظار الباصات، وهناك قاموا بتحريره، كما لم نستثنِ إمكان قيام سلطات السجن بنقل نسرين إلى حاجز "إيريز" على حدود غزة في منطقة بيت حانون شمال القطاع، لتبقى هناك، لا هي داخل غزة، ولا هي داخل حيفا، بل خارج كل مكان.

على الرغم من انتظارنا ست ساعات في أعالي جبال الكرمل، وعلى الرغم من استفزاز الشرطة، وعلى الرغم من تعليمات سلطات السجن الاستفزازية، إلا إن لحظة خروج الأسيرة نسرين من بوابة سجن الدامون كانت من أجمل اللحظات بالنسبة إليّ شخصياً وإلى جميع المستقبِلين والمستقبِلات من الناشطين في "حراك حيفا" و"حراك طالعات"، وحتى الصحافيين، إذ بدا التأثر والمشاعر الجياشة على وجوه المستقبِلين وعلى وجه نسرين التي لم تتوقع حضور النشطاء وانتظارهم ساعات طويلة إلى أن تم الإفراج عنها. في تلك اللحظة نسينا ساعات الانتظار وكان استقبال الأسيرة المحررة.

يحدث فقط في فلسطين، إذ فور معانقة الأسير الحرية، وقبل أن يسأل عن أقاربه وأهله، يقوم باستصراخ ضمائر العالم لرفع المعاناة عن الأسيرات والأسرى الذين تركهم منذ لحظات خلف القضبان، وهذا ما قامت به أيضاً الأسيرة نسرين، فقبل أي تصريح أو مقابلة، وجهت نسرين نداء لمساندة الأسيرات، كما نقلت رسالة الأسيرات الاثنتين والثلاثين إلى شعبنا، وأعلنت أن ثلاث أسيرات شرعنَ في إضرابهن عن الطعام كمرحلة أولى، وهن الأسيرات: منى قعدان، وشاتيلا أبو عيادة، وأمل طقاطقة. وأكدت حسن أن "الأسيرات يتمتعن بإرادة صلبة وقوية على الرغم من الظروف القاسية التي يتعرضن لها في السجن والتضييقات الكثيرة.

وعلى الرغم من نيلها الحرية، إلّا إن نسرين كانت تتألم لألم الأسيرات والأسرى الذين بقوا في زنازينهم. وفي لحظة تحول الألم إلى ألم أشد حين منعها الاحتلال من الاحتفال مع عائلتها واحتضان أبنائها، الذين لم يكتفِ الاحتلال بسرقة طفولتهم، بل يريد أن يمنعهم من استعادة فرح الفرج. لكن الفرح والسعادة بلغا الذروة حين فاجأها أحد أقاربها الحيفاويين بأن أتاح لها مقابلة عائلتها عبر شاشة الهاتف، وتبادُل التحيات والتبريكات، لتعلو الزغاريد والهتاف وتنهمر الدموع في صخب المساحة ما بين الفرح والتأثر والألم. كانت هذه اللحظة من أكثر اللحظات المؤثرة في حياتي، كان هذا شعوري وشعور كل مَن حضر لاستقبال نسرين المحررة.

كانت نسرين سعيدة باستقبال "حراك حيفا" و"حراك طالعات" لها، كما أسعدتها أيضاً محادثة الفيديو مع الأسيرة المحررة نجوان عودة التي باركت لها بالحرية.

الفرحة بتحرير كل أسير فلسطيني تبقى منقوصة ما دام هنالك أسرى في زنازين الاحتلال، وما دام هنالك استعمار وتنكيل وظلم، لكن فرحة الأسيرة نسرين، بالإضافة إلى كل ذلك، تبقى منقوصة أكثر، إن لم تكن فرحتها بالتحرير كلها غصة ما دام لم يتم لمّ شملها مع أبنائها وزوجها في غزة.

نسرين تصر على العودة إلى عائلتها، ومعركتها مع الاحتلال مستمرة، إلى أن تحتضن عائلتها وعائلتها تحتضنها.

عادة يقوم المستعمرون بالهتاف لفلسطينيي الداخل، ويصرخون في وجوههم: "اذهب إلى غزة"، لكن عندما يطلب الفلسطيني الذهاب إلى غزة، يرفضون ذلك. هذا هو الاستعمار، يتلذذ بالتنكيل بأصحاب الأرض الأصليين. وستبقى غزة في قلب كل فلسطيني أينما كان، إنها غزة العزة.

تعريف موجز بالمحرَّرة نسرين:

تبلغ الأسيرة نسرين 46 عاماً، تم اعتقالها عند حاجز بيت حانون شمال قطاع غزة، في إثر مقابلة مندوب من وزارة الداخلية الإسرائيلية، بعد أن تلقت اتصالاً هاتفياً من استخبارات الاحتلال الإسرائيلية للحضور واستلام تصريح لزوجها يتيح له الدخول إلى مناطق 48، في 17 تشرين الأول/ أكتوبر 2015 (كانت قدمت التصريح لزوجها كونها من سكان حيفا) وهي تحمل "الهوية الإسرائيلية" ومتزوجة في غزة، وخصوصاً أن ذويها من سكان الأراضي المحتلة سنة 1948.

وفور وصول الأسيرة إلى النقطة الإسرائيلية، تفاجأت بإدخالها إلى غرفة التحقيق، والصراخ في وجهها واتهامها بأنها تنتمي إلى حركة المجاهدين، وأنه تم تجنيدها من أجل جمع معلومات عن أهداف في الداخل. أنكرت نسرين تلك التهم وتعرضت لتحقيق قاسٍ لمدة 31 يوماً في عسقلان على أيدي ضباط استخبارات إسرائيليين، وقد أذتها ضربة بأعقاب البندقية في إحدى المرات، لأنها كانت مباشرة على الصدر في منطقة القلب، ولا تزال تعاني من ضعف في عضلة القلب. بعد التحقيق تم نقلها إلى سجن الشارون، فبقيت هناك نحو شهر ونصف، ثم نُقلت إلى سجن الدامون.

أُطلِق سراحها بتاريخ 17/10/2021.

 

* عادت الأسيرة نسرين إلى بيتها وعانقت عائلتها في غزة اليوم الأربعاء 20/10/2021.